الرّومانسيّة والحبّ المتعثّر في رواية” في قلبي..” لرضوان صندوقة
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 02/07/24 | 10:43عن مكتبة كل شيء في حيفا صدرت مؤخّرا رواية “في قلبي…” للكاتب المقدسيّ رضوتن صندوقة، وتقع الرّواية الّتي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ ماهر شهاب القواسمي في 200 صفحة من الحجم المتوسّط، ومنتج الرّواية وأخرجها الأستاذ شربل الياس.
رواية “في قلبي…” هي الرّواية الأولى للمحامي المقدسيّ رضوان صندوقة.
طالعت هذه الرّواية فأدهشتني وسيطرت عليّ من سطرها الأوّل حتّى آخر كلمة فيها، فعنصر التّشويق قادني لقراءتها في جلسة واحدة.
تتحدّث الرّواية عن قصّة حبّ رومانسيّة بين رجل وامرأة، وتشعّبت إلى حكايات وقصص أخرى عن زواج فاشل، لكنّها بقيت مترابطة بخيط شفيف؛ لتخدم الهدف الأوّل، وهو السّلطة الأبويّة القمعيّة، الّتي تتحكّم بحياة الأبناء، فلا تعطيهم أبسط حقوقهم، ومنها حقّهم الفطريّ بالزّواج ممّن يحبّون، وما دام القمع يبدأ من الأسرة والبيت فإنّه يمتد ليعمّ المجتمع، الّذي أفرز سلطات مستبدّة.
وقد لفتت انتباهي الّلغة الأدبيّة الشّاعريّة والشّعريّة الّتي كتبت بها الرّواية، فقد بدا لي الكاتب كأنّه يتغنّى بجماليّات الّلغة، وساعدة في ذلك أنّ روايته رومانسيّة، والرّومانسيّة هي:” هي إناء الحبّ والعشق والغرام وتتشكّل من مزيج من الإحساس بالتّعلّق القويّ والجذّاب والممتع والعاطفيّ في إطار خياليّ حالم جميل تجاه شخص آخر، وغالبا ما تتجمّع هذه الأحاسيس في وحدة من الجاذبيّة العاطفيّة التي تتدرّج صعودا إلى التّمازج الجنسيّ”.
لكنّ الحبّ في رواية “في قلبي…” تدرّج إلى قمّته الّتي كان يجب أن تصل بين فارس الّذي يقرض الشّعر، وبين عشيقته الدّكتورة غدير إلى الزّواج، لكنّ السّلطة الأبويّة رفضت ذلك، ففرض الأب على ابنته أن تكون خطيبة لرجل آخر؛ ليبقى الشّاعر العاشق ” فارس” وعشيقته الدّكتورة غدير يعيشان لوعة الحبّ، الّذي لم يكتمل كما يشتهيان، وحكاية فارس وغدير ذكّرتني بقصّة” قيس وليلى” المعروفة في الأدب العربيّ. فهل تأثّر الكاتب رضوان صندوقة بها، أم أنّ روايته جاءت عفو الخاطر؟
والحبّ والرّومانسيّة مترابطان كما تقول د. نرمين الحوطي في مقال نشرته في صحيفة الأنباء الكويتيّة بتاريخ 4-7-2008:” الحبّ والرّومانسية جزء لا يتجزأ، فالرّومانسيّة هي النّواة الأساسيّة للحبّ، والحبّ هو الطّاقة المولّدة للرّومانسيّة، فهما مشاعر يحتاجها البشر، فبدون هذه المشاعر لا يستطيع الإنسان العيش، فهما النّسمات الجميلة التي يستنشقها الإنسان، وهما الماء العذب الذي يروي ظمأه، ولكن ما الفرق بينهما؟ الحبّ هو العلاقة الناجحة بين شخصين، وهو لا يخضع لشروط لأنّ كلّ شخصين حالة خاصّة تختلف عن غيرها. وهو من ضروريّات الحياة، أمّا الرّومانسيّة فهي محاولة من البشر لتجميل الواقع، حيث تتجزّأ إلى الخيال والحلم، ويتمّ من خلالها إضفاء السّعادة على الحياة.”
وواضح أنّنا أمام كاتب رومانسيّ، ولو لم يكن كذلك لما استطاع كتابة هذه الرّواية.
لكنّ السّؤال هو هل عاش الكاتب حالة الحبّ الّتي كتب عنها؟ وسواء كان الجواب “نعم” أو “لا” فإنّ هذا لا يغيّر شيئا من قيمة الرّواية، مع التّذكير بأنّ الكاتب يكتب في نصوصه شيئا من حياته، ومع التّأكيد بأنّ حبيبة الكاتب أو حبيب الكاتبة ليس شرطا أن يكون إنسانا من لحم ودم، وقد يكون وليد خيال خصب.
ما علينا، فالرّواية لم تقتصر على حالة العشق بين فارس وغدير، والّتي أفسدتها
” السّلطة الأبويّة”، عندما وقفت سدّا منيعا بين زواجهما، بل تعدّتها إلى حكايات أخرى، فإحداهنّ فرض عليها زواج البدل، وتمّ طلاقها عندما اختلفت بديلتها مع زوجها وتطلّقا، فتطلّقت هي الأخرى بضغط من حماتها وهي حامل؛ لتنجب طفلا عاش في كنف والدته بعيدا عن والده.
وهناك زواج العمّة الّتي تزوّجت من مغترب في الخليج لا تعرف شيئا عنه، وتفاجأت بأنّه في السّتينات من عمره، فقضت معه مرغمة عشر سنوات، مات بعدها؛ لتمضي بقيّة حياتها أرملة.
وواضح أنّ الكاتب قام بدور السّارد العليم، فقد حرّك شخوص روايته كما يريد، ولم يترك لهم حرّيّة الحركة، حتّى أنّه لم يترك لهم في أكثر من موقف حرّيّة الحوار، ليتحاوروا مع غيرهم، بل كان يسرد ما يقولونه على ألسنتهم بلغة الغائب.
ويبدو أنّ الكاتب قد استفاد في قصص وحكايات روايته من مهنته كمحام، فمن خلال القضايا العائليّة والأسريّة الّتي استلمها كمحام اطلّع علىى الكثير من القضايا المجتمعيّة الّتي ولّدت مشاكل مثيرة أيضا.
وماذا بعد: تعتبر هذه الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة، الّتي تفتقر لروايات الحبّ، وهي موجودة بين أفراد شعبنا مثله مثل بقيّة الشّعوب، وإن طغى الهمّ السّياسيّ على الأدب الفلسطينيّ، مع التّأكيد أنّ هذه القراءة السّريعة للرّواية لا تغني عن مطالعتها والتّمعّن فيها، وهذه الرّواية تنبئنا بمولد روائيّ جديد سيكون ه شأن في عالم الرّواية بشكل خاصّ، وعالم الأدب بشكل عامّ.