رواية الوبش في اليوم السابع
ديمة جمعة السّمّان
تاريخ النشر: 12/07/24 | 15:37القدس:11-7-2024 من ديمة جمعة السّمّان: ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة رواية “الوَبْش” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، صدرت الرّواية هذا العام 2024 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وهي من اخراج وتصميم شربل الياس، وتقع في 180 صفحة من الحجم المتوسّط.
افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السّمّان فقالت:
يؤكد السلحوت في روايته هذه من جديد خطورة ” مرض الجهل” والايمان بالشعوذة على المجتمعات، إذ تؤدي إلى دمار المجتمع، وتقوده حتما إلى التهلكة.
من هنا جاءت فكرة رواية “الوبش” للسلحوت، وهي جزء ثانٍ لرواية ” الليلة الأولى” التي صدرت صيف العام الماضي 2023. وقد جاءت رواية الوبش التي صدرت مؤخرا عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع في 180 صفحة من القطع المتوسط، تتمّة لقضية ليلى وموسى ( الطواشي)، التي وقفنا عند نهايتها مليّا، ننتظر بشوق جزءا آخر يروي لنا تطور أحداثها، تروي لنا مصير ليلى مع زوجها وحماتها التي لم ترحمها، بل حمّلتها مسؤولية فشل حياتها الزوجية، مدّعية بأنها ” ملبوسة بالجن”.
لنقرأ في الجزء الثاني “الوبش”، أن موسى أصبح ضحية لمجتمعه، لم يستطع تحمل نظرات أهل قريته، فآثر الهجرة هربا من نظراتهم التي كانت تعرّيه وتنتهك أدقّ خصوصيته، وتحرمه من حقه في الحصول على مساحة من الحرية الشخصية التي تعنبر حقا إنسانيا لكل امرئ على وجه الخليقة. هرب باحثا عن نفسه، فوجدها في الغربة، وتصالح معها، وبعد أن استقر، تزوج وأصبح أبا لثلاثة أطفال.
وكذلك الأمر بالنسبة لليلى التي تزوجت من ابن قريتها سميح، وأصبحت أمّا لثلاثة أطفال.
ويعود موسى إلى قريته رافعا رأسه، بعض أن تخلّص من عقدة نفسية كبرت وترعرعت بهمة جهل عائلته وقريته وفضولهم.
اعتاد السلحوت طرح القضايا الاجتماعية الجريئة دون تردد، فهو يعتبر أنّه لزاما على كل صاحب اداة إبداعية، أن يسخّرها للمصلحة العامة، بهدف التغيير، وذلك من خلال إلقاء الضوء على ممارسات المجتمع وعاداته البالية، التي تتسبب في تأخر تقدّمه وتحضّره، بل تزيد من تخلّفه، وتتسبب باحتقار الشعوب الأخرى له. فيكتب عنها ليلفت النّظر إليها، وقد يبالغ في وصفها كما يفعل رسّام الكاريكاتير، ليظهرها بصورة” مقزّزة” في بعض الأحيان، قاصدا، ليظهر مدى بشاعتها، وبالتالي يدفع بها إلى التغيير.
أمّا الشعوذة، فقد كان لها أيضا نصيبا كبيرا في الرواية، من خلال المبروكة وأبي ربيع اللذين امتهنا الشعوذة والنصب، واحتالا على أبناء المنطقة، فسلبوهم أموالهم، وضاعفوا مشاكلهم.
وصف الكاتب بشاعة الشعوذة وبشاعة من امتهنها، وقد كانت رسالة قوية لكل من يلجأ لهؤلاء الدجالين، ويصبحون لقمة سائغة لهم، بعد وصولهم إلى درجة من اليأس، تجرّهم إلى هؤلاء المشعوذين، فتزداد مشاكلهم، ويخسرون أموالهم وأنفسهم.
وقد لفتت نظري النهايتان: نهاية أبي ربيع، والمبروكة. إذ اتخذ كل منهما مسارا مختلفا، وبالتالي حظي كل منهم بنهاية مختلفة.
إذ كانت نهاية أبي ربيع مزرية، لم يغتنم الفرصة التي لاحت له، رغم أنّه خطا الخطوة الأولى نحو التوبة، إلا أن طمعه، أعاده إلى طريق الشيطان، فكانت نهايته قطع اليد، وبعدها توفاه الله وهو ملعون من الكبير والصغير.
أمّا مبروكة، فقد تابت وارتجعت إلى الله، وأدّت مناسك الحج مع زوجها وطفلتها، وعاشت حياتها بأمان وسكينة.
وهذه إشارة ذكية من الكاتب، بأنه مهما غرق الانسان في الموبقات، لا زال الأمل يلوح في الأفق بأن يرتدّ إلى الله، إذ أنّ فرصة التوبة ممكنة، إن كان هناك مشيئة وإرادة من المرء، وعليه أن يختار.
رواية غنيّة، تعالج مواضيع اجتماعية في غاية الأهمية، كتبت بحرف جميل، يغلب عليها عنصر التشويق. لا شك أنها إضافة نوعية للمكتبة العربية.
وكتب محمود شقير:
يواصل الأديب جميل السلحوت كتابة الجزء الثاني من الرواية الاجتماعية التي ابتدأها برواية “الليلة الأولى”. يكتب هذا الجزء الثاني بلغة سلسة وبأسلوب قادر على اجتذاب القارئ، بما اشتمل عليه من تشويق ومن إثارة للقضايا التي تتعلق بالمرأة، وتجعلها عرضة للعقاب في حال اكتشفت ممارساتها التي تقع خارج إطار الزواج.
نحن هنا أمام اختفاء مبروكة التي مارست الشعوذة والتربّح من بسطاء الناس الذين يتغلغل الجهل في رؤوسهم، وأمام انهيار الوبش أبي ربيع الذي حلق ذقنه وأخفى شخصيته الأولى، كيلا يتعرّض لانتقام الناس، علمًا بأنه تعرّض للابتزاز من وبش آخر هو عدنان الذي ظل يهدده بكشف حقيقته للناس.
وفي ظني أن الكاتب نسج خيوط هذه الحبكة عن اختفاء مبروكة وانهيار الوبش كي يحقّق قدرًا من الدراما وقدرًا من التشويق في الرواية، في حين أن استقراء الواقع في المجتمع الفلسطيني يقول إن هذه الشعوذة وذلك الاستغلال لجهل الناس إنما أخذ في التراجع من جراء انتشار الوعي في الريف، ولم يتعرض الفتاحون والفتاحات لأي انتقام؛ لأنهم ظلوا يحتمون بغطاء من التدين السطحي البعيد كل البعد عن جوهر الدين الصحيح، لكن مهنتهم تعرّضت للكساد؛ لأن الموت أخذ أجيال النساء اللواتي آمنّ بقدرات هؤلاء الدجالين على تسخير الجنّ في خدمتهم، ولأن أجيالًا جديدة من النساء المتعلمات تسلمن زمام القيادة في بيوتهن، ولم تعد تنطلي عليهن تلك الخزعبلات.
وفي كل الأحوال تستمر الرواية في عرض نماذج من الرجال ومن النساء بأدوار تؤكد الفكرة الاجتماعية، التي أخذ الأديب جميل السلحوت على عاتقه توصيلها إلى القراء، وقد نجح في ذلك حين وظّف خبرته في كتابة الرواية لكتابة رواية جديدة، مستعينًا بآيات من القرآن الكريم وبنصوص من التراث، وبالإكثار من الأمثال الشعبية الدالّة، ومن الأغاني الشعبية التي تعبر عن روح الشعب في شتى الحالات.
ومن طرعان كتبت د. روز اليوسف شعبان:
الشعوذة والاستخفاف بعقول الناس في رواية الوبش
“الوبش”، جمعها أوباش وهم الأخلاط والسفلة من الناس. يتّضح من العنوان أن الكاتب يسلّط الضوء على هذه الفئة من السفلة في المجتمع، فمن قصد الكاتب بالوبش؟
تتسم روايات السلحوت بالواقعيّة، وهي بذلك تنتمي للتيّار الواقعيّ في الأدب، الذي تعرّفه ويكبيديا بما يلي: هو محاولة تصوير الحياة تصويرًا واقعيّا دون إغراق في المثاليات، أو جنوح صوب الخيال”. كما يمكن اعتبار السلحوت كاتبا اجتماعيّا متميّزا؛ ذلك لأنه اهتمّ بالكتابة عن قضايا مجتمعه، الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة والسياسيّة؛ فأنتج الكثير جدّا من الروايات في هذا المجال.
في روايته الوبش، سلّط السلحوت الضوء على عدّة قضايا اجتماعيّة وعادات وتقاليد قديمة لا زالت موجودة في بلادنا، وفي بعض البلدان العربيّة، من هذه القضايا:
-السحر والشعوذة، والاستخفاف بعقول الناس.
من أبز المشعوذين والفتّاحين في الرواية، الفتّاح أبو ربيع والفتّاحة مبروكة.
التفّ أبو ربيع على مجموعة محتالين يتستّرون بالدين ويتظاهرون بالورع، وصار واحدا من صبيانهم اللّصوص، الذين يسرقون لصالح مشغّليهم، علّموه فنون الدّجل والشّعوذة؛ فأطلق ذقنه وحلق شاربيه بناء على تعليماتهم، وهذا اللباس واحد من متطلّبات خداع الناس للنصب والاحتيال عليهم، ولما شبّ واشتدّت عضلاته انفصل عنهم وامتهن الشّعوذة؛ فوجدها مصدر رزق دافق لا ينضب” (ص 87-88). وحين كانت تأتي إليه النساء ليعالج عقمهنّ، كان يدّعي أنّ جنيّا يسكن أرحامهنّ، ولكي يطرده يجب عليه مضاجعتهنّ، وقد حملت منه عدّة نساء دون أن يجرؤن على البوح بما فعله بهنّ من أعمال مشينة، تخالف العرف والدين. كما عاشر الفتّاحة مبروكة وكان خليلا لها قبل زواجها وبعده. وحين غادرت مبروكة البلد ورحلت دون علمه؛ خاف أن يفتضح أمره، فانعزل في بيته، حلق شعر رأسه وذقنه وغيّر ملابسه؛ كي لا يعرفه أحد، وحين قرّر أن يحجّ بيت الله، سرق في الحجّ محفظة أحد الحجّاج، وصدف أن رآه رجلا أمن، فقدّماه للمحكمة الشرعيّة التي أقامت عليه الحدّ وقطعت يده اليسرى من الرسغ. وبعد عودته من الحجّ وافتضاح أمر السرقة توفيّ في بيته.
اتصّف أبو ربيع بكلّ صفات النذالة وانعدام الأخلاق، ففتك بأعراض الناس، واحتال عليهم وجنى منهم الكثير من الأموال؛ فاستحقّ بذلك لقب الوبش.
أمّا مبروكة فهي فتّاحة نصّابة محتالة، جنت الكثير من الأموال من الناس، والغريب أن الكثير من النساء يصدّقنها، فكانت تبصق في فم المرأة لتعالجها، أو تدّعي أن جنيّا يتلّبسها وعلى أهلها ضربها لإخراج الجنيّ من جسدها، وغير ذلك من الترهات. وبينما تدّعي مبروكة الورع والايمان، تقيم علاقات جنسيّة مع العديد من الرجال أمثال: أبو ربيع وعدنان الجحش. وعدنان هذا كان شابّا أصغر منها، فكانت تدفع له المال؛ كي يعاشرها ويشبع نزواتها، وبعد اختفاء مبروكة ورحيلها، ابتزّ عدنان الجحش الكثير من المال من أبي ربيع.
مقابل ذلك يذكر السلحوت في روايته أن الكثير من الشباب والفتيات لا يؤمنون بالشعوذة، فعمر مثلا أخو ليلى، كشف ألاعيب مبروكة ووجد عندها خليلها عدنان الجحش وضربه وضربها، وأخذ منها ألف دينار التي أخذتها من والدة موسى لعلاج ابنها موسى وأخته ليلى، كما أنّه منع أهله من ضرب أخته لإخراج الجنيّ من رحمها.
كذلك ليلى لم تؤمن بكلام مبروكة ورفضت أن تزورها:” صحيح أنّها ضحكت كثيرا من سخافات البعض ممّن استمعن للمحتالة الحاجّة مبروكة ، عندما قالت بأنّ جنيًّا كافرا يتلبّسها ويستوطن رحمها، لكنّها لم تستطع إقناعهنّ بحقيقة مبروكة التي كانت تحتال عليهنّ وتأخذ نقودهنّ القليلة”.(ص8).
مقابل قضيّة الشعوذة والسحر يأتي السلحوت بموقف الدين. يقول ربيع لوالده: في المدرسة علّمونا أنّ للجنّ عالمهم الخاصّ، ولا علاقة لهم بالإنس. وهذا اليوم سألت إمام المسجد الكبير في المدينة وهو شيخ أزهريّ، فأكّد ما تعلّمته في المدرسة”. (ص 116). ومّما قاله الإمام لربيع:” الجنّ موجودون يا ولدي لقوله تعالى:” وما خلقت الإنس والجنّ إلا ليعبدون”. لكن للجنّ عالمهم الخاصّ ولا علاقة لهم بالإنس”. ص114.
-العذرية وغشاء البكارة.
لا زالت بعض المجتمعات تربط عذرية وعفاف المرأة بفضّ غشاء البكارة في ليلة الدخلة، إذ تطلب الحماة رؤية دم عروسة ابنها بعد الجماع. في الرواية طلبت أمّ العريس موسى رؤية الدمّ؛ لتتأكد من فحولة ابنها وعذرية العروس ليلى. هذا الأمر جعل موسى يعجز عن معاشرة زوجته ليلى، وقد مورس على موسى ضغط اجتماعيّ رهيبً، فلاحقته ألسنة الناس وعيونهم، ممّا أثّر ذلك عليه؛ فلم يتمكّن من معاشرة زوجته رغم مرور سنة كاملة على زواجهما؛ حتّى لقبّه الناس “الطواشي”.
والطواشي مفردة تركية تعني الخادم الخصيّ، وهو لقب شاع في زمن الأتراك والمماليك، في مصر يطلقونه على خدمهم المقربين، وكان هؤلاء الطواشية يتولّون كثيرا من المهام الخاصّة للملوك والأمراء، وقد يصلون إلى درجة الإمارة.
قرّر موسى ترك زوجته وأهله والرحيل إلى بلد أجنبيّ بعيدا عن الضغط الاجتماعيّ. وهناك تزوّج من أجنبيّة، ونجح في معاشرتها وأنجب ثلاثة أولاد، وعمل في التجارة وكوّن ثروة. فأرسل لأهله مبلغا كبيرا من المال، مما ساعد والده في فتح دكّان في القرية. وعندما عاد موسى مع زوجته وأولاده قرّر التبرّع لبناء مدرسة جديدة في قريته، وهنا إشارة ذكيّة من الكاتب إلى أهميّة العودة للوطن والتبرّع من أجله.
أمّا سميح الذي أحبّ غادة وأقام معها علاقات جنسيّة في الحقل قبل الزواج، فقد ابتكر طريقة للاحتيال على والدته ليثبت عذريّة زوجته، إذ جرح إصبعه ووضع الدم على سروال غادة الداخليّ، دليلا على عذريتها وفحولته؛ فزغردت والدته(ص 97). إنّ سلوك سميح يشير إلى استهزاء الشباب بموضوع العذريّة.:” زالت مخاوف غادة بعد ذلك بينما استسخف سميح هذه العادات”.(ص 97). لكنّ سميح مع ذلك، يلوم غادة لأنها وافقت على تسليم جسدها له قبل الزواج. وفي هذا إشارة إلى تأثير الأفكار السائدة في المجتمع، بما يتعلّق بموضوع العلاقات العاطفيّة قبل الزواج، على الشباب.
-البرّ بالوالدين:
اعتنى ابن الجدّة صفيّة بوالدته العجوز جيّدا، كما اعتنت بها زوجته.:” فالكنّة تتفقدها في أوقات الطعام، تنظّف غرفتها يوميّا، تساعدها على الاستحمام مرّة كلّ يومين، تغسل ملابسها كما عوّدت ابنتها البكر وداد أن تنام في غرفة جدّتها؛ لتؤنسها، ولتخدمها بأشياء قد تحتاجها”(ص46).
-النظرة الدونيّة للمرأة: يسلّط الكاتب الضوء على نظرة المجتمع الدونيّة للمرأة وخاصّة المطلّقة، وقد تطرّق إلى هذا الموضوع في عدّة روايات. منها المطلّقة، الأرملةـ الخاصرة الرخوة وغيرها.
وممّا جاء في رواية الوبش أنّ عمر سأل والده ما الفرق بين طلاق المرأة والرجل. فأجابه الوالد:” الناس يا ولدي لا يرحمون النساء. ونظرتهم للمرأة المطلّقة لا منطق فيها”(ص29). هذا الأمر استفزّ عمر الذي قال:” من يغتاب ليلى بسوء سأقطع لسانه، ومن ينظر إليها بسوء سأقلع عينه”.(ص 29). في إجابة عمر دليل على التغيير الذي يحدث عند الشباب في قضيّة طلاق المرأة، وهذا بدون شك أمر جيّد.
أمّا ليلى فقد بكت كثيرا بعد طلاقها:” صحيح أنّها ارتاحت من ارتباطها بموسى لكنّها تبكي حظّها العاثر، وكيف سيرافقها لقب مطلّقة وهي لا زالت عذراء”.(ص 28).
وقد استعان الكاتب بأمثال شعبيّة يتداولها الناس وتظهر دونيّة المرأة منها:” البنات مثل خبيزة المزابل يكبرن بسرعة”. ص84. :” شاوروهن وخالفوهن”(ص160).
بيّن الرواية موقف الشرع من الطّلاق الذي لا يحصل فيه الجماع، إذ يحق للزوجة في هذه الحالة، طلب الشّقاق إذا لم يتمكّن زوجها من معاشرتها، ويحق لها مهرها وعليها الالتزام بالعدّة:” قال القاضي: سأصدر قرارا بالتفريق بين ليلى وموسى. ويحقّ لليلى مهرها المؤجّل والمعجّل ونفقة ثلاثة أشهر العدّة”.( ص27 ). وحين سأل عمر المحامي: هل العدّة واجبة على ليلى رغم عدم معاشرة زوجها لها؟ همس له المحامي: “الخلوة تعادل الدخول وبما أنّ الخلوة حصلت، فالعدّة أصبحت واجبة”.(ص 27). وقد استعان الكاتب بما رواه الإمام أحمد والأثر بإسنادهما عن زرارة بن أبي أوفى قال:” قضى الخلفاء الراشدون أنّ من أرخى سترا، أو أغلق بابا فقد وجب المهر ووجبت العدّة” ص44.
اللغة في الرواية:
اتسمت اللغة بالواقعيّة وبكثرة التناص من التراث الشعبيّ ومن الدين، فعكست بذلك ثقافة الناس ومعتقداتهم. من الأمثال الشعبيّة التي وردت في الرواية: “المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين”. (ص7). :” اللي بعرف بعرف واللي ما بعرف بقول في الكفّ عدس”(ص10).
:”اللي بيته من قزاز ما براجم حجار على بيوت الناس”.(21). :”علّمناهم الشحدة سبقونا على الأبواب”.(ص21).:” بكرة بذوب الثلج وببان المرج”.(ص 23).:” شرّ البليّة ما يضحك”(ص33). ومن التعابير باللغة الدارجة ما يلي:” يا غبرا يا مدهيه حطّيت اللي فيك فيّ(ص7). :”نصّ الألف خمسميّة واللي بنزل من السما بتتلقاه الأرض”(ص8).ربي يجازي اولاد الحرام اللي ما بناموا ولا بخلّوا الناس يناموا”(ص17).
ومن الأغاني الشعبيّة التي كانت ترددها النساء المعنّفات والأرامل والمطلّقات:” بختي ردي وفقّوستي مُرّة واللي جرى لي ما جرى لحُرّة”(ص28).
ومن أغاني الأعراس: “يخلف عليكم كثّر الله خيركم لفّينا البلد ما لاقينا غيركم”(ص 101).
ومن المهاهاة ما يلي:
” أويها أجيت أغنّي وقبلي ما حدا غنّى
أويها بقاع وادي فيه الطير بيستنّى
أويها وريتك يا سعيد بهالعروس تتهنّى
أويها وتظلّ سالم ويظلّ الفرح عنّا”(ص 83
من التناص الديني استشهد الكاتب بالعديد من الآيات القرآنية مثل:” يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”(ص139). :” يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضا….”(ص139).
رواية الوبش هي رواية اجتماعيّة شائقة وهادفة، يكافح الكاتب فيها موضوع الشعوذة والسحر، وبعض المعتقدات الغريبة والسخيفة التي يؤمن بها بعض الناس خاصّة من الجيل القديم، في حين يعارض معظم الشباب هذه المعتقدات، لكنّ الكثيرين منهم لا يجرؤون على محاربتها، وقد تكون رسالة الكاتب من هذه الرواية، تشجيع الشباب لحمل راية الفكر والمنطق والعقل والدين، لتكون نافذة لتغيّير المجتمع إلى الأفضل والرقيّ بأبنائه بعيدا عن المعتقدات والخرافات والشعوذة.
ومن طولكرم كتبت وجدان شتيوي:
رواية اجتماعية قشرت الكثير من طبقات الجهل المتراكمة لدى فئة من المجتمع، وجعلتها تطفو بجرأة على سطح الشفافية؛ لتسليط الضوء عليها، ووضع إصبع الوعي على جرح التخلف والجهل الذي بدأ الحديث عنه في جزئها الأول “الليلة الأولى” بتناول موضوع الشعوذة واللجوء إليه لحل مشكلة “موسى”في ليلة زفافه الأولى مع إغفال دور العلم والطب في هذا الموضوع، وتحميل والدته مسؤولية ما جرى له لزوجته كما يحدث غالبا في مجتمعاتنا الذكورية، وفي النهاية تحت تأثير كلام الناس ونظراتهم اضطر موسى للهجرة بعيدا ليرمم ذاته مما أصابها تحت وطأة ضغوط مجتمعه وتدخلاته في أدق أمور علاقته الخاصة بزوجته، كان كل ذلك بخيوط متسلسلة من التشويق لانتظار ما تؤول إليه الأحداث في الجزء الثاني.
لم تخل رواية الوبش من الأمل، فبعد حصول ليلى على الطلاق من موسى تزوجت بعد انقضاء عدتها من سعيد، الذي كان يحبها قبل زواجها الأول دون علمها، وأنجبت ثلاثة أطفال، وموسى ربما قال في قرارة نفسه قبل أن يهاجر “لن أبحث عن ذاتي في المكان الذي فقدتها فيه” فوجد في الخارج ذاته، وأحب وتزوج وأنجب أيضا ثلاثة أطفال، وفي هذا إشارة لأحوال الحياة، فبعض العلاقات يضعها الله في طريقنا مؤقتا لحكمة ما، رب ضارة نافعة.
*مهما أخطأ الإنسان يبقى باب التوبة مفتوحا على مصراعيه، ومن يصدق الله يصدقه، فطبائع الناس مختلفة منهم من يمكن لبذرة الخير الصغيرة فيه أن تتغلب بلحظة على كل ما سبق من شر وطغيان، ومنهم من يغلب طبعه تطبعه، فأبو ربيع ومبروكة نموذجان سيئان للشعوذة واستغلال جهل الناس وحاجتهم، لكن مبروكة اختارت التوبة بالنهاية أمّا أبو ربيع فحتى في طريق توبته في أقدس بيوت الله سرق وافتضح عمره.
*لذة ثمار الحب لا تؤتى حين تقطف بغير أوانها كما حصل مع سميح وغادة الذي حملها مسؤولية تسليمه نفسها قبل الزواج، وشعر بالندم على ذلك حين تزوجها وأنجب منها، وفي ذلك إشارة إلى أن لذة الحرام تفسد لذة الحلال عاجلا أم آجلا، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
نجحت هذه الرواية بسلاسة أن توصل هذه الرسائل وغيرها بأسلوب لا يخلو من الجاذبيّة والتشويق.
ومن حيفا كتب المحامي حسن عبّادي:
قرأت للكاتب المقدسي جميل السلحوت العديد من الإصدارات ومنها “ظلام النهار”، “رولا”، “عند بوابّة السماء “، “اليتيمة “،”الخاصرة الرخوة” المطلقة”، “الليلة الأولى” و”ثقافة الهبل وتقديس الجهل”.
ومن خلال مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسيّة قرأت رواية “الوبش”.
عنوان الرواية صادم “الوبش”، أي السافل، ليؤكدّ موقفه الواضح من الشعوذة والمشعوذين، تلك الآفة المستشرية وأثرها على مجتمعنا وتحطيمها للكثير من القيم والألفة الأسريّة والاجتماعية.
قرأت في حينه روايته “الليلة الأولى” وفي عشرات الصفحات الأولى تخيّلتني أعرف أبطالها وسيرتهم فتساءلت بيني وبيني “هل يكرّر الشيخ جميل نفسه؟” فكلّ من قرأها يعرف عن كثب قصّة ليلى وموسى (الطواشي)، ووالدته/ حماتها، والفتّاحة التي لا ترحم، والجن الذي تلبّسها وهدم بيت الزوجيّة.
فشلت كلّ محاولات الجماع بين العروسين، موسى وليلى، مما اضطر موسى للهجرة إلى بلاد بعيدة، فلم يتحمّل نظرات أهله ومجتمعه، وكلّنا مرّ بتجربة “العوق منّك ولّا منه” إذا لم تحمل العروس بعد مرور ثلاثة أشهر من الزواج، تبدأ الأقاويل والضغوطات، وهنا نجد الأهل قد لجأوا للمشعوذين، ممّا زاد الطين بلّة، وكان قرار موسى الهروب؛ ليجد نفسه ويحقّق ذاته هناك، في بلاد الغربة، يستقر ويتزوّج ويصير أباً لثلاثة أولاد وينجح اجتماعيا واقتصادياً ويشار له بالبنان.
وبُعيد هروبه تتوجّه ليلى للمحكمة الشرعيّة طالبة التفريق والطلاق؛ لتتزوّج سميح وتصير أمّا لثلاثة أولاد.
كانت نهاية سعيدة لكلّ من ليلى وموسى، على حِدَة، وفشل مدوّي للخرافات والخزعبلات والمشعوذين والسحرة.
حاول الكاتب بجرأة تعرية المجتمع وكشف زيفه، من ممنوعات/محرّمات/مقدّسات وحطّم التابوهات، وحارب الجهل والتخويف والترهيب.
حاول تسليط الضوء على محاولة المشعوذين؛ مبروكة و(أبو ربيع)، اللذين امتهنا حرفة النصب والاحتيال بواسطة الشعوذة والنصب، مع سبق الإصرار والترصّد، وحاولا تبييض صفحاتهما السوداء عن طريق الحجّ، ليثير تساؤل مهما – هل من يقوم بفريضة الحج يصفّي ذنوبه ويُغفر له عن خطاياه رغم سوء النيّة؟ هل هناك توبة صادقة حقيقيّة؟
يقولها بصريح العبارة؛ الشعوذة والسحر دجل وتضليل وإياكم اللجوء لهما بأيّة حال من الأحوال.
استعملَ الشيخ جميل السلحوت لغة بسيطة وسهلة نسبيّا، وتبّلها بالعاميّة أحيانا مستعينا بالأمثال الشعبيّة المحليّة ممّا زادت من متانة الرواية، وعلى سبيل المثال: “يا غبرا يا مَدهيّه حطّيتِ اللي فيك فيّ”، “المكتوب على الجبين بتشوفه العين”، “لعب الفار في عبّه”، “اللي بعرف بعرف، واللّي ما بعرف بقول في الكفّ عدس”، “اللي بيته من قزاز ما براجم حجار على بيوت الناس”، “وللي في بطنه عظام بتقرقع”، “عين الحر ميزان” وغيرها ووُفّق في ذلك.
وظّف الكاتب السخرية السوداء ليصوّر لنا تقاليد وعادات وأفكاراً بالية.
أعجبتني جرأة التعامل مع مواضيع الرواية ومناصرته للمرأة وثورته على المجتمع الذكوري.
اختياره للأسماء والألقاب جاء موفّقاً، وخاصة موسى “الطواشي”، عدنان الجحش، ربيع، زوادة وغادة، وكذلك اختياره للعناوين الفرعيّة ل”فصول” الرواية.
ولكن هناك ملاحظات لا بدّ منها:
تعتبر الرواية جزءا ثانيا لرواية “الليلة الأولى”، تماما كما جاءت رواية “المطلقة” جزءا ثانيا لرواية “الخاصرة الرخوة” مما اضطرّه للتكرار والإطناب، وجاء مملّاً بعض الشيء.
وجدته يكرّر نفسه في عدّة مواضيع طرقها، فممارسة الجنس خارج إطار الزواج لتحمِل الفتاة ويتزوجّان ويعايرها الخليل/الزوج/ الأب بعد الزواج والخلفة” لعقت غادة جراحات قلبها وهي ترى زوجها سميح قد انقلب عليها بعد زفافهما، فهو يحمّلها مسؤولية تسليمها جسدها له قبل الزواج، وعندما تذكرّه بأنّه هو من انقضّ عليها كثور هائج لم تستطع مقاومته” (ص.119).
تناول أسماء وأنواع النباتات والفواكه والخضار التي زرعوها بإسراف ولكن بعضها لا يتلاءم موسميّا مع الآخر.
والمشعوَذ الداهية المحتال الذي يعاشر ضحاياه ويمارس الجنس معهن عالطالع والنازل ويحملن ويخلّفن منه ويسكتن “غلب وستيرة ولا غلب وفضيحة” بدلاً عن فضحه وتعريته (ذكّرني بحملة عالميّة قمنا بها في حينه عندما كنت مستشارا قانونياً لأمنستي/ منظمة العفو الدوليّة-لمحارية ظاهرة الإفلات من العقاب لمن يغتصب فتاة ويتجوّزها)، وخاصّة في فصل “متشابهون”.
كذلك الأمر إسرافه بالاستعانة بأحاديث نبويّة وآيات قرآنية ومصادر أثقلت على سيرورة النص الروائي، ممّا جعله وعظيّاً توعويّاً دينيّاً ونحن لسنا بصدد بحث فقهيّ من على منبر مسجد.
ومن شيكاغو قالت هناء عبيد:
غلاف الرواية
وهو أحد عتبات النص، يشتمل على صورة لوجه سيدة بملامح حزينة تتلون بلون السماء، وكأنها تنشد العدالة الإلهية، وقد تكون إحدى ضحايا هذا الوبش، هذا ما قد يخيل لنا، بينما قد لا يوجد للغلاف أية علاقة بثيمة الرواية، فقد يكون من اختيار الناشر كما يحدث أحيانًا في بعض دور النشر.
عنوان الرواية
قد يكون غير مألوف للبعض؛ لأننا عادة نستخدم جمع هذه الكلمة “أوباش”، المفرد منها (وبش) وتعني المنحط.
يبدو العنوان كاشفًا لمحتوى الرواية للوهلة الأولى؛ إذ قد يوحي بأن ثيمتها تتحدث عن شخص عديم الأخلاق، لكن نكتشف فيما بعد أن الكلمة ما زالت تحمل الغموض إذ لا نستطيع تحديد طبيعة هذا الوبش إلا بعد الانتهاء من قراءة الرواية، فالانحطاط الأخلاقي يشمل العديد من الأمور المختلفة الّتي قد لا تخطر على بالنا.
ثيمة الرواية
الرواية تصنف بأنها واقعية، وهي تتحدث عن بعض القضايا الاجتماعية السلبية الّتي قد تعاني منها بعض مجتمعاتنا العربية. وقد تناولتها الرواية من زوايا مختلفة، أحيانا من خلال وجهة نظر الدين وأحيانا من خلال وجهة نظر الأعراف والعادات والتقاليد، من أهم القضايا الّتي تعرضت لها الرواية؛ قضية الطلاق الّذي قد يحدث بسبب عدم الإنجاب، فالبعض قد يحرم من الأبناء نتيجة لبعض العوارض الصحية، أو أسباب أخرى، لكن البعض ينسب ذلك إلى أمور أخرى؛ منها العين والحسد وركوب الجن وغيرها من الأمور الّتي لا علاقة لها بالحقيقة.
فليلى مثلا الّتي تزوجت من موسى اتهمها الناس بأنّ جنيًّا يلبسها وهذا هو سبب عدم استطاعة زوجها على معاشرتها، ممّا أدى إلى هروبه إلى جهة غير معلومة واختفائه لأعوام قبل ظهوره، ونظرًا لهذا الغياب الطويل تطلب ليلى الطلاق وتحصل عليه، يتم خطبتها لسعيد الّذي كان يحبها ويتمنى الزواج منها، لكن الظروف لم تساعده في ذلك الوقت.
تطرقت الرواية أيضًا إلى بعض الأحكام الشرعية الّتي تنطبق على المطلقة؛ منها مثلًا تطبيق العدة، وأنها تفرض عند الطلاق حتى وإن لم يكن هناك معاشرة، كذلك وضحت العادات المتبعة في الحداد الّتي يخلط الناس بينها وبين الدين، أيضًا بينت نظرة الناس للسيدة المطلقة الّتي يظلمها المجتمع دومًا، فالبعض مثلًا يعتبر أن الطلاق يعود لإهمالها أو وجود عيوب بها، فنلاحظ في الرواية أن أبا سعيد يستهجن زواج ابنه من مطلقة، لكنه يحجم عن رأيه عندما يتذكر أن والدته كانت مطلقة، ورغم ذلك فقد تزوجت من أبيه؛ وهي سيدة فاضلة وعلى خلق طيب، لهذا استعاذ من الشيطان وعدل عن تفكيره.
تعرضت الرواية أيضًا إلى العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة، والّتي أظنها مستهجنة في مجتمعاتنا العربية، وإن حصل وحدثت فإن نسبتها قليلة لا تذكر، أيضًا تم التعرض إلى حكم الابن الّذي يولد نتيجة هذه العلاقة من الناحية الدينية ونظرة المجتمع إليها وما تعارف عليه من عادات وتقاليد، وتوضيح أن الأمر منبوذ في كل الأديان والأعراف.
ولعل أهم المواضيع الّتي ركز عليها الكاتب في هذه الرواية؛ قضية الدجل والسحر والشعوذات الّتي كان يتم من خلالها النصب على الناس الّتي تعاني من بعض المشاكل، بحيث يتم ابتزازها ماديًّا بل جسديًّا ونفسيًّا أيضًا، وقد تمثل ذلك في شخصية “أبو ربيع” الّذي ضحك على الناس وأخبرهم أنه معالج روحي، بينما هو في الواقع شخص كاذب ودجال ونصاب، و ربما تنطبق عليه مفردة الوبش الّتي هي عنوان الرواية، فكل الأخلاقيات المنحطة وجدت فيه، فهو الكاذب الّذي ينتهك أعراض الفتيات بحجة علاجهن من العقم باستخراج الجن من أجسادهن، وهو السارق الّذي لا يتوانى عن سرقة مجهود غيره، وهو المنافق الّذي يتظاهر بأنه التقي الورع المصلي بينما الحقيقة تثبت غير ذلك. وقد شاركه في الانحطاط عدنان الوحش ومبروكة المخادعة؛ وبلا أدنى شك فجميعهم يستحقون وصفهم بالأوباش بل وأكثر؛ فهذه المفردة وحدها قد لا تكفي للتعبير عن مدى نذالتهم وحقارتهم وكذبهم ونصبهم.
معظم موضوع الرواية يتناول سلبيات المجتمع العربي، والّتي من ضمنها نظرة المجتمع الدونية إلى المرأة، فمهما كانت الأحداث واضحة وتؤكد بأن لا علاقة للمرأة بها؛ إلا أن المجتمع يجلد المرأة في كل الأحوال؛ حتى وإن ثبتت براءتها، فهي الّتي تدفع الثمن دومًا.
لم تذكر الرواية مكانًا بعينه، ربما لأن القضايا العربية متشابهة في كل بلاد وطننا العربي، لكن يتبادر إلى أذهاننا أن فلسطين هي المعنية، وقد يعود ذلك لأن -كاتب الرواية- الأديب جميل السلحوت؛ مقدسي الهوية، كذلك لم يتضح زمن الرواية، ربما كان الأمر مقصودًا من الكاتب ليبين لنا بأن هذه القضايا كانت موجودة في الزمن الماضي وما زالت مستمرة إلى وقتنا الحاضر.
من الأمور الإيجابية الّتي تحدثت عنها الرواية؛ أهمية الأرض ومدى وفرة خيراتها، فمن يتمسك بالأرض ويعتني بها؛ فإنها ستجود عليه بكل خيراتها من ثمار وخضار وفاكهة، وهذا ما لمسناه من خلال عائلة أبي موسى الّتي كانت تعتاش من الأرض وخيرها الوافر، فجادت عليها بالكوسا والباذنجان والخيار والبطيخ والشمام والباميا والبندورة، والعنب والزيتون، وهي خيرات نجدها مذكورة في معظم الروايات الفلسطينية، فالأرض تطرح خيراتها بلا أدنى شك، إذا وجدت اليد الحانية عليها.
معظم روايات الأديب جميل السلحوت لا بد وأن يكون للعادات والتقاليد النصيب الأكبر فيها، حيث نتعرف على الكثير من عادات أهل فلسطين في معظم المناسبات، سواء كانت مناسبات الفرح أو الحزن، فنرافق العروس مثلًا في خطبتها و ليلة الحناء وعرسها بل وقد نشيع الميت أيضا في جنازته. الطقوس المتبعة في بعض المناسبات الدينية كان لها نصيبها في الرواية، مثل الحج وكيفية مباركة الناس لحجاج بيت الله، وتلقيهم الهدايا الّتي يحضرها الحاج لتوزيعها عليهم.
لا تخلو روايات الأديب جميل السلحوت من الحكم والأمثال والأغاني الشعبية الفلسطينية
ففي الصفحة (٨٢) مثلًا نستمع إلى أم سعيد وهي تهاهي في عرس ابنها سعيد فتقول:
“أويها جيت اغني وقبلي ما حدا غنى
أويها بقاع وادي فيه الطير بيستنى
أويها وريتك يا سعيد بالهالعروس تتهنى..إلخ”
وفي الصفحة (١٠٠)
هاهت حماة العروس ليلى فقالت:
“أويها صلاة النبي على عروستنا
أويها زي القمر ضاوي حارتنا.”إلخ”
شخصيات الرواية
تنوعت الشخصيات في الرواية من حيث أدوارها، فهناك
أبو ربيع الدجال الّذي لبس الثوب وادعى أنه عالم روحاني وأطلق لحيته لخداع الناس، وهناك ليلى الشابة المسالمة الّتي تطلقت من موسى بسبب الإشاعات الّتي ادعت بأنها مخاوية للجن، مما منعها من الإنجاب.
أيضًا تعرفنا على غادة الّتي تزوجت من سميح وقد مثلت الفتاة الّتي لا تمتثل إلى تعاليم الدين والعادات والتقاليد.
أمّا عدنان الجحش؛ فهو الرجل الاستغلالي الانتهازي عديم الضمير
وعلى النقيض منه عمر ؛ الشاب الخلوق الّذي لا يرضى بالفساد وقد قام بجلد عدنان الوحش لفساده. وهناك مبروكة الدجالة المشعوذة عديمة الأخلاق، إضافة إلى الشخصيات الثانوية الّتي لم تأخذ مساحة كبيرة بالأحداث إلا أن أثرها كان واضحًا.
اللغة وتقنية السرد
استخدمت اللغة العربية الفصحى في الرواية، وقد كانت لغة سهلة سليمة، جاءت مفرداتها وعباراتها مناسبة للحدث.
اعتمد السرد على لسان الرواي العليم، ولم تتحدث الشخصيات عن نفسها إلا من خلال بعض الحوارات الخارجية.
جاء السرد خطيًّا تصاعديًّا مع الأحداث، وقد استخدمت تقنية الاسترجاع في بعض الفقرات.
اعتمدت الرواية على العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتوضيح رأي الدين في العديد من القضايا الاجتماعية كقضية العدة والطلاق والإبن غير الشرعي والتوبة، كما بينت موقف الدين من الجن وغير ذلك من الأمور المهمة.
كان للأمثال الشعبية نصيبها الكبير في السرد كما أسلفت، كذلك الأغاني الشعبية والأهازيج الّتي استخدمت في فقرات متعددة، مما جعل من الرواية مصدرًا لتوثيق التراث الفلسطيني ومرجعًا للأجيال القادمة.
ومن أبو غوش قالت هدى عثمان أبو غوش:
رواية اجتماعية تصور نقدا لاذعا لسلوك اجتماعي سيء، لعادات قديمة تشير إلى الجهل واستسلام البعض لها، كمنقذ من الغرق، ألا وهي الشّعوذة،وأثرها السلبي في المجتمع.
في الجزء الثاني للرواية نلاحظ النتائج والتغيرات التي حدثت للشخصيات المختلفة، فالمشعوذة الفتاحة مبروكة تتوب وتتزوج وتحج بيت الله، بالمقابل فالفتاح أبو ربيع الذي كان يخدع النساء ويقيم علاقات محرمة وحاول تغيير مظهره، فإنه ينافق في توبته، وحجّه وتقطع يده بسبب السرقة، وفي النهاية يموت في ظلّ ازدراء النّاس له. أمّا ليلى فتتزوج وكذلك غادة. أما عدنان الجحش فكان من الأوباش، يمارس الرذيلة مع مبروكة ويخون زوجته، ويخدعها بعمله بالليل، لم يطرأ تغيير جذري على حياته، رغم مشاعر الذنب.
أما موسى الذي هرب من زوجته ليلى، وأهله بسبب علاقته الزوجية الفاشلة، فقد نجح في زواجه من امرأة أجنبية، وكذلك اقتصاديا.
يمكن القول إن الوبش لا يتعلق بشخصية واحدة وإنما بعدة أشخاص مثل أبو ربيع، وعدنان الجحش ومبروكة قبل حجها.
في هذه الرّواية نجد طرحا لعدّة أسئلة يتم نقاشها من خلال بعض المواقف مثل: مسألة العدّة للمرأة، الطلاق والدخول والخلوة، وصلاة الجنازة على المنافق وغيرها.
أسلوب الأديب في الرّواية
جاء سرد الرّواية بلغة فصحى سهلة،بسيطة قريبة جدا من العامية، بعيدة عن الصور الفنية الأدبية التي تساهم في إثراء القارىء، وإشباعه كمتخيل للسرد، جاء تصوير بيئة المكان بشكل ضئيل، بينما غلب الحوار على السّرد بشكل أكبر، استخدم الأديب السلحوت كما في كلّ رواياته الآيات القرآنية والأحاديث الدينية،الأمثال الشعبية بشكل كبير، والأغاني الفلسطينية، وكلّ ذلك ساهم في تصوير واقعية الرّواية، وصورتها الاجتماعية.
بالنسبة للمكان،فإن أحداث الرّواية حدثت في القرى الفلسطينية ولم يحدد اسمها، وتلك إشارة لحدوثها عامة في المجتمعات العربية، فقد تم ذكر البساتين والحقول والأشجار والزراعة، أما الزمان فنجد تسارعا في الزمن،حيث امتدت الرّواية لمدة تسع سنوات، وقد جاء هذا القفز من أجل تصوير التحول الذي حدث للشخصيات.
ومن مجد الكروم في الجليل الأعلى قالت أسمهان خلايلة:
غادر موسى بيت أهله وبلده تاركا رسالة مختصرة دون اشارة إلى مكان استقراره او تواجده .
ليلى الزوجة المعلقة لا متزوجة ولا مطلقة استغربت رحيل عريسها، لكن شيئا مطمئنا سرى في داخلها رغم آلامها ومعاناتها كعروس ما زالت عذراء وعلى ذمة رجل.
يدفع الكاتب بأحداث القصة ممزقا الكثير من التابوهات المنافقة، والتي تدعو الى السباحة مع تيار الجهل والقيل والقال، فهو كاتب متمرس يمتلك خصائص متعددة أهمها:
التجربة الطويلة والعميقة في معترك الحياة، فاشتدت جرأته في الطرح متناولا أحداث روايته الوبش من صميم الحياة الفلسطينية والقروية تحديدا.
فهو يتقصى مفهوم الشرف المحصور في دم العذرية للعرائس، كما رأته بعض شخصيات القصة المتعددة التركيبات والنماذج،” أبو ربيع ” المتلحف بلباسه ولحيته وهو منظره الديني، فارتكب الموبقات والمخالفات الدنيىة، لكن التفاف الجهلة ذوي التفكير السطحي المقتنع بالدجل والشعوذة والسحر والجن . فقفز أبو ربيع الى مصاف الأولياء الكبار، يعبث خفية بمشاركة مبروكة الدجالة .
التمرد تمثل في عمر وهو العنصر الذي كسر الحاجز المحيط بأبي ربيع، فأسهمت هذه الشخصية بشكل إيجابي في رحيل مبروكة، ممّا أربك الدجال الشريك أبا ربيع، فدخل في دوامة القلق والرعب من انكشاف أمره، فازداد وضعه النفسي سوءا هو وعدنان الجحش عشيق مبروكة الذي أوجده ابا ربيع .
أحدث الكاتب خلخلة في هذه المنظومة التي كانت متعاونة على الشر والإثم وراحت العناصر المستسلمة تتراجع ململمة خيبتها باختفاء من استندوا اليهم من سحرة .
من هي العناصر المستسلمة والداعمة بهذا التصرف ؟
أمّ موسى تعتبر نموذجا هاما ورئيسيا في الرواية، وقد اقتنعت تماما بأن كنتها ليلى يسكنها جن، وتحديدا في رحمها لم يتمكن من غلبته ابنها موسى فاطلقوا عليه الطواشي أي المخصي، وكان الأب هو من اطلق على ابنه هذا اللقب دون مراعاة أو محاولة لاتهام أحد من شخوص القصة الذين ذكرناهم .
العناصر المضادة للسحرة والمستسلمين تتمثل في غادة، سميح ، عمر، ليلى.
سارت الأحداث في الرواية وفق مخطط سردي مقنع، فكان رحيل موسى عن بلده سببا في تحرره من ضغوط نفسية مارسها عليه المجتمع والأهل، الذين لعبوا دور الرقيب والحسيب.
تزوج موسى في الغربة وأنجب الاولاد من زوجته الأجنبية، واغتنى بل وساعد اهله وعاد الى وطنه متحررا من معظم عقد الكبت متزعما عليهم حين لم يبخل بالمال لدعم بناء مسجد في قريته.
مهما كانت الغربة مربحة فإن الوطن أجمل بكل ضغوطاته وشحة موارده . التفاتة عميقة من الكاتب فليس كل من يعاني في وطنه يهجره الى الأبد، بل يخرج ويلتقط أنفاسه ويعود بماله وعلمه لأهله.
سميح كان شابا ضحى بهدوء وحصافة لأنه يحب غادة، جرح اصبعه وأهدى الدم لوالدته؛ لتقتنع بعذرية غادة حبيبته وتطلق زغرودتها المتباهية بذلك. أخذها على قد عقلها وهي نموذج من النساء وأهل القرية الذين ينحصر عندهم مفهوم الشرف، فهو أي سميح لن يعاير غادة في عطائها له لأنه اقتنع بإخلاصها وأعطته لأنها تحبه .
لم ينس الكاتب الإشارة الى زوادة التي تزور أمّها وتعتني باستحمامها وتفقد أحوالها طبخ ما تشتهيه نفس الأمّ، إنه البر بالوالدين وتكاتف الأسر الفلسطينية والتفاقهم حول كبيرهم الذي يحتاج الى عناية وعدم إهماله أو نبذه.
تتميز الرواية بالاتكاء على الموروث الشعبي بكل صدق وعمق ومعرفة أصيلة من استعمال العبارات وتوظيف الأمثال الشعبية المهاهاة والغناء.”اللي بعرف بعرف واللي ما بعرف بقول ف الكف عدس.”
العبارات والأمثال لا تقتصر على منطقة معينة من مناطقنا الفلسطينية، إنما هي سائدة ومنتشرة دون اقتصارها على مكان سكن، وهذه أيضا التقاطة محكمة ودقيقة أتقنها كاتبنا.
نظرة المجتمع الى المطلقة واتهامها بأنها السبب وتبرئة الرجل قدر المستطاع، وتدقيق ذكي في الفتوى الدينية بأهمية العدة لليلى رغم أنّه عذراء إلا ان عريسها اختلى بها مما يلزمها بالعدة .
احتج الكاتب على تغييب العقل واتباع السحر بدل الاتكال على الخالق وتحديدا في مجتمع تقليدي يهتم بالأمور الدينية والشرع والحلال والحرام.
إيمانهم بالشعوذة فاستغل الدجالون الفرصة وركبوا الموجة مسيطرين على فئة واسعة .
شحذ شيخنا جميل السلحوت قلمه ليحارب التخلف والجهل والقيل والقال، وليدافع عن المرأة المطلقة في مجتمعه، وكانت نبرة صوته عالية واثقة وجريئة.
ومن الخليل كتب بسّام داود:
الرواية اجتماعية واقعية أشارت للعديد من المشاكل الاجتماعية في مجتمعنا ، فقد أشار الكاتب إلى دور الجهل وقلة الوعي وسيطرة بعض العادات البالية .
دور المشعوذين والدجالين الذين يتسترون بالدين لتغطية جرائمهم، مشكلة
القيل والقال وتدخلات الناس وتفخيم المشكلة وتعقيدها، كما حصل مع موسى بأنه طواشي وتبين أنه عكس ذلك.
هناك حالات نفسية قد تصيب الشخص يسهل علاجها علميا، لكنها تتعقد بسبب ادخال الجن في صلب الموضوع كما حصل مع موسى وليلى،