متنفَّس عبرَ القضبان (118)
حسن عبادي| حيفا
تاريخ النشر: 16/04/24 | 12:28بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الإعلامية الصديقة هناء فياض: “يا الله ما أجمل علاقة الفلسطيني بأرضه، رهيبة هاي النصوص اللي بتعرفنا بشعبنا، وبأهلنا، وبهاي التفاصيل الحلوة والصعبة. خالتي أم ثائر دائما تسأل عن ابنها، والحمد لله قدرت تطمن عليه من خلالك، كثر الله أمثالك وعجل بالفرج للبلاد وأهلها”.
وعقّبت سمية الشيخ: “أبي الغالي يا أحن إنسان في الدنيا ربنا يفك أسرك ويجمعنا فيك عن قريب يا رب العالمين وجزيل الشكر والتقدير لك أستاذ حسن ربنا يجزيك الخير يا رب”.
وعقّبت همس الغروب: “فائق التحايا لمن يجعل من زيارة الأحرار مقطوعة أدبية راقية وأيقونة تحرير خالدة… طوبى لمن كانت تجارته مع الله فاشترى جنة عرضها السماوات والأرض. طوبى لمن اختار أن يكون حرّاً وإن ظن السجان أنه سجين… الامتنان كله لك. والدعاء الدعاء تصدح به الأصوات بالفرج العاجل يا رب العالمين”.
وعقّبت الصديقة ابتسام عمرو أم حمزة: “هذه الزيارات التطوعية التي تبث الروح وتبعث الأمل للأسير وأهله… لا يقوم بها إلا النبلاء… دمت أستاذ ودام الوطن”.
وعقّب الصديق إبراهيم الخطيب أبو وسيم من الشتات: “تبقى عيون أسرانا وأسيراتنا التي تنظر خارج أسوار باستيلات الاحتلال وقلب الاهل الذي يتشظى للاطمئنان على أبنائه وبناته…شرف زائد لك أنك متطوع…تؤدي واجبا اخترته عن تصميم ورغبة. واجب…أو حمل وضعته على كتفيك، كجزء من واجب هذا الشعب على ابن بار من أبنائه… ولم تكتف بحصتك…بل تعدّدت مجالات اختياراتك لمهامك الانسانية كالتعريف بالأدباء والأديبات واشهار انتاج كل منهم… نوع من فرحة تزفها لكل منهم قائلا…لستم وحدكم إخوتي… ونحن لن نقصر في أي واجب نحوكم…لك الصحة اخي وبالتوفيق دائما”…
عُدت لزيارة سجن ريمون الصحراوي، رغم مشقّة السفر وعنائه، للاطلاع على وضع أحرارنا ومستجدّات ما يجري في سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر.
ملاحظة لا بدّ منها؛ إدارة سجن ريمون تسمح بلقاء أسيرين فقط كلّ مشوار، ورغم ذلك، في الزيارات الأخيرة (كل زيارات ما بعد السابع من أكتوبر) تُعلن حالة طوارئ مباشرة بعد انتهاء اللقاء الأوّل، وترافقها صفّارات إنذار، وتحرمني من لقاء الأسير الثاني، فأعذرني عزيزي سائد، وقبله هيثم وغيره.
ملح الأرض
غادرت حيفا الساعة الخامسة صباح الخميس 14 آذار 2024 ووجهتي سجن ريمون الصحراوي، وصلت غرفة المحاميين فأطلّ عبر الممر الطويل الأسير محمد قاسم محمد الشيخ (مواليد 27.04.1961 من قرية مراح رباح/ بيت لحم، ومعتقل منذ 08.11.2023)، وبعد أن مرحبنا وعرّفته على نفسي وأنّي حضرت تطوّعاً بناءً على طلب ابنته عائشة، انفرجت أساريره.
لأول مرّه “يحظى” بزيارة، سألته إذ تعرّض للضرب في طريقه للقائي فأجابني بعفويّة “أبداً لا”.
ابتسم حين قرأت على مسامعه رسالة ابنته عائشة، وطمأنته على العائلة (8 بنات، 4 أبناء و35 حفيداً) وعلى المزرعة؛ الغنمات ولدن وجابن توائم خرفان، زوجته تعمل اللبن والرايب والجبنة، وزرعوا 10 زيتونات ودوالي، ومشتاقون له.
حدّثني عن أوضاع المعتقل، وزملاء الزنزانة؛ إياد أبو صالح، أمجد طقاطقة، عوني طقاطقة، مصعب الجعبري، عمار الجعبري، كبّورة (طولكرم)، محمد أبو ماريا، ثائر خلف (الأردن)، أبو محمد (غزة).
سجين الغرفة طيلة ساعات اليوم، بدون فورة، يعاني من الضغط والسكّري والحساسية ويعطيه السجان حبّة دواء في اليوم (هاي بتنفع لكلّ شي، حسب صراخ السجّان)، الأكل ما تبدّل برمضان (خبز ناشف، رز وعدس، علبة حمص صغيرة، علبة لبن صغيرة)، بدون شوربات، وبدون حبّة تمر، وكل القسم أصيب بالإمساك بسبب الأكل الجاف. وبدون فواكه وخضرة، وبدون لحمة (فقط مرة بالأسبوع نقانق/ صدر حبش بارد، مرتديلا). كلّ الأسرى نزلوا بالوزن مش أقلّ من 20 كيلو.
في الزنزانة 6 أبراش وأربعة أسرى ينامون على الأرض. تفتيشات ليل نهار، يسحبون الفرشات والحرامات ويضطر الأسرى أن يناموا على الحديد والأرض، خلطونا ع شان نتمشكل ويخلفونا مع بعض وما زبطت معهم.
حدّثني عن درب الآلام حين الاعتقال، مكان الشغل نصّ الليل، إلى عصيون 3 أيام إلى عوفر 27 يوماً، كلها ضرب بالإيدين والإجرين والعصي، مسبات وشتائم وتهمته أنّه حرّض في درس الجمعة بالمسجد! ولم يصله الحكم حتى اليوم.
ممنوعين من الطقوس الرمضانية، ممنوع التكبير والتسحير والأذان، وهناك من خاف وعُزِل، “بنشتهي سُفرة رمضان واللمّة الرمضانية، وعزومة رمضان للحبايب والنسايب وذبيحة لكلّ العيلة”.
أوصلته رسائل أهالي أسرى في ريمون، وأملى عليّ رسالة للعائلة، ووصّاهم بذبيحة للعائلة برمضان وكأنّه موجود (ويديروا بالهم على أختي نجاح وخالتي مليحة)، ومشتاق للعِزبة بالخلا وبدّو يعرف اسم حفيدته الصغرى (ريما ابنة عبد الله، ولدت وهو في الأسر).
ودّعني بابتسامة، سلّم على الكل وصابرين حتى يأتي الفرج.
في طريق العودة إلى حيفا جاءتني مقولة السيد المسيح لتلاميذه في خطبة التطويبات: “أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟ لا يصلح لشيء إلا لأن يُطرح خارجاً ويُداس من الناس”.
لك عزيزي محمد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة على أمل لقاء قريب في العزبة بمراح رباح.
حيفا آذار 2024