لستُ أنثى!
بقلم د .ادم عربي
تاريخ النشر: 09/06/24 | 9:59منذُ صِغَري، كُنتُ أُفَضِّلُ ارتِداءَ مَلابِسِ الأولادِ، والمُشارَكةَ في أَلعابِهِم، والتَصَرُّفَ كأَحَدِهِم. كانَت الألعابُ مثلَ البُلبُلِ والكُراتِ الزُجاجِيَّةِ مَصدَرَ تَسلِيَتي، وغالِبًا ما كُنتُ أَتَغَلَّبُ على الأولادِ فيها، حتَّى باتَ الجَميعُ يُنادُونَني “رامي” بَدَلًا مِن “رامية”. كانَت عائِلَتي وأَقارِبي يَستهزِئُونَ بِسُلوكِي الذُكوري، وكانُوا يُوجِّهونَ النَصائِحَ لأُمِّي قائلين: “سَتَكبُرُ يَومًا وتُصبِحُ أَكثَرَ أُنوثَةً”.
لكنَّ عِندَما وَصَلتُ إلى سِنِّ الثالِثَةَ عَشَرَ، بَدَأَ القَلَقُ يَظهَرُ على وَجهِ أُمِّي، وأَمطَرَتني بالأَسئِلَةِ لأَنَّها لَم تَرَ فيَّ الأُنوثَةَ التي كانَت تَأمُلُها. اصطَحَبَتني إلى الطَبيبِ، الذي أَمَرَ بإجراءِ العَديدِ مِن التَحاليلِ وأَخذِ عَيِّناتٍ مِن دَمي وبَولي. كانَت نَظَراتُ الطَبيبِ تَحمِلُ استِصغارًا لأُنوثَةٍ غَيرِ مَوجودَةٍ وذُكورةٍ لا يَعترِفُ بِها سِواي.
وعِندَما ظَهَرَت نَتائِجُ التَحاليلِ، طَمأَنَ الطَبيبُ أُمِّي بابتِسامَةٍ مُتَفائِلَة: “لا داعي لِلقَلَق، لا يُوجَدُ ما يَدعو لِلخَوف، إِنَّها مُجرَّدُ مَرحَلَةٍ مُؤَقَّتَةٍ وستَزولُ مَعَ الوَقت”.
شَعَرتُ بِالغَضَبِ مِن كَلِماتِه، وتَمَنَّيتُ لو أَستَطيعُ مُواجَهَتَه. كيفَ يُمكِنُ لِتحاليلَ بَسيطَةٍ ولِشَخصٍ لا يَعرِفُني أن يُحَدِّدَ هَوِيَّتي أَفضَلَ مِنِّي؟ وكيفَ يُمكِنُهُ الجَزمُ بأنَّني فَتاةٌ عادِيَّة؟ أنا لا أُشبِهُ الفَتَياتِ في شَيء، ولا تَربِطُني بِهِنَّ أَيُّ صِلَةٍ في المَشاعِرِ أو التَصَرُّفات.
مَعَ مُرُورِ الوَقت، تَغَيَّرَت بَعضُ مَلامِحي، لكنَّني ظَلَلتُ “رامي”. كُنتُ أُخفي “رامية” داخِلَ البَيتِ وأَعيشُ حَياتي الحَقيقِيَّةَ خارِجَه. كانَ أَصدِقائي ماهِر وأَحمَد وصالِح يَعرِفُونَ قِصَّتي، وكُنتُ أَزورُهُم دونَ عِلمِ والِدي وأَخرُجُ مَعَهُم. لم يَشُكَّ أَحَدٌ مِنهُم في أنَّني أُنثى، وكانُوا يَعِدُونَني بِمُساعَدَتي في الحُصولِ على حُقوقي في هَوِيَّةٍ لا يَعترِفُ بِها الآخَرُون.
وعِندَما بَلَغتُ الثامِنَةَ عَشَر، كانَت الحَياةُ تَحدِّيًا ولَم أَجِدْ مَن يَفهَمُني. كانَت النَصائِحُ تَأتيني دائِمًا بِعبارَةِ “يا ابنتي”، وكُنتُ أَتَمَنّى لو يَحدُثُ شَيءٌ يُزيلُ عَنّي هَذا العِبء.
ذاتَ يَوم، عُدتُ إلى البَيتِ لأَجِدَهُ في حالَةِ استِنفارٍ لِلتَنظيف. أَخبَرَتني أُمِّي بِحَماس: “عائِلَةُ صَيداوي سَتَزورُنا اليَوم، ويَرغَبُونَ في خِطبَتِكِ لِابنِهِمُ المُهَندِس”. شَعَرتُ بِالصَدمَة، لم أَكُن أَتَخَيَّلُ أن يَراني أَحَدٌ كَأُنثى. قُلتُ لَها: “لَن أَخرُج، أنا لَستُ فَتاة”. خَرَجَت أُمِّي مِنَ الغُرفَةِ وهي تَبكي.
أَردتُ الفِرار، لكنَّ والِدي مَنَعَني وأَصَرَّ على أن أُقابِلَهُم وأَتَصَرَّفَ كالفَتَيات. دَخَلتُ غُرفَتي غاضِبًا، ولَم أَعرِفْ ماذا أَفعَل. ارتَديتُ مَلابِسي بِسُرعَةٍ وخرَجتُ إلى غُرفَةِ الضُيوفِ بِزيٍّ رَسميٍّ ورَبطَةِ عُنُق. كانَت تِلكَ المَرَّةُ الأولى التي يَراني فيها أَهلي بِمَظهَري الذُكوري الأَنيق، وكانَت رُدودُ أفعالِهِم مَزيجًا مِنَ الدَهشَةِ والصَدمَة.