سندريللا حافية قصة قصيرة
وفاء شهاب الدين- مصر
تاريخ النشر: 02/09/24 | 7:40علت الابتسامة ملامح تغادر بسرعة عالم الطفولة وتتأرجح على أعتاب الشباب خجلة ..
تصاعد صوت تصفيقهم فاختلطت الابتسامة بحمرة فأكملت:
إذا الشعب يوما أراد الحياة – فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي – ولابد للقيد أن ينكسر
أحنت رأسها لتحيي المبهورين بإلقائها الرائع واندفعت لخارج القاعة لتحتضنها معلمتها التي دارت بها عدة دورات ثم قبلتها قائلة:ــسنحصل على المركز الأول بفضلك..
ابتسمت هامسة:ــ أنتِ من علمتني كل شيء فالفضل أنتِ.
في الممر وقفت تتأمل الثوب الذي أهدتها إليها المعلمة لتحضر به المسابقة، لونه الوردي يمنحها فرحة تفوق فرحة الجائزة ..
للمرة الأولى منذ ولدت يحصل جسدها الفارع على تلك المكافأة، إحدى عشر عاماً ونصف لم يلامس جلدها ثوباً جديداً ..
طالما ما ارتدت ملابس الجيرا والأقارب القديم لكن اليوم صار لها بشرة جديدة تحتضن لونا ورديا فحولها إلى وردة تضوع بأرقى الكلمات..
شريطاً وردياً سجن شعرها الثائر في معتقل الجمال فمنحها تألقاً جعلها تتبختر في مشيتها كطاووس.
“أريد أن أكون شاعرة”
باحت لمعلمتها في جرأة فقالت المعلمة:ــ ستكونين إن شاء الله ..لديكِ خيال رائع ولغة جميلة وشخصية مبهرة قوية تتغلبين بها على كل التحديات.
تقضي يومها تدرس ثم تقرأ لتتحول من فقيرة إلى شاعرة ، تجمع قصاصات المجلات لتضعها على حائط البيت المتهدم فتصطنع منه عالماً ساحراً يزخر بشعراء عاشت معهم على صفحات الشهرة وأوراق المجد ثم تعود لتصطدم بفراش لم يكن أبداً سريراً ،وسادة لم تتذوق أبداً وجبة من قطن ،وطاولة طعام هي الأرض ، سبعة إخوة هي أكبرهم ووالد مريض توقفت مهمته عند إنجابهم.
عالم من الأحلام يسكن مخيلتها الطموحة وابتسامة من أمل تعلو دائماً شفتيها، بداخلها يغلي مرجل المستقبل فيدفعها إلى المثابرة.
جائزة الإلقاء حصلت عليها مرة ومرة ثم مرة..
قلب متوثب يدفعها إلى جنة الكلمات وطفولة لم تعشها قط ، عاشت بمخيلتها في مستقبل لم يأت قط..
صلبت الثوب الجديد على جدار الشعر لتعود إليه كلما اشتاقت لتفحصه، ثوب وردي وشريط وردي ينقصهما فقط حذاء ليحولها إلى سندريللا ..
تناثرت الكتب من حولها وهي تبحث عن قصاصة شعر حفظت بعضها وفقدت الباقي ..
سأعيش رغم الداء والأعداء …كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً …بالسحب والأمطار والأنواء
وأعيش في دنيا المشاعر ………………
توقفت بها الذاكرة وأبت أن تسعفها، لمع في عينيها خاطر فقررت أن تسأل معلمتها عن البقية في الغد
ابتسمت المعلمة ورددت:
وأعيش في دنيا المشاعر غرداً ….وتلك طبيعة الشعراء
ضحكات عالية وضجيج يتعالى من حولها، ثياب جديدة قالوا أنها لها ، ذهب شكل فقط ليسكن جسدها الفوار،حلوى كثيرة ، امرأة ما تزينها، زغاريد متتابعة تعلن فرحة ما لا تعلم هي سرها ورجل ما يحمل وجها مخيفاً نبتت بوجهه غابة من سواد يختلط به شيباً تغطيه طبقة من حناء يرتدي جلباباً أبيض ويضع على رأسه شالاً أبيض يمسك بيد والدها ويغطي يديهما منديلاً أبيض ..
استيقظت مبكراً، حملت كتبها وهمت بالخروج إلا أن صوت والدها استوقفها “لا تذهبي فزفافك بعد غد”.
انتابتها دهشة :ــ أي زوج؟
رد:ــ من أحضر لك الثياب والذهب..
قالت: لا أريد زوجاً ولا ذهب..أريد مدرستي ..
رد:ــ لم يعد لديك اختيار..
توقف قلبها طويلاً لكنها استدركت:ــ أبتِ تدري أن طاعتك فرض علي لكن هلا سمحت لي بالذهاب إلى المدرسة ــ اليوم فقط ــ لأودع زملائي؟
في المدرسة أحاطتها أمواج الدموع التي تلاطمت في عيون صديقاتها ومعلميها الجميع يبكون زهرة برية نضرة تقتلعها يد لا تستحق العطر.
بمن تستنجد إذن إذا كان الدم الواحد لا يشفع، إلى من تلجأ وقد تحول ملجؤها إلى سجن تزف منه إلى سجن آخر أكثر قسوة.
ذهبت بصحبة معلمتها إلى مدير المدرسة بكت قائلة:ــ سيدي ..أريد أن أصبح شاعرة..
نظر إليها الرجل ثم قال:ـ وما منعك؟
ردت المعلمة:ــ والدها قرر تزويجها من رجل يكبرها بأربعين سنة ولا أحد ينقذها..
انتفض الرجل بعد توسلات ووعدها بإيجاد حل
روت بدموعها أرض القرية وباحت لنكبتها للجميع عل أحدهم يهب لنجدتها
رفض والدها كل تدخل وتعلل بأن الزواج ستر لها فهي جريئة يخشى عليها الفتنة ..
معلمتها الأثيرة هتكت حجب الحياء وطالبته بفسخ ذلك العقد الباطل فأهانها وكال لها من الاتهامات ما دفعها إلى الخروج من بيته باكية..
كم من الدموع أريقت على جدران تلك النجدة ولم ينجدها أحد .
سيل من الزغاريد،ابتسامات ليست لها، أهازيج لا تفهم معانيها وأغنيات تتردد في جنبات البيت المتهدم..
لملمت الثياب الجديدة ، نزعت عنها الذهب، واستبدلت ثوب العرس بثوب سندريللا الوردي..
غافلت الجميع وهربت تجرجر ثوبها ودموعها تحول الزينة على وجهها إلى مأتم من الألوان.
على الجسر وقفت تتأمل الماء الجاري تحت قدميها كعمر تمنت أن تعيشه لكنه لفظها بل رحمة ..
تمتمت بآخر ما حفظت:ــ
يا صميم الوجود كم أنا في الدنيا غريب أشقى بغربة نفسي
بين قوم لا يفهمون أناشيد فؤادي ولا معاني بؤسي
نظرت إلى الماء طويلاً، ارتفع نشيجها، ارتجف جسدها وهي تتخيل كم الألم الذي ستشعر به حين ترمي بنفسها إلى قعر النهر الجائع ، كم صرخة ستصدر عنها وكم آهة..
ترددت كثيرا لكنها استجمعت كل شجاعتها حين سمعت اسمها يتردد من بعيد بين جنبات القرية ، تمتمت بالشهادتين ثم ألقت بنفسها حيث لا شعر ولا كلمات..
حملها الماء كعروس تزف إلى النهر في موكب الشروق الرائع،شيعتها زقزقات العصافير ونسمات الصباح ، تتهادي في دلال بين الموجات كملكة نبذت كل قوانين الملك من أجل ذلك الحفل…ومن بعيد دوت صرخات.