بين المسدس والطلقة / وقفة تأمّليّة للقصيدة. صدئ المسدَّس: للشّاعر: وليد الزوكاني
كتبَ النظرة التّأمّليّة: وهيب نديم وهبة
تاريخ النشر: 05/08/24 | 12:11لماذا أقف عند عتبة القصيد… لأن الدّخول إلى مكنون العمق في الصّياغة ليست سهلة وتحتاج إلى نظرة تأمّليّة وفكريّة قبل ولوج الباب.
المسافة خرجتْ في عُزلة المطر
محايدة
لم تميّز بين متراسين
بين كتابين وأحجيتين
سيلزمها دم
لترى منام الأمس، قتلى..
لترى الجهات، وتفصل الشَّرق
عن الحجر القديم.
يفتتح المقطع بكلمة (المسافة) هنا البعد الفكري للكلمة التي تجعلكَ تفكر “هل المسافة قريبة أم بعيدة؟ لهذا: يقول الشاعر وليد: “في عُزلة المطر محايدة” إلغاء تامّ للبعد. هي مسافة تأمّليّة تستدرج للمعنى القادم.
“لم تميّز بين متراسين” دَخلنا في المشاهدة – المتراس الأوّل – موقع للهجوم أو للتستّر والمتراس الثاني ثقافتك الحضاريّة… ولكن عدم التّميّز تعود للمسافة وهنا يتجلّى الفكر في تكوين الصّورة للحالة. ويتابع:
بين كتابين وأحجيتين
سيلزمها دم
لترى منام الأمس، قتلى..
لترى الجهات، وتفصل الشَّرق
عن الحجر القديم.
بين كتابين وأحجيتين / سيلزمها دم / هنا يُقدّم رقّة الكلمة مع بشاعة ووحشية النّظرة التّأمّليّة للمعنى – كتابين – الكتاب الحضارة – وهنا بين حضارتين – التّغيير – يحتاج ثورة – وهي إعلان الأمل للقصيدة بصورة مبطّنة / لترى الجهات – العلوم – وتفصل الشَّرق / عن الحجر القديم… (عن العصر الحجري) هذا المقطع الأوّل عند العتبة.
القليل من الجنائز
والبكاء الحرّ ..
لتميّز البحر عن الصحراء
والفقراء عن نزلاء فندقها الكبير.
المسافة مثل طير
هنا الوصف؛ بين مسافتين أو حضارتين أو نقلة ما بين البحر والصحراء وهنا لعبتي ومساحتي وتحليقي للوصف لنصل إلى – التعبير – الواضح – مثل طير. ما المقصود. ما هي المسافة لنقلة الطّير – أو لنعرف وندرك التميز ما بين البحر والصّحراء- بين حضارة وحضارة ويترك لنا الشّاعر المبدع وليد الزوكاني البكاء الحرّ والقليل من الجنائز، وهنا تحضر الثورة الفكريّة والفعليّة والتّأمّليّة أننا (في مرحلة الانتظار بين مسافة ومسافة… بين حقبة زمنية وأخرى)
لا ترى في حقل ألغام
سوى مأوىً جميل.
من يقطعها سيّدها
الأسرعُ يأخذُ قلبَها
ويفرّ.
عظمة النّصّ في هذا المقطع. يصبُّ الفكر الآن على الفكرة “لا ترى في حقل ألغام / سوى مأوىً جميل” بالرغم من حقل الألغام – الثورة – هي المأوى الجميل الذي يقطعها “سيّدها” يجنى ثمار المرحلة… ويفرّ – يفوز – تلك هي المسألة المسافة، بين الحركة والجمود. هذا التّمهيد الرائع لما سيأتي:
أقْعَتْ أوَّل الضوء ككلب
بين ميقاتين.
لم تصل بعدُ القذيفةُ
لم يمُتْ أحد
تحدّث عن الجنائز القليلة. الآن يقول بوضوح، لم تصل بعدُ القذيفةُ / لم يمُتْ أحد. (شعلة الفكر والتّحرر يحتاج التّضحية ولكي تنهض الشّعوب وتستيقظ من سُباتها العميق تحتاج إلى التجديد. شعلة الفكر ووقود الحضارة.
لا حرائق، لا دخان ..
تحلّق الشّهداءُ حول الشّاي
وانتظروا
لا وجوه جديدة هذا المساء
لا نسوة يخرجن من أحداقهنّ اليوم
لا ليلاً
سيمرَض أوّل الليل
ويسقط كالرّداء
على سيارة الإسعاف
لا موتاً
سيفتح فوّهات الرّوح.
الآن التّأكيد على الحالة، الرّكود، الجمود بالرّغم من وجود الشّهداء… الذين ينتظرون بزوغ الفجر الجديد للحياة – للثّورة – للتّجديد – للآمال القادمة حتى النسوة لم يتحرك لهنّ جفن، لا موتا – الطبيعة البشريّة ساكته، تحتاج إلى مسافة ما بين نقلة الطّير والبعد، ما بين البحر والصّحراء.
الآن أورد كلّ هذه الفقرة لأنها جوهر الموضوع، المضمون، المرمي للهدف، والملعب المفتوح على الحضارات أو الجهات.
أين سيُمضي المُعزّون مساء الغد؟
في الحانات؟
في كَسر المرايا؟
في مواساة الذين تأخر الموت
عليهم؟
من سيصُبُّ الزّيت
في قنديل شاعرنا الكبير؟
ماذا سيكتبُ
بعد أن خذلته في منتصف العمر
القذيفة؟
هَشَّ القصيدة..
الخيبة هنا تهيمن على المشهد. الذين يخطبون (الشعارات) ويسكرون في الحانات ويُتاجرون بالقضية والثورة وفي المسافة الثانية (في مواساة الذين تأخّر الموت عليهم؟) أصحاب الشّهادة الذين ينتظرون الفجر.
مرّة أخرى يطرح علينا السؤال: الفرق ما بين القول والفعل – بين البعد والمسافة وربّما هي مساحة للتفكير…
أين نحنُ من الحضارة. ويُتابع مَن الذي يستطيع أن يصبّ الزّيت… أوّل الشّرارة في “قنديل” الشّعلة، الفكر التّنويري وقد قطعنا شوطًا من الزّمن أو المسافة ولم نتعلم. خذلتنا الأنظمة وغافلنا الزّمن (العمر) وتأخّرت الثّورة (تحرير الفكر ومسافات البطولة البعيدة) وأصبحت “هَشَّ القصيدة” بهذه العذوبة القاسية الجارحة يُقدّم الشاعر وليد خلاصة الزّمن، العمر والخيبة.
وأوَى،
أوّل الليل إلى جهة بعيدة.
قليل من رصاص ..
سيُعيد الألَق الفضّي للأفق الجميل
قليل من دمٍ
سيعيد للأساطير
الأنوثة
للوطن
معناه المقدس.
صدئ المسدّس
صدئ
المقدّس.
من أول المقطع (إلى جهة بعيدة) العودة إلى المسافة “هي بعيدة”.
قليل من رصاص ..
سيُعيد الألَق الفضّي للأفق الجميل
قليل من دمٍ
سيعيد للأساطير
الأنوثة
القليل من الدّم – التّضحية – سوف يُعيد أساطير البطولة – الكرامة – ورقّة الألق الإنساني العشق حتى الوريد “الأنوثة”.
والأجمل هذه الأساطير للوطن – البطولة – وهو المعنى المقدّس… أن تنسكب روحكَ على مذبح الوطن المقدّس، في صدئ المسدّس… صدئ المقدّس… إعادة الحكاية – البطولة، التّضحية، النّهوض بالأمم ومواكبة الحضارة بالكرامة الإنسانية.
القصيدة:
صدئ المسدَّس
وليد الزوكاني
اللوحة: الفنّان الإسباني سلفادور دالي
المسافة خرجتْ في عُزلة المطر
محايدة
لم تميّز بين متراسين
بين كتابين وأحجيتين
سيلزمها دم
لترى منام الأمس، قتلى..
لترى الجهات، وتفصل الشَّرق
عن الحجر القديم.
القليل من الجنائز
والبكاء الحرّ ..
لتميّز البحر عن الصحراء
والفقراء عن نزلاء فندقها الكبير.
المسافة مثل طير
لا ترى في حقل ألغام
سوى مأوىً جميل.
من يقطعها سيّدها
الأسرعُ يأخذُ قلبَها
ويفرّ.
أقْعَتْ أوَّل الضّوء ككلب
بين ميقاتين.
لم تصل بعدُ القذيفةُ
لم يمُتْ أحد
لا حرائق، لا دخان ..
تحلّق الشّهداءُ حول الشّاي
وانتظروا
لا وجوه جديدة هذا المساء
لا نسوة يخرجن من أحداقهنّ اليوم
لا ليلاً
سيمرض أوّل الليل
ويسقط كالرّداء
على سيارة الإسعاف
لا موتًا
سيفتح فوّهات الرّوح.
أين سيُمضي المُعزّون مساء الغد؟
في الحانات؟
في كَسر المرايا؟
في مواساة الذين تأخّر الموت
عليهم؟
من سيصُبُّ الزّيت
في قنديل شاعرنا الكبير؟
ماذا سيكتبُ
بعد أن خذلته في منتصف العمر
القذيفة؟
هَشَّ القصيدة ..
وأوَى،
أوَّل الليل إلى جهة بعيدة.
قليل من رصاص ..
سيُعيد الألَق الفضّي للأفق الجميل
قليل من دمٍ
سيعيد للأساطير
الأنوثة
للوطن
معناه المقدّس.
صدئ المسدّس
صدئ
المقدّس