اللغة والدلالة في شعر سميح القاسم
د. سناء عز الدين عطاري
تاريخ النشر: 20/08/24 | 9:06اللغة كائن حي، تنمو وتزدهر، وتضعف وتتقوقع، وتأخذ وتعطي، وتحيا وتموت، وهذا يتعلق بحضارتها، فإذا ما ازدهرت فهي كذلك، وإن تخلفت، تخلفت هي أيضاً، ومع نمو اللغة وتطورها تتغير الدلالة إما أن تتسع أو تضيق أو تزدهر أو تنحط.
والتغير الدلالي مصطلح دخل حديثاً إلى علم اللغة، وهو عبارة عن تركيب وصفي يدل على تغير معنى الكلمة على مر الزم بفعل إعلاء أو انحطاط أو توسع أو انحسار أو مجاز.
وهناك عوامل تغير دلالي يمكن رصدها في أعمال سميح القاسم، وهي:
1- عوامل متعلقة بالدين والكتب السماوية، حيث يقتبس القاسم ألفاظاً من القرآن الكريم، لتجسيد صوره الشعرية، وذلك لإضفائها مزيداً من الواقعية على الصيغة، وجعلها أشد أثراً وأعمق نفوذاً.
وهو يقول في قصيدة “نشيد الأنبياء”:
ما “سقر”
لا بدَّ أن أمضي
عذابي وردة
وفمي حجر …”
ويقول في نفس القصيدة:
جالد إذا أفلحت، منتزعاً خطاك من الوحول الداميات
وعد إلى فردوسك المهجور
“للجنات تجري تحتها
الأنهار، للقصر الكبير”.
2- التراث الأدبي:
يجد القارئ في أعمال سميح القاسم أنه متأثر بالتراث الأدبي، من شعر ونثر. فمرة يضمّن أبياتاً شعرية كاملة، ومرة يضمّن أسماء لشخصيات أدبية كالشنفرى، وعنترة العبسي، وبدر شاكر السياب، وذلك ليغني أدبه بالثقافة العربية والإسلامية، وتوظيف الألفاظ التراثية مما أعطى شعره أبعاداً رحبة، ورموزاً لدلالات متغيرة من معناها المعجمي إلى المعنى الإيحائي.
ومن العبارات الإشارية التي يضمّنها القاسم ما نجده واضحاً في قوله ضمن سربيته “إلهي إلهي لماذا قتلتني؟”:
” يا التي كانت منازل بيضاء وسناج دواخين
يا مرابع أهلي المقفرة
يا أطلال خولة
يا باقي الوشم في لحم الأرض”.
فلأطلال خولة في النص الشعري دلالة على أنقاض وبقايا من قرى وطنه في المثلث والجليل التي برزت آثارها المتهدمة كالوشم في الأرض، وأصبحت طللاً يستوقف أصحابه ليثير فيهم العاطفة الجياشة، تماماً مثلما فعلت أطلال خولة بطرفة بن العبد، حيث قال:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
3- المأثور الشعبي والأساطير
يقول في قصيدة “رسالة إلى الله”:
“يا أبانا، نحن بعد اليوم ليس بسطاء
لا نصلي لك كي تمطر قمحاً
لا نداوي بالحجابات وبالرقية جرحاً
نحن أنجبنا على الحزن كبار الأنبياء
وخلقنا من أمانينا التي تكبر .. رباً
شقّ من مأساتنا للفجر درباً”
وقد أسهب الشاعر في استخدام التراث الشعبي من حكايات خرافية، زوق بها أشعاره، وأساطير مليئة بالرموز والإيحاءات التي تشير إلى تجارب إنسانية عميقة الرؤيا.
ومن أبرز رموز سميح القاسم: الريح، الحمام، الزيتون، الغربان، الذئاب، الطحالب، البئر، الياسمين، النسور، والسنديان.