ربع قرن من حكم الملك محمد السادس
عبده حقي
تاريخ النشر: 28/07/24 | 10:38مع احتفال المغرب بالذكرى السنوية لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، تقف البلاد باعتزاز وثقة كمنارة للتقدم والقوة الناشئة في كل من المنطقة العربية والقارة الأفريقية. على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، شهد المغرب تحولات كبيرة، كللت بإنجازات مشهود بها في مختلف القطاعات، بما في ذلك حقوق الإنسان ومجال الصناعات والتغطية الصحية والحماية الاجتماعية والرياضية والعلاقات الدولية.. إلخ
فماهي المعالم البارزة التي تحققت في عهد الملك محمد السادس وما هي الآفاق الواعدة التي ينتظر الشعب المغربي.
بداية لقد كان مجال حقوق الإنسان من أهم مجالات التقدم في عهد الملك محمد السادس. فمنذ توليه الحكم في عام 1999، بادر إلى دعم العديد من الإصلاحات الرامية إلى تعزيز الحريات المدنية والرقي بثقافة حقوق الإنسان بكل مطالبها ومستوياتها وعلى الخصوص إنشاء هيأة الإنصاف والمصالحة .
وفي عام 2004، أقر المغرب مدونة الأسرة، وهي إصلاح رائد على المستويين المغاربي والعربي في مجال قانون الأسرة أدى إلى تجويد حقوق المرأة بشكل كبير. وقد تناول هذا الإطار القانوني قضايا مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث، ومنح المرأة المزيد من الاستقلال والحماية. كما عزز إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، حيث وفر مؤسسات خاصة كمؤسسة الوسيط لمعالجة المظالم وتعزيز تعليم حقوق الإنسان.
وعلاوة على ذلك، كان الملك محمد السادس من أشد المدافعين عن التسامح الديني والحوار بين الأديان. وقد اعترف دستور عام 2011 صراحة بالطائفة اليهودية باعتبارها جزءاً من النسيج الثقافي المغربي، وهو ما شكل شهادة على المنهج التعددي الذي تنتهجه البلاد. وقد وضعت هذه المبادرات المغرب في مكانة نموذجية للتقدم في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي.
وشهد القطاع الصناعي في المغرب نموًا وتنوعًا ملحوظين تحت قيادة الملك محمد السادس. وكان الهدف من إطلاق خطة تسريع الصناعة في عام 2014 هو تعزيز الإنتاج الصناعي وخلق فرص العمل. وقد ركزت هذه المبادرة الاستراتيجية على قطاعات رئيسية مثل صناعة السيارات والطيران والإلكترونيات والمنسوجات والصناعات الزراعية.
لقد شهدت صناعة السيارات على وجه الخصوص نمواً ملحوظاً، حيث أصبح المغرب مركزاً دوليا لتصنيع المركبات والمركبات الذكية. إن إنشاء مصانع الإنتاج من قبل شركات عالمية عملاقة مثل رونو وبيجو في كل من طنجة والقنيطرة وكازابلانكا لم يعزز الناتج الصناعي فحسب، بل خلق أيضاً آلاف الوظائف. كما عزز ميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ في أفريقيا، من مكانة المغرب كمركز لوجستي وتجاري بالغ الأهمية.
وبالإضافة إلى النمو الصناعي، استثمر المغرب أيضاً في الطاقات المتجددة. ويجسد مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية، أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، التزام المغرب بالتنمية المستدامة الصديقة للبيئة . ومن خلال الاستفادة من مزاياه الجغرافية والاستثمار في التقنيات الخضراء، يهدف المغرب إلى تقليل اعتماده على الوقود الأحفوري وترسيخ مكانته كقائد في مجال الطاقة المتجددة.
كما شهد عهد الملك محمد السادس اهتمامات كبيرة في قطاع الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية. وكان إطلاق خطة المساعدة الطبية راميد (RAMED) في عام 2012 بمثابة خطوة مهمة نحو التغطية الصحية الشاملة حيث يوفر نظام المساعدة الطبية إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية للفئات الهشة ذات الدخل المنخفض والفئات الضعيفة، مما يضمن أن تكون خدمات الرعاية الصحية أكثر شمولاً وإنصافًا.
وكان توسيع البنية الأساسية للرعاية الصحية نقطة محورية أخرى. فقد تم بناء أو ترقية العديد من المستشفيات والمرافق الطبية، وخاصة في المناطق القروية. ولم يؤد هذا إلى تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية فحسب، بل أدى أيضًا إلى تعزيز الجودة الشاملة للخدمات الطبية في البلاد.
وفي مجال الحماية الاجتماعية، تبرز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وتهدف هذه المبادرة المتفردة على المستويين العربي والإيفريقي ، التي أطلقها الملك في عام 2005، إلى مكافحة الفقر والحد من الفوارق الاجتماعية وتعزيز التنمية المستدامة. ومن خلال برامج ومشاريع مختلفة، أثرت المبادرة بشكل إيجابي على ملايين المغاربة، حيث وفرت لهم ظروف معيشية وفرصًا اقتصادية أفضل.
كما تصادف الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتولي الملك محمد السادس العرش، حيث شهد عهده مقترحات جوهرية وشجاعة للحكم الذاتي في المناطق الصحراوية، بهدف حل النزاع الطويل الأمد عبر مقترح الحكم الذاتي. وتتوافق هذه المبادرة مع استراتيجيات التنمية الإقليمية الأوسع نطاقًا، مع التركيز على النمو الاقتصادي وتوسيع البنية التحتية من مدينة كلميم بوابة الصحراء حتى معبر الكركرات الحدودي مع مويتانيا . ومن بين هذه المبادرات الاستثمارات الكبيرة في الصحراء، وخاصة في تعزيز شبكة الطرق. وقد أدى ذلك إلى تحسين الاتصالات، وتعزيز التجارة والتنقل . بالإضافة إلى ذلك، شهدت صناعة صيد الأسماك البحرية دفعة قوية، مما ساهم في الاقتصادات المحلية وخلق فرص العمل لسكان الصحراء. كما كان التعليم الأكاديمي العالي محورًا أساسيا ، مع خلق مؤسسات جديدة تهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات والكفاءات المهنية اللازمة لقوة عاملة حديثة. وتؤكد هذه الجهود على منهج شامل للاستقرار الإقليمي والتنمية، مما يعكس رؤية الملك للمغرب المزدهر والموحد.
أيضا في عهد الملك محمد السادس، انتهج المغرب سياسة خارجية حازمة واستراتيجية، فقد عزز علاقاته السياسية وروابطه الدبلوماسية عبر خمس قارات. وقد شكلت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 علامة فارقة في سياسته الخارجية. وأشارت هذه الخطوة إلى التزام المغرب بالتكامل والتعاون الإقليميين، مما سمح له بلعب دور أكثر نشاطًا في معالجة التحديات السياسية والاقتصادية والتنموية الأفريقية.
كما نجح المغرب في ترسيخ مكانته كلاعب رئيسي في التعاون بين بلدان الجنوب، من خلال تعزيز الشراكات مع العديد من البلدان الأفريقية. ومن خلال مبادرات مثل الشراكة بين المغرب وأفريقيا، انخرطت البلاد في مشاريع تنموية مختلفة، بما في ذلك تطوير البنية الأساسية والزراعية والاتصالات والتعليم. ولم تعمل هذه الجهود على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل عززت أيضاً نفوذ المغرب في تخوم القارة.
وفي المنطقة العربية، حافظ المغرب على علاقات قوية مع دول الخليج وكان من أشد المدافعين عن السلام والاستقرار. ويؤكد دور المغرب في التوسط في حل النزاعات وتعزيز الحوار، وخاصة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على التزامه بالاستقرار الإقليمي.
إن النشاط الدبلوماسي المغربي يمتد إلى ما هو أبعد من أفريقيا والعالم العربي. فقد أقامت البلاد شراكات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعديد من الدول الآسيوية وخصوصا كوريا الجنوبية واليابان الصين. وقد سهلت هذه العلاقات التجارة والاستثمار والتبادل الثقافي، الأمر الذي أدى إلى زيادة اندماج المغرب في اقتصادات شرق آسيا وتنوع اقتصاده العالمي.
وبينما يتطلع المغرب إلى المستقبل تحت قيادة الملك محمد السادس، فإن هناك عدة عوامل تساهم في تعزيز آفاقه الواعدة. فالموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد، إلى جانب استثماراته الضخمة في البنية الأساسية والخدمات اللوجستية، يجعله بمثابة بوابة حيوية بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ومن المرجح أن تجتذب هذه الميزة الاستراتيجية المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتعزز دور المغرب في التجارة العالمية.
إن الذكرى السنوية الفضية لاعتلاء الملك محمد السادس العرش تشكل علامة فارقة في مسيرة المغرب نحو التحول إلى قوة ناشئة وناعمة في المنطقة العربية والقارة الأفريقية. إن إنجازات البلاد في مجال حقوق الإنسان والصناعات والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والدبلوماسية هي شهادة على القيادة النيرة والمتبصرة للملك محمد السادس. ومع استمرار المغرب في البناء على هذه الإنجازات، فإنه يقف على أهبة الاستعداد لمستقبل واعد، يتميز بالتنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي والنفوذ العالمي المعزز.