كلمتي في مؤتمر رابطة المهندسين في الناصرة
د.محمود ابو فنه
تاريخ النشر: 20/05/24 | 11:28الأخوة والأخوات الكرام!
أسعد الله أوقاتكم!
يشرّفني أن أتقدّم بأجمل التحيّات والتبريكات لرابطتكم – رابطة المهندسين والمعماريّين العرب في البلاد، وأثمّن عاليًا نشاطاتكم وفعالياتكم التي تنبثق عن أهدافكم ورؤياكم كما وردت في تعريف رابطتكم بأنّها:
((إطار مهنيّ يضمّ معماريّين، مهندسين ومخطّطين تجمعهم قيم العطاء والانتماء لمهنتهم ولمجتمعهم العربيّ الفلسطينيّ في اسرائيل في ظل خصوصيّته المدنيّة والوطنيّة)).
ومّما يثلج الصدر أنّ رابطتكم تضمّ المهندسين والمهندسات، فأنا أومن أن مجتمعنا وشعبنا لن يرتقيَ ولن يتقدّمَ بدون أن تكونَ المرأة شريكةً فعّالة للرجل في بناء الأسرة السليمة، وفي تربية الأبناء التّربية المنشودة، وفي إسهامها في عجلة الإنتاج والعمل. ويحلو لي أن أردّد ما قاله الشّاعر العراقيّ الزّهاوي:
يرفعُ الشعبَ فريقا … نِ إناثٌ وذكور
وهل الطائرُ إلّا … بجناحَيْه يطير
أيهّا الأحباب، اسمحوا لي إبداء رأيي بإيجاز في أمرين:
الأمر الأوّل: ضرورة تحقيق التّوازن في حياة المواطنين عامّة وخرّيجي الجامعات خاصّةً.
أبارك الإقبال على دراسة المواضيع العلميّة والتّكنولوجيّة مثل: الهندسة والطّب والصيدلة والمحاماة والمحاسبة وإدارة الأعمال والحاسوب وغير ذلك من المهن والتّخصّصات، ولكن يجب أن لا يكون ذلك على حساب إهمال الفنون الجميلة وخاصّة الأدب وقراءته – نثرًا وشعرًا – لأنّ الإبحار في عالم الأدب يغذّي الرّوح، ويُطلق الخيال، وينمّي الإبداع، ويشحذ الذاكرة، ويشبع حاجات النّفس، ويتيح للقارئ إمكانية التّطهير، ويُكسب القيم، ويمنح القارئ المتعة الوجدانيّة الجماليّة، ويضيف لحياتنا عمقًا آخر، ويلوّن العالم من حولنا بكلّ ألوان الطّيف، ويرفض تلك الرّؤية الأحاديّة الّتي لا ترى إلّا اللّونين: الأبيض والأسود!
لذلك أدعو لتحقيق التّوازن المنشود بين العلم والفنّ، بين حاجات العقل وحاجات الرّوح!
وأنا أرجو أن تصبح القراءة الذّاتيّة عندنا عادة متأصّلة لدى جميع المواطنين، وبذلك نصبح أمّة “اقرأ” بجدارة واستحقاق!
الأمر الثّاني: ضرورة الثّقة بأنفسنا والتّحلّي بالتّفاؤل والأمل والبشاشة!
كم يؤلمني أن أسمعَ أو أقرأ أقوالا لمن يتبنّى فلسفة انهزاميّة فحواها
بأنّنا عاجزون وغير قادرين على التّقدّم والتّغيير، وأنّ هذه طبيعتُنا، وهذا مصيرُنا،
وكلّ المحاولات للتّطوير والنّهوض ستفشل…
لكلّ أولئك اليائسين المحبَطين أقول:
نحن كبقيّة الشّعوب لدينا طاقات وقدرات وموارد وكفاءات ومواهب، وعلينا أن نؤمن بأنفسنا ونثقّ بأبنائنا وأحفادنا، وتحصيلُ أعلى الإنجازات والشّهادات ليس أمرًا مستحيلّا، فبواسطة بذل الجهود والمثابرة نرتقي ونتقدّم، ولنتعلّم من الماء، فتَكرار جريانه فوق الصّخور الصّلدة، يؤدّي إلى حفرها وتفتيتها!
وقد قال في ذلك الشّاعر:
اطلبْ ولا تضجر من مطلبٍ – فآفةُ الطّالبِ أن يضجرا
أما ترى الماءَ بتَكراره – في الصّخرة الصّمّاء قد أثّرا
وأنا أناشد المتعلّمين المتنوّرين أمثالَكم السّعيَ الجادّ لإحداث التّغيير والإصلاح في مجتمعنا وشعبنا، وكم تروقُ لي عبارة المفكّر المثقّف د. إدوارد سعيد الواردة في كتابه: “المثقّف والسّلطة”: “ليس على المثقّف أو المفكّر أن يكون شكّاءً بكّاءً لا يعرف الابتسام”!
وأنا بطبيعتي متفائل وأدعو لتبنّي أفكارًا إيجابيّة، ويعجبني الشّاعر المهجريّ إيليا أبو ماضي في فلسفته وتفاؤله وتوجّهه الإيجابيّ، وقد عبّر عن ذلك في أكثر من قصيدة:
يقول في قصيدة: “فلسفة الحياة”:
أحكمُ النّاس في الحياة أناسٌ – علّلوها فأحسنوا التعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه: لا تخف أن يزول حتّى يزولا
ويقول: كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلا!
وفي قصيدة: “إنّما الغبطة فكرة” يقول:
أيّها الشّاكي اللّيالي – إنّما الغبطةُ فكرة
ربّما استوطنتِ الكوخَ – وما في الكوخِ كسرة
وخلت منها القصورُ – العالياتُ المشمخرّة
ونقرأ له في قصيدة أخرى:
قال السماءُ كئيبةٌ وتجهّما – قلتُ ابتسم يكفي التّجهمُ في السّما!
………………………………………………………….
فلعلّ غيرَك إنْ رآك مرنِّما – طرح الكآبةَ جانبًا وترنّما
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.