تحليل لقصة “حزمة نور” للكاتبة نبيهة راشد جبارين
د.ميساء الصّح - عرابة (الجليل)
تاريخ النشر: 05/05/24 | 11:44د. ميساء
يرى حسن شحاته(2008) أن أدب الأطفال عبارة عن مجموعة من النتاجات الأدبية التي تتضمن: قصصًا، مسرحًا، موسيقى، شعرًا، بحيث توفر هذه الفنون سياقًا نفسيًّا اجتماعيًّا يراعي سمات الإبداع وينميها ويثير المواهب ويحاول أن يعمل على تعزيزها في جو من التسامح والألفة والمحبة. وهذا ما يتمثل جليًّا في قصة “حزمة نور” للكاتبة نبيهة راشد جبارين والتي سنتناول تحليلها في قراءتنا هذه.
القصة من رسومات الفنانة: هيفاء عبد الحسين
صدرت عن دار النشر: دار الهدى كريم 2021
تقع في: 36 صفحة
تتحدث القصة عن الطفلة نور التي كانت تراقب أخبار الحرب ومخلفاتها على المواطنين، فتمنت أن تكون نجمة كي تبتعد عن الظلم والفقر والجهل.
اقترب منها القمر، وأخبرته برغبتها بمساعدة كل محتاج، دون أي حساب للجنس أو اللون أو العقيدة أو القومية، فأعطاها القمر هدية عبارة عن حزمة نور علوي، كي تحتفظ بها في قلبها، وتثق بها، وتطلب ما تشاء.
وهكذا فعلت وتمنت بأن يعود لها بصرها كيفما كان قبل الاجتياح العسكري؛ فعاد.
ولم تكتفِ بذلك وتمنت أن يعود البصر لكل من فقد بصره في الحرب؛ كي يفرح الجميع مثلها، ولم تكتف بذلك فقد بدأت تتمنى الشفاء والخير والطمأنينة لجميع الأطفال الذين تعرفهم ومن ثم طلبت من حزمة النور أن تصل إلى كل طفل محتاج؛ فهي لا تعرف جميع أطفال العالم، ثم عادت حزمة النور”ومعها صورة أطفال العالم وهم فرحون، مبتسمون، مبتهجون، ومحتفلون بالسلامة من كل ما كان يؤذيهم(ص26)
من الواضح أن القصة تحمل في طياتها قيم العطاء والمحبة، بلا شرط أو قيد، ولكن قبل التطرق للقيم التي عالجتها القصة لا بد من التطرق لأهم العناصر التي تجعل القصة ناجحة وهو عنصر المتعة، فكيف ستجد القصة قارءها من غير أن تبث روح المتعة في نفسه، وتؤكد على ذلك الباحثة أمل خلف(2006) حيث أكدت “أن القصة عبارة عن شكل فني من أشكال الأدب في المتعة والجمال وتردف “وهي من أحب ألوان الأدب للأطفال وأشدها تأثيرًا على نفوسهم”. ولأنها من أكثر الأنواع تأثيرًا في نفوس الأطفال جاءت القصص معالجة للقيم الإنسانية، وعالجت هذه القصة قيمة العطاء التي لا يمكن أن يتبناها إنسان من غير أن يشعر بالانتماء وبهذا فإن هاتين القيمتين متلازمتان ومترابطتان بوثاق متين.
كما يتمثل جليًّا اهتمام الكاتبة نبيهة جبارين وتعلقها وانتماؤها لتراثنا عبر ذكر أسماء بعض الألعاب التي كان الأطفال يلعبونها في الماضي، “بعضهم يلعب لعبة الحجلة, وبعضهم يلعب لعبة الغميضة، والبعض يلعب لعبة (صفّت) وغيرها من الألعاب الشعبية المحببة”(ص4)، كما جاء في ص(6)دخلت نور إلى غرفة الديوان.
يتساءل القارئ ما الهدف الذي دفع بالكاتبة حتى تحاول معالجة موضوع الانتماء في قصتها هذه وفي قصص أخرى لها؟!
علها تؤيد ما يؤكده الباحث هاني فرج (2004) وذلك بأنّ التربية للانتماء قد تكون من أنجع الطرق التي تساهم في بناء شخصية متوازنة مدركة لدورها الأخلاقي والحضاري والإنساني، تبادر في العمل والفعل والسلوك. وبهذا جعلت الكاتبة بطلة القصة “نور” لا تقف محايدة وإنما برغم كونها طفلة إلا أنها حاولت التغيير للأفضل مدركة دورها ومسؤولياتها حينما امتلكت حزمة النور وعرفت أنها قادرة.
وليس هذا بالغريب، إن المجتمع هو الواقع الذي ينتمي إليه الطفل، والذي لا بد بأن ينشأ على الولاء والانتماء له.
أما بالنسبة للغة في القصة:
لقد اتضحت من خلال القصة بعض التعابير والكلمات التي من شأنها بأن توسع مدارك الطفل وتزيد من ثروته اللغوية، “والأصدقاء والأتراب في الحارة”(ص4)
“تسرح في خيالها”(ص6), “رغم ظلال الخوف والخطر التي تُحدِق بهم”(ص6) “ما فتئت أن غلبها النعاس”(ص8)…
كيف لا واللغة تعتبر من أبرز العوامل التي تساهم في استيعاب وفهم القصة، وتساهم في تكوين شخصية الطفل، اللغوية وتوسع زاده المعرفي.
-فمع تتبعنا للقصة نلحظ استخدام الجمل البسيطة والمترابطة بمنطق مفهوم، برغم وجود بعض المصطلحات التي تزيد من ثروة الطالب اللغوية، وهدف الكاتبة من استخدام الجمل البسيطة توصيل الفكرة المناسبة لذهن القارئ الصغير واستيعاب الأحداث الواردة في القصة، ومن بين هذه الجمل نذكر “أصبحتُ مبصرةً مثلكم جميعا، شُفيتُ وانتهت مشكلةُ نظري”(ص14), “يا حزمة النور الطيبة! أكون سعيدة جدًّا إذا عاد البصر إلى كل من أصيب أثناء الحرب”(ص18).
أما بالنسبة لشخصيات القصة فإن أي عمل قصصي لا بد أن لا يخلو من شخصيات تساهم في تحريك القصة، من بداية العمل حتى نهايته، وشخصيات ثانوية تساهم هي الأخرى في تحريك الأحداث بمساعدة الشخصيات الرئيسية وذلك لتعطي العمل أكثر قيمة.
وللشخصيات حصة الأسد في التأثير على الطفل القارئ، فمن هنا على المؤلف أن يكون حذرًا في اختيار شخصيات القصة لتتناسب والأدوار والهدف الرامي إلى تربية الطفل.
الشخصيات الرئيسية في القصة: نور والقمر الذي أهداها حزمة نور، لم تختر الكاتبة بطلة قصتها كبيرة ناضجة تعطي النصح للصغار؛ وإنما صغيرة مثلهم وتساهم في عمل الخير لهم، وتعود بالمنفعة عليهم، إنها بهذا تؤكد على دور الصغار في العمل الطيب والدؤوب من أجل الآخرين، وأخذ المسؤولية على عاتقهم.
من خلال القصة نلحظ عددًا من القيم الهادفة التي نسعى لتحقيقها، مثل قيمة المشاركة في اللعب، المحبة، الاحترام الذي ظهر في حديث نور مع القمر واحترام أفراد العائلة لبعضهم البعض أثناء مشاركتهم مشاهدة التلفاز، ولكن أكثر القيم وضوحًا وشيوعًا كانت قيمة الانتماء التي دفعت نور للعطاء والتفكير بالغير، فلولا شعورها بالانتماء للآخر لما فكرت بالعطاء لجميع الخلق وهذا ليس وليد صدفة كما يبين الباحث عمر الأسعد أن الشعور بالانتماء ليس وليد صدفة وإنما يكتسبه الطفل من مصادر عدة في مراحل وعيه وإدراكه، من والديه وأسرته.(الأسعد، 2003) ومدرسته والمؤسسات التي يتعامل معها. ومن الواضح أن لوسائل الإعلام والأسرة وعلاقة نور بالآخرين السبب الأساس لتوارد هذه القيمة لديها، فقد كانت نور متابعة للأحداث، مشاركة اللعب مع الآخرين، مجالسة لأهلها…
كما تتجلى قيمة الانتماء في القصة عبر حديث القمر مع نور حينما قال لها” وأنا أحبك أيتها الصغيرة! ولكن لن تستطيعي العيش عندي، لأنه ليس عندي هواء ولا ماء ولا غداء” (ص8) لقد كان للقمر دوره في تعزيز قيمة الانتماء فلا مكان يشبه المكان الذي نحيا به، وإن كنا نريد التغيير فعلينا بذلك بدون أن نبرح أرضنا.
-نستنتج من خلال العبارة بأٰن الإنسان مهما كانت ظروفٰه صعبة إلا أنه لا يجد أفضل من موطنه، ففيه تتحقق كرامته وحريته وحقه في العيش والتعبير عن الذات.
إن الكاتبة من خلال قصتها غرست قيمة الانتماء والعطاء ومحبة الغير.
-الأسرة: تؤكد دراسة لمحمد سماعين والجارية (2020) أنه يمكن بناء قاعدة متينة حتى تكون بمثابة حجر الأساس وقاعدة تمكن جيل الأطفال من استيعاب مهمات الحياة الجديدة الشاملة والمواكبة لمتطلبات العصر
وتتمثل هذه القاعدة في الأسرة المحيطة بنور؛ فمن خلال معايشتنا لأحداث القصة نرى أن الأسرة والمكان يمثلان البطارية التي تشحن الطفل بالمشاعر والعواطف الفياضة تجاه الآخرين.
“جلست نور مع أهلها وشاركتهم في السهر”(ص6)، تعانقوا جميعا(ص14).
وأخيرًا
في دراسة أجريتها حول موضوع “القيم المتناولة في الكتب الدراسية للصف الرابع” والتي تُرجمت للإنجليزية
توصلت الدراسة ان الكتب الدراسية للصف الرابع شبه خالية من قيمة الإيمان بالله.
ويبدو جليا أن الكاتبة نبيهة راشد جبارين قصدت بالنور العلوي الإيمان بالله، وأظنها لم تكن جريئة بما فيه الكفاية لتطرح الموضوع بصراحة ولتشير إليه بدلالات واضحة، وذلك لربما لأن تناوله ليس معهودا في أدب الأطفال المحلي، وتناوله من قبل الكاتبة يمثل في حد ذاته خطوة جريئة، ولربما أرادت الكاتبة أن يكتشف القارئ أن النور العلوي هو ذاته الإيمان بالله الذي اندمج في القصة مع قيمة العطاء ومحبة الغير، ومن يمتلك الإيمان الحقيقي بالله لا يمكن أن يستغرب بأن تكون نتيجة الدعاء شفاء المرضى وعودة الأمان والسلام والطمأنينة.
من الواضح بأن قصة “حزمة نور” عبارة عن حلم لكنه سيتحقق، فقد تحقق حلم نور وحزمة نور هي حزمة الأمل الذي بداخلنا وهو الدعاء الصادق لله وهو الانتماء والمحبة للغير.
إن من أهم ما يرفع مستوى التفكير لدى الأطفال هو القصة، وتعتبر التربية التعليم هي اللبنة الأولى لتحقيق هذا المبتغى، ولعل قصة حزمة نور تحقق هذا المبتغى وتساهم في تنشئة جيل ناضج متعلم كامل النمو، يفكر تفكيرًا مطلقًا في الغير،
لقد نجحت الكاتبة في نبيهة راشد جبارين في معالجة القيم التربوية المهمة (الانتماء والعطاء)والتي كم نحن بحاجتها خاصة في أيامنا هذه، نتمنى للكاتبة المزيد من الإبداع الذي يثري مكاتبنا المحلية وأطفالنا بناة غدنا.