قيس وتبون قصة غزل سياسي فريدة
عبده حقي
تاريخ النشر: 15/07/24 | 11:03لا نروم من خلال هذا العنوان الإيحاء أو العودة إلى زمن العشق العذري الذي عرفته قبيلة بني عامر في الجزيرة العربية بين قيس وليلى قبل قرون وإنما بديناميكية سياسية فريدة وواضحة بدأت تتشكل بين تونس والجزائر. وقد شكل رئيسا هذين البلدين قيس وتبون، علاقة مثيرة للاهتمام تتميز بالغزل السياسي المتبادل والميول الاستبدادية المشتركة. ولم تؤثر هذه العلاقة الغرامية على السياسات الداخلية لكل منهما فحسب، بل سلطت الضوء أيضًا على أوجه التشابه في منهجهما تجاه الحكم وجهودهما الحثيثة لتأمين السلطة والحفاظ عليها من خلال الانتخابات الرئاسية.
فما طبيعة هذه العلاقة والأساليب الديكتاتورية المتشابهة، وضبابية المشهد السياسي الذي يحدد سباقهما للبقاء في كرسي السلطة.؟
صعد نجم قيس سعيد، أستاذ القانون السابق، إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية التونسية لعام 2019 كمرشح مستقل. ويُعزى فوزه إلى حد كبير إلى صورته كوجه غريب ورجل نزيه وشاعر بليغ، وعد بمكافحة الفساد واستعادة قوة القانون. وقد اعتبر المراقبون صعود قيس سعيد بمثابة نسمة أكسيجين منعش في بلد يعاني من مشاكل اقتصادية وعدم استقرار سياسي في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وفي الجزائر، وصل عبد المجيد تبون إلى السلطة في عام 2019 أيضًا، بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة بعد عقدين من الحكم الديكتاتوري. وقدم تبون، رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة، نفسه كسياسي محنك ومصلح قادر على تلبية مطالب حركة الحراك الاحتجاجية، التي دعت إلى تغيير منهجي ووضع حد للفساد. وعلى الرغم من وعوده الجوفاء، فقد شاب انتخاب تبون انخفاض في نسبة إقبال الناخبين واتهامات بأنه ليس إلا استمرارا لنفس الحرس القديم للسلطة.
وقد اعتمد كل من قيس وتبون بشكل متزايد على التكتيكات الاستبدادية لتعزيز سلطتهما. ففي تونس، أثارت تصرفات قيس ناقوس الخطر محليا ودوليا. وفي يوليو 2021، استند إلى المادة 80 من الدستور التونسي لإقالة رئيس الوزراء وتعليق البرلمان وتولي السلطة التنفيذية. وقد برر سعيد هذه التحركات بأنها ضرورية لمعالجة الشلل السياسي والحد من الفساد، لكن النقاد أجمعوا على أنه جاء ليقوض النضال الديمقراطي الحديث في تونس. وقد عززت هذه المخاوف تصرفاته اللاحقة، بما في ذلك إقالة القضاة، واعتقال المعارضين السياسيين، وتوسيع السلطات الرئاسية من خلال دستور جديد.
وعلى غرار ذلك في الجزائر، اتخذ تبون خطوات شبيهة لتشديد قبضته على السلطة. وعلى الرغم من وعوده الأولية بالإصلاح، قامت حكومته بقمع المعارضة، حيث تم اعتقال ومضايقة العديد من النشطاء والصحفيين والشخصيات السياسية المناوئة لحكم اللفيف العسكري. ولا يزال المشهد السياسي برمته خاضعا لرقابة مشددة، حيث يلعب الجيش دوراً طليعيا في دفة الحكم. كما واجهت إدارة تبون انتقادات عديدة لفشلها في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.
تتميز العلاقة بين قيس وتبون بالمغازلة السياسية والتفاهم المتبادل والدعم الذي يتجاوز مجرد المجاملات الدبلوماسية. وقد أعرب كلا الزعيمين عن تضامنهما في كفاحهما ضد التهديدات الداخلية والخارجية المفترضة أو المفتعلة. ولا يعد هذا الدعم المتبادل انعكاسًا لتوجهاتهما الاستبدادية المشتركة فحسب، بل يعد أيضًا تحالفًا استراتيجيًا لتعزيز مواقفهما محليًا وإقليميًا.
في أغسطس 2021، كان تبون من أوائل الرؤساء في العالم الذين عبروا عن دعمهم لتصرفات قيس المثيرة للجدل في تونس. وشدد على احترام الجزائر لسيادة تونس وأعرب عن ثقته في قدرة حليفه على تجاوز الأزمة. وكان هذا التأييد مهمًا، نظرًا لتأثير الجزائر التاريخي في المنطقة ودورها كلاعب إقليمي رئيسي.
وبالمثل رد قيس من خلال التحالف مع الجزائر في مختلف القضايا الإقليمية. وقد تعاون البلدان في المسائل الأمنية، وخاصة في مكافحة الإرهاب وإدارة الحدود المشتركة بينهما. ويشكل هذا التعاون أهمية بالغة لكلا الزعيمين، لأنه سيساعدهما على تصوير نفسيهما باعتبارهما “حماة” أقوياء للأمن القومي المغاربي ، وهو المبرر المشترك لتدابيرهما الاستبدادية.
وبينما يستعد قيس لإعادة انتخابه، تكثفت سيطرته على المشهد السياسي. وقد قامت إدارته بقمع المعارضة، وتقييد حرية التعبير والتظاهرات. وواجهت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ضغوطا متزايدة، حيث تم اعتقال وإسكات العديد من الناشطين. وأثار مناخ الخوف والقمع هذا مخاوف بشأن نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة.
وفي الجزائر، اتبع تبون لتأمين رئاسته خطة مماثلا. وعلى الرغم من الوعود الأولية بالإصلاح السياسي، حافظت إدارته على قبضة حديدية محكمة على الحركية السياسية. واتسمت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو 2021 بانخفاض نسبة إقبال الناخبين ومزاعم بالتلاعب في نتائجها. كما واصلت حكومة تبون قمع المعارضة، حيث قامت قوات الأمن بقمع الاحتجاجات وأنشطة المعارضة.
وبينما يتطلع تبون إلى احتمال إعادة انتخابه في أكتوبر 2024، يبدو أن استراتيجيته تستمر في التركيز على الحفاظ على الوضع الراهن وتعزيز قاعدة سلطته. ولا يزال نفوذ الجيش كبيراً، وستكون قدرة تبون على إدارة هذه العلاقة حاسمة في سعيه للاحتفاظ على كرسي الرئاسة. ويطرح استمرار التحديات الاقتصادية والسخط الاجتماعي عقبات إضافية، لكن المنهج الاستبدادي الذي يتبعه تبون يشير إلى أنه سيعتمد على سيطرة الدولة والقمع للتغلب على هذه العقبات.
إن الميول الاستبدادية لكل من قيس وتبون ستكون لها آثار أوسع على دول المغرب الكبير وشمال إفريقيا والعالم العربي. ويعكس دعمهما المتبادل ونهجهما السياسي المماثل في الحكم اتجاهاً نحو تجدد الاستبداد في المنطقة، مما يشكل تحدياً لآمال شعوب المغرب الكبير في التحول الديمقراطي التي ظهرت خلال الربيع العربي. كما تؤكد هذه الديناميكية أيضًا على مرونة الأنظمة الاستبدادية وقدرتها على التكيف والبقاء في مواجهة المطالب الشعبية بالتغيير.
إن حالة العشق الاستبدادي بين قيس وتبون، تؤكد على أوجه التشابه في حكمهما الديكتاتوري وجهودهما الحثيثة لتأمين السلطة والحفاظ عليها من خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. وقد ساهم دعمهما المتبادل وميولهما الاستبدادية المشتركة في تشكيل سياساتهما الداخلية واستراتيجياتهما الإقليمية، مما يعزز الاتجاه نحو تجدد الاستبداد في دول المغرب الكبير. وبينما يبحر الزعيمان في مستقبلهما السياسي، فإن العواقب المترتبة على الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار الإقليمي تظل عميقة وبعيدة المدى.