غزّة: “من أمن العقوبة أساء الأدب”
بقلم البروفيسور إبراهيم أبو جابر
تاريخ النشر: 29/04/24 | 7:00تتمرّد المؤسّسة الإسرائيليّة، ولا تزال، منذ أكثر من سبعين عاماً على القوانين والأعراف الدّوليّة، لا بل والمؤسّسات العالميّة الرسميّة والأهليّة، غير آبهةٍ بعقوباتٍ، ولا تحذيرات عديد الدّول والمنظّمات والهيئات الفاعلة دولياًّ.
بدأت حالة التنمّر هذه للسّلطات الإسرائيليّة، بُعيد قرار التّقسيم عام 47، ووقوف دول الاستكبار العالميّ إلى جانبها في المحافل والمؤسّسات الدّوليّة، لا بل في حروبها في الإقليم، والصّراع المتواصل مع الفلسطينيين والعرب. ولعلّ أبرز الدّاعمين للسياسة الإسرائيليّة الفاشيّة في المنطقة هي الولايات المتّحدة الأمريكيّة، الّتي استخدمت حقّ النّقض “الڨيتو” 41 مرّةً منذ العام 48 لصالح الطّرف الإسرائيليّ، ممّا مكّن الإسرائيليين من التّمادي في ممارساتهم القمعيّة ضدّ شعبنا الفلسطيني.
وكشف العدوان الجاري على قطاع غزّة والضّفّة الغربيّة منذ أكتوبر/2023 الماضي، حجم تمادي المؤسّسة الإسرائيليّة وتعدّيها الصّارخ على كلّ الشّرائع والقوانين، سواءً على مستوى سياسة التّطهير العرقي، والإبادة والقتل الجّماعي للمدنيين من أطفالٍ ونساءٍ، وتدمير المنازل والمؤسّسات العامّة من مستشفياتٍ ومدارس وجامعاتٍ، ومساجد وكنائس والمرافق الخدماتيّة الأخرى، وتجريفٍ للمحاصيل الزّراعيّة، وانتهاكٍ لحقوق الإنسان، من تجويعٍ وترويعٍ وإهانةٍ للكرامة الإنسانيّة.
قوبلت الممارسات البشعة هذه للمؤسّسة الإسرائيليّة والجيش الإسرائيلي، بدعمٍ كاملٍ، علنيٍ من دول الاستكبار العالميّ، وسكتت عنها دولٌ أخرى مستخدمةً الأساليب الدبلوماسيّة في تبريرها، لا بل أقدمت الولايات المتّحدة بكلّ وقاحةٍ، جهاراً نهاراً في مجلس الأمن على تعطيل بل إسقاط كلّ المشاريع المطالبة بوقف الحرب، باستخدامها حقّ النّقض “الڨيتو” الظّالم، ممّا جعل المؤسّسة الإسرائيليّة تفلت من العقاب، وتواصل عدوانها الإجرامي على قطاع غزّة إلى اليوم والغد.
إنّ الظّلم الواقع على شعبنا الفلسطيني ناتجٌ عن سياسة ازدواجيّة المعايير أولاً المتّبعة من قبل الدّول العظمى، وأهمّها الولايات المتّحدة الّتي تنظر إلى الطّرف الإسرائيلي حالةً خاصّةً فوق القانون، يحقّ للإسرائيليين ما لا يحقّ لغيرهم، ممّا شجّعهم على التغوّل في قمعهم وقتلهم للفلسطينيين، لأنّهم ضمنوا عدم تعرّضهم للعقاب والحساب والمساءلة، بخاصةٍ ما دامت أمريكا سيّدة العالم والمقرّر الأقوى في السياسة الدوليّة، ثم تقاطع مصالح المؤسّسة الإسرائيليّة والعالم الغربي والأنظمة العربيّة الرجعيّة، الّتي تسير في فلك الغرب. هذا الثالوث جاء رافعةً للمؤسّسة الإسرائيليّة، ودافعاً قوياً للتّمادي فيما تقوم به من جرائم ومجازر، وانتهاكٍ لحقوق الإنسان في قطاع غزّة والأراضي الفلسطينيّة كاملةً.
وعليه، فقد أمنت المؤسّسة الإسرائيليّة العقاب والمحاسبة والمساءلة، سواءً على مستوى المؤسّسات الدوليّة وعلى رأسها الأمم المتّحدة ومؤسّساتها كمحكمة العدل الدوليّة، ممّا يستدعي تغيير لوائحها وأنظمتها الدّاخلية، والمجتمع الدّولي، لا بل أمنت جانب الأنظمة العربيّة المتواطئة أصلاً والمطبّعة لعلاقاتها معها، ممّا شجّعها على مواصلة سياساتها الانتقامية والظّالمة في حقّ شعبنا الفلسطيني، تطبيقاً للمثل القائل “من أمن العقوبة أساء الأدب”.