قلنا وما زلنا نقول لا للعنف
بقلم حنين أمارة
تاريخ النشر: 15/04/24 | 18:50يحّزُّ في القلب الفراق وتحزن العين لما تراه من مناظر تقشعر لها الأبدان وتتهيّج لها الأجفان لتعلق في صميم اللبّ البشري تاركة بصمات لا تمحوها الأيام ولا السنوات، فالكون من حولنا أصبح مريبا غريبا تغزوه لحظات لم نتخيلها أبدا من قبل فما عاد العيدُ عيدا وما عاد المجتمع مجتمعا…بل تناقضت الأمور وانقلبت رأسا على عقب لنصبح تائهين لا نعلم إلى أين الوجهة أبدا ،نلوم أنفسنا أحيانا بأننا لا نواكب التطورات والتحولات من حولنا فالتغيير سريع جدا كلمح البصر فما نلبث أن نلتقي بشخص حتى نراه بشخصية أخرى بين ليلة وضحاها فلا شيء ثابت أبدا حتّى حالة الطقس من حولنا ما عادت طبيعيّة النباتات ، الأشجار …كلّ شيء تغير وتبدّل ، أصبحنا نعيش في دوامة لا نفهمها حتى أصبحنا كالغرباء في عالم بنيناه معا لبِنةً لبِنةً ،ولكن للأسف تفاجأنا بأنّ التغيير أقوى منا بكثير.
بكلمات وحروف مسطرة من نور انسابت لتوثق ميثاقا غليظا يشحذ الهمم لبناء مستقبل واعد يحفّه الأمل وتزينه حروف التفاؤل لتنشر الودّ والتسامح فتصيب الهدف المنشود ألا وهو شجب العنف الذي نراه يتمادى بدون حدود ، فالعنف هو الغاز السام القاتل إذا انتشر قتل كل من استنشقه دون عفو أو رحمة ،إنّه آفة البشرية منذ الأزل ، وهي غريزة تلقائية إذا لم يملك صاحبها الضابط الديني والمانع التربوي الذي يمنعه من اقتراف مثل تلك الأعمال الهمجية لن يأبه بشيء ، وما قتل قابيل لهابيل إلا خير دليل ، وما أتت به الأديان والقيم والتشريعات القانونية إلا للحدّ ومنع مثل هذا العنف والتعدّي وبالتالي حماية الفرد والمجتمع وتوظيفهم ايجابيا في البناء والتعمير في مجالات الحياة المختلفة من عمل ، علم، كتابة ، قراءة، رياضة وعلاقات اجتماعية وغيرها من الأمور الأخرى …وليس الهدم والتجهيل والعنف والتدمير.
يتساءل البعض أين يولد العنف ومن أين يبدأ ؟ في الماضي كنا نبحث في الكتب ونستقصي الحقيقة في المصادر لنحدد الأسباب ونتعرف على ماهية المشكلة بالتفصيل لنجد حلّا مناسبا لذلك المسبب ولكن في عصرنا هذا تعددت الأسباب حتى أصبحت لا تعدّ ولا تحصى فإمكانية تحديدها بات أمرا صعبا للغاية جميع الأمور متشابكة ومختلطة ابتداء من التداعيات الشخصية الى الأسباب الخارجة عن إرادة الأفراد من ضغوطات ومآسي اجتماعية واقتصادية جمة .
يولد الفرد صفحة بيضاء يخطّ فيها سطور حياته سطرا تلو الآخر في كلّ لحظة يمرّ بها لتكوّن بنهاية المطاف فردا ذو شخصيّة مميزة إما بتسامحها وتآلفها مع نفسها والآخرين وإما أن تكون شخصية شرسة عنيفة تصبّ شرها في هذا الكوكب الصغير ، ومن هنا ينطلق الخير وينطلق الشر ليتصارعان في شتى مجالات الحياة فتارة نرى الخير قد غلب وتارة أخرى نرى الشرّ قد تربّع على عرش الفائز المستبد وما يؤرقنا ويحزننا هو الحال الذي وصلنا اليه من نكران الجميل والتعدي على الآخرين ،قيم تغنينا بها ،درسناها وتدارسناها ولكننا تناسينها في الوقت الذي كنا بأمسّ الحاجة لإظهارها والتعامل بها لنكون مثالا يحتذى به لأبنائنا والجيل القادم ، إنّ تداعيات الوضع الراهن من ضغوطات اجتماعية ، سياسيّة واقتصادية لا يمكن أن تكون شماعة لعلاقاتنا ومعاملاتنا الانسانيّة غير السويّة مع بعضنا فقد حبانا الله بنعمة العقل والتفكير المستنير لنميز الحقّ من الباطل و لنكون أسوياء للحق ناصحون وللشرّ نابذون ..
فالعنف بشتّى أشكاله يلطّخ جبين الإنسانية ويعبّر عن عقليّة رجعية لا تدرك الا الصراخ والاعتداء سواء كان نفسيا أو جسديّا بل هو سلوك يقوم على القوة والشدة والإكراه تتفاوت فيه درجات الاضطهاد والقهر والعدوانية والقتل هو أدناها بالرغم من عظم الكلمة ووقعها المريب على السامع ولكن كم من مقتول أو مقتولة النفس تعيش دون روح داخل أسرة معنّفة أو مجتمع قاهر وكم من كائن مهزوز الكيان فاقد للثقة يعيش بحالة نفسية متأزمة جسد بلا روح فقط من أجل أن تنقضي الأيام وتسير المركب التي تحمل في داخلها الجميع ، تضحيات تتلوها تضحيات لتصبح كنمط معتاد وظاهرة اعتيادية لا غرابة فيها وهنا نرى الأمور تسير بالمقلوب وقد قُبلت اجتماعيا للأسف والأمر يرنو للازدياد والقبول ….
لذا علينا كأفراد صالحين نرجو رضا رب العالمين أن لا ندع لليأس مدخلا يهزنا ، بل نزرع القيم الحميدة والتسامح في أبنائنا كما أوصانا ديننا الحنيف ونمضي نحو التميّز والارتقاء بمجتمع طيّب منتج ملفت بطيب خلقه وابداع أفراده حيث يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
(ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٍ ) ويقول: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). ويقول: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).. إلى غيرها وغيرها من آيات الذكر الحكيم التي تحث على التسامح والتآلف فيما بين البشر .
وبما أننا نصبو إلى الارتقاء والشموخ بحضارة وتربية مميزة لنبني معا مجتمعًا نفخر به كأفراد طموحين, فيغدو الفرد يحيا بكرامة وسلام ، يحترم حقوق الإنسان ويعزها في مجتمع يعمه الأمن والأمان فلنتآلف ونتصالح لنكون كالجسد الواحد كما أمرنا رسولنا الكريم لنقود المركب ليرسو في بر الأمان .