شيءٌ في الديالكيك!
بقلم : د .ادم عربي
تاريخ النشر: 19/05/24 | 11:41“الدِّيَالِكْتِيكِ”، ذَاكَ الْمَنْهَجَ الْفِلْسُفِيَّ فِي الْفَهْمِ وَالتَّفْسِيرِ، لَكِنَّ الدُّوغْمَائِيِّينَ فَشَلُوا بِاتِّخَاذِهِ أَدَاةَ مَعْرِفَةٍ، إِنَّهُمْ يَبْذُلُونَ جُهْدًا عَظِيمًا فِي حِفْظٍ وَاسْتِظْهَارٍ غَيْرِ الْمُفِيدِ مِنْ مَفَاهِيمِهِ وَقَوَانِينِهِ، فَإِذَا مَا تَحَدَّاهُمْ وَاقِعٌ عَجَزُوا عَنِ الإِتْيَانِ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ يُعْتَدُّ بِهِ بِمَا حَفِظُوا مِنْهُ، مِنْ مُؤَلَّفَاتٍ مَارْكِسِيَّةٍ وَكَانَ اسْتِخْدَامُهُ مِنَ الصُّعُوبَةِ مَمَّا يَجْعَلُهُمْ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهُ. “الدِّيَالِكْتِيكُ” لَيْسَ سِوَى النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ وَالظَّوَاهِرِ فِي نَشْوِئِهَا وَتَطَوُّرِهَا وَزَوَالِهَا عَلَى أَنَّهَا صِرَاعٌ أَوْ ثَمَرَةُ الصِّرَاعِ لضِدَّيْنِ مُتَحَدِّينِ اتِّحَادًا لَا انْفِصَامَ فِيهِ.
عِنْدَمَا تَصِفُ التَّطَوُّرَ، فَإِنَّكَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ شَيْئًا مَا كَانَ بِحَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَانَ شَيْءٌ مَا حَارًّا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَارِدٍ، أَوْ كَانَ مَمْتَدًّا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَنْكَمِشٍ. كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مُتَحَرِّكٍ، كَانَ مُشِعًّا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مُعْتَمٍ. كَانَ سَرِيعًا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَطِيءٍ.
فِي هَذَا الْوَصْفِ، أَنْتَ تُعَبِّرُ عَنِ التَّغَيُّرِ الَّذِي طَرَأَ عَلَى الشَّيْءِ فِي صِفَاتِهِ وَخصَائِصِهِ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَ جَيِّدًا فِي الصِّفَةِ أَوِ الْخَاصِيَّةِ الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدَ كَانَ وَأَصْبَحَ، سَتَجِدُ أَنَّ تَطَوُّرَ الشَّيْءِ لَيْسَ إِلَّا تَحَوُّلَهُ إِلَى ضِدِّهِ. وَبِالتَّالِي، التَّطَوُّرُ فِي الشَّيْءِ نَفْسِهِ هُوَ تَحَوُّلُ إِحْدَى صِفَاتِهِ أَوْ خِصَائِصِهِ إِلَى النَّقِيضِ. فَهَلْ يُمْكِنُكَ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَنْ تَصِفَ التَّطَوُّرَ بِأَنَّ الشَّيْءَ كَانَ حَارًّا ثُمَّ أَصْبَحَ بَطِيئًا؟.
لِكَيْ يَتَحَوَّلَ الشَّيْءُ إِلَى نَقِيضِهِ، يَجِبُ أَنْ يَمُرَّ بِتَغَيُّرَاتٍ فِي خَصَائِصِهِ وَصِفَاتِهِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَجِبُ أَنْ يَبْرُدَ مَا كَانَ حَارًّا، وَيَنْكَمِشَ مَا كَانَ مَمْتَدًّا. التَّحَوُّلُ إِلَى النَّقِيضِ يَعْنِي بِبَسَاطَةِ الانْتِقَالَ مِنَ الْوُجُودِ إِلَى الْعَدَمِ، حَيْثُ يَخْتَفِي الشَّيْءُ لِيَظْهَرَ بَدَلًا مِنْهُ شَيْءٌ جَدِيدٌ؛ الشَّيْءُ “س” يَخْتَفِي لِيَحِلَّ مَحَلَّهُ الشَّيْءُ “ص”. وَهَذَا التَّحَوُّلُ لَا يَكْتَسِبُ مَعْنًى إِلَّا إِذَا كَانَتْ خَصَائِصُ الشَّيْءِ “ص” تَتَنَاقِضُ مَعَ الشَّيْءِ “س”.
فَالنَّجْمُ يُولَدُ، يَنْمُو، ثُمَّ يَفْنَى. لَكِنْ مَاذَا يَعْنِي فَنَاؤُهُ؟ هَلْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ آخَرُ قَدْ ظَهَرَ مِنْ رَمَادِهِ؟ بَالطَّبْعِ لَا، فَالْفَنَاءُ لَا يَعْنِي الْعَدَمَ. تَأَمَّلِ الآنَ فِي الْكَيَانِ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ انْدِثَارِ النَّجْمِ. تَأَمَّلْ فِي خَصَائِصِهِ وَمَمِيزَاتِهِ. إِنَّ الْكَيَانَ الْجَدِيدَ الَّذِي بَرَزَ مِنْ انْدِثَارِ النَّجْمِ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ خَصَائِصَ تُثْبِتُ أَنَّ النَّجْمَ قَدْ تَبَدَّلَ إِلَى ضِدِّهِ، أَيْ إِلَى كَيَانٍ مُعَاكِسٍ لَهُ فِي بَعْضِ الْمَمِيزَاتِ وَالْخَصَائِصِ. قَدْ يَتَبَدَّلُ النَّجْمُ إِلَى ثُقْبٍ أَسْوَدٍ. إِذَا قُمْتَ بِمُقَارَنَةٍ بَيْنَ النَّجْمِ وَالثُّقْبِ الْأَسْوَدِ، بَحْثًا عَنْ نُقَاطِ التَّشَابُهِ وَالِاخْتِلَافِ، سَتَجِدُ أَوَّلًا الْخَصَائِصَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ سَتَجِدُ الْخَصَائِصَ الْمُتَبَايِنَةَ، وَالَّتِي إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا عَنْ كَثَبٍ سَتَكْتَشِفُ التَّنَاقُضَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ.
هَلْ يُعْتَبَرُ الثُّقْبُ الأَسْوَدُ كَيَانًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَزُولَ؟ بَالطَّبْعِ لَا، فَكُلُّ كَيَانٍ يَظْهَرُ يَجِبُ أَنْ يَزُولَ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ. وَالزَّوَالُ لَا يَعْنِي الْعَدَمَ. بَلْ زَوَالُهُ يَعْنِي تَحَوُّلَهُ إِلَى ضِدِّهِ، أَيْ إِلَى كَيَانٍ مُعَاكِسٍ فِي بَعْضِ الْخَصَائِصِ وَالْمَمِيزَاتِ. بِوَاسِطَةِ الدِّيَالِكْتِيكِ، يُمْكِنُكَ الْقَوْلُ بِثِقَةٍ أَنَّ الثُّقْبَ الأَسْوَدَ سَيَخْتَفِي فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، وَسَيَظْهَرُ مِنْ بَعْدِهِ كَيَانٌ جَدِيدٌ أَوْ عِدَّةُ كَيَانَاتٍ. وَمِنْ ثَمَّ، يُمْكِنُكَ الْقَوْلُ إِنَّ الْكَيَانَ الَّذِي يَتَنَاقَضُ مَعَ الثُّقْبِ الأَسْوَدِ فِي خَصَائِصِهِ وَمَمِيزَاتِهِ الأَسَاسِيَّةِ سَيَنْبَثِقُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ اخْتِفَائِهِ.
النَّجْمُ تَشَكَّلَ مِنْ سَحَابَةٍ، غَالِبِيَّتُهَا مِنْ غَازِ الْهِيدْرُوجِينِ. هَذِهِ السَّحَابَةُ اخْتَفَتْ، وَمِنْ ثُمَّ تَشَكَّلَ النَّجْمُ. التَّكْوِينُ وَالِاخْتِفَاءُ هُمَا فِي الْحَقِيقَةِ جَانِبَانِ لِنَفْسِ الْعَمَلِيَّةِ الزَّمَنِيَّةِ؛ التَّكْوِينُ هُوَ فِي جَوْهَرِهِ اخْتِفَاءٌ، وَالِاخْتِفَاءُ هُوَ فِي جَوْهَرِهِ تَكْوِينٌ. لِلتَّوْضِيحِ أَكْثَرَ، التَّكْوِينُ وَالِاخْتِفَاءُ لَيْسَا مُجَرَّدَ تَغْيِيرٍ يَحْدُثُ لِلْكَيَانِ، بَلِ الْكَيَانُ يَتَغَيَّرُ وَيَتَطَوَّرُ بَعْدَ أَنْ يَتَكَوَّنَ وَقَبْلَ أَنْ يَخْتَفِيَ. تِلْكَ السَّحَابَةُ تَبَدَّلَتْ إِلَى نَجْمٍ، وَبِذَلِكَ أَصْبَحَتْ شَيْئًا مُعَاكَسًا وَمُغَايِرًا لَهَا فِي الْخَصَائِصِ الْأَسَاسِيَّةِ. لِتَجَنُّبِ سُوءِ الْفَهْمِ لِمَفْهُومِ الْحَتْمِيَّةِ بِمَا لَا يَتَوَافَقُ مَعَ الْمَنْطِقِ الدِّيَالِكْتِيكِيِّ، نَسْتَطِيعُ الْقَوْلَ إِنَّ كُلَّ نَجْمٍ نَشَأَ مِنْ سَحَابَةٍ هِيدْرُوجِينِيَّةٍ؛ وَلَكِنْ لَيْسَتْ كُلُّ سَحَابَةٍ هِيدْرُوجِينِيَّةٍ سَتَتَحَوَّلُ بِالضَّرُورَةِ إِلَى نَجْمٍ، بَلْ فَقَطْ تِلْكَ السَّحَابَةُ الَّتِي تُلَبِّي الشُّرُوطَ اللَّازِمَةَ لِهَذَا التَّحَوُّلِ.
تِلْكَ السَّحَابَةُ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ وَيَجِبُ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى نَجْمٍ. أَمَّا السَّحَابَةُ الَّتِي لَا تَتَحَوَّلُ إِلَى نَجْمٍ، فَمِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَتَبَدَّلَ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ (أَوْ أَشْيَاءَ أُخْرَى) يَكُونُ أَيْضًا مُعَاكِسًا وَمُغَايِرًا لَهَا فِي خَصَائِصَ وَمَمِيزَاتٍ أَسَاسِيَّةٍ أُخْرَى. السَّحَابَةُ الَّتِي تَحَوَّلَتْ إِلَى نَجْمٍ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِفَضْلِ قُوَى تَطَوُّرِهَا الذَّاتِيَّةِ أَوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ. هَذِهِ السَّحَابَةُ الْوَاسِعَةُ الْمُمْتَدَّةُ، الْخَفِيفَةُ وَالْقَلِيلَةُ الْكَثَافَةِ، تَتَأَثَّرُ بِشَكْلٍ دَائِمٍ بِقُوَّةِ الْجَاذِبِيَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ لَهَا، مَمَّا يُؤَدِّي إِلَى تَقَلُّصِهَا وَانْكِمَاشِهَا، وَزِيَادَةِ كَثَافَتِهَا، وَضَغْطِ مَرْكَزِهَا بِاسْتِمْرَارٍ. تَحْتَ الضَّغْطِ الْمُتَزَايِدِ، تَشْتَعِلُ أَعْمَاقُ السَّحَابَةِ الْهَيْدْرُوجِينِيَّةِ، حَيْثُ تَتَحَدُّ نوَى ذَرَّاتِ الْهَيْدْرُوجِينِ، مُكَوِّنَةً نوَى ذَرَّاتِ الْهِيلِيُومِ. هَذَا التَّفَاعُلُ النَّوَوِيُّ الَّذِي يُنْتِجُ الْهِيلِيُومَ يُصَاحِبُهُ فَقْدَانٌ لِجُزْءٍ مِنَ الْكَتْلَةِ، وَهَذَا الْجُزْءُ الْمَفْقُودُ يَتَحَوَّلُ إِلَى طَاقَةٍ (حَرَارَةٍ وَضَوْءٍ). يَتِمُّ وِلَادَةُ النَّجْمِ عِنْدَمَا تَشْتَعِلُ أَعْمَاقُ السَّحَابَةِ الْهَيْدْرُوجِينِيَّةِ.
السَّحابةُ تَحَوَّلَتْ إِلى ضِدِّها في العَدِيدِ مِنَ الخصائِصِ وَالمميزاتِ الأَساسِيّةِ. حَياةُ السَّحابةِ، أَو كُلُّ التَّغَيُّراتِ الَّتِي مَرَّتْ بِها مُنذُ نَشْأَتِها حَتَّى زَوالِها، هِيَ في الواقِعِ المَكانُ وَالزَّمانُ الَّذانِ فيهِما تَكَوَّنَتِ السَّحابةُ وَتَجَمَّعَتْ فِيها الأَسبابُ وَالعَوامِلُ الَّتِي أَدَّتْ إِلى زَوالِها، أَيُّ الأَسبابِ وَالعَوامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إِلى تَحَوُّلِها إِلى ضِدِّها، أَيُّ الأَسبابِ وَالعَوامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إِلى نَشْأَةِ النَّجْمِ. فَتَطَوُّرُ (وَنُموُّ) الشَّيءِ هُوَ في الحَقِيقَةِ الإِعدادُ وَالتَّهيئَةُ لِظُهورِ ضِدِّهِ. الشَّيءُ يَتَفاعَلُ بِاسْتِمرارٍ مَعَ بِيئَتِهِ وَكُلَّ ما حَوْلَهُ. يُؤَثِّرُ وَيَتَأَثَّرُ دائِمًا بِالآخَرِينَ. وَمِنْ خِلالِ هذا التَّفاعُلِ، أَو تَبادُلِ التَّأثِيرِ، يَتَطَوَّرُ (وَيَنْمو) الشَّيءُ. وَهذا التَّطَوُّرُ (أَو النُّموُّ) هُوَ بِمَثابَةِ المَطبَخِ الَّذي فِيهِ تُطْهَى الأَسبابُ وَالعَوامِلُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلى تَحَوُّلِهِ إِلى ضِدِّهِ. قُلْنا أَنَّ السَّحابةَ تَتَبَدَّلُ إِلى ضِدِّها بِالأَساسِ بِفِعْلِ قُواها الدَّاخِلِيَّةِ. وَما يَحْدُثُ خارِجَها، أَيِّ في البِيئَةِ المُحِيطَةِ، لا يُؤَثِّرُ في تَطَوُّرِها الذَّاتِيِّ إِلاَّ بِتَسْرِيعِهِ أَو إِبْطائِهِ. فَإِذا كانَتِ البِيئَةُ مَلِيئَةً بِالعَوامِلِ الإِيجابِيَّةِ، تَتَحَوَّلُ السَّحابةُ إِلى نَجْمٍ بِسُرْعَةٍ، وَإِذا كانَتِ البِيئَةُ تَفْتَقِرُ إِلى هذِهِ العَوامِلِ، يَكُونُ التَّحَوُّلُ أَبْطَأَ.
الْعَامِلُ الْخَارِجِيُّ فِي عَمَلِيَّةِ التَّطَوُّرِ هُوَ كُلُّ مَا يَحْدُثُ خَارِجَ الْكَيَانِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ. لَكِنَّ، كَيْفَ يُؤَثِّرُ الْعَامِلُ الْخَارِجِيُّ؟ لَا يُمْكِنُ لَهُ التَّأَثِيرُ إِلَّا وَفْقًا لِطَبِيعَةِ الْكَيَانِ الْمُتَأَثِّرِ بِهِ. هَذَا التَّأَثِيرُ يُشْبِهُ كَيْفِيَّةَ اسْتِفَادَةِ الْكَائِنِ الْحَيِّ مِنَ الْغِذَاءِ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَأْكُلُ الْإِنْسَانُ الْبَطَاطَا، وَلَكِنَّ هَذَا الطَّعَامَ لَا يَتَحَوَّلُ دَاخِلَ جِسْمِ الْإِنْسَانِ إِلَّا بِمَا يَتَوَافَقُ مَعَ قُدْرَةِ الْجِسْمِ عَلَى التَّأَثُّرِ بِهِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُ الْعَامِلِ الْخَارِجِيِّ بِاخْتِلَافِ طَبِيعَةِ الْكَيَانِ الْمُتَأَثِّرِ بِهِ. إِذَا أَجْرَيْنَا مُقَارَنَةً بَيْنَ خَصَائِصَ وَمَمِيزَاتِ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ، مِثْلَ السَّحَابَةِ وَالنَّجْمِ، سَنَلَاحِظُ مَا يَلِي: بَعْضُ خَصَائِصِ السَّحَابَةِ انْتَقَلَتْ إِلَى النَّجْمِ وَأَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْهُ. بَعْضُهَا لَمْ يَنْتَقِلْ وَبِالتَّالِي غُيِّبَ فِي النَّجْمِ. وَهُنَاكَ خَصَائِصُ فِي النَّجْمِ كَانَتْ جَدِيدَةً، أَيْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي السَّحَابَةِ. هَذَا التَّصْنِيفُ لِخَصَائِصِ الْكَيَانِ الْجَدِيدِ هُوَ أَفْضَلُ طَرِيقَةٍ لِدِرَاسَةِ تَطَوُّرِ الْكَيَانِ.
فِي الطَّبِيعَةِ، الغَايَةُ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً؛ الكَيَانُ لا يُخْلَقُ وَلا يَتَطَوَّرُ لِغَايَةٍ مَحْدُودَةٍ؛ لَكِنَّنَا نَسْتَخْدِمُ مُصْطَلَحَ الغَايَةِ مَجَازًا فِي الطَّبِيعَةِ. فَمَا هِيَ هَذِهِ الغَايَةُ؟ إِنَّهَا الزَّوَالُ، أَيُّ تَجْمِيعُ الأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَدِّي بِالضَّرُورَةِ إِلَى تَحْوِيلِ الكَيَانِ إِلَى ضِدِّهِ. الكَيَانُ، مُنْذُ نَشْأَتِهِ وَوِلَادَتِهِ، يَبْدَأُ عَبْرَ تَطَوُّرِهِ وَنَمَائِهِ، عَبْرَ تَأْثِيرِهِ وَتَأْثُّرِهِ، عَبْرَ تَفَاعُلِهِ وَتَبَادُلِ التَّأْثِيرِ مَعَ الآخَرِينَ، فِي تَحْضِيرٍ وَتَهْيِئَةٍ وَتَنْمِيَةٍ وَنُضْجِ الأَسْبَابِ وَالعَوَامِلِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى زَوَالِهِ، أَيُّ تَحْوِيلِهِ إِلَى ضِدِّهِ، كَأَنَّهُ وُجِدَ فِي الحَيَاةِ لِهَذِهِ الغَايَةِ فَقَطْ. تَأَمَّلْ فِي هَذَا الكَائِنِ الحَيِّ؛ إِنَّهُ يَأْتِي إِلَى الوُجُودِ لِيَعِيشَ وَيَسْتَمِرَّ فِي الحَيَاةِ. يَتَأَثَّرُ وَيُؤَثِّرُ، يَتَفَاعَلُ وَيَتَبَادَلُ التَّأْثِيرَاتِ مَعَ مُحِيطِهِ. نَشْهَدُهُ يَنْمُو وَيَتَطَوَّرُ، لَكِنْ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الحَيَاةِ وَالنَّمَاءِ وَالتَّطَوُّرِ دُونَ أَنْ يُسَاهِمَ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ فِي تَنَامِي العَوَامِلِ الَّتِي سَتُؤَدِّي إِلَى مَوْتِهِ وَزَوَالِهِ؟
هَذَا الكَائِنُ الحَيُّ مُلْزَمٌ بِالتَّفَاعُلِ مَعَ مُحِيطِهِ لِيَحَافِظَ عَلَى حَيَاتِهِ وَيَتَطَوَّرَ؛ لَكِنَّ الْمُفَارَقَةَ تَكْمُنُ فِي أَنَّهُ لا يُمْكِنُهُ التَّفَاعُلَ إِلَّا بِمَا يُسَهِمُ أَيْضًا فِي تَهْيِئَةِ الأَسْبَابِ وَالْعَوَامِلِ الَّتِي سَتَقُودُ حَتْمًا إِلَى نِهَايَتِهِ. لا يُمْكِنُهُ الْحُصُولُ عَلَى أَسْبَابِ الْبَقَاءِ وَالتَّطَوُّرِ دُونَ أَنْ يَكْتَسِبَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ أَسْبَابَ الزَّوَالِ، فَكِلاهُمَا (أَيْ أَسْبَابُ الزَّوَالِ وَالْبَقَاءِ) جُزْءٌ لا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْوُجُودِ. إرْمِ حَجَرًا فِي الْفَضَاءِ، وَسَتَلَاحِظُ أَنَّهُ يَصْعَدُ ثُمَّ يَتَوَقَّفُ وَيَبْدَأُ بِالْهُبُوطِ. الْحَجَرُ لَنْ يَبْقَى مُعَلَّقًا فِي الْجَوِّ، وَلَنْ يَثْبُتَ فِي مَكَانِهِ إِلَى الأَبَدِ. قَدْ تَتَسَاءَلُ عَنِ الْعَامِلِ الَّذِي مَكَّنَ الْحَجَرَ مِنَ الصُّعُودِ. الْإِجَابَةُ هِيَ أَنَّكَ مَنَحْتَ الْحَجَرَ “طَاقَةَ حَرَكِيَّةً” كَافِيَةً لِلتَّغْلُبِ عَلَى قُوَّةِ الْجَاذِبِيَّةِ وَالْعَوَامِلِ الأُخْرَى الْمُعِيقَةِ لِصُعُودِهِ، فَصَعَدَ حَتَّى نَفَدَتْ طَاقَتُهُ الْحَرَكِيَّةُ. أَمَّا سَبَبُ هُبُوطِهِ، فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْهُ، لَنْ تَجِدَ سَبَبًا سِوَى الصُّعُودِ نَفْسِهِ، فَصُعُودُ الْحَجَرِ هُوَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ اللَّذَانِ فِيهِمَا تَكَوَّنَتْ أَسْبَابُ وَعَوَامِلُ هُبُوطِهِ.
لَمْ يَكُنْ بِوُسْعِ الْحَجَرِ أَنْ يَصْعَدَ وَيَسْتَمِرَّ فِي الصُّعُودِ دُونَ أَنْ يُولِدَ، فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَدُونَ قَصْدٍ مِنْهُ، أَسْبَابًا وَعَوَامِلَ هُبُوطِهِ. أَيْنَ وَمَتَى تَكَوَّنَتْ أَسْبَابُ الْهُبُوطِ؟ لَقَدْ تَكَوَّنَتْ خِلَالَ مَسَارِ الصُّعُودِ، وَأَثْنَاءَ الصُّعُودِ، وَبِفِعْلِ الصُّعُودِ، كَأَنَّ الْحَجَرَ لا يَسْتَطِيعُ الصُّعُودَ دُونَ أَنْ يُخْلِقَ بِالضَّرُورَةِ أَسْبَابَ هُبُوطِهِ. لا تَحْتَجْ بِالْقَوْلِ: إِذَا أَعْطَيْتَ الْحَجَرَ كَمِيَّةً كَافِيَةً مِنَ الطَّاقَةِ الْحَرَكِيَّةِ لِيَتَخَطَّى جَاذِبِيَّةَ الْأَرْضِ، فَلَنْ يَسْقُطَ بَلْ سَيَسْتَمِرُّ فِي الارْتِفَاعِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْفَضَاءِ. لا تَحْتَجْ؛ لِأَنَّ حَالَةَ ارْتِفَاعِ الْحَجَرِ هَذِهِ لَهَا ضِدٌّ مُغَايِرٌ يَجِبُ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ. ضَعْ شَمْعَةً مُضَاءَةً دَاخِلَ وِعَاءٍ زُجَاجِيٍّ مُغْلَقٍ بِإِحْكَامٍ. مَاذَا تَلَاحِظُ؟ تَرَى الشَّمْعَةَ تَبْقَى مُضَاءَةً لِفَتْرَةٍ مُؤَقَّتَةٍ، ثُمَّ تَخْمَدُ فِي النِّهَايَةِ. وَالسَّبَبُ هُوَ أَنَّ الشَّمْعَةَ لا تَسْتَطِيعُ الاسْتِمْرَارَ فِي الاحْتِرَاقِ دُونَ أَنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى خَلْقِ الأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى خُمُودِهَا، أَيْ تَحْوِيلِهَا إِلَى الْحَالَةِ الْمُعَاكِسَةِ، أَيْ انْطِفَاءَ الشَّمْعَةِ. دَاخِلَ الْوِعَاءِ الزُّجَاجِيِّ الْمُغْلَقِ كَانَ هُنَاكَ “أُوكْسِجِينٌ”. الشَّمْعَةُ الْمُضَاءَةُ تَحْتَاجُ إِلَى الأُوكْسِجِينِ لِتَسْتَمِرَّ فِي الاحْتِرَاقِ. لَكِنَّ الشَّمْعَةَ الْمُضَاءَةَ لا تَسْتَطِيعُ اسْتِهْلَاكَ الأُوكْسِجِينِ دُونَ أَنْ تُنْتِجَ، فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، ثَانِي أُوكْسِيدَ الْكَرْبُونِ، الْعَدُوَّ الأَسَاسِيَّ لِلاحْتِرَاقِ. وَكُلَّمَا اسْتَمَرَّتْ فِي الاحْتِرَاقِ، أَنْتَجَتْ الْمَزِيدَ مِنْ غَازِ ثَانِي أُوكْسِيدِ الْكَرْبُونِ، حَتَّى يُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى خُمُودِهَا. لا يُمْكِنُ لِلاحْتِرَاقِ أَنْ يَبْدَأَ أَوْ يَسْتَمِرَّ إِلَّا إِذَا كَانَ الانْطِفَاءُ هُوَ نَتِيجَتُهُ النِّهَائِيَّةُ الْمُحْتُومَةُ. قَدْ تَخْمَدُ الشَّمْعَةُ بَعْدَ دَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَضْعِهَا فِي الْوِعَاءِ إِذَا كَانَ صَغِيرَ الْحَجْمِ، أَيْ إِذَا كَانَ مُخْزُونُ الأُوكْسِجِينِ قَلِيلًا. وَقَدْ تَخْمَدُ بَعْدَ تِسْعِ دَقَائِقَ إِذَا كَانَ الْوِعَاءُ كَبِيرَ الْحَجْمِ، وَمُخْزُونُ الأُوكْسِجِينِ، بِالتَّالِي، كَبِيرًا. هَذَا الْعَامِلُ الْبِيئِيُّ الْخَارِجِيُّ، أَيْ حَجْمُ الْوِعَاءِ، يُسَرِّعُ أَوْ يُبَطِّئُ تَحْوُلَ الشَّيْءِ إِلَى نَقِيضِهِ، أَيْ تَحْوُلَ احْتِرَاقِ الشَّمْعَةِ إِلَى انْطِفَاءٍ. قَدْ تَحْتَجُّ قَائِلًا:
سَأَضَعُ الشَّمْعَةَ الْمُضَاءَةَ فِي وِعَاءٍ زُجَاجِيٍّ مُغْلَقٍ بِإِحْكَامٍ، بِحَجْمِ غُرْفَةٍ مَثَلًا. فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، سَتَخْمَدُ الشَّمْعَةُ فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ لَنْ يَكُونَ غَازُ ثَانِي أُوكْسِيدِ الْكَرْبُونِ هُوَ السَّبَبُ فِي خُمُودِهَا؛ لِأَنَّ كَمِيَّتَهُ سَتَكُونُ أَقَلَّ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَلْزَمُ لِلانْطِفَاءِ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يُؤَكِّدُ فَقَطْ أَنَّ الشَّمْعَةَ لَدَيْهَا الْقُوَّةُ الذَّاتِيَّةُ الَّتِي تَجْعَلُ تَحْوُلَهَا إِلَى نَقِيضِهَا أَمْرًا مُحْتُومًا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الْعَوَامِلِ الْبِيئِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ. فِي اعْتِرَاضِكَ هَذَا، نَرَى فَقَطْ مَا يُؤَكِّدُ أَنَّ احْتِرَاقَ الشَّمْعَةِ يَجِبُ أَنْ يُنْتِجَ الأَسْبَابَ وَالْعَوَامِلَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَحْوُلِهَا إِلَى نَقِيضِهَا، وَهُوَ الانْطِفَاءُ. لِمَاذَا خَمَدَتْ هَذِهِ الشَّمْعَةُ؟ هَذَا سُؤَالٌ فِيزِيَائِيٌّ، يُمْكِنُ لِلْفِيزِيَاءِ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِ، حَيْثُ هُنَاكَ أَسْبَابٌ فِيزِيَائِيَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ أَدَّتْ إِلَى خُمُودِهَا. أَمَّا الْفَلْسَفَةُ، فَتُخْبِرُكَ مِنْ خِلَالِ الدِّيَالِكْتِيكِ أَنَّ احْتِرَاقَ الشَّمْعَةِ هُوَ الَّذِي أَنْتَجَ أَسْبَابًا وَعَوَامِلَ خُمُودِهَا، فَالشَّمْعَةُ لا يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْتَرِقَ وَتَسْتَمِرَّ فِي الاحْتِرَاقِ دُونَ أَنْ تُنْتِجَ، فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، أَسْبَابًا وَعَوَامِلَ خُمُودِهَا. كُلُّ تَغْيِيرٍ، مَهْمَا كَانَ طَفِيفًا أَوْ بَطِيئًا، يُوَاجِهُ مُقَاوَمَةً، فَلا بُدَّ لِأَيِّ تَغْيِيرٍ مِنْ أَنْ يُوَاجِهَ مُقَاوَمَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ وَأَثْنَاءَ تَحَقُّقِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّغْلُبِ عَلَيْهَا. الْمُقَاوَمَةُ أَوْ الْمُمَانَعَةُ هِيَ قَانُونٌ عَالَمِيٌّ مُطْلَقٌ.
لا يُوجَدُ تَغْيِيرٌ أَوْ تَطَوُّرٌ لا يُصْطَدِمُ بِمُقَاوَمَةٍ، وَلا يُمْكِنُ لِأَيِّ تَغْيِيرٍ أَوْ تَطَوُّرٍ أَنْ يَحْدُثَ إِلَّا إِذَا تَغَلَّبَتْ قُوَاهُ عَلَى هَذِهِ الْمُقَاوَمَةِ. الْمُقَاوَمَةُ، سَوَاءٌ بِوُجُودِهَا أَوْ نَفْيِهَا، هِيَ شَرْطٌ لِحَدُوثِ التَّغْيِيرِ وَالتَّطَوُّرِ. الْمُقَاوَمَةُ الَّتِي يُظْهِرُهَا الشَّيْءُ (أَيُّ شَيْءٍ) قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَمِنْ أَجْلِ التَّغْيِيرِ، تشْبهُ غَرِيزَةَ حُبِّ الْبَقَاءِ فِي الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، حَيْثُ يَحْتَوِي الشَّيْءُ دَائِمًا عَلَى قُوًى تُقَاتِلُ لِلدِّفَاعِ عَنْ وُجُودِهِ وَالْحِفَاظِ عَلَى هُوِيَّتِهِ وَصَدِّ الْمُخَاطِرِ. كُلُّ شَيْءٍ يَمِيلُ إِلَى الْبَقَاءِ عَلَى حَالِهِ، مُقَاوِمًا بِالتَّالِي أَيَّةَ قُوَّةٍ تُحَاوِلُ تَغْيِيرَ هُوِيَّتِهِ. الزَّمَنُ الَّذِي يَسْتَغْرِقُهُ التَّغْيِيرُ لَيْسَ إِلَّا الْجُهْدَ الْمَبْذُولَ لِجَعْلِ الشَّيْءِ يَسْتَنْفِدُ مُقَاوَمَتَهُ الْأَسَاسِيَّةَ، وَهُوَ (أَيُّ الزَّمَنُ) يَطُولُ أَوْ يَقْصُرُ بِنَاءً عَلَى شِدَّةِ الْمُقَاوَمَةِ وَالْجُهْدِ الْمَبْذُولِ لِلتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا. إِذَا أَرَدْتَ تَحْرِيكَ شَيْءٍ مِنْ مَكَانِهِ، لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ إِحْدَاثِ هَذَا التَّغْيِيرِ دُونَ التَّغَلُّبِ عَلَى مُقَاوَمَةٍ أَسَاسِيَّةٍ يُظْهِرُهَا هَذَا الشَّيْءُ. هَذَا الشَّيْءُ قَاوَمَ مُحَاوَلَتَكَ لِتَحْرِيكِهِ، ثُمَّ تَغَلَّبْتَ أَنْتَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ، فَتَحَرَّكَ، أَيُّ حَدَثَ التَّغْيِيرُ. قَدْ تَعْزُو الْمُقَاوَمَةَ الَّتِي تُوَاجِهُهَا إِلَى الِاحْتِكَاكِ بَيْنَ الْأَسْطُحِ. وَقَدْ تَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَاوَمَةَ لَنْ تَحْدُثَ فِي الْفَضَاءِ الْخَارِجِيِّ. لَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَأَيُّ جَسَمٍ، حَتَّى فِي الْفَضَاءِ الْخَارِجِيِّ، سَيظْهرُ مُقَاوَمَةً عِنْدَ مُحَاوَلَةِ تَحْرِيكِهِ.
فَكِّرْ في النَّوْمِ وَالاسْتِيقاظِ. قَبْلَ أَنْ تَنامَ، وَأَثْناءَ مُحاوَلَتِكَ لِلنَّوْمِ، يَجِبُ عَلَى قُوَّةٍ داخِلِيَّةٍ أَنْ تُقاوِمَ النَّوْمَ، وَفي الوَقْتِ نَفْسِهِ، يَجِبُ عَلَيْكَ التَّغْلُبَ عَلَى هذِهِ المُقاوَمَةِ بِقُوَّةٍ أُخْرَى داخِلِيَّةٍ. النَّوْمُ يُواجِهُ مُقاوَمَةً، ثُمَّ تُهْزَمُ هذِهِ المُقاوَمَةُ، وَيَحْدُثُ التَّغْيِيرُ، أَيِ النَّوْمُ. وَبَعْدَ النَّوْمِ، لَنْ تَسْتَطِيعَ الاسْتِيقاظَ إِلَّا إِذا تَغْلَبْتَ عَلَى قُوَّةٍ داخِلِيَّةٍ تُقاوِمُ الاسْتِيقاظَ. وَالحَجَرُ الَّذي أَلْقَيْتَهُ في الهَواءِ لَنْ يَرْتَفِعَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى قُوَّةٍ داخِلِيَّةٍ (مُدَعَّمَةٍ بِقُوَى خارِجِيَّةٍ) تُقاوِمُ الارْتِفاعَ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ في كُلِّ مَرَّةٍ يَرْتَفِعُ أَنْ يَفْعَلَ الشَّيْءَ نَفْسَهُ. وَلَنْ يَسْقُطَ (بَعْدَ الارْتِفاعِ) إِلَّا إِذا تَغَلَّبَ عَلَى قُوَّةٍ تُقاوِمُ السُّقُوطَ. كُلُّ تَغْيِيرٍ يُصْنَعُ بِواسِطَةِ قُوَّةٍ. إِنَّها قُوَّةٌ تَتَغَلَّبُ عَلَى مُقاوَمَةٍ لا مَفَرَّ مِنْها لِلتَّغْيِيرِ. تَمَّ التَّحْقُقُ فيزيائِيًّا مِنْ أَنَّ الجُسَيْماتِ ذَاتِ الكِتْلَةِ لا تَتَحَرَّكُ إِلَّا بَعْدَ مُقاوَمَةِ الحَرَكَةِ، وَلا يُمْكِنُ التَّغْلُبُ عَلَى هذِهِ المُقاوَمَةِ إِلَّا بِجُهْدٍ مُضاعَفٍ. وَمَعَ كُلِّ مُحاوَلَةٍ لِتَحْرِيكِ الجُسَيْمِ، تَزْدادُ صُعُوبَةُ الحَرَكَةِ. لا يُمْكِنُكَ تَحْرِيكَ الجُسَيْمِ لِنَفْسِ المَسافَةِ مِرارًا وَتَكْرارًا دُونَ زِيادَةِ الجُهْدِ المَبْذُولِ، لِأَنَّ مُقاوَمَتَهُ لِلحَرَكَةِ تَزْدادُ أَيْضًا.
هَذَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مُقَاوَمَةٍ جَدِيدَةٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَقْوَى مِنَ السَّابِقَةِ. لا تَتَغَلَّبُ عَلَى مُقَاوَمَةٍ إِلَّا لِتُوَاجِهَ مُقَاوَمَةً أَكْبَرَ وَأَقْوَى. الانْتِصَارُ عَلَى المُقَاوَمَةِ لا يَعْنِي اخْتِفَاءَهَا نِهَائِيًّا؛ فَكُلَّمَا تَمَّ دَحْضُهَا، تَعُودُ لِلظُّهُورِ بِقُوَّةٍ أَكْبَرَ، وَبِالتَّالِي، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ القُوَّةُ المُسْتَخْدَمَةُ لِلتَّغْلُبِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ ذِي قَبْلِ. عِنْدَمَا تَتَغَلَّبُ عَلَى المُقَاوَمَةِ، فَإِنَّكَ بِبَسَاطَةٍ تَرْفَعُهَا أَوْ تَنْقُلُهَا. لا تَخْتَفِي المُقَاوَمَةُ تَمَامًا بَلْ تَظْهَرُ بِقُوَّةٍ أَكْبَرَ فِي المَرْحَلَةِ التَّالِيَةِ. النُّجُومُ تَتَوَسَّعُ وَتَكْبُرُ خِلَالَ دَوْرَةِ حَيَاتِهَا وَتَطَوُّرِهَا؛ وَمَعَ كُلِّ تَوَسُّعٍ، تَزْدَادُ صُعُوبَةُ التَّوَسُّعِ. وَعِنْدَمَا تَبْدَأُ بِالانْكِمَاشِ، نَلاحِظُ نَفْسَ الظَّاهِرَةِ؛ فَكُلَّمَا انْكَمَشَتْ، زَادَتْ صُعُوبَةُ الانْكِمَاشِ. كُلُّ شَيْءٍ هُوَ نَتَاجُ سَبَبٍ مَا، وَلا يُوجَدُ مَا يَظْهَرُ مِنَ العَدَمِ؛ وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، كُلُّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ سَبَبًا لِأُمُورٍ أُخْرَى. فَعِنْدَمَا نَتَأَمَّلُ الأَشْيَاءَ كَأَسْبَابٍ، نَجِدُهَا تُحْدِثُ تَغْيِيرَاتٍ عَدِيدَةً وَتُؤَدِّي إِلَى ظُهُورِ ظَوَاهِرَ جَدِيدَةٍ، مَمَّا يَجْعَلُهَا قُوَى مُنْتِجَةً فِي وُجُودِهَا وَتَطَوُّرِهَا. يُمْكِنُ القَوْلُ إِنَّ العُنْصُرَ “س” قَدْ أَحْدَثَ سِلْسِلَةً مِنَ التَّغْيِيرَاتِ…
لَكِنَّ، هَلْ يُوجَدُ قَانُونٌ يَحْكُمُ كُلَّ مَا يُنْتِجُهُ العُنْصُرُ وَكُلَّ التَّغْيِيرَاتِ الَّتِي يُحْدِثُهَا؟ نَعَمْ، هُنَاكَ قَانُونٌ. وَهُوَ قَانُونٌ كَوْنِيٌّ يَقُولُ: الشَّيْءُ لَا يُؤَدِّي إِلَّا إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَى نِهَايَتِهِ. كُلُّ مَا يُنْتِجُهُ العُنْصُرُ، فِي حَيَاتِهِ وَتَطَوُّرِهِ، وَكُلُّ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ، يُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى زَوَالِهِ. فَالعُنْصُرُ، مِنْ خِلَالِ تَفَاعُلِهِ وَأَفْعَالِهِ، يَكُونُ كَمَنْ يَحْفِرُ قَبْرَهُ بِنَفْسِهِ. خُذْ سِلْكًا نُحَاسِيًّا وَقُمْ بِتَسْخِينِهِ. مَاذَا تَلَاحَظُ؟ سَتَلَاحِظُ أَنَّ السِّلْكَ يَتَمَدَّدُ. وَفِي تَحْلِيلِكَ الفِيزِيَائِيِّ لِلْحَدَثِ، سَتَقُولُ إِنَّ الحَرَارَةَ فِي السِّلْكِ هِيَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى التَّمَدُّدِ. التَّمَدُّدُ النَّاتِجُ عَنِ الحَرَارَةِ لَيْسَ حَلِيفًا لَهَا، بَلْ هُوَ نِهَايَتُهَا. فَالحَرَارَةُ الَّتِي تَسَبَّبَتْ فِي التَّمَدُّدِ، تُلْغِي نَفْسَهَا، وَكَأَنَّهَا تَحْفِرُ قَبْرَهَا بِنَفْسِهَا. الحَرَارَةُ فِي السِّلْكِ تُؤَدِّي إِلَى التَّمَدُّدِ، الَّذِي يُؤَدِّي بِدَوْرِهِ إِلَى فَقْدَانِ الحَرَارَةِ.
عِنْدَ تَسْرِيعِ جَسِيمٍ ذِي كَتْلَةٍ، تَجِدُ أَنَّ السُّرْعَةَ تُؤَدِّي إِلَى زِيَادَةٍ فِي كَتْلَتِهِ. السُّرْعَةُ هِيَ السَّبَبُ وَزِيَادَةُ الكَتْلَةِ هِيَ النَّتِيجَةُ. لَكِنْ زِيَادَةُ الكَتْلَةِ تُلْغِي السُّرْعَةَ، فَهِيَ تُنْتِجُ البُطْءَ. السُّرْعَةُ تُؤَدِّي إِلَى مَا يُلْغِيهَا، وَهُوَ زِيَادَةُ الكَتْلَةِ. السُّؤَالُ لِمَاذَا لَا نَرَى الأَشْيَاءَ فِي الظُّلْمَةِ؟ ظَلَّ بِلَا إِجَابَةٍ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ. هَذَا السُّؤَالُ أَدَّى إِلَى البَحْثِ وَالاسْتِقْصَاءِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالجَدَلِ. وَأَخِيرًا، أَدَّى إِلَى الإِجَابَةِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي تُلْغِي الحَاجَةَ إِلَى السُّؤَالِ نَفْسِهِ. أَدَّى إِلَى الجَوَابِ الَّذِي يُنْهِي السُّؤَالَ. عِنْدَمَا أَلْقَيْتُ الحَجَرَ فِي الهَوَاءِ، أَحْدَثَ، خِلَالَ صُعُودِهِ، العَدِيدَ مِنَ الأُمُورِ؛ لَكِنْ كُلَّ مَا أَحْدَثَهُ وَأَنْتَجَهُ وَتَسَبَّبَ فِيهِ قَدْ تَمَّ إِلْغَاؤُهُ فِي النِّهَايَةِ وَنَفْيُ حَالَةِ الصُّعُودِ، أَيُّ تَحْوِيلِهَا إِلَى العَكْسِ وَهُوَ حَالَةُ الهُبُوطِ. مِنَ النَّاحِيَةِ الفِيزِيَائِيَّةِ، نُفَسِّرُ صُعُودَ الحَجَرِ عَلَى أَنَّهُ نَتِيجَةُ طَاقَةٍ حَرَكِيَّةٍ نَقَلْتُهَا إِلَيْهِ (مِنْ جَسَدِي) عَبْرَ يَدِي، وَبِالتَّالِي نَقُولُ: إِنَّ سَبَبَ صُعُودِ الحَجَرِ هُوَ وُجُودُ طَاقَةٍ حَرَكِيَّةٍ فِيهِ.
هَذَا التَّفْسِيرُ الفِيزِيَائِيُّ يَتَطَلَّبُ تَعْمِيقًا فَلْسَفِيًّا، حَيْثُ لَنْ يَصْعُدَ الحَجَرُ أَبَدًا فِي حَالَتَيْنِ: إِذَا احْتَفَظَ بِالطَّاقَةِ الحَرَكِيَّةِ الَّتِي أَدْخَلْنَاهَا فِيهِ، أَوْ إِذَا فَقَدَ تِلْكَ الطَّاقَةَ. الشَّرْطُ الدِّيَالِكْتِيكِيُّ لِصُعُودِ الحَجَرِ هُوَ وُجُودٌ ثُمَّ نَفْيُ الطَّاقَةِ الحَرَكِيَّةِ. قَبْلَ أَنْ يَصْعُدَ، وَلِكَيْ يَصْعُدَ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا امْتِلَاكُ الطَّاقَةِ الحَرَكِيَّةِ، ثُمَّ فَقْدَانُهَا، فَإِذَا اسْتَمَرَّ الحَجَرُ فِي الاحْتِفَاظِ بِطَاقَتِهِ الحَرَكِيَّةِ بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ، فَسَيَكُونُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ صُعُودُهُ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ فِي فَقْدَانِهَا بِشَكْلٍ مُطْلَقٍ، فَسَيَكُونُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَيْضًا صُعُودُهُ. شَرْطُ الصُّعُودِ هُوَ أَنْ يَمْتَلِكَ (تِلْكَ الطَّاقَةَ) بِشَرْطٍ أَنْ يَفْقِدَهَا. فِي هَذَا التَّعْمِيقِ الفَلْسَفِيِّ لِلإِجَابَةِ الفِيزِيَائِيَّةِ، نَسْتَنْتِجُ أَنَّ السَّبَبَ الْمُنْفِيَّ هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الحَجَرَ لِلأَعْلَى، فَالْحَجَرُ قَبْلَ الارْتِفَاعِ يَجِبُ أَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى الطَّاقَةِ الحَرَكِيَّةِ الْكَافِيَةِ؛ وَلَكِنَّهُ لَنْ يَتَحَرَّكَ لِلأَعْلَى إِذَا اسْتَمَرَّ فِي الاحْتِفَاظِ بِهَا، لِذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقِدَ مَا اكْتَسَبَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الارْتِفَاعِ. بِفَقْدَانِ الحَجَرِ لِلطَّاقَةِ الحَرَكِيَّةِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا، يَبْدَأُ بِالارْتِفَاعِ، وَيَسْتَمِرُّ فِي الصُّعُودِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الارْتِفَاعُ يُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى إِلْغَاءِ حَرَكَتِهِ الصَّاعِدَةِ، أَيْ يَتَحَوَّلُ إِلَى السُّقُوطِ. يَنْتَهِي بِهِ الْمَطَافُ إِلَى اسْتِهْلَاكِ كُلِّ طَاقَتِهِ الحَرَكِيَّةِ، فَيَنْخَفِضُ. لَا يُمْكِنُ لِلشَّيْءِ أَنْ يَمْتَلِكَ مَيْلًا دُونَ نَقِيضِهِ، أَوْ دُونَ مَيْلٍ مُعَاكِسٍ. فَهَلْ يُوجَدُ مَعْدَنٌ يَمِيلُ فَقَطْ إِلَى اكْتِسَابِ الحَرَارَةِ أَوْ فَقَطْ إِلَى فَقْدَانِ الحَرَارَةِ؟ لَا، لَا يُوجَدُ مَعْدَنٌ كَذَلِكَ، فَكُلُّ مَعْدَنٍ يَحْمِلُ دَائِمًا هَذَيْنِ الْمَيْلَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ. يَمِيلُ إِلَى اكْتِسَابِ الحَرَارَةِ لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ يَمِيلُ إِلَى فَقْدَانِ الحَرَارَةِ، وَيَمِيلُ إِلَى فَقْدَانِ الحَرَارَةِ لِأَنَّهُ يَمِيلُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ إِلَى اكْتِسَابِ الحَرَارَةِ. وَالْعَامِلُ الْخَارِجِيُّ يُسَاهِمُ فَقَطْ فِي تَفْضِيلِ مَيْلٍ عَلَى الْآخَرِ. الْمَيْلَانِ مُتَحِدَانِ وَمُتَدَاخِلَانِ وَمُمْتَزِجَانِ، وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ اتِّحَادِهِمَا، فَهُمَا فِي صِرَاعٍ دَائِمٍ،كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْعَى لِفَرْضِ سَيْطَرَتِهِ عَلَى الْآخَرِ.
قَدَّمْتُ لِصَدِيقِكَ مَسَاعِدَةً مَالِيَّةً، وَهَذَا الْفِعْلُ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْفِعْلِ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَصْبِحَ فِعْلاً، كَانَ مَجَرَّدَ رَغْبَةٍ فِي الْمَسَاعَدَةِ. هَذِهِ الرَّغْبَةُ نَمَتْ وَتَعَزَّزَتْ حَتَّى ظَهَرَتْ بِقُوَّةٍ مِنْ خِلَالِ مُوَاجَهَةِ الرَّغْبَةِ الْمُعَاكِسَةِ، أَيِ الرَّغْبَةِ فِي عَدَمِ الْمَسَاعَدَةِ. وَيُعْبَرُ عَنْ هَذَا الصِّرَاعِ الدَّاخِلِيِّ بِكَلِمَةِ تَرَدُّدٍ. رَغْبَتُكَ فِي الْمَسَاعَدَةِ انْتَصَرَتْ فِي النِّهَايَةِ عَلَى نَقِيضِهَا. وَكَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ خَارِجِيٌّ سَاهَمَ فِي تَسْرِيعِ انْتِصَارِكَ عَلَى الرَّغْبَةِ الْمُعَاكِسَةِ، مِثْلَ صَدِيقٍ آخَرَ جَاءَ وَأَخْبَرَكَ بِأَنَّ الصَّدِيقَ الَّذِي تُرِيدُ مُسَاعَدَتَهُ يُحِبُّكَ كَثِيرًا وَيُعَانِي مِنْ مُشْكِلَةٍ مَالِيَّةٍ. لَقَدْ قَدَّمْتَ الْمَسَاعَدَةَ الْآنَ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَكَ فِي مُسَاعَدَتِهِ تَفَوَّقَتْ عَلَى نَقِيضِهَا، أَيْ عَلَى رَغْبَتِكَ فِي التَّرَدُّدِ عَنِ الْمَسَاعَدَةِ. لَكِنْ هَذِهِ الرَّغْبَةَ الْمُعَاكِسَةَ لَمْ تُهْزَمْ إِلَّا لِتَظْهَرَ بِقُوَّةٍ أَكْبَرَ مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا أَرَدْتَ مُسَاعَدَةَ صَدِيقِكَ مَرَّةً أُخْرَى، سَتَجِدُ أَنَّ رَغْبَتَكَ فِي التَّرَدُّدِ أَصْبَحَتْ أَقْوَى وَأَكْثَرَ حِدَّةً، فَكُلَّمَا قَدَّمْتَ الْمَسَاعَدَةَ أَكْثَرَ، تَزْدَادُ رَغْبَتُكَ فِي عَدَمِ الْمَسَاعَدَةِ. فِي مِيدَانِ السِّيَاسَةِ، نَلَاحِظُ أَنَّ السِّيَاسَاتِ الْمُفْرِطَةَ فِي الْمُرونَةِ وَالِاعْتِدَالِ تَحْمِلُ بِدَاخِلِهَا مَيْلاً قَوِيًّا وَمُتَزَايِدًا نَحْوَ التَّشَدُّدِ وَالتَّطَرُّفِ. وَبِالْمِثْلِ، تِلْكَ السِّيَاسَاتُ الْمُفْرِطَةُ فِي التَّشَدُّدِ وَالتَّطَرُّفِ تَكُونُ مُحَمَّلَةً بِمَيْلٍ قَوِيٍّ وَمُتَزَايِدٍ نَحْوَ الْمُرونَةِ وَالِاعْتِدَالِ. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُكَ السَّيْرَ فِي طَرِيقِ الِاعْتِدَالِ السِّيَاسِيِّ دُونَ أَنْ تُنْمِيَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ مَيْلاً نَحْوَ التَّطَرُّفِ؛ وَلَا يُمْكِنُكَ التَّطَرُّفُ فِي مَوَاقِفِكَ السِّيَاسِيَّةِ دُونَ أَنْ تُنْمِيَ مَيْلاً نَحْوَ الِاعْتِدَالِ. الْمَيْلُ الْأَشَدُّ نَحْوَ الْبُرُودَةِ يُلَاحَظُ فِي الْجِسْمِ الْأَكْثَرَ حَرَارَةً، وَالْمَيْلُ الْأَشَدُّ نَحْوَ “الْحَرَارَةِ” يُلَاحَظُ فِي الْجِسْمِ الْأَكْثَرَ بُرُودَةً. كَمَا أَنَّ الْمَيْلَ الْأَشَدَّ نَحْوَ الِانْكِمَاشِ يُلَاحَظُ فِي الْجِسْمِ الْأَكْثَرَ امْتِدَادًا، وَالْمَيْلُ الْأَشَدُّ نَحْوَ الِامْتِدَادِ يُلَاحَظُ فِي الْجِسْمِ الْأَكْثَرَ انْكِمَاشًا.
وَبِالمِثْلِ، المَيْلُ الأَشَدُّ نَحْوَ التَّنافُرِ يُلاحَظُ فِي الجِسْمِ الَّذِي وَصَلَ التَّجاذُبُ بَيْنَ أَجْزائِهِ إِلى أَقْصَى دَرَجاتِ الشِّدَّةِ، وَالمَيْلُ الأَشَدُّ نَحْوَ التَّجاذُبِ يُلاحَظُ فِي الجِسْمِ الَّذِي وَصَلَ التَّنافُرُ بَيْنَ أَجْزائِهِ إِلى أَقْصَى دَرَجاتِ الشِّدَّةِ. إِذا كانَ هُناكَ جِسْمٌ مُضْغوطٌ إِلى أَقْصَى حَدٍّ وَتَلَقَّى تَأْثيرًا خارِجِيًّا إِيجابِيًّا يُساعِدُ عَلى تَوْسُعِهِ، حَتَّى لَوْ كانَ هذا التَّأْثيرُ الخارِجِيُّ ضَئيلًا، فَإِنَّ الجِسْمَ سَيَبْدَأُ فِي التَّوْسُعِ بِسُرْعَةٍ وَسُهولَةٍ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِي التَّوْسُعِ كانَتْ قَوِيَّةً لِلغايةِ. يَكْفِي أَنْ تُبالِغَ فِي حُبِّكَ لِشَخْصٍ ما حَتَّى تَجِدَ نَفْسَكَ تَمْتَلِكُ رَغْبَةً قَوِيَّةً فِي كرْهِهِ، أَوْ أَنْ تُبالِغَ فِي كرْهِكَ لَهُ حَتَّى تَجِدَ نَفْسَكَ تَمْتَلِكُ رَغْبَةً قَوِيَّةً فِي حُبِّهِ. إِنَّ أَشَدَّ الأَحاسِيسِ بِالجَهْلِ لا يَعِيشُها إِلاَّ العالِمُ الكَبِيرُ، وَأَشَدَّ الأَحاسِيسِ بِالمَعْرِفَةِ لا يَعِيشُها إِلاَّ الجاهِلُ الكَبِيرُ فِي جَهْلِهِ. بِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِ أَطْرافِ التَّناقُضِ، يَتَكَوَّنُ العالَمُ مِنْ قُوَّتَيْنِ فَقَطْ، قُوَّةٌ تُدَعِّمُهُ وَقُوَّةٌ تُعارِضُهُ، أَيْ تُدَعِّمُ الطَّرَفَ المُقابِلَ. أَمَّا فِي الماءِ، فَهُناكَ صِراعٌ مُستَمِرٌّ بَيْنَ قُوَّتَيْنِ مُتَناقِضَتَيْنِ: قُوَّةٌ تَسْعَى لِجَعْلِ الجُزَيْئاتِ أَكْثَرَ تَباعُدًا، وَقُوَّةٌ تَسْعَى لِجَعْلِها أَكْثَرَ تَقارُبًا. وَبِالنِّسْبَةِ لِأَيٍّ مِنْ هاتَيْنِ القُوَّتَيْنِ، لا يَتَكَوَّنُ العالَمُ إِلاَّ مِنْ قُوَّتَيْنِ فَقَطْ، قُوَّةٌ مَعَها وَقُوَّةٌ ضِدَّها. الأَضْدادُ هِيَ عِبارَةٌ عَنْ قُوى تَتَنافَسُ باسْتِمْرارٍ. كُلُّ قُوَّةٍ مِنَ القُوَّتَيْنِ المُتَناقِضَتَيْنِ وَالمُتَحِدَتَيْنِ فِي ذاتِ الوَقْتِ، وَالتِي تَتَصارَعُ باسْتِمْرارٍ داخِلَ الشَّيْءِ، تَسْعَى لِلنُّموِّ وَالتَّفَوُّقِ وَالهَيْمَنَةِ. كِلا القُوَّتَيْنِ نَشِطَةٌ وَلَيْسَتْ ساكِنَةً، فَهِيَ تَعْمَلُ دائِمًا لِتَوْفِيرِ الظُّروفِ المُلائِمَةِ لِنُموِّها داخِلَ الشَّيْءِ وَخارِجَهُ، وَلِإِضْعافِ العَوامِلِ الَّتِي تُعِيقُ هذا النُّموِّ. وَفِي هذا السَّعْيِ، تَتَنافَسُ كُلُّ قُوَّةٍ مَعَ نَقِيضَتِها. داخِلَ الماءِ، كَما ذَكَرْنا، هُناكَ صِراعٌ دائِمٌ بَيْنَ جُزَيْئاتِهِ بَيْنَ قُوَّتَيْنِ مُتَناقِضَتَيْنِ: القُوَّةُ الَّتِي تَدْفَعُ الجُزَيْئاتِ لِلتَّباعُدِ، وَالقُوَّةُ الَّتِي تَدْفَعُها لِلتَّقارُبِ فِي الوَقْتِ ذاتِهِ. قُوَّةُ التَّنافُرِ تَعْمَلُ باسْتِمْرارٍ، داخل الماء وخارجه، لتوفير العوامل المُؤدِّية للتَّجاذُب بين جُزَيئات الماء، ولإضعاف العوامل التي تُعارِض هذا التَّجاذُب. وبهذه الطَّريقة، تتنافس كلُّ قوَّةٍ مع الأُخرى، وتسعى للتَّغلُّب عليها. إذا ازداد التَّنافُر (أو التَّباعُد) بين جُزَيئات الماء، فهذا يعني أنَّ قوَّة التَّنافُر قد تَفوَّقت على قوَّة التَّجاذُب في الصِّراع المُستمِرّ بينهما. وإذا ازداد التَّجاذُب (أو التَّقارُب) بين الجُزَيئات، فهذا يعني أنَّ قوَّة التَّجاذُب قد تَفوَّقت على قوَّة التَّنافُر في هذا الصِّراع. جميع العوامل الدَّاخِلِيَّة والخارِجِيَّة التي تُؤثِّر على جُزَيئات الماء، سواء بالتَّنافُر أو التَّجاذُب، هي تَجلِيَّات لقُوى التَّنافُر والتَّجاذُب. التَّقلُّص يعني انتِقال الشَّيء من حالة التَّمدُّد إلى الانكِماش، وهذا يحدُث بفِعل عوامل تُمثِّل قوَّة التَّقلُّص. الحالة السَّابِقَة للتَّقلُّص، أي التَّمدُّد، تُهيِّئ الأسباب للانكِماش، وكلٌّ من الحالتَين تُساهِم في نُشوء الأُخرى. الشَّيء الذي يتقلَّص هو الذي تَغلَّبت فيه القُوى المُؤدِّية للتَّمدُّد، والعَكس صحيح. الدِّيالِكتيك يَدرُس كيفيَّة إنتاج الأشياء لأضدادها، مِثل الحياة والموت، أو التَّمدُّد والتَّقلُّص. الأسعار في السُّوق، مِثل البضائع، تَرتَفِع وتَنخفِض، وهذا يُعكِس دورة الغِلاء والرُّخص. الارتِفاع لا يَستمِرُّ إلى الأبد وسيؤدِّي في النِّهاية إلى الانخِفاض، والعَكس صحيح. البِضاعة التي تَرتَفِع أسعارُها تُساهِم في نِهاية المَطاف في خَلق أسباب انخِفاضِها. التَّطوُّر يَظهَر في مَسارات كَمِيَّة صاعِدة وهابِطة، وكلُّ مَسارٍ له نِهاية تَنتُج من تَفاعُل الشَّيء مع بيئتِه. يَجِب أن نَفهَم أنَّ كلَّ مَسارٍ كَمِيٍّ هو جُزءٌ من نُموِّ الشَّيء الذي يُؤدِّي إلى تَحوُّلِه إلى نَقيضِه. الفَهم العِلمِيّ للأشياء يَتَطلَّب رُؤيتَها كَتارِيخ، مُعتَرِفين بأنَّها تَختَلِف عَبر الزَّمَن. الأشياء لا تُخلَق من العَدَم، بل تَتَطوَّر من حالات سابِقَة. الشَّمس التي نَراها اليوم ليست كَما كانت في الماضي وستَتَغَيَّر في المُستَقبَل.