صور وذكريات
بقلم : يوسف جمّال- عرعرة
تاريخ النشر: 21/07/24 | 7:43
1)حماري لا يحب الرقص في الأعراس!!
بينما كنت ماراً من أمام بيت حماري, حاملاَ معطفاَ في يدي, وعندما لمحني استوقفني,
فظننت انه ينقصه عليقاً أو ماء يشربه, فلم يترك لي مجال سؤاله عن غرضه من
إيقافي , حتى “صفعني” بهذا السؤال المثير للغضب حتى الجنون:
– ألا تتمنى – يا سيدي- ان تكون حمارا مثلي!؟
فغامت الدنيا في عيني ,واستحمدت الله أنه , لم يكن في يدي شيئاَ أضربه به. فصحت
به صيّحه لم يسمعها مني في حياته:
– أتريد مني أيّها الأحمق ,أن أكون من صنفك , يخلو من ذرة عقل أو إحساس أو
حياء.!؟
فقال وكل كلامه استجداء واستعطاف:
– لا تغضب مني- يا سيدي- والله لم أقصد إهانتك وإنما قصدت…
ماذا قصدت – يا أرذل الحمير!؟ .. والله لو عدت الى هذا الكلام البذيئ , لبعتك
لحماَ لحديقة الحيوانات.
قلت وما زالت “فيوزات” الغضب, تحاول الطيران من عيني.
قصدت .. قصد ت – يا صاحبي – أن أعبِّر لك عن شعوري معك , بالثقل
الكبير الذي تحمله على عاتقك.! قال بكلمات متشفِّعه تنذر, بانفجار بكاء يختفي
وراءها.
وما هو هذا الحمل الثقيل, الذي تريد مشاركتي حمله, يا حماري العزيز!؟ قلت
بعد حل الهزء مكان الغضب.
النقوط .! نقوط الأعراس ! – يا صاحبي. قال بعد أن شعر , أن غضبي قد
خفَّ.
وهل شكوت لك , أو طلبت منك مرة , أن تساعدني في هذا الموضوع!؟ قلت
وقد بدأ الغضب والقهر يعود الى رأسي.
– لا يا سدي..ولكني أقرأها على صفحات وجهك , وفي الغيوم التي ترتسم في
عينيك.!
إنك- أيها الحمار الجاهل أصبحت قارئا جيداً لوجهي وعيوني!
عشرة طويلة – يا سيدي- وأعرف أنك تحرم أولادك وزوجتك , من أشياء
كثيرة ,وأحياناً ضروريه , من أجل أن توفر نقود نقوط الأعراس!
ولكن ما الذي جعلك تثير هذا الموضوع, في هذا الوقت بالذات!؟
هذا المغلف الذي في يدك , أليس هو مغلَّفاً يحوي “نقوط”!؟
أجاب الحمار بخبث .
نعم.. يا لك من حمار لمّاح.! قلت هازئا..ولكن لماذا تمنيت لي في بداية حديثنا
,ان أصبح حماراَ مثلك.!؟كمَّلت متفهما.
كي تتخلص من هذا العبئ. عبئ النقوط – فكما تعلم – نحن صنف الحمير,
نتزوج “على السكت ” عدا بعض النهيق, ولكن بدون نقوط.
فسكتُ مغلوباَ على أمري, وتمنيت في سري , ان أكون من صنف الحمير, كيّ
أتخلّص من هذا العبئ الُثقيل.!
2) حماري “يخطب” والجمهور يصفق!
توجهت الى حفلة تخريج كنت مدعوّاَ إليها , ولما وصلت الى ساحة المدرسة , توجهت
عيناي باتجاه المنصة, فاسودَّت الدنيا أمام ناظري.. رأيت منظراَ ما كنت أتوقع ان
أراه ولو في أحلامي. لقد إصطدمت عيناي بحماري, واقفاَ على المنصة وهات يا
نهيق.! والناس من حوله تصفق وهو ينهق, ولكني لم ألاحظ ان أحدا يسمعه , ولما
أنهى خطبته العصماء , ونزل من على المنصه , تقدمت منه وتناولت “رسنه”
وسحبته ورائي . وعندما وصلنا الى البيت , صرخت به والغيظ يكاد يفلقني:
ما هذه “الفضايح” التي ترميني بها!؟
أيه فضائح- يا سيدي – أنت لم تسمع الخطباء الذين سبقوني؟! إن خطبتي كانت
أفضل من خطبتهم لغة ومضموناً!
ولكن – أيها الجحش- منذ متى انطلق لسان الحمير, وبدأت تخطب.!
يا سيدي- منذ ان بدأ الناس يلقون الخطب, ولا يقولون شيئا.. “ويلوكون” نفس
الكلمات والتعابير.!
وأنت ماذا قلت في خطبتك أيها الفيلسوف.!؟
مثلهم لم أقل شيئاً.. استعملت نفس النهيق المعتاد.!
والجمهور.!؟
ألم تراه- يا سيدي- بعينيك يهتف ويقاطعني بالتصفيق!؟ قال مقاطعاَ.
ولكن.!
لقد أصبحت خطبنا – يا سيدي- كلاماَ مجترَّاَ متَّفق عليه بين الخطيب وسامعيه
. هو لا يقول شيئأ وهم لا يسمعون!
3- حماري يهرب من هذيان المحطات الفضائية.
شفقة مني على حماري , ورحمة به من قسوة وحدته, اقتنيت له تلفاز فيه تسليّة له
,ويمكِّه من متابعة أحداث العالم.
في البداية رحب بالجهاز, إذ لاحظت انه بدأ يقضي معظم وقته محدقا بشاشته, وأحيانا
كنت ألاحظ انه يتراقص طرباً , على أنغام الموسيقى التي تنبعث منه ,
ولكن بعد اسبوع , دخلت بيته فوجدته, بدل أن يوجَّه وجهه وعينيه باتجاه الجهاز, كان
يوجه مؤخرته له. في البداية لم يثر الأمر استغرابي , إذ قلت في نفسي ,ربما يريد ان
يريح عينيه , ولكن ما ان شعر بوجودي حتى صرخ مستغيثا:
أرجوك.. أرجوك – يا سيدي- أن تعفيني وتريحني من هذا العقاب الذي يعذِّبني
. عقاب التلفاز!
فقلت والدهشة تكاد تعقد لساني:
ويلك أيها الحمار اللعين! أتعدُّ شاشة التلفاز عقاباَ !؟ أيها الجحش الجاهل.
صحيح ان الحمار سيبقى حماراَ , ولو بين بني البشر ربّى.!
يا سيدي وتاج رأسي ..لا أستطيع ان أستمع الى هذه الهرطقات, التي تبثها هذه
المحطات.. فغالبيتها مأجورة, تخدم سياسة ذوي السلطات والمال..والحقائق
فيها مغموسة “بالزيت الأسود”!
والرأي والرأي الآخر, وحرية الرأي.!
ربما لأنني حمار غليظ العقل, وفهمي على قد عقلي الصغير. دائما أخرج من
برامج هذه الفضائيات برأي واحد.
إنها بضاعة لا تناسبنا – نحن معشر الحمير- فنحن لا نطيق البضائع
المستهلكة.. والتي هدفها فقط تخدير المستمعين ,عن طريق وضعهم في عالم
خيالي ومثالي بعيدا عن واقعهم.!
ولكن لا تستطيع ان تنكر ,ان هنالك برامج ثقافية علمية.!
لقد ضاعت- يا سيدي – في بحر من البرامج والمسلسلات الهابطه , ولم تعد
صنارتي تقوى على صيدها , من بين أمواج هذا البحر المليئ بالزبد الفارغ.
معنى ذلك أنك تريد أن تعود الى عالم جهلك الحميري! قلت وقد بدأت قواي
تضعف , أمام منطقه القوي.
نعم- يا سيدي- أرجوك ان عالمنا الحميري عالم بسيط صادق..لا يعرف
التهريج والنفاق والتمسح بأذيال ذوي المال.. ولا يرقص مدعياَ الطرب
المزيف على أنغام السلطان.
تناولت جهاز التلفزيون ,وأخرجته من بيته, وتمنيت لو أملك الشجاعة , كي
أرمي الجهاز خارج بيتي , ولكن انتم تعرفون- ايها القراء- ماذا سيحدث لي
وماذا سكون مصيري في بيتي , لو فعلت هذا. إنني لا أملك حرية الرأي , التي
يملكها الحمار!