الحبّ قبل وبعد السّابع من تشرين الأوّل
هادي زاهر
تاريخ النشر: 14/05/24 | 8:19كان الشّاب غزّاويّ يدعى أحمد، أسمر البشرة فارع الطّول يعمل في إحدى (الكيبوتسات) كعامل صيانة في غلاف غزّة، وبالمقابل كانت هناك فتاة شقراء ذات عيون زرقاء قادمة من روسيا تسكن هناك، تدعى أرينا، لم تكن أرينا قد تخمّرت بداء العنصريّة المنتشرة في أجواء البلاد، إذ كانت تبتسم لأحمد كلّما رأته ممّا شجّعه على المضي في الحديث معها حتّى مغازلتها وسرعان ما تجاوبت معه وبعد النّظرة والابتسامة كان الموعد واللّقاء، ونمت بينهما علاقة حبّ قويّة، كان أحمد مسحورًا بلونها الأبيض، شقارها وعيونها الزّرقاء، وبالمقابل كانت هي مغرمة بلونه الأسمر وبطوله وعضلاته المفتولة، ولم تكن أحداث السّابع من أكتوبر قد بدت، وكان أحمد يعبّر لها عن مدى حبّه لها منهي كلامه بمقطع من أغنية أمّ كلثوم
“روحي.. قلبي.. عنيّا.. يا أغلي مني عليَّ ”
بعد شوط طويل من الغزل يغرف من ذكريات والده بحسرة ويحدّثها عن بيتهم على شاطئ البحر في يافا عروس البحر.. وعن مركبة صيد السّمك الّتي كانت تملكها أسرته وعن بيّارات الحمضيّات الّتي كانوا يملكونها قبل أن يقلعوهم من أرضهم، وعن الحصار الّذي يعاني منه أهله في القطاع اليوم..
والّذي طال سنين طويلة وكان هذا الحصار يبغى إلى تيأّس السّكّان هناك وتشريدهم مرّة أخرى.. ولا سيما وأنّ المستعمرين استحسنوا الموقع الخلّاب على شاطئ البحر وطمعوا في الثّروة النّفطيّة الّتي اكتشفت مؤخّرًا هناك.
وطبعًا لا بدّ بعد الأحداث المأساويّة الّتي مرّ بها القطاع أن تثقّف السّكّان فكان أحمد يشرح لأرينا عن خطط الولايات المتّحدة الامريكيّة والدّول الغربيّة في تقسيم العالم العربيّ من جديد طمعًا في الموارد الّتي تتمتّع بها المنطقة، وعن خطّ الغاز الّذي يبغون تمريره من الأراضي الفلسطينيّة، إلّا أنّ أرينا كانت تطلب منه الكفّ عن مثل هذا الحديث لتقول له:
* أرجو ان لا تحدّثني عن أمور لا أفهم بها فأنا أريد أن أعيش معك بحبٍّ وحنان بعيدًا عن مشاكل الكون كلّه.
ولكن على بغتة.. جاءت أحداث ليلة السّابع من تشرين الأوّل جاءت لتوقظ تناقضات كانت مخفيّة بينهما قالت أرينا:
* “كيف يمكننا في ظلّ هذه الأجواء المشحونة أن نعيش معًا، هل سيسمح لنا هذا الواقع المركّب والمبرمج أن نكون لبعضنا البعض”؟
– قال أحمد: لا أستطيع أن اتخيّل حياتي دونك يا حياتي
*: (قالت أرينا وقد سقطت دمعة على خدّها) وانا أيضًا يا حبيبي.
وبعد حوار أليم اكتشفا بأنّ مشاعر الحبّ بينهما عميقة تتجاوز الانقسامات الدّينيّة والسّياسيّة ليقرّرا أن يواجها التّحديات سويّة معتقدين بأنّ الحبّ يمكنه أن يهزم الحرب والكراهيّة والعيش في مجتمع متنوّع ومتعدّد الثّقافات.
هذا الحبّ جعل أحمد رغم الحرب المندلعة لا يبرح المكان على أمل أن يبقى بالقرب من ارينا ليقترن بها، ولكن سرعان ما تمّ القبض عليه للتّحقيق معه وتعذيبه متّهمين ايّاه بأنّه هو من بين الّذين وشوا لحماس عن المواقع الّتي شنّت هجومها عليها وأثناء التّحقيق فوجئ بأنّ المخابرات تعلم بقصّة الحبّ بينه وبين أرينا وبعد التّأكّد من عدم ضلوعه بالاشتراك او الوشاية تمّ تهجيره إلى القطاع، حاولت ارينا الاتّصال معه مرات عديدة دون جدوى.
كانت ارينا دائمًا ما تحاور نفسها وتجد المبرّرات لعملية السّابع من تشرين الأوّل لتناهي حديثًا لنفسها:
اه.. يعني احبس قطًا 18 عشر عامًا فسيتحول إلى أسد!!
طال الانتظار وأصبحت أرينا مدمنة على سماع الأخبار علّها تحظى ببصيص أمل في أن لا يقصف بيت أحمد فيقتل تحت الأنقاض وطال انتظارها داعية ليلا نهارًا بأن تتوقّف الحرب علّها تعود وتجتمع مع أحمد مجدّدًا.
وبينما هي تغوص مع أفكارها إذ بأحمد يظهر أمامها.. صعقت أرينا استغرابًا وهبّوا ركضًا على بعضهما البعض وما أن وصلا وضمّا بعضهما البعض حتّى أُطلق النّار عليهما فسقطا مضرجا بدماء.