الثّقافة لدى مالك بن نبي من خلال مجالس دمشق الحلقة الثّالثة

معمر حبار

تاريخ النشر: 08/08/24 | 9:01

مالك بن نبي “مجالس دمشق- محاضرات ألقيت في عامي 1971-1972، حول دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”، دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الثّانية، 1427 هـ -2006، من 192 صفحة.

مقدّمة:

سبق أن تطرّق صاحب الأسطر إلى المحاضرة الأولى[1]، والثّانية[2] لمن أراد الزّيادة.

المحاضرة بعنوان: الثّقافة والأزمة الثّقافية.

ألقيت المحاضرة الثّالثة بتاريخ: مارس 1972.

الصفحات المعنية: 89-112.

مدير الجامعة يومها وتحت إشرافه: الأستاذ عبد الرحمن الصابوني رحمة الله عليه.

ينطلق مالك بن نبي من فكرة نقلها عن فرنسي مفادها: “أزمة جوان 1967 كانت أزمة ثقافية”.

ألقى مالك بن نبي المحاضرة في جامعة دمشق. وحين يتعلّق الأمر بمصطلحات عربية يقول دوما: “هو أعلم منّي باللّغة العربية” كما هو الشأن مع الأستاذ محمود شاكر. “وأظن أن الأساتذة الكرام هم أعلم منّي بمنشأ كلمة الثّقافة”. مايدلّ على أخلاق، وأدب مالك بن نبي.

أقول: ممّا فهمته من الصفحات الأولى للمحاضرة وقبل أن يخوض مالك بن نبي في تفصيل مفهوم الثّقافة، أنّ الثّقافة هي: كلّ مالا ينساه المرء، ويبقى راسخا في السّلوكات اليومية. لأنّ مايتلقاه المرء في المدرسة ينساه. لكن تبقى القيم راسخة لاتمحى عبر الزّمن.

يقول: مايؤسف لكلمة “ثقافة” أنّها لاتكتب إلاّ وهي مرادفة لكلمة “Culture”.

العناوين الفرعية من وضع صاحب الأسطر.

العرب والأزمة الثّقافية من خلال مصيبة جوان 1967:

للأمانة: مالك بن نبي يتّخذ من مصيبة جوان 1967 مثلا لدراسة، وتطبيق مفهومه للثّقافة. ولا يتطرّق للمصيبة إلاّ كمثال.

العرب لم يخسروا الحرب، وإنّما خسروا معركة.

تهمّنا الأزمة التي تدوم لعقود وليس الأزمة التي تدوم خمسة أيّام. 103

الأزمة الثّقافية وعلاقتها بالعمل المشترك:

لم نواجه أزمة ثقافية لأنّنا لم نحسن العمل في نطاق العمل المشترك الذي تتجمّع في نطاقه وتتكاتف الأيدي والعقول والضمائر. 95

أقول: يفهم من هذا أنّ العلاقة قوية بين العمل الجماعي والثّقافة. وفي المقابل العلاقة القويّة بين الأزمة الثّقافية والعمل الفردي.

منطلقنا، ومنطلقات الغربيين:

يرى مالك بن نبي أنّ “منطلقنا يختلف تماما عن منطلق الآخرين” 98. مايستوجب تعريف الثّقافة حسب كلّ منطلق، واختلاف الثّقافة حسب كلّ مجتمع، وحسب منطلقاته.

الثّقافة ليست هي العلم:

ربط الثّقافة بالعلم يعني فصل القضية عن جوهرها. لأنّ العلم لايدّعي، وليس من وظيفته أن يقدّم المبرّرات. 98

والعلم الحديث لايقدّم المبرّرات، ولا يهتم بهذا الجانب. لأنّه يهتم بالكيفيات. 99

الثّقافة وعلاقتها بالفاعلية:

المجتمع الجزائري، والعربي، والمسلم فاقدا إلى حدّ كبير للإيجابية والفعالية. 101

الثّقافة ورقابة المجتمع، والفرد:

الثّقافة هي التي تنشئ الرّقابة المزدوجة. أحيانا من طرف “نحن” كردّ فعل لانحراف “أنا” معين. وأحيانا من طرف “أنا” معين ضدّ مجتمع. 104

إذن لابدّ أن تفرض الرقابة، وإذا انعدمت هذه الرّقابة، اختلّ الأمر. 107

الثّقافة تريد الخير:

ممّا فهمته أنّ الفاعلية هي محرّك الثّقافة وليس العلم. لأنّ العلم حيادي لايريد الخير ولا الشّرّ. إنّما يسعى للجواب عن كيف فقط.

والثّقافة تريد الخير، وإذا ماانحرفت تصبح تريد الشّرّ.

السّلوك الفعال، وأسلوب الحياة في المجتمع يتكوّنان على أساس الثّقافة، وليس على أساس العلم. لأنّ تكوين الطّفل يبدأ قبل مانتصوّر بكثير. 105

تعريف الثّقافة بشكل عام:

الثّقافة هي الجوّ المتكوّن من ألوان وألحان ونغمات وروائح وسكنات وأضواء، ومن جوانب مظلمة، إنّها هذا الجوّ الذي تتفتّح فيه النّفس، وتشعر بوجودها في إطار عام. 106

الثّقافة والطّفل:

الطّفل الذي تريد على أن تطعمه كلّما صرخ، يختلف جذريا عن الطّفل الذي ترى أن تطعمه حسب الوقت المحدود.

الأوّل يحلّ مشكلاته بالصّراخ. والثّاني يعرف أنّ الصّراخ لايحلّ المشاكل. 107

الثّقافة وانسجام الأفراد مع المجتمع:

الثّقافة هي التي تمنح انسجاما بين أفراد المجتمع شبكة علاقات اجتماعية تتضمّن للفرد رعاية، ورعاية للمجتمع من جانب. ومن جانب آخر تضمن المجتمع من انحراف الفرد، والمجتمع.

هدف الثّقافة هو: انسجام أفراد المجتمع مع المجتمع. وشرط الانسجام لايقدّمه العلم، وتقدّمه الأخلاق. وفي بلادنا يقدّمه الإسلام. لأنّ الإسلام جاء ليناسب المجتمع. وكان لزاما أن يضع هذا المجتمع على مكارم الأخلاق. لأنّ الأخلاق وحدها تضمن وحدة المجتمع، وصيرورة المجتمع، ووظيفة المجتمع. والدّين هو وحده الذي يستطيع أن يؤسّس مجتمعا، والعلم لايستطيع تأسيس مجتمع.

والشرط الأوّل الذي نطلبه من الثّقافة ونفترضه، عليها أن تحقّق الأساس الأخلاقي في المجتمع، لأنّ المجتمع لايقوم على غير الأخلاق، لأنّ المعاملات الاجتماعية كلّها، حتّى معاملات الجوار العادي، لاتبنى إلاّ على الأخلاق. 108-110

الثّقافة والقيّم الجمالية:

المطلوب من الثّقافة أن تمنحنا قيما جمالية. لأنّ المجتمع يتطلّب صورة ومظهرا، يتطلب تنظيمه الشكلي من حيث ملبسه، ومعاشه، وترتيب أشياء بيته. الأشياء التي تتّصل بالقيم الجمالية، لذا لابدّ للثقافة أن تمدّنا بالذوق الجمالي، وتنمي فينا هذا الذّوق. ويجب علينا ألاّ نعتقد أنّ الإسلام قد أهمل أو زهد في هذا الجانب. 110-111

الثّقافة والفاعلية:

المجتمع الذي تحقّقت وحدته وتحقّق شكله، له حاجات ضرورية تتحقّق بنشأة ماسميته بالفعالية. والشّعوب لها مقاييسها، لكنّها لاتفقد المنطق العملي.

الثّقافة التّقنية، والصّناعة، والعلم:

الثّقافة والصّناعة، والعلم شرط في بناء الثّقافة. 111

أقول: مالك بن نبي يرى أنّ العناصر المادية من تقنية، وصناعة، وعلم من أسس الحضارة وشروطها. لكن يعيب على الذين يعتقدون أنّها بمفردها هي الثّقافة.

الأزمة الثقافة قد تولّدت لأنّنا تناولنا العلم على أنّه ثقافة. 112

خلاصة

الثقافة = انسجام الأفراد مع المجتمع+ القيّم الجمالية+ والفاعلية + التّقنية، والصّناعة، والعلم :

الخميس 4 صفر 1446هـ، الموافق لـ 8 أوت 2024

الشرفة – الشلف – الجزائر

[1] مقالنا بعنوان: مالك بن نبي من خلال مجالس دمشق

الحلقة الأولى عن الاستدمار، والقابلية للاستدمار، والحضارة، والإسلام – معمر حبار

وبتاريخ: الإثنين 16 محرم 1446هـ، الموافق لـ 22 جويلية 2024

[2] مقالنا بعنوان: الحضارة لدى مالك بن نبي من خلال مجالس دمشق

الحلقة الثّانية – معمر حبار

وبتاريخ: الخميس 26 محرم 1446هـ، الموافق لـ 1 أوت2024

الشلف – الجزائر

معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة