عيدا عن هموم السياسة والرقابة… ولله في خلقه شؤون
الاعلامي احمد حازم
تاريخ النشر: 10/07/24 | 0:36الشعب الألماني ــــــ نساء ورجالاً ــــــ معروف بجده ونشاطه وقدراته الابداعية ومصداقيته، والتزامه بالمواعيد ( تماما بعكس العرب)، وهذا الشعب بنى بلده بعد الحرب العالمية الثانية، لتصبح إحدى أكبر وأهم الدول الصناعية الكبرى، بعد أن كان معظمها ولا سيما العاصمة برلين تحت الركام في منتصف الأربعينات، حيث كانت برلين أشبه بمدينة أشباح، لكنها اليوم أهم مدينة في أوروبا سياسيا واقتصاديا وسياحيا.
المجتمع الألماني يحترم الانسان في حياته، ويساعده حتى خلال سنوات الاقتراب من النهاية الحتمية، وفي مطلع الصيف والشتاء واقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة، تتسابق المحلات والأسواق التجارية الكبيرة كل عام، لتقديم عروض مغرية للمواطن الألماني لجذبه إليها بتنزيلات مغرية على الاسعار. الشيء الغريب ان مكاتب دفن الموتى دخلت سوق التنزيلات في أسعار مغرية تتعلق بالموتى.
وقد لفت نظري إعلان عجيب لأحد مكاتب دفن الموتى، جاء فيه: “سارع في حجز قبرك عندنا ونحن نضمن لك مكانا في الجنة”. وقد دفعني فضولي الصحفي لمعرفة المزيد عن هذه الاعلانات، فذهبت برفقة صحفي ألماني صديق لي إلى أحد هذه المكاتب، وتظاهر الصديق، بأنه يريد عرضا لدفن والده المتوفي الموجود حاليا في إحدى المستشفيات، فأجابته الموظفة بأن السعر يختلف من حالة إلى أخرى، فإذا كان الاتفاق يتضمن مكانا في الجنة، فإن السعر يزداد ثلاثين بالمائة، وهذا عرض خاص. وقد سردت الموظفة تفاصيل كيفية ضمان مكان في الجنة عن طريق كاهن متخصص من الفاتيكان، ومن يتمتع بعقل سليم، لا يصدق أبدا رواية الموظفة، لكن هناك الكثير جدا من قليلي العقل الذين يثقون بكلامها. الأمر المثير للدهشة، أن الموظفة أخبرت زميلي الألماني، أن عليه الاسراع إذا كان يريد دفن والده خلال فترة تخفيض أسعار دفن الموتى، لأن الأماكن أصبحت محدودة جداً.
وجاء في إعلان آخر لمكتب متخصص في حرق الموتى: ” نحن نحرق ونرمي في البحر بطريقة خاصة وبسعر خيالي”. والشيء الذي يتميز به هذا المكتب لزبائنه الأحياء، أنه يقدم لهم قبل الاتفاق، عرض فيديو لكيفية الحرق وكيفية الرمي في البحر، ويكونوا بذلك مطلعين مسبقا على كيفية التعامل مع الجثة. فإذا اختار أحدهم مراسم الدفن العادي فعليه مسبقا دفع حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة يورو، ومن يختار عملية الحرق فهو مضطر لدفع 2500 يورو، ومراسم الرمي في البحر فتكلفتها فقط ألفي يورو، أما عملية الدفن العادي مع ضمان (؟!) مكان في الجنة فتكلف عند توقيع الاتفاق خمسة آلاف يورو.
المعلومات في هذا الصدد تؤكد، ارتفاع في نسبة الجنازات المفصلة حسب الطلب والمكلفة، والتي تنظمها عائلات أكثر ثراء وثقافة، مما يدل على أن صراع الطبقات يزداد حتى على صعيد الجنازات. ولله في خلقه شؤون.
وأخيرا… هذا المقال كتبته للابتعاد عن سيف قانون الطوارئ ليكون مقال استراحة لفقط