الاحتفال بعيد الشغل في ظل التحول التكنولوجي
عبده حقي
تاريخ النشر: 30/04/24 | 14:39بينما يستعد العالم للاحتفال بعيد الشغل يوم الأربعاء 1 مايو 2024، تخيم ظلال من اللايقين على هذه الاحتفالات في جميع دول العالم المتقدمة منها والناشئة . ويثير شبح التشغيل الآلي، الذي يزكيه التقدم التكنولوجي، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، المخاوف بشأن إزاحة بعض الوظائف والمهن وإقبارها إلى الأبد ، وخاصة في بعض دول الاقتصادات الناشئة. وبالتالي في عيد العمال هذا، يجب علينا أن نعترف بهذه المخاوف بينما نحتفل في الوقت نفسه بالروح الدائمة للقوى العاملة واقتراح الحلول للانتقال في هذا المشهد التكنولوجي المتطور.
يعد التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على سوق العمل موضوعًا مغريا لنقاش حاد وساخن بين الأطراف المسؤولة عن سوق الشغل من حكومات وهيئات نقابية وأرباب العمل . وبينما يتصور البعض مستقبلا متشائما وسوداويا للبطالة الجماعية، يعتقد البعض الآخر أن التكنولوجيا باستطاعتها أن تخلق فرصا جديدة. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها الاقتصادات الناشئة باتت أمرا بالغ الأهمية للنظر في إشكاليتها في أسرع وقت.
غالباً ما تتباهى الدول النامية العربية والإفريقية بقوة وفتوة يدها العاملة الشابة ، وهو عنصر شكل في الماضي ولا يزال قيمة تنافسية عالية . ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعرقل هذا العنصر الهام في مضلع الإنتاج، من خلال أتمتة المهام التي تؤديها تقليديا اليد العاملة البشرية الشابة في قطاعات مثل التصنيع الميكانيكي والحرف التقليدية والمنسوجات. وقد يؤدي هذا النزوح إلى تفاقم عدم المساواة القائمة وإعاقة النمو الاقتصادي لهذه البلدان.
كما تؤدي الفجوة الرقمية بدورها إلى تعقيد الصورة أكثر. إن الولوج المحدود إلى التكنولوجيا وبرامج التدريب في الاقتصادات الناشئة قد يجعل العمال غير مستعدين للانتقال إلى سوق عمل أكثر تكاملاً مع الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية.
وللانتقال في هذا المشهد المعقد، يعد اتباع منهج استباقي أمرًا ضروريًا. ويتعين على الحكومات والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص أن يتعاونوا في المبادرات والبرامج التي تزود العمال بالمهارات اللازمة لتحقيق النجاح في العصر الرقمي وذلك من خلال تبني برامج إعادة التدريب والارتقاء بالمهارات حيث ينبغي للحكومات ورؤساء الصناعات العمل معًا لتطوير برامج إعادة التكوين والتدريب الشامل . ويجب أن تحدد هذه البرامج القطاعات الضعيفة وتزود العمال بالمهارات اللازمة للانتقال إلى وظائف جديدة أو التكيف مع المتطلبات المتغيرة في مجالاتهم الحالية.
كما يجب التركيز على الاهتمام أكثر بتعليم العلوم التكنولوجية والهندسة والرياضيات إذ يعد الاستثمار في تعليم هذه العلوم على جميع المستويات أمرًا بالغ الأهمية وبالتالي سيؤدي ذلك إلى إنشاء قوة عاملة مستقبلية مجهزة للتعامل مع التقدم التكنولوجي وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي بنفسها.
من جانب آخر سيضمن تعزيز برامج محو الأمية الرقمية فهم العاملين في جميع القطاعات لكيفية الاستفادة من التكنولوجيا بشكل فعال لدعم إنتاجيتهم وقابليتهم للتوظيف.
إن الوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي تتطلب ثقافة التعلم وإعادة التكوين مدى الحياة. سيكون تشجيع وتسهيل التطوير المستمر للمهارات أمرًا ضروريًا للعمال ليظلوا قادرين على المنافسة.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تمثل تحديات جمة في سوق الشغل ، إلا أنها يمكن أن تكون أيضًا أداة قوية للتأهيل والتكوين حيث يمكن للذكاء الاصطناعي والأتمتة تحرير العاملين من البشر للتركيز على المهام التي تتطلب قدرات بشرية مثل الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات.
وينبغي أن يكون التركيز على تسخير قوة التكنولوجيا لخلق فرص عمل جديدة، وليس مجرد القضاء عليها. ويتطلب هذا الاستثمار في البحث والتطوير، وخاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي لتحقيق المصالح العامة الاجتماعية والتكنولوجية التي تلبي احتياجات محددة في الاقتصادات الناشئة.
ومما لاشك فيه أن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي سيشكلان القوتان الدافعتان وراء ثورة الأتمتة في الدول النامية، حيث تمكن الآلات من أداء المهام التي كانت في السابق حكراً على العمال. من السيارات ذاتية القيادة إلى وكلاء خدمة الزبائن ، تستمر قدرات الذكاء الاصطناعي في التوسع، مما يعيد تشكيل الصناعات ويعيد تعريف طبيعة العمل. وإذا كانت هذه التكنولوجيات توفر فرصا غير مسبوقة للإبداع والنمو، فإنها تفرض أيضا تحديات أخلاقية واجتماعية واقتصادية لا يمكن تجاهلها.
وفي نهاية المطاف، يجب أن يظل الهدف ليس مقاومة التقدم التكنولوجي، بل تسخير إمكاناته لصالح الجميع حيث يعد عيد العمال 2024 بمثابة تذكير بمرونة القوى العاملة العالمية وقدرة اليد العاملة على التكيف في مواجهة هذا التغيير غير المسبوق. ومن خلال الاستثمار في التعليم والتدريب وشبكات الأمان الاجتماعي، يمكننا أن نضمن تقاسم فوائد التشغيل الآلي بشكل عادل وعدم ترك أي عامل خلف الركب في عملية الانتقال إلى مستقبل أكثر استدامة.