رواية ” الهوارية .” والهوايات القاتلة
عزوق موسى محمد
تاريخ النشر: 17/07/24 | 15:49رواية “هوارية” هي عمل سردي جديد للكاتبة الجزائرية إنعام بيوض، وقد صدرت عن دار ميم للنشر في الجزائر. تروي الرواية قصة “هوارية”، البطلة التي تعيش في مدينة وهران (غرب الجزائر) خلال فترة العشرية (1990-2000). تتناول الظروف القاسية التي تواجهها والتي دفعتها لدخول عالم الدعارة. المضمون وبعض المصطلحات المستخدمة في الرواية أثارت انتقادات واسعة وصدمت سكان مدينة وهران. والجزائر والعالم.
أعلنت جائزة آسيا جبار[i]للرواية في الجزائر الثلاثاء 09-07-2024 أسماء الفائزين في دورتها السابعة والتي ذهبت في فرع الرواية العربية للكاتبة والمترجمة إنعام بيوض عن روايتها “هوارية” الصادرة عن دار ميم للنشر والتوزيعمن بين 86 روايات مرشحة . وذهبت الجائزة في فرع الرواية المكتوبة باللغة الأمازيغية للكاتب الهاشمي كراش عن رواية (1954.. ميلاد أمل) عن دار تيرا من بين 10 روايات مرشحة ، في حين حصل على الجائزة في فرع الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية عبد العزيز عثماني عن رواية (القمر المفتت) الصادرة عن منشورات القصبة. من بين 54 رواية باللغة الفرنسية .
حيث أنه خلال الفترة الممتدة من 09-07-2024 الى 16-07-2024 ثار نقاش فيسبوكي بخصوص محتوى الرواية الخادش للحياء! وما فيها من ألفاظ نابية لا تليق ان تلفظ فضلا على ان تكتب.
حيث أنه بتاريخ :17-07-2024 تصدى حراس المعبد ودعاة الديم قراطية وحورية التع بير لما سموه هجمة شرسة وتعدي صارخ من طرف ” أعداء النجاح ” و ” الإنكشاريون الجدد ” ، والطبقة ” غير المثقفة ” والجاهلة والتي تحكم على العناوين ولا تقرأ أصلا !….
كانت صفحة عبد العالي مزغيش الفيسبوكية – والذي كان من قبل عكس ذلك تماما- تجمع هذا الرأي دون الرأي الآخر ، هكذا وصولا الى اتصال هاتفي مع قناة الكترونية ذكر :” انها سحابة صيف عابرة ” ووصف النقاش الدائر بالجدل المفاجئ والمصطنع واللغط الذي يقف وراؤه الذين لم تعجبهم نتائج التحكيم ويستدل على وجود الكلمات الخادشة للحياء في روايات سابقة وبقيت طي الكتب ولم يتحدث عنها عامة الناس ومن هب ودب من سواد اعظم لم يقرأ و ما كان ليسمع بها لولا تحريك هؤلاء للازمة وافتعلوها ومحاكمة الرواية والحكم عليها بالجرم بناء على هذه العبارات التي تضمنتها بضعة صفحات ؟ لينتقل للعالمية ويطالب بتوقيف التيك توك لان فيها اخطار كبيرة وأن جزائريات منغمسات فيها ولا واحد ندد بذلك بينما رواية لا يقرأها الجميع وهي اعمال نخبوية تقرأ وتعاد للمكتبة ولا يوجد ما فيه خطر على أبنائنا وبناتنا تحارب ، فعلى خصوم هذه الاعمال الأدبية ان يوجهوا خصومتهم لمواجهة التيك توك الذي يهدد فعلا القيم في مجتمعنا والاقراص المهلوسة والمخدرات ..عبر 58 ولاية. ويختم بتحية للناشرة ).
هكذا ينقل منشور بوسم مطلب مشروع لكنه يظيف ” لكن” وفي التفاصيل يسكن الشيطان حيث يربط ضرورة تنظيف الشارع قبل ذلك ، وهذا غريب فعلا . ولا توجد علاقة وجوبية بين ذلك . وجوب فك الارتباط . وفرق كبير جدا بين 1- الكتابة و-2- تبني وزارة الثقافة للموضوع مع-3- نيل الجائزة والتي يمكن حتى ان تدرج في التعليم -4- إستماتة بني علمان بتصنيفنا بالأهالي والانكشارين الجدد! وبين السب والشتم في الشوارع والمقاهي و….ولا يجب التبرير لذلك ولا مجال للمقارنة :« يليق لي يحارب الوسخ ان يكون هو نظيف » رمزية هذه العبارة فيها خلفية مغالطة .
ثم وتحت عنوان ” للنقاش الهادىء عن “هوارية”… ينقل ما كتب محمد الأمين علاونة، محولا المناط بسؤال :” هل وجب علينا أن نحاكم رواية ” هوّارية” على ما ورد فيها من ألفاظ ساقطة؟ أم وجب علينا أن نحاكم بعض المثقفين الجزائريين على انزوائهم بعيدا عن المشهد الثقافي الجزائري وتحولهم إلى مجرد كائنات فيسبوكية تمتهن الركمجة والسير مع القطيع؟ مستعملا مصطلحات عن “الوصاية الثقافية ومصادرة الرأي وتحولت القيّم جراء ذلك من قيم ثابتة إلى قيم زئبقية ينسحب فيها المثقفون من النقاش الثقافي إلى الإرهاب الثقافي حسب باسكال بونيفاس في كتابه المثقفون المغالطون ” ، ويضيف ” فوضى ثقافية كان مسرحها ولا يزال الفايس بوك الذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى حلبة صراع يتراشق فيها المثقفون ويكيلون التهم لبعضهم بعض.!” . ثم يذكر بما حدث برواية “حيزية” لواسيني الأعرج ” والذي وصف من قبل ومن بعد منتقديه بالإنكشارين واعداء النجاح والجهلة ….”. ثم انه ادرج قضية “تعيين محمد عبيدات أو ” ميستر آبي” مكلفا بالإعلام في مطار الجزائر الدولي . فاسحا المجال للعابثين بالثقافة بأن يعبثوا بها أكثر بعيدا عن الفضاء الأزرق الذي صادر ملكيته المثقف الجزائري وتحول بمنشوراته إلى وصي على كل شيء دون أن يكون فاعلا في أيّ شيء. وقبل الختام وفي تناقض ينتقد من ينتقد وجود كلمات نابية في الرواية ويقوله ما لم يقل بانتقاد اللجنة فنيا ! وأنه يجب قراءة كل الأعمال المقدمة حتى نقيم الحجة على اللجنة! وان لا نكتفي بصفحات من مجموع222 صفحة ويبدأ في التبرير ان تهذيب الرواية في ظل عموم الفساد والسفاهة كالتيك توك لا يحل مشاكل العالم الاسلامي؟ ليختم بالتهم الجاهزة عن المثقف الجزائري الأمي الذي لا يقرأ ويعتقد أنه مكلَّف بمهمة فوق العادة لأخلقه الفن وحراسة النوايا؟ وزيادة في التبرير يقول : “.. أنَّ تراثنا العربي والإسلامي زاخر بأنواع شتى من الكلمات التي أستحي من ذكرها في هذا المقام، فقد كتب الشعراء في التغزل بالغلمان، وكتب السيوطي مجموعة لا بأس بها من الكتب الإباحية “شقائق الأترج في رقائق الغنج و كتاب نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسمر وغيرها من الكتب” وهو المفسر للقرآن الكريم ، العالمُ بأحكامه ونواهيه ” تفسير الجلالين” فهل ثارت ثائرة معاصريه وحملوا له سيف الأخلاق أم تركوا ذلك لمثقفينا اليوم الذين لا شكّ سيغربلون التراث العربي والإسلامي فيحذفون عديد الكلمات من كتاب ألف ليلة وليلة ويحرقون كتب السيوطي وقصيدة المتنبي في هجاء ضبة الأسدي وينقحون كتاب الحيوان للجاحظ ويحذفون الكلمات الفاحشة من المعاجم والقواميس والدواوين والروايات العربية لأنها تخدش حياءهم وتجعل مجتمعاتهم تعيش التخلف والانحطاط.)
حيث أنه بتاريخ 16-07-2024 خرجت عدة تسريبات من نصوص الرواية وتبين ان الأهالي يقرؤون ! ولهم صفحات من الرواية بالدليل والبرهان فيها ما لا يجتمع عليه إثنان ولا يتلفظ به الانسان سليم الفطرة بينه وبين نفسه .
حيث أنه بتاريخ :17-07-2024 يصدر بيان المساندة ؟ بالفرنسية فوق العربية بالتوقيع مع عبارات الحملة الشرسة ، تحت الضغوطات التي يمارسها أعداء الفن والثقافة، نحن الكُتاب …والمثقفون، والمواطنون عشاق الفن والثقافة : – نندِّد بشدّة وحزم بالهجوم الوضيع والتهديدات المواربة والصريحة ضدّهم.-2- ندين المساس بحرية الإبداع والنشر والترويج للأعمال الإبداعية أيا كان مصدرها.-3- نعلن دعمنا الكامل للكاتبة وناشرتها وأعضاء لجنة التحكيم، ونؤكد لهم على تضامننا التام.-4-نطالب السيدة مديرة منشورات ميم، بالتراجع عن قرارها بغلق الدار، إثر الضغوطات التي مورسَت ضدّها، ونؤكد لها مرّة أخرى دعمنا وتضامننا.[ii]
بعد الرّدح والنّطح وانقشاع الغُبار..
يبدو أنّ لجنة التحكيم انتصرت لتيّار أيديولوجي بعينه -مع سبق الإصرار والتّرصد- ورمت في سلّة المهملات بكلّ الأعمال الأخرى الوازنة التي لا ينتمي أصحابها إلى هذه الفئة الأدبية النّافذة.
ويظهر ذلك من خلال الإسراع في الاصطفاف والدعوة إلى التّجييش ورفع الهراوات فوق رؤوس المُخالفين واتّهامهم بالتطرّف والنّفاق والإنكشارية وهو ما يُعرّي الأيديولوجية الضيّقة وثقافة عدم التّسامح والتّعايش التي يعتنقها هؤلاء..
هذا التحزب جعل احد ابرز الادباء الجزائريين الأستاذ عبادو سليم بعد اعلان انسحابه مستقبلا من المشاركة في هذه الجائزة تحديدا يعبر عبر صفحته : ” شخصيا كنتُ مخطئا باعتقادي بأنّ الجزائر تسع الجميع ، ويُمكنها أن تحتضن كلّ أبنائها بشتّى انتماءاتهم ما داموا لها مُخلصين. هناك أناس لا يمتلكون ثقافة رجال ونساء دولة، فهم يُحوّلون السلطة الصّغيرة التي تضعها الدولة بين أيديهم -من أجل خدمة كلّ الجزائريين بلا تمييز – إلى غنيمة تخدم حصرا مَن يتشارك معهم نفس الأيديولوجية، وتُقصي مَن يختلف معهم في الرؤية ولو كانت أعماله أحسن جودة وذوقا. لا أعتقد بأنّي سأتغلّب على هذا الإحباط في القريب العاجل.. لأنّه من السهل أن تزرع اليأس في قلوب النّاس ولكن من الصعب أن تُخرجه منها وتجعلهم يثقون من جديد.
ونختم بأسئلة الأستاذ نذير طيار العميقة :” هوارية” لأنها فازت بجائزة، حركت الساحة الثقافية، وفجرت الأسئلة الحقيقية. وأعادت طرح دور القيم في العمل الفني.ليست المشكلة في “انكشاريين جدد” “أعداء للفن”، ولا في أنصار “للأدب المنافق”، كما ليست هي في أنصار “الرواية الفاجرة” ولا في دعاة “أدب الدعارة”.إن جوهر المشكلة في النقاش المحتدم. حول رواية هوارية هو عن موقع القيم الأخلاقية في الفن، وفي الكتابة الروائية بشكل خاص. هل يجوز للروائي أن ينقل بيت الدعارة إلى الرواية، بكل تفاصيله، وشخوصه، وقاموسه اللغوي الجاهز؟ أم عليه أن ينقل ذلك، محافظا على الشخوص والتفاصيل، عبر بذل جهد لأجل تشكيل لغة خاصة أدبية راقية؟ هل نحن مطالبون، مثقفين وباحثين جامعيين، بتبني رؤية المدارس الغربية للفن، جملة وتفصيلا؟ أم علينا الاستفادة منها من خلال تكييفها مع قيمنا الأخلاقية وثقافتنا الذاتية؟
ويذهب البعض ان الزوبعة فعلا قد تكون مفتعلة فعلا من المعنين وخاصة دار النشر كمسرحية لانتشار الرواية والتحفيز على قراءتها .
—– تهميش—–
[i] – آسيا جبار (1936-2015) الاسم المستعار للكاتبة فاطمة الزهراء إمالهايين. كتبت : نساء الجزائر (1980) . ظل السلطانة(1987) .الحب والفنتازيا (1985).الجزائر البيضاء. انتُخبت عضوًا في أكاديمية اللغة الفرنسية في عام 2005 . اهم ما يلفت الانتباه في سيرتها الذاتية انها تلميذة ماسينيون وانها سخرت علمها في فرنسا . أُنشئت جائزة في الجزائر باسمها للرواية في عام 2015 بمبادرة من الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار،وهي تُمنح سنويًا لثلاثة أفضل روايات جزائرية مكتوبة باللغات العربية، الفرنسية، والأمازيغية. تهدف الجائزة إلى ترقية الإبداع الأدبي الجزائري وتعريف العالم بثراء وتنوع الأدب في البلاد. دون ذكر أي معايير كيف يتم اختيار او تعييناللجنة المشرفة . يذكر انه في دورتها السابعة، تم تكريم الروايات التالية بجائزة آسيا جبار للرواية:باللغة العربية: “هوارية” للكاتبة والمترجمة إنعام بيوض. باللغة الأمازيغية: “1954, تلالي أوسيرم” للكاتب الهاشمي كراش. باللغة الفرنسية: “القمر المفتت” للكاتب عبد العزيز عثماني .http://www.prixassiadjebar.dz/ar/biographie
[ii] – sous la pression suscitée par les ennemis de l’art et de la culture, nous, écrivains, éditeurs, libraires, artistes, journalistes, universitaires, intellectuels et citoyens amoureux de l’art et de la culture, déclarons ce qui suit : Dénonçons avec la plus grande fermeté les attaques indignes et les menaces à peine voilées ou assumés contre eux. Condamnons les atteintes à la liberté de créer, d’éditer, de publier et de diffuser des œuvres de l’esprit d’où qu’elles viennent. Apportons notre soutien total à l’auteure, son éditrice et les membres du jury et les assurons de notre entière solidarité.