عن كتاب المحامي حسن عبادي
محمود شقير
تاريخ النشر: 05/09/24 | 18:481
قبل خمس سنوات، تحديدًا بتاريخ 03/06/2019 شرع المحامي الحيفاوي حسن عبّادي، بتشجيع من زوجته سميرة، في الدخول في تجربة ممتدة تمثّلت في زيارة الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، متطوعًا، مستعدًّا للقيام بهذه المهمة النبيلة التي أخذت كثيرًا من جهده ووقته، وأثمرت على امتداد السنين تفرّعات عديدة وانحيازات صبت كلها في خدمة من يضحّين ويضحّون بأجمل سنوات العمر من أجل الوطن والناس، للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال جاثمًا على صدر الوطن وصدور الناس.
وفي حين كرّس حسن عبادي كتابه هذا للزيارات التي خصّصها لسبعين أسيرًا، فإنه، وكما أخبرني، سيكرّس كتابًا للزيارات التي خصّ بها الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، وبذلك يمتد مشروعه الكبير ليغطي مساحة واسعة من المعاناة التي عاشها ويعيشها مئات الآلاف من الأسيرات والأسرى الفلسطينيين على امتداد سنوات الاحتلال الطويلة.
2
حمل الكتاب عنوانًا رئيسًا: “يوميات الزائر والمزور” وآخر فرعيًّا: “متنفس عبر القضبان”، وهو صادر عام 2024 في 231 صفحة من الحجم المتوسط، من دار الرعاة للدراسات والنشر/ رام الله، ومن جسور ثقافية للنشر والتوزيع/ عمّان، وأشرف على تحريره الناقد فراس حج محمد، ويبدأ الكتاب بزيارة للقائد الأسير أحمد سعدات بتاريخ 03/06/2019 وينتهي عند الصفحة 231 بالاسم رقم 70 من قائمة المزورين وهو الأسير: يحيى حج حمد من نابلس.
الجدير ذكره أن حسن عبادي تبنى مبادرة أطلق عليها اسم: “لكل أسير كتاب”، وقد تمثلت في إدخال كتب لمؤلفين فلسطينيين وعرب إلى الأسيرات والأسرى داخل السجون، ثم إن رابطة الكتاب الأردنيين تبنت إقامة ندوات وحفلات إشهار لمؤلَّفات الأسرى بحضور حشد من الكتاب والكاتبات ومن الجمهور المعني بالثقافة المتعاطف مع الأسرى، ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تعدّته إلى تنظيم فعاليات دولية تبنّى بعضَها الاتحاد الاوروبي وهيئات أجنبية أخرى متعاطفة مع الأسرى الفلسطينيين ومع الحق الفلسطيني بشكل عام.
وفي الأثناء، وقبل ذلك بسنوات كانت الحركة الأدبية داخل السجون قد تطورت على نحو لافت، وقدّمت روائيين وقاصين وشعراء وباحثين وفنانين تشكيليين إلى الحد الذي مكّن كاتبًا أسيرًا هو الشهيد وليد دقّة للفوز بجائزة اتصالات الإماراتية على روايته للفتيات والفتيان: سرّ الزيت، عام 2018، وفوز الروائي باسم خندقجي بالجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر” على روايته “قناع بلون السماء” عام 2024.
ما حدا بالمحامي حسن عبادي أن يطرح مبادرة ظهرت فيما بعد في كتاب موسوم ب “الكتابة على ضوء شمعة” عن الأسلوب الذي يتبعه كل أسير كاتب أثناء الكتابة، وعن عاداته في الكتابة. علاوة على تخصيص اهتمام كافٍ بترجمة بعض مؤلفات الأسرى التي تستحق الترجمة إلى لغات عالمية.
وإلى جانب هذا الاهتمام بمؤلفات الأسرى كما ورد في هذا الكتاب، فقد جرى كذلك اهتمام بالجهود التي يبذلها القائد الأسير مروان البرغوثي المتمثلة في تخصيص برنامج تعليمي، يشارك فيه الأسير القائد حسام زهدي شاهين، لتخريج أسرى بعد حصولهم على درجات الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصّصات.
3
بين الزيارة الأولى التي قام بها حسن عبادي إلى السجون والزيارة الأخيرة فيض من المشاعر والانفعالات والفرح والأحزان، وكان حسن عبادي هو الناقل الأمين لتحيات الأهل إلى ابنهم المحجوز خلف القضبان، وهو كذلك الناقل الأمين لسلامات الابن المحكوم بمؤبد أو مؤبدات إلى الأهل المحرومين من الزيارات إلا على فترات متباعدة، وبما يسمح به السجّان، وهو الذي يشهد باستمرار على صمود الأسرى وتحمّلهم كل صنوف العذاب.
ويمكن ملاحظة أن الأمَّ والشوق إليها أو الترحّم عليها إن فارقت الحياة قبل أن تعانق ابنها الأسير، هي أكثر ما سجله الكتاب واشتمل عليه؛ حدث هذا حينما توفيت أم القائد الأسير كريم يونس، وحينما توفيت أم المناضل الأسير حسام زهدي شاهين، أو حين توفي الأب أو الشقيق أو الابنة أو الابن أو أحد المقرّبين.
وقد لفت نظري من ضمن التفاصيل الحميمة التي اشتمل عليها الكتاب ذلك التواصل بالقبل عبر الزجاج اللئيم بين المحامي حسن عبادي وأصدقائه الأسرى، وسؤاله عن صحتهم وأحوالهم، وسؤالهم في المقابل عن زوجته وبناته وأحفاده وعن أهلهم وأحبتهم.
وبالطبع تتعدّد معاناة الأسرى في السجون التي زارها حسن عبادي، ومن أكثر ما اشتكى منه الأسرى ظاهرة الإهمال الطبي التي تُعرّض الأسرى لأمراض مزمنة حينًا وللموت حينًا آخر.
ولعلّ ما يحزّ في النفس فعلًا شكوى أحد الأسرى من الإهمال الوطني، على غرار الإهمال الطبي، وهي الظاهرة التي اشتكى ويشتكي منها أسرى كثيرون، حيث التقصير الرسمي وغير الرسمي بحق الأسرى فيما يتعلق برفع قضيتهم بإصرار ومثابرة إلى كل المنابر العربية والأجنبية، وإلى مؤسسات حقوق الإنسان للضغط على دولة الاحتلال للإفراج عنهم، وتحريرهم من ظلام السجون والمعتقلات.
4
أخيرًا، ومع تقديري لجهود المحامي الكاتب حسن عبّادي، وحرصه على إسماع صوت الأسرى إلى أبعد الأمكنة، وقراره الصائب بالترويج لأدب الحركة الأسيرة ونشره على أوسع نطاق، عبر التوزيع وعقد حفلات الإشهار، ونشر المقالات النقدية في الصحف والمجلات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإنني أتوجه له بالشكر على كتابه هذا الذي يستحق مزيدًا من الاهتمام، بالنظر إلى ما يحويه من تفاصيل عن حياة الأسرى في السجون، وبالنظر إلى ضرورة وضع قضية أسيراتنا وأسرانا في المكانة اللائقة بها، للإسراع في خلاصهم من تلك الحياة الخانقة وراء القضبان.