تدبر آية عن المسؤولية وشروط توليها
موسى عزوڨ
تاريخ النشر: 27/05/24 | 10:29قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾. سورة الاسراء: 70(1). وقال : ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ القصص 26 .
قال اهل التفسير (2) المعنى : قالت إحدى المرأتين لأبيها شعيب : يا أبت استأجره – تقصد سيدنا موسى عليهما السلام بعد ان سقا لهما – ليرعى لك ماشيتك؛ إنَّ خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك، الأمين الذي لا تخاف خيانته فيما تأمنه عليه. ويذكر بن عاشور في تفسيره: (عِلَّةٌ لِلْإشارَةِ عَلَيْهِ بِاسْتِئْجارِهِ، أيْ لِأنَّ مِثْلَهُ مَن يُسْتَأْجَرُ. وجاءَتْ بِكَلِمَةٍ جامِعَةٍ مُرْسَلَةٍ مَثَلًا؛ لِما فِيها مِنَ العُمُومِ ومُطابَقَةِ الحَقِيقَةِ بِدُونِ تَخَلُّفٍ، فالتَّعْرِيفُ بِاللّامِ في” القَوِيُّ الأمِينُ “لِلْجِنْسِ مُرادٌ بِهِ العُمُومُ. والخِطابُ في” مَنِ اسْتَأْجَرْتَ “مُوَجَّهٌ إلى شُعَيْبٍ.). في قوله تعالى:﴿ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ ﴾. فمن الواضح جدا ان هذا كلام وتقيم ومعيار إحدى بنات شعيب، ولا يوجد تعقيب من الله سبحانه لا على تأييده ولا على نفيه، مثلا كما في قصة بلقيس مع سيدنا سليمان عليه السلام حيث جاء على لسانها وانطلاقا من تجربتها : ﴿قالَتْ إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً…﴾. وباتفاق غالبية المفسرين ان التعقيب كان من الله سبحانه :﴿وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾. وهو اقرار للتجربة .
من ناحية اخرى يضيف الشيخ الطاهر بن عاشور نكتة جميلة عن المعيارية في الاختيار والهدف من القصة بقوله :” هَذِهِ المُناظَرَةُ بَيْنَ العِفْرِيتِ مِنَ الجِنِّ والَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ تَرْمُزُ إلى أنَّهُ يَتَأتّى بِالحِكْمَةِ والعِلْمِ ما لا يَتَأتّى بِالقُوَّةِ، وأنَّ الحِكْمَةَ مُكْتَسَبَةٌ لِقَوْلِهِ (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ)، وأنَّ قُوَّةَ العَناصِرِ طَبِيعَةٌ فِيها، وأنَّ الِاكْتِسابَ بِالعِلْمِ طَرِيقٌ لِاسْتِخْدامِ القُوى الَّتِي لا تَسْتَطِيعُ اسْتِخْدامَ بَعْضِها بَعْضًا. فَذُكِرَ في هَذِهِ القِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ العِلْمِ عَلى القُوَّةِ. ولَمّا كانَ هَذانِ الرَّجُلانِ مُسَخَّرَيْنِ لِسُلَيْمانَ كانَ ما اخْتُصّا بِهِ مِنَ المَعْرِفَةِ مَزِيَّةً لَهُما تَرْجِعُ إلى فَضْلِ سُلَيْمانَ وكَرامَتِهِ أنْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ القُوى. ومَقامُ نُبُوَّتِهِ يَتَرَفَّعُ عَنْ أنْ يُباشِرَ بِنَفْسِهِ الإتْيانَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ.والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: (﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾) وقَوْلَهُ: (﴿قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾) مَثَلانِ في السُّرْعَةِ والأسْرَعِيَّةِ، والضَّمِيرُ البارِزُ في (رَآهُ) يَعُودُ إلى العَرْشِ.
ومن هنا نصل الى ما طرحته عبر صفحتي الفيسبوكية عن الفرق بين قول سيدنا يوسف عليه السلام وهو النبي لا كذب في طلب تحمل المسؤولية :” { قَالَ اَ۪جْعَلْنِے عَلَيٰ خَزَآئِنِ اِ۬لَارْضِ إِنِّے حَفِيظٌ عَلِيمٞۖ }.[سُورَةُ يُوسُفَ: ٥٥].وبين طلب عفريت الجن تحمل المسؤولية :﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ النمل: 39 معنى قال عفريت من الجن ) وهو المارد القوي ، قال ابن عباس : العفريت الداهية .وقال الضحاك : هو الخبيث . أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) أي : من مجلسك الذي تقضي فيه ، وإني عليه ) أي : على حمله لقوي أمين ، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا(3).
وهو في رأيي الشخصي (وطبعا هذا ليس لا تفسير ولا ترجيح …. ). ان المسؤولية تتطلب أساسا الحفظ والعلم، وليس القوة والامانة . وان كانت طبعا عاملا مساعد . وقد يزيد فهم الآية التي تليها مباشرة الموضوع وضوحا : ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ …..﴾ [النمل: 40].قال أكثر المفسرين ان الذي عنده علم من الكتاب: هو آصف بن برخياء (انسان، بن ءادم)، وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. وروى جويبر، ومقاتل، عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن آصف قال لسليمان حين صلى: مد عينيك حتى ينتهي طرفك، فمد سليمان عينيه، فنظر نحو اليمن، ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يخدون به خدا حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان (4) .
ولعل اوضح مثال في القران يتدول خطأ الاستدلال بالآية 28 من سورة يوسف على ان كيد النساء عظيم . كأنه قران منزل ؟ والحقيقة انه ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ . والحقيقة ان ذلك قول ورأى المستشار ( قطفير ( لما رأى قميصه قد من دبر ) فعرف خيانة امرأته وبراءة يوسف عليه السلام ( قال ) لها ( إنه ) أي : إن هذا الصنيع ( من كيدكن إن كيدكن عظيم . وقيل: إن هذا من قول الشاهد .
وفي الختام وفي دعوة لتدبر القران الكريم اتمنى على كل من يقرأ هذه الحروف الى مراجعة ذلك في أي تفسير للقران الكريم ، ويفيدنا بما وصل اليه
—————— تهميش : ———————-
1- اسماعيل بن الخطيب ابي حفص عمر بن كثير، تفسير بن كثير، ج 4، الطبعة 6، دار الاندلس، بيروت، 1984. ص 328.
2- بن كثير، المرجع نفسه، ج 05، ص 234
3- بن كثير، نفس المرجع السابق، ص 234.234.
4- محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور ، التحرير والتنوير ” تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد ” ، ج 15 ، ط 1 ، الدار التونسية للنشر ، تونس ، 1984.
عزوق موسى محمد