دراسة نقديَّة لكتب: ديوان ” قطر الندى ” ، و” ذكرياتي معه “
بقلم: الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل
تاريخ النشر: 22/04/24 | 21:35(( دراسة نقديَّة لكتب : ديوان ” قطر الندى ” ، و” ذكرياتي معه ” ، و ” الجنين ” للكاتبةِ والشَّاعرة ِ والأديبةِ المُتخَصِّصَة في مجال أدب الأطفال المرحومة ” سعاد دانيال – بولس ( أم زاهر)
( حاتم جوعيه ) ( الشاعرة والأديبة المرحومة سعاد دانيال – بولس مع حاتم جوعيه )
( رغم مكانتها الثقافيَّة والأدبيَّة وإصداراتها الإبداعيَّة العديدة لم يكتب عنها أيُّ ناقد وكاتب محلي في حياتها أو بعد وفاتها ) .
مُقدِّمة :- الكاتبةُ والأديبةُ والشَّاعرةُ المرحومةُ ” سعاد دانيال – بولس ” – الناصرة من الكتاب والأدباء الكبار والمخضرمين ، كتبت في شتى الألوان الأدبية، بشكلٍ مُكثَّفٍ وأبدعت فيها جميعًا . تُعتبَرُ وَتُعَدُّ الكاتبة الأولى محليًّا والرَّائدةَ دون منازع في مجال ِ قصص وأدبِ الأطفال ( لديَّ وَلدَى الكثيرين من الكتاب والمثقفين بالرغم من كونها لم تنل الشهرة َالكافية عربيًّا وعالميًّا ولم تنلْ أيَّة جائزةٍ من المؤسَّسات السلطويَّة وغيرها ) . في قصصِهَا وأشعارها ومقالاتِها الأدبيَّةِ والنقديَّةِ تعالجُ جميعَ القضايا والأمورَ الهامَّة التي نحياها : السِّياسيَّة والإجتماعيَّة ، الإقتصاديَّة، النفسيَّة، والغزليَّة … إلخ .
لقد كانت غزيرة الإنتاج بالرغم من حالتها الصحيَّة التي كانت في تراجع مستمرٍّ يوما بعد يوم ، وتركت لنا كمًّا كبيرا من الإنتاج الأدبي..الكثير منه لم يطبع ويُنشر
حتى الآن . وكما أنها أسَّسَت رابطة ً لأدبِ الأطفال ِ” رابطة زهوة للأطفال “- قبلَ وفاتها بفترةٍ قصيرةٍ ، تحملُ اسمَ ” زهوه ” إبنة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ( أبو عمَّار)، وكنتُ أنا بدوري ( حاتم جوعيه ) المستشارَ والناطق الرسمي باسم ِ الرابطة . ولكن وللأسف لم يُمهلها المرض لتكملَ مشوارَها الأدبي والثقافي ورسالتها الإنسانيَّة والوطنيَّة فتوفيت وهي في قمَّةِ عطائِها ونشاطِهَا الثقافي والأدبي .
ومن أهمِّ إصداراتِهَا : ” حسام الذكي ” وهو قصَّة للأطفال . و “قطر الندى ” – ديوان شعر . ومذكراتها بعنوان : ” ذكرياتي معه ” . و ” الجنين ” – قصَّة للأطفال .
مدخل : – سأتناولُ في هذه الدراسةِ كتبها التالية :
1 ) ديوان ” قطر الندى ” . 2) ” كتاب ذكرياتي معهُ ”
3 ) قصَّة ” الجنين ” للأطفال .
وسأبدأ بكتابِ المذكّرات ” ذكرياتي معه ” الذي طبعَ سنه ( 1991 ) – يقعُ في ( 70 ) صفحة من الحجم المتوسّط ، وتهديهِ إلى روح ِ والدها الأستاذ المُدَرِّس ومربِّي الأجيال ” إلياس توفيق دانيال . وكتبَ مقدِّمة الكتاب كلٌّ من : المرحوم الشاعر ” ميشيل حداد ” والدكتور الشَّاعر “جمال قعوار ” . أمَّا السببُ الذي دفعَ الكاتبة والشَّاعرة المرحومة ” سعاد ” إلى تأليفهِ هو شدَّةُ تقديرها لخطواتِ والدِها الرائدةِ في التحرُّر الأجتماعي التقدُّمي الرائد . فقد كانَ نموذجًا للفكر المُتحضِّر اللامع ، وخاصَّة في صددِ اهتمامهِ بمكانةِ المرأة وحقوقها ، بينما كانَ معظمُ الأهالي في مجتمعنا يفرضونَ على الفتاةِ لبسَ الحجاب وحضر التجوُّل … إلا في المنزل ، وَتُمنعُ من إكمال دراستها وتحصيلها العلمي ومن تقريرِ مصيرها وصنع ِ مستقبلِهَا وخوض معتركِ الحياةِ باستقلاليَّةٍ وحرِّيَّةٍ . فوالدها ( إلياس دانيال ) استطاعَ أن يُقدَّمَ الكثيرَ من الإصلاحات الإجتماعيَّة في مجتمعهِ ومحيطهِ ، من خلالِ حكم مهنتِهِ كمدرِّس وَمُرَبِّي أجيال . لقد كانت الدراسةُ للمرحلةِ الثانويَّةِ آنذاك نادرة جدًّا للفتياتِ وفي إطار مدرسةٍ للفتيات فقط بينما كانت المدارسُ المُختلطةُ ممنوعة . فجاءَ الأستاذ ” إلياس دانيال ” بمحاولاتهِ الرائدةِ المتحدِّيةِ وأثبتَ نجاعة الإهتمام بالفتاةِ واطلاق صراحها من قودِ حكم العائلةِ وحكم المجتمع (( المحبسين)). وفي هذا الكتاب ” ذكرياتي معه ” تستعرضُ وتكشفُ وتُسلّط ُ كاتبتُنا الضوءَعلى حياة والدها الخصبةِ والغنيَّة بالنشاطِ والعملِ الثقافي والإجتماعي لخدمة وإفادةِ أبناءِ شعبهِ ، وكما أنها تعرضُ شريط َ حياتِها منذ طفولتها ونشأتها وثمَّ ترعرعها بين أهلها وذويها وأكناف والدِهَا وفترة دراستِها وتحصيلها العلمي ودور أبيها الكبير في توجيهها وإرشادها .. ومراحل حياتها بعد الدراسة والتخرُّج وخطبتها وزواجها وحياتها بعد الزواج وإنجاب الأطفال وأقامة وتكوين أسرة وخوضها معتركَ الحياة ومجال العمل ، وزواج أولادها فيما بعد ورؤية أحفادها … إلى أن ألمَّ بها المرضُ وتوقفت عن العمل وتفرَّغت للعملِ الأدبي والفكري فقط رغم حالتها الصحيَّة المتدهورة .
إن أسلوبَ الأديبةِ المرحومة ” سعاد دانيال بولص ” في الكتابةِ النثريّة وكتابة مذكراتها خاصَّة شائِقٌ للغايةِ وجميلٌ وبريىء … لا يوجدُ تكلفٌ وإرهاقٌ واستعصاءٌ عندها ، فكتاباتها تتحلى وتتميَّزُ بعنصر التشويق والإثارةِ … بالإضافة إلى العفويَّةِ والبراءةِ والصدق والأمانة في سرد وإعطاء المعلومات والحقائق ” ألأمانة التاريخيَّة ” ، ثمَّ نجدُ اللغة العربيَّة الجميلة الصافية النقيَّة والسليمة من الأخطاء النحويَّةِ والركاكةِ . فلغتها فصيحةٌ سهلةٌ وعذبةٌ يسهلُ فهمُهَا ، فهي تكتبُ لجميع الناس وللمجتمع ِ قاطبة وليسَ لفئةٍ معيَّنة .. لأنها ابنةُ هذا الشَّعبِ وكتاباتها لشعبها ولمجتمعِهَا . وتشوبُ كتاباتها على مختلف أنواعِهَا وألوانِها الرومانسيَّةُ والشفافيَّةُ .
وهذا الكتابُ ” ذكرياتي معهُ ” قيِّمٌ ونفيسٌ بقيمتهِ الأدبيَّةِ والفنيَّةِ والتاريخيَّة ، ففيهِ توثيقٌ وتأريخٌ لمراحلِ حياةِ الشَّاعرةِ والأديبةِ الكبيرةِ المرحومة ( سعاد بولص – دانيال ” أم زاهر ” ) التي تُعتبرُ رائدةً من روَّادِ الأدبِ والشِّعر المحلي والكاتبة الأولى في مجال ِ قصصِ أدبِ الأطفال دون منازع – على الصَّعيد المحلي .
ولننتقل إلى كتابها الثاني – ديوانها الشِّعري ” قطر الندى ” – فهذا الديوان يقعُ في ( 196 صفحة ) من الحجم المتوسط ، طُبعَ عام 1996 ، وتهدي شاعرتنا الديوان إلى جميع ِأبناء شعبها الأحبَّاء . ومعظمُ القصائد نظمتها بالفصحى ، والبعض بالعاميَّةِ . وجاءت على نمط شعر التفعيلة والبعضُ يَتَّخِذ الشكل العمودي ، وقصائدُ الديوان غيرُ خاضعةٍ لبحور الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ولكن يوجدُ فيها موسيقى داخليَّة أخَّاذة . وبعضُ الجمل عندها جاءت موزونةً بشكلٍ عفويٍّ . والجديرُ بالذكر أنَّ شاعرتنا درستْ الأوزانَ الشِّعريَّة ( العروض)وعندها معرفةٌ تامَّة وتبَحُّرٌ فيها ، ولكنها لم تَتقيَّدْ وتُقيِّدْ نفسَهَا وعبقريَّتها وطاقتها الأدبيَّة والفنيَّةَ بها ، ففضَّلتْ كتابة الشِّعر الحُرّ أو التفعيلة دونَ التقيُّد الكامل والإلتزام الكلي بأوزان الخليل ( العروض الكلاسيكيَّة التقليديَّة المعروفة ) …فشاعرتنا لها تفعيلاتها الخاصَّة وموسيقاها الداخليَّة الأخَّاذة التي تكفيها وَتُغنيها عن بحور الخليل، وتعطي قصائدَها وخرائدَها الحسان موسيقى وجمالا وإيقاعًا وطربًا يُؤثِّرُ في النفس والقلب والأذن كبحور الخليل وأكثر . وأما الشعراء المحليين اليوم فمعظمهم لا يعرفون الأوزان الشعريَّة ( العروض ) ولا قواعد اللغة العربية والصرف والنحو وحتى كتابة الإملاء ويريدون أن يكونوا شعراءً وأدباء بالقوة..والنقاد المحليون (النويقدون) ، وخاصة المأجورون والأذناب والعملاء منهم
والذين غيرمتمكّنين من اللغة العربية ويتبوَّءُون الوظائف السلطويَّة العالية في الأطر والمجالات الثقافيَّة والتربويَّة وغيرها، ويعملون بشتى الوسائل على تدمير الثقافة والأدب والإبداع العربي المحلي ( داخل الخط الأخضر) وبتخطيط وبإيعاز من أسيادهم الذين وظفوهم يحاولون أن يجعلوا من هؤلاء الشويعرين الذين لا يعرفون كتابة الإملاء شعراء وأدباء.. ويتجاهلون في نفس الوقت الشعراءَ والأدباء المحليين الكبار والمبدعيين والوطنيين والمناضلين منهم كشاعرتنا وأديبتنا الكبيرة والرائدة المرحومة سعاد بولس – دانيال .
وقصائدُ هذا الديوان تتمحورُ وتدورُ في جميع المواضيع ِ : الثقافيَّة ، الإجتماعيَّة ، الوصفيَّة ، الغزليَّة ، الوجدانيَّة ، السياسيَّة والوطنيَّة .
نجدُ في قصائد سعاد دانيال العمق والمعاني الجليلة الرائعة ، ونجدُ أيضًا بعضَ المعاني السَّطحيَّة أحيانا والأفكار المألوفة . وهنالك بعضُ القصائد جاءتت على شكل ِ شعارات رنَّانة وأهازيج تصلحُ للمظاهرات والمسيرات الشَّعبيَّة ، مثل قصائد : ” زجليَّات ” – صفحة ( 45 ) – حيث تقول :
ِمنَ الآربيجي للبصلْ – الطفل منَّا صار بَطلْ
أمين وساهر ومحمدْ – بوحدتهمْ هَدُّوا جبَلْ
لا معنا سلاح ولا نارْ – ضدّ الظلم والإستعمارْ
واللي ماتوُا حنَّا كثارْ – والباقي يكمِّل مشوارْ … إلخ .
ولكن في قصائِدها حتى البسيطة والعاميَّة التي كُتِبَتْ لشعبها ولأطفالِ شعبها نجدُ العمقَ والنظرة الفلسفيَّة والقوميَّة وطريقة التوعية والتثقيف الإيجابي للأطفال، وزرع روح المسؤوليَّة وكلّ المعاني الإنسانيَّة النبيلة والقيم الأخلاقيَّة والمبادىء السَّامية الشَّريفة والشعور بالإنتماء القومي العربي فيهم ، فتقول في قصيدة ” إحنا الأطفال ” – صفحة ( 59 ) :
( ” أنا الطفل العربي – بَحِب كلّ الأطفال “)
مسلم ومسيحي ودرزي – ويهودي وكلّ الأديانْ ) .
..وتقول: أنا الطفل الأردني – وأخوي ابن الصومالْ
آكل وأشرَبْ وأتعَلَّمْ – وهو المسكين جوعانْ
أنا الطفل الفلسطيني – مع اتفاق السَّلامْ
علم ودولة إعطيني – تنوَقّفْ كلّ الكلام “)…إلخ .
هي أوَّلا تدعو أطفالَ شعبها الفلسطيني بجميع طوائفهِ إلى محبَّةِ بعضهم ونبذ الطائفيَّة ، ثمَّ تركزُ الأضواءَ على القضيَّة الفلسطينيَّة ومأساة أطفال فلسطين ، وتؤكدُ أنهم مع السلام وأنهم بحاجةٍ إلى وطن وعلم ودولة واستقرار دائم فتتوقف كلُّ الآلام وتنتهي كلُّ المشاكل والحروب .
ونجدُ عند “سعاد ” دائمًا ، في كتاباتها ، وخاصَّة المُوجَّهة للطفل النظرة القوميَّة ثمَّ الأمميَّة ومحبَّة الشُّعوب والتركيز على قضيَّةِ ومبدإ السلام والمحبَّة والتعاون المشترك بين جميع ِ الشُّعوب والأمم . ففي كتاباتها البسيطة للأطفال تطرحُ هذه القضايا العضيمة والهامة ، ولكن بلغةٍ وكلماتٍ مُبَسَّطة يفهمها ويدركُ فحواها وأبعادها حتى الطفل الصغير ويتأثَّرُ منها … ويتذوَّقها الكبيرُ أيضًا .
ولننتقل إلى قصيدةٍ أخرى من الديوان وهي بعنوان ” أنَّات وصرخات ” – صفحة ( 54 ) – مهداة ٌ إلى روح ِ شقيقتِها “نجاة” التي توفيت عن عمرٍ يناهزُ أل (52 ) سنة – تقولُ فيها :
( ” جيوشٌ من الأفكارِ // جامحةٌ // تهاجمني // تناديني //
تسيطرُ على مشاعري // حواسّي // تسكبُ حقدَها // تؤذيني //
باللهِ عليكِ إلى الماضي المرير // لا تعيدينِي // . إلى الحقيقةِ المُرَّةِ // وعذابِها //
والسَّعدُ يعاديني // فلا تشدِّيني //
أتخبَّط ُ أهربُ منكِ // أغوصُ في الأعماق //
أعلوُ في سماءٍ // فالخيالُ يناديني // ” ) … إلخ .
هذه القصيدةُ على مستوى فنيٍّ راق، وهنالكَ بعضُ المقاطع فيها موزونةٌ ( على مجزوء الوافر )، والبعضُ متعدد التفاعيل . ويظهرُ في هذه القصيدة حزنُ شاعرتِنا الشديد على شقيقتِها، لكنها تعالجُ المصابَ الأليم َ بحكمةٍ وَرَويَّةٍ وبرؤيا فلسفيَّة . فعندما تداهمُهَا جيوشُ الأفكار المؤرِّقة لحواسِها وهواجسِها وأطيافُ الأحزان تسيطرُ على مشاعرها وتؤذيها نفسيًّا وروحيًّا تطلبُ وتتوسَّلُ أن تبتعدَ كلُّ المآسي عنها وتتحرَّر من أطيافِ الحزن وأعباءِالماضي والحقيقة المرَّة…فكأنَّ السعدَ والسرورَ يعاديانها فتطلبُ من روح ِ شقيقتها ألّا تعيدها إلى الماضي والحزن والألم . وفي نهايةِ القصيدةِ نشاهدُ نظرة اليأس من الحياة وأعبائِها وأحزانِها ، فتطلبُ شاعرتنا من ربِّها أن يفكَّ أسرَها ويُحرِّرَهَا من قيودِها ويضمَّها إليهِ ويحميها من كلِّ هذهِ الآلام، وتطلبُ أن يجعلهَا كشمعة تنيرُ دروبَ الحزانى والمساكين .
ولها قصيدةٌ أخرى حزينة في الديوان صفحة ( 38 ) بعنوان : ” الثكلى ” كتبتها إلى روح ابنِها ” زاهي” ( وُلدَ سنة 1960 وتوفيَ سنة 1963 – عاشَ ثلاث سنوات – ) ، تقولُ فيها :
( ” آهِ ما أقساكَ يا ولدي
لمْ أبخلْ عليكَ مرَّةً
لا في الغذاءِ ولا في الدواءْ // فلماذا تتركني ؟ !!
وتقولُ : ( ” أشعلتَ في قلبي الحريقْ
في قلبي جراحُ الشوك // وفي قلبي طعمُ العلقمِ والعلّيقْ //
لتذكّرني بك // لترثيني //
حيَّة ً دونَ رحيقْ //
وتقولُ : ( ” تسبحُ روحُكَ الطاهرةُ // بعيدة ً عنَّا
بُعدَ الدهورِ عن اليوم // أراكَ في السَّحابْ //
في وجهِ القمر // أراك تحومُ فوقَ الصنوبرِ والنخيل
ترفرفُ كالعصفورِ على غصنِ الشَّجرْ //
كيفَ الوصولُ إليكَ // ليتني أراكَ في الحلم ” ) .
والقصيدةُ في قمةِ الحزنِ واللوعةِ ، تظهرُ فيها عاطقةُ أمٍّ مَكلوُمَةٍ ثكلى ،فهي مؤثرةٌ في القلوبِ .. بالإضافةِ إلى مستواها الفني والبعد المعنوي والخيال الواسع المُجَنَّح والصور الشعريَّة الجميلة … وجميعُها جاءت بشكل ٍعفويٍّ تلقائيٍّ … فالقصيدة ُ كُتِبَتْ أو بالأحرى أنبثقت من خلال ِ عواطف حارَّةٍ ومشاعر مشبوبةٍ ملتهبة وروح ثكلى فقدَتْ أعزَّ ما لديها…صنوَ حياتها وطفلها وبكرها الأول الذي كان أنيسَها وفلذة كبدها ولا يوجدُ إعجازٌ وبيانٌ وقصيدٌ أبلغُ وأفصحُ وأروعُ من قلبِ الأم ومشاعر الأم ولوعةِ الأم وحزنها ونواحِها ونديبها على ابنها ووحيدها.. فامتزجَ في هذهِ القصيدةِ عنصران هامَّان هما :
1 ) عنصرُ وجانب الأمومة الثكلى المضطرمة السَّاكبة والمُطلقة زفراتها ونديبها وَنُواحِها بصدقٍ وبدموع ملتهبة .
2 ) المقدرةُ اللغويَّة والحِسُّ الفني الشاعري المُرهَف والطاقة الشعريَّة المُترعة في ألوانِها الفنيَّةِ المتعدِّدةِ – من : أفكار ومعانٍ عميقة قيِّمة وصورٍ شعريَّةٍ مُلوَّنةٍ ومقدرة بلاغيَّة وبيانيَّة وبُعدٍ ثقافي وفلسفي وحكمي . فالقصيدةُ جاءت قمَّة ً في الرَّوعة ِ والمستوى الفني وفي بُعدِها العاطفي والنفسي وقوَّةِ تأثيرها في نفوس ِ القرَّاءِ والمستمعين .
ولنستعرض قصيدةً أخرى من الديوان، وهي بعنوان: “عتاب ” – موجهةٌ إلى الشَّاعر الكبير المرحوم ” نزار قبَّاني ” … فتقولُ فيها :
( ” يا مُحِبَّ النهودِ العاليهْ // تذكّر دومًا // في كلِّ قصيده
في كلِّ طريقْ // لا تنسى نهدًا أبيضَ // غضًّا عاليا
حتى في حلمة إبريقْ // ” ) .
هي تخاطبُ شاعرَ المرأةِ بنبرةٍ تهكُّميَّةٍ وكيفَ أنَّ همَّهُ وهاجسَهُ كانَ المرأة وجسد المرأة ونهودها . وتقولُ أيضًا :
( ” يا حائكَ الأبجديَّة // صانعَ ضفائر العذارى الحسناواتْ //
تصهرُ ثورةً // وتخمدُهَا // بليِنِ الكلماتْ
وتقولُ : ( ” لماذا ؟؟ ترى المرأة َ دُمْيَة ً تارهْ //
وبساطا سندسيًّا تارةً //
زنبقة ً بيضاءَ ثملة // على ضفة نهرْ //
تحلمُ وتميلُ مع النسَماتْ
لماذا // ُتحرِّضُها بأن تثورَ // ثمَّ تغوصُ في ثناياها
تُدَوِّرُ النهدَ بكفَّيكَ // وَيثوُرُ العوسجُ والعُلَّيقْ
وتقولُ أيضًا : ( ” أليسَ لها عندكَ // مكانة أخرى
في باخرتِكَ المُعَلَّقة // في بحرِ الحياهْ
تُقلِّبُ كلَّ الزوايا // أيُّ شكلٍ وأيُّ لونٍ
من أينَ نبدأ – بأكلها – ألا يهمُّ ! . ” ).
تعاتبُ شاعرتنا نزار قباني في هذه القصيدةِ وتلومُهُ كيفَ أنَّهُ رُغمَ تصريحاتِهِ ( في جميع المناسبات واللقاءات الصحفيَّة ) باحترام المرأة ومطالبتها بالتحرُّرِ من قيود المجتمع ونير الأجحاف والظلم الذي تعاني منهُ في هذا الشَّرق الذي ما زالَ ينظرُ إلى المرأةِ كضلع ٍ قاصر وللأسف، نجدُهُ (نزار) في نفس الوقت يُهينها ويحتقرُها ويُدَنِّسُها حيثُ ينظرُ إليها فقط من منطلقِ جسدٍ وإزار ٍ ومتاع ٍ للذة والمُتعةِ ولإطفاءِ الشَّهوات…وليست في مفاهيمهِ وآيديلوجيَّتِهِ كما يبدو إنسانةً لها احترامها وتقديرها وكيانها…إلخ . والقصيدةُ بشكل عام على مستوى عال ٍ فنِّيًّا وفكريًّا وقريبة ً إلى طابع ِ السَّردِ والنفس ِ والحِسِّ الخطابي المنبري والتقريري، ولكن تشوبُها وتزيِّنُها الصورُ الجميلةُ والعباراتُ الرومانسيَّةُ الشَّاعريَّةُ والبلاغيَّةُ الحلوةُ .
ولننتقل إلى قصيدةٍ أخرى بعنوان : ” وَرُفِعَ العلمُ ” صفحة ( 69 ) – كُتبت بمناسبةِ توقيع ِ اتفاقيَّة ” أوسلو ” بتاريخ ( 13 / 9 / 1993 ) – والقصيدةُ وطنيَّةٌ وجميلةٌ وبريئةٌ تُظهرُ فيها شاعرتنا فرَحَها وسعادتها بمناسبةِ رفع العلم الفلسطيني في غزَّة وأريحا وقيام كيان فلسطيني مستقلّ وهو حجر الأساس والنواة لتوطيدِ وتأسيس وقيام الدولة الفلسطينيَّة العتيدة .
تقولُ في القصيدة : ( ” علمي يُرفرفُ ويسمُو // فوقَ هاماتِ القَدَرْ //
في غزَّة وأريحا … في الضِّفَّةِ كالقمَرْ // ” ) .
ولها قصيدة ٌ جميلة ٌ وهي في رثاءِ الفنَّان التشكيلي الفلسطيني الشَّهيد ” ناجي العلي ” – وتقولُ فيها :
( ” ناجي العلي ”
// أنطقَ الصُّوَرْ // . الطفل الفلسطيني // أنطقَ الحَجَرْ //
وانحَنَتْ لقدسِهِ // زعامةُ الدُّوَلْ //
نَفوُهُ // حمَلَ حقائبَهُ وَرَحَلْ // … رَحَلْ // ” ) … إلخ .
تتحدَّثُ هنا عن عظمةِ وعبقريَّةِ الفنان ” ناجي العلي ” وكيفَ جعلَ الصورَ تنطقُ وتعبِّرُ وتتحدَّثُ عن الشَّعبِ الفلسطيني ومأساتهِ وعن الوضعى العربي بشكل عام . فاستطاعَ برسوماتِهِ وبريشتِهِ السِّحريَّةِ أيصالَ القضيَّة الفلسطسنيَّة – مأساة وقضيَّة شعبهِ – إلى جميع ِ بقاع الأرض ولجميع الأوساط الفنيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة عالميًّا . وكما فعلَ الطفلُ الفلسطيني أيضًا الذي استطاعَ أن ينطق الحجرَ ويصنعَ المعجزات ، وبالحجر ِ استطاع مقاومة َ طواغيتِ الاحتلال وجلاوزة الفاشست الظالمين ، واستطاعَ أن يهزَّ العالمَ ويكسبَ عطفَ جميع الدول ، وانحَنتْ لنضالهِ الأسطوريِّ جميعُ زعاماتِ الدولِ . وفي هذهِ القصيدةِ نبرةُ الأمل والتفاؤل ِ … وتعلنُ وتؤكِّدُ الشَّاعرةُ أنَّ الحقَّ لا بُدَّ سيرجعُ وسيأخذ الشعبُ الفلسطيني حقوقهُ كاملة وسيعودُ اللاجىءُ والمُشَرَّدُ والنازحُ إلى وطنهِ وأرضِهِ وينعمُ في ديارهِ وتقرُّ عيونهُ في حِمى وطنِهِ وبلادِهِ … وأنَّ عودتَهُ ستكونُ قريبة ً . وأخيرًا – إنَّ هذا الديوان ” قطر الندى ” على مستوى لا بأسَ من جميع النواحي ، وبالرُّغم من كون بعض القصائد جاءت بسيطة وبالعاميَّةِ أحيانا ولا يوجدُ فيها تكلُّفٌ لغوي ولفظي وتقيُّدٌ في المستعصيات البيانيَّة وتوغُّلٌ في الرموز والإبهام ، إلّا أنّها تحملُ رسالة إنسانيَّةً ووطنيَّةً قوميَّة وفكريَّة … وفيها كلُّ مُقوِّماتِ الشِّعرِ الإبداعي ، من ناحية ِ : صور جميلة مبتكرة ومستوحاة من مدرسة الحياةِ والواقع ، وخيالٍ خصبٍ ثريّ وعواطف مشبوبة جيَّاشة ، وعذوبة وبراءة مُرهفة في الكلمات والألفاظ . فهذا الديوان هو تحفةٌ فنيَّة أدبيَّة فلسطينيَّة وخريدة ساحرةٌ في فردوس الشعر الفلسطيني المحلي ( داخل الخط الأخضر ) .
ولننتقل إلى قصة ” الجنين” للأطفال .
إنَّ هذه القصَّة على صغرها من ناحية ِ عددِ الصفحات فهي رائعةٌ وتثقيفيَّةٌ ومسليَّةٌ للأطفال وللكبار أيضًا . وللولوج إلى عالم الطفل وكتابة أدبٍ وعمل فنيٍّ لهُ ليسَ بالأمر الهيٍّن والسهل، لأنَّ الكتابة للأطفالِ لها مواصفاتٌ وشروط ٌ خاصَّة وبحاجةٍ إلى خيالٍ وفانتازيا أدبيَّة. وكاتبتنا ” سعاد بولس – دانيال” تُعتبرُالكاتبة الأولى والرائدة في هذا المجال على الصعيدِ المحلي ( في نظر الكثيرين ) ، فقد درَستْ موضوعَ أدبِ الأطفال وعلم النفس الاجتماعي، وتعرفُ كيفَ تتعاملُ مع الطفل … وماذا تكتبُ وتقدِّم لهُ من مواد وأشياء ضروريَّة لتكونَ كما الحليب بالضبط لغذائه ونُمُوِّهِ … ولكن ليسَ جسديًّا فقط .. بل فكريّاً وعقليًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا وتوجيهًا وسُلوكًا بيبن أهلهِ وأسرتهِ ثمَّ بينَ مجتمعهِ ومحيطهِ الأوسع فيما بعد. فكاتبتنا سعاد دانيال عرفت كيفَ تدخلُ وتتوغَّل إلى عالم الطفل البريء والجميل. فلديها خيالٌ وفانتازيا أدبيَّة، ولديها أيضًا بناءٌ هورموني لصياغةِ الكلمات وعندها يكتملُ الإبداعُ كليًّا، فقصصُ الأطفال التي تكتبها والموجَّهة إلى الطفل ِ مباشرةً تكونُ استفزازيَّة نوعا ما، وتحريضيَّة، وهي وتربويَّة وتثقيفيَّة، فاستطاعت الدخول إلى قلب الطفل وأن ترى في عينيهِ وتحلق في خيالهِ وتوجِّهَهُ وتقودهُ نحوَ النور والمسلكِ الصحيح ليكونَ الشَّاب الواعي والحكيم والقائدَ الواعدَ مستقبلا . وأسلوبُ “سعاد دانيال” الكتابي في هذه القصَّة ” الجنين ” تُتوِّجُهُ باللجوءِ إلى نقطةِ البدءِ في مثلثِ اهتمامها (الجنس) كبارًا كنا أو صغارًا ، وجاءت قصَّتُها (الجنين) التي نحنُ في صددها قفزةً نوعيَّةً أخرى ، وإضافة إبداعيَّة مميَّزة إلى نتاجِها الأدبي لتترعَ وتثري مكتبة َ الطفلِ الفلسطيني التي تفتقرُ كثيرًا إلى هذا النوع من الأدبِ الرائع والقيِّم .
وفي قصَّة ( الجنين ) يقومُ ويدورُ عنصرُ الحوار بينَ الطفل “سامي ” وأمِّهِ الحامل التي على وشكِ الولادة ، وكانَ يسألُ أمَّهُ دائمًا عن الجنين ( الطفل لذي في بطنها) ومتى سيخرجُ إلى النور ويكبر ويلعب معه؟
ففي هذه القصَّة تحاولُ الإجابة َعلى أسئلةِ معظم الأطفال الذين يزدادُ فضولهُم في توجيهِ الأسئلة لأمَّهاتِهِم عندما يكنَّ حواملَ عن الجنين والولادة. فتعطي دروسًا تثقيفيَّة ً بيولوجيَّة ثمَّ تظهرُ شغف الطفل وانتظاره لأخيهِ الذي سَيُولدُ قريبًا ورُؤيته… ثمَّ فيما بعد مشاركتهُ في لعبهِ لأنهُ بحاجةٍ إلى زميل وتربٍ يشاركهُ ألعابَهُ وفرحَهُ وحياتهُ الطفوليَّة البريئة. ولكن بعد ولادةِ الأخ (الطفل المولود حديثا) وفي مراحل نشأته وترعرعهِ يكون اهتمامُ الأهلِ به مكثَّفا (للطفل القادم حديثا) ويخفُّ ويضمحلُّ اهتمامُهم واعتناؤهم لولدهِم (شقيقه الأكبر سنًّا)… وهذا ممَّا يؤدي إلى زيادة غيرتهِ من أخيهِ، ويشعرُهُ بالإهمال وبالإجحاف، وبظلم ِ الأهل لهُ… وهذا الشُّعورُ ينتابُ معظم الأطفال. فكاتبتنا ( سعاد ) استطاعت الدخولَ إلى عالم الطفل ولِفكرهِ وخيالهِ وقلبهِ وصوَّرتْ بالضبط ورسَمت بالكلماتِ ما يُحِسُّ وما يفكِّرُ وما يريدُ منِ أمور وأشياءٍ في هذهِ الحياة. فجسَّدتْ عوالمهُ ومحيطهُ بكتاباتها ، لأنها درسَت نفسيَّتهُ وفهمتها بشكل ٍ واسع وعميق ، كما أنها بحدِّ ذاتها إنسانةٌ شفافةٌ مُرْهَفةُ الحِسِّ فنانةٌ بريئةٌ تحملُ براءة َ الأطفال وتحبُّ مساعدة جميع ِ الناس وتهتمُّ لمصالحِهم ونجاحِهم وسعادتهم . فبراءتها من براءةِ الأطفال، وشفافيَّتها ورومانسيَّتها من رومانسيَّتِهِم وعالمِهِم الملائكيِّ الشَّفاف والإنساني المثالي. وكما أنها في كتاباتِها تعطي للطفل الثقافة َ والعلمَ والتفكير والتأمُّلَ وتعلمهُ العديدَ من الأمور الحياتيَّة الهامَّة التي كانَ يجهلها… وذلك بأسلوبٍ قصصيٍّ سهلٍ جميل وجذ َّاب يتفهَّمُهُ الطفلُ بسهولةٍ من خلال ِ منهاج وسرد القصَّة، ولكن “سعاد” تحافظ ُ في قصصِهَا على المستوى الفني والفكري وعلى اللغة والجمال البلاغي، فقصصُهَا تصلحُ للكبار وللصغارِ، ولا يوجدُ عندها أيُّ نوع ٍ من ركاكة اللغة ِ والألفاظ، بل لغتها سليمة وفصحى مئة بالمئة وجميلة وساحرة ودافئة (السهل الممتنع) ولها قيمة أدبيَّة وتربويَّةٌ وأبعادٌ فكريَّةٌ وثقافيَّةٌ وفلسفيَّةٌ وحكميَّةٌ.. فنجحت في معالجةِ هموم الطفل ومشاكلهِ وقضاياه وفي الدخول ِ إلى عوالمهِ وتسليتهِ وتعليمهِ وتربيتهِ والأخذ بهِ نحوَ النور والضياءِ والطريق الصَّحيح والسليم في الحياة ومضمارها على جميع الأصعدةِ: الإنسانيَّة، التربويَّة، والأخلاقيَّة والعلميَّة… كما أنَّ الكبيرَ يستفيدُ ويتعلَّمُ من قصصِها ويقرؤُها بشغفٍ وحبٍّ. فأسلوبُ “سعاد دانيال” مُمَيَّزٌ ومنفردٌ ورائدٌ ورائعٌ في هذا المجال، ولا يوجدُ كاتبٌ محلّي يُضاهيها في هذا اللون الأدبي “قصص الأطفال” فهي بحقٍّ وحقيقة الكاتبةُ الأولى في أدب الأطفال (قصة وشعر ومقالات وخواطر.. إلخ ..) على الصعيد المحلي – داخل الحط الأخضر ولكن لأسبابٍ عديدة لم تأخذ حقَّهَا من الشُّهرةِ والإنتشار، كما يجب، محليًّا، مثلا: لأنها إنسانةٌ مبدئيَّةٌ وملتزمةٌ وطنيًّا وقوميًّا وانتماءً وعروبةً وتعتزُّ بهذا الإنتماء. كما أنها صادقةٌ ومبدعة في كتاباتِها التي على مختلف ِ أنواعها تذكي الشُّعورَ الوطني والقومي في نفوس الجماهير العربيَّة في الداخل والخارجِ، وتعمِّق فيهم الوعيَ الثقافي والإنساني والأممي الشامل، وربَّما لأسباب ٍ شخصيَّة أيضًا من قبل ِ بعض الأطر الإعلاميَّة . وكما أنَّ هنالك جهاتٌ إعلاميَّةٌ عديدةٌ تعملُ محليًّا بوسائل مختلفة في التشويش والعرقلة والتعتيم على كلِّ عملٍ أدبيٍّ وثقافيٍّ فلسطينيٍّ رائد وتقدّمي إبداعي ذي طابع ٍ قوميٍّ يحملُ رسالة مُثلى لخدمةِ الشَّعب الفلسطيني عامَّة والأمَّة َ العربيَّة وجميع القضابا الإنسانيَّة شاملة ، والتعتيم على أصحابهِ ورُوَّادهِ .. وأنا، شخصيًّا ، وهنالكَ العديدُ من الزملاء الكتاب والشعراء المبدئيِّين المبدعين والوطنيين القوميِّين المخلصين واجَهُوا الكثيرَ من التعتيم المُبَرمَج والمقصود والتشويش على أدبهِم للحدِّ من انتشاره. وأنا دائمًا أعتبرُ الأديبة َ والصديقة والأمَّ المرحومة (سعاد بولس – دانيال ” أم زاهر “) ليست فقط الكاتبة الأولى محليًّا في مجالِ أدب الأطفال، بل كتاباتها في هذا المضمار تضاهي ما كُتِبَ على صعيدِ العالم العربي (في الدول العربيَّة) ، وعلى الصَّعيد العالمي أيضًا.. فتستحقُّ كتاباتها (الشِّعريَّة والنثريَّة والقصصيَّة) أن تترجمَ للغاتٍ عالميَّة. وأنا، بدوري، لقد قرأتُ الكثيرَ من الأدب العربي والعالمي – والمترجم، وخاصَّةً أدب الأطفال، ووجدتُ أنَّ بعضَ الكتابِ العالميِّين في أدب ِ وقصصِ الأطفال لا يتفوَّقونَ أو يتميَّزونَ عن كاتبتنا (سعاد دانيال) من ناحيةِ المستوى الفني والأدبي والبعدِ الثقافي والتربوي، بل هي تتفوَّق على بعضهم مستوًى وإبداعًا ورسالة إنسانيَّة أمميَّة مثلى وسامية. ولكن لأسبابٍ عديدةٍ (كالمذكورة أعلاه) حالت دونَ انتشارها وشهرتِها عربيًّا وعالميًّا. وربَّما تسنحُ الفرصُ والظروف مستقبلا وتصل كتاباتها وقصصُهَا إلى جهاتٍ عربيَّة ٍ متفهِّمة للأدبِ والفنِّ على مستوى مسؤول فتهتمُّ بإنتاجها الكتابي وترجمتهِ ونشرهِ وليصلَ إلى معظم المؤسساتِ الأدبيَّة والثقافية ووسائل الأعلام العالميَّة فيأخذ حقهُ منَ الشُّهرةِ والإنتشار العربي والعالمي .
( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )