رقصات جارتنا الخفية
عبده حقي
تاريخ النشر: 20/06/24 | 6:40مما لاشك فيه أن موضوع العلاقات السياسية السرية بين الجزائر وإسرائيل يعتبر موضوعا مثيرا للاهتمام في الآونة الأخيرة، ومحاطا بما يشبه العداء التاريخي والدبلوماسية السرية . ومع ذلك، فقد انخرطت الجزائر وإسرائيل، الدولتان اللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية ومباشرة ولهما تاريخ طويل من العداء الظاهر، في تفاعلات سرية تعكس ديناميكيات سياسية إقليمية وعالمية أوسع.
وعلى الرغم من هذا العداء المقنع ، فقد سجل المراقبون هناك حالات من الاتصالات السرية بين المسؤولين الجزائريين والإسرائيليين. في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أدت تعقيدات الدبلوماسية الدولية إلى اتصالات عبر القنوات الخلفية بين الحين والآخر. وكثيراً ما تم تسهيل هذه التفاعلات من قبل أطراف ثالثة، بما في ذلك الدول الأوروبية والمنظمات الدولية، التي سعت إلى التوسط أو مجرد مراقبة الديناميكيات المتطورة.
لقد حدثت إحدى أبرز حلقات هذا التفاعل السري في عام 1976 أثناء عملية اختطاف طائرة عنتيبي حيث اختطف فدائيون فلسطينيون وألمان طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية وتم نقلها إلى عنتيبي، بأوغندا. وطالب الخاطفون بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل. وكان من بين الرهائن مواطنون إسرائيليون. ولعبت الجزائردورا مفاجئا بالسماح للطائرة بالهبوط في الجزائر العاصمة قبل توجهها إلى أوغندا. وعلى الرغم من أن هذا العمل يبدو داعمًا لكوموندو الخاطفين، إلا أنه شكل فرصة سانحة لفتح قناة للاتصال غير المباشر بين المسؤولين الإسرائيليين والجزائريين، مما سلط الضوء على الطبيعة المعقدة والمتناقضة في كثير من الأحيان للعلاقات بينهما.
كما شهدت الثمانينيات تحولاً طفيفاً في طبيعة التفاعلات الجزائرية الإسرائيلية، مدفوعة بالمصالح المتبادلة في مواجهة التهديدات الإقليمية. فقد واجه كلا البلدين تحديات مقلقة من الحركات الإسلامية المتطرفة، وكانت هناك تقارير عن تبادل المعلومات الاستخبارية، وخاصة في المجالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وكانت هذه التبادلات السرية عملية، حيث ركزت على المخاوف الأمنية المتبادلة بدلاً من أي تقارب سياسي أوسع.
كانت وما تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عرضة للتحديات الأمنية، من الصراعات بين الدول إلى الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي. وقد وجدت كل من الجزائر وإسرائيل، على الرغم من العداء الظاهر بينهما، أرضية مشتركة في معالجة بعض هذه التحديات. فقد عكست معركة الجزائر ضد تمرد الإسلاميين خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، مخاوف إسرائيل بشأن الجماعات الإسلامية في المناطق المجاورة لها. وقد سهّل هذا التقارب في المصالح التعاون السري في المسائل الأمنية.
بالنسبة لإسرائيل، كان الحفاظ على اتصالات سرية مع الجزائر جزءًا من استراتيجية أوسع لكسر عزلتها الإقليمية وبناء التحالفات، حتى ولو بشكل غير رسمي، مع بعض الدول العربية والأفريقية. بالنسبة للجزائر، فقد سمح لها التعامل سرًا مع إسرائيل بالتعامل مع تعقيدات السياسة الإقليمية، وتحقيق التوازن بين دعمها العلني لفلسطين والاعتبارات الأمنية والدبلوماسية العملية.
كما لعبت القوى الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، دورًا في تسهيل أو التوسط في الاتصالات السرية بين الجزائر وإسرائيل. ولهذه القوى مصالحها الاستراتيجية الخاصة في المنطقة، وكثيراً ما عملت كوسطاء، وشجعت الحوار والتعاون حيثما أمكن ذلك.
وكان الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي شغل منصب رئيس الجزائر من 1999 إلى 2019، شخصية رئيسية في التفاعلات السرية لبلاده مع إسرائيل. بوتفليقة، وقد كان دبلوماسيا محنكا يتمتع بعلاقات عميقة في العالم العربي، أبحر في السياسة الخارجية المعقدة للجزائر باللعب على الحبلين بين التضامن الظاهر مع القضية الفلسطينية والتعامل السري مع إسرائيل. وشهدت فترة ولايته حالات من التواصل غير المباشر وتبادل المعلومات الاستخبارية، لا سيما في سياق الأمن الإقليمي.
وأضاف توقيع اتفاقيات أبراهام عام 2020، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بعدا جديدا للعلاقات الجزائرية الإسرائيلية. وإذا كانت الجزائر لم تنضم إلى هذه الاتفاقيات رسميا، فقد خلق المشهد الإقليمي المتغير فرصًا وضغوطًا جديدة للدبلوماسية السرية. لقد غيرت موجة التطبيع الحسابات الاستراتيجية للعديد من الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك الجزائر.
أحد التحديات الرئيسية أمام أي تحسن علني في العلاقات الجزائرية الإسرائيلية هو الرأي العام. ففي الجزائر، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، هناك دعم شعبي كبير للقضية الفلسطينية ومعارضة قوية للتطبيع مع إسرائيل. وأي اعتراف علني بالاتصالات السرية يمكن أن يؤدي إلى ردة فعل عنيف في الداخل وعدم الاستقرار السياسي في الجزائر.
وعلى الرغم من هذه التحديات، هناك إمكانية لمواصلة المشاركة العملية بين الجزائر وإسرائيل، لا سيما في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الاقتصادي. إن الديناميكيات الإقليمية المتطورة، وخاصة إعادة تنظيم العلاقات العربية الإسرائيلية، قد تخلق فرصاً جديدة للرقي أكثر بالتعاون السري.
ومن الممكن أيضاً أن تؤثر الاتجاهات الإقليمية الأوسع، بما في ذلك الحل المحتمل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتحقيق الاستقرار في مناطق الصراع الرئيسية، على مستقبل العلاقات الجزائرية الإسرائيلية. إن تحقيق شرق أوسط أكثر استقراراً وسلاماً من الممكن أن يخلق بيئة مواتية لمشاركة أعمق، ولو أنها لا تزال مشاركة محتشمة.
إن العلاقات السياسية السرية بين حكام الجزائر وإسرائيل هي شهادة على حتمية انفتاح الدبلوماسية الدولية ككل . وعلى الرغم من تاريخ من العداء العام والمعارضة الأيديولوجية المقنعة ، فقد وجد البلدان بالرغم من الظروف الحالية العصيبة في غزة أرضية مشتركة في معالجة المخاوف الأمنية المتبادلة والتعامل مع المشهد الإقليمي المضطرب. ومع استمرار الشرق الأوسط في التطور، فمن المرجح أن يرتفع إيقاع التفاعلات السرية بين الجزائر وإسرائيل، مما يعكس توازناً دقيقاً بين المواقف العامة والدبلوماسية العملية.