ذاكرة في الحجر رواية كوثر الزين
بقلم نافذ الرفاعي
تاريخ النشر: 06/09/24 | 18:22لدى دعوتي من ندوة اليوم السابع المقدسية للمشاركة في قراءة رواية كوثر الزين ” ذاكرة في الحجر”والتي اعرفها إعلامية متميزة وشاعرة فازت بجائزة “بابطين”عن قصيدتها “شطحات”، فاقتربت من سرديتها الروائية بكثير من الريبة، وهل تحولها نحو السرد يوازي اعتلاءَها صهوة الشعر وفوزها بالجائزة مناصفة مع شاعرة يمنية ،
وعليه استعنت بمثابرتي وتحملي لأصناف الكتابة غير مكترث بما أواجهه من نص يحمل مسمى الرواية،
والعنوان “ذاكرة في الحجر” أثار لدي تكهنات بأن هذا العمل له صله بعملها كإعلامية وشاعرة وقد يبتعد عن عالم الرواية، وبما أن العنوان هو مفتاح الكتاب وما تحمله التسمية من غموض وتورية ، قررت قراءة النص لسببين : أولهما معرفتي بالأديبة والإعلامية والشاعرة، وثانيهما استكشاف ماهية النص وهل تنطبق عليه معايير الرواية.
وأعترف بكل صراحة أن وجهة نظري انقلبت رأسا على عقب لدى ولوجوي هذه السردية ، تفاجأت بحكاية تحمل رؤيا وأفكاراً وفلسفةً ورسالة تحاكم الوجع العربي المزمن.
حيث سحبني النص وما سببه لي من فضول بالركض مع أحداثه المشوقة رغم اكتنازها بالعمق المعرفي والفكري والتنوع السياسي والعقائدي ،
وتجسد الروائية شخصية “عربي” الرجل البطل في الرواية امتدادا لوالده المثقف العضوي، والذي دفع ثمن موقفه الصلب والواقعي في السجن واختفاء اثاره بعد الاعتقال، ورث “عربي” الثقافة والقراءة ولكن سكنه الجبن والخوف من اتخاذ موقف بحثا عن النجاة،
واللافت للنظر أن الاستهلال للرواية حوار ومولونوج مع القطة “مشرق” وهو اسم قطته المهداة من حبيبته الفرنسية “اوود” فهي بدلالة اسمها قدره الموعود،
المرأة في عالم “عربي” بدءا بصديقته المثقفة الشيوعية “تالا” وغروره المعرفي يتمثل أنه الجبل وهي التلة،
وخطيبته تيماء والتي هي نسخة عن والدته في الطيبة وتعكس المرأة البسيطة المهتمة فقط بزوجها، وهي تعكس الرجل العربي وسي السيد، واضحت ضحية الاعتقال من البوليس في زمن ثورات الربيع العربي من الاستبداد، ونجاة “عربي” بالاختباء على ظهر التينة ليرقب اعتقالها ووالدها،
لقد عرت الكاتبة عصر الاستبداد وتجربة اعتقال “عربي” المهادن والخائف وتعذيبه بالكهرباء وأثر ذلك على رجولته لاحقا .
لقد أوقعت كوثر الزين بطل روايتها في رحلة هروبه من البوليس وهجرة وطنه بين يدي التكفيريين، لينتحل مسمى “ابو مسلم” ويستخدم علمه وثقافته وإصراره على النجاة، ويهرب مجددا منهم مع السبية جيلان اليزيدية،
تجسد الروائية رحلة الهروب نحو أوروبا مطمع الحياة، يلفظه البحر في فرنسا مارسيليا، تعرض الرواية معاناة الهاربين إلى أوروبا ووقوعهم فرائس للمهربين وسوء المعاملة من سلطات الهجرة ،
تستحضر القدر ومعجزته التالية مع “اوود” الصحفية الفرنسية العاملة في “ مجموعة صحفيين بلا حدود” لتستضيفه في بيتها ورحلة العلاج للاستشفاء من أثر التعذيب على فحولته،
لا تترك الروائية القدر وتسرده في نسق درامي لا يريحه من بؤسه الذي يسلب منه الطمأنينة ، تموت “أوود” كما ماتت أمه واختفاء والده واعتقال حبيبته ، تموت الفرنسية بمرض السرطان وينتشر مرض الكيوفيد-الكورونا،
يبحث في الفيسبوك ليجد جيلان اليزيدية قد هاجرت لألمانيا وتحتفظ بكردان والدته الذهبي الموروث عن جدته لأبيه وهو ما دفعه مهرا لحبيبته تيماء واسترده في حركة نذالة لدى اعتقالها، يحتفظ به في رحلة الهروب ووقوعه بيد التكفيريين الذين احتال عليهم بآثار التعذيب وسعة المعرفة بعالم الكمبيوتر والتكنولوجيا، واستأمن جيلان عليه،
وهنا سخرية القدر والخوف من الموت والمرض الوباء وبحثا عن قراءته المعرفية للصوص الذين سرقوا موتى الطاعون في مارسيليا من خلال الخل،
ملاذه الخل كي يتجنب مرض الكورونا-الكيوفيد سبب له قرحة ودمار في المعدة وتم اجراء عملية عاجلة له في المستشفى .وخروجه قبل التشافي إلى البيت ليطعم “مشرق” قطته والتي هي ما تبقى له من “أوود” الفرنسية،
بقيت القطة دون غذاء وماء خلال مكوثه بالمستشفى،
يصل متأخرا و”مشرق” في النزع الأخير يسقيها الماء ولكنها تموت ،
في لحظة البحث عن دفنها يفاجئه البوليس السري ويعتقله لينبش ماضيه في “ابو مسلم”.
والترياق للوباء الخل هو موطن الشبهة والتهمة لصناعة متفجرات، يتحاشى السجناء مصاب بالكورونا لكن “عربي” اقترب منه واسنده،
يودع “عربي” خوفه بل يعانقه في مريض الوباء لانه تغلب على جبنه وخوفه .
روايه في منتهى الروعة وجمال السرد واللغة عالية ومتماسكة ومشوقة وعباراتها جزلة، رواية فيها رمزية عالية بل واضحة جدا وهي بطل الرواية “عربي” تضعه رمزا لأمة العرب وما يواجهون وأحلامهم في الهجرة والعثرات والخيبات والانكسارات،
وأما رمزية “أبو مسلم” هو التدثر بالدين ومحاكمة التطرف الملتبس، واأيضا الالتباس في الموقف من الإنسان يجسده “عربي” في تعامله مع جيلان السبية اليزيدية بمنتهى الإنسانية ولا ينساق لفقه النكاح،
أما “مشرق” قطته فهي ترمز إلى عالمه وهو الشرق البائس كقطته الجميلة، تحاكي مجرد روح الشرق بتجلياته وسحره، ولكنه موؤود بالاستبداد والتخلف والفساد،
استعرضت الكاتبة أوروبا بلاد التنوير ولكنها غاصت في ازدواجية المعايير، فرنسا الأدب والفلسفة ومعرفتها بفرنسا أدبا وفلسفة وتاريخا من سيمون ديبفوار وسارتر وأحدب نوتردام، تبيع فرنسا أسلحة القتل لتستخدم ضد اليمنيين،
وتطرقت إلى أمين معلوف الهارب من لبنان قبل عشرين عاما لتستمر مسيرة الهروب في “عربي” والذي تمثلت شخصيته في قراءة ما كتبه معلوف.
حملت كوثر الزين تالا الأفكار الماركسية والبروليتاريا ولكن نهايتها على حساب الفيسبوك تزوجت ثري من لصوص الاقتصاد.
أما خطيبته تيماء اختفت في السجون تماما.
وأما سبيته جيلان هاجرت وتزوجت ومات زوجها في الكويفييد.
وحبيبته الفرنسية ماتت بالسرطان.
يبدو أن هذه التراجيديا التي تحيط بعربي في طفولته باعتقال واختفاء والده والربيع العربي دمر حياته واعتقال خطيبته واعتقاله وتعذيبه ،
وهروبه ووقوعه في فخ التكفيريين ، نجا ولكن طاردته تلك الحقبة لتصنع نهايته رغم براءته منها،
الخوف يطارد هذا العربي إلى أن تحدى الكيوفييد والموت .
أن الترميز في الرواية أكثر انكشافا من اسماء عربي وكنية ابو مسلم وقوله أنه اسمه اسم والده أحمد .
في الرواية تعرض موقف عربي من جيلان وهي يزيدية وهو يتصرف بأخلاق إنسانية عالية، وهي رسالة ضمنتها الكاتبة أن الدين صلة ما بين الإنسان وخالقه ويجب أن لا يحكم البشر على بعضهم لمن هذه العلاقة كمقياس، وتعري استباحة الآخرين للبشر سواء تحت دافع الدين أو الاستبداد من الحاكم.
اخيرا وليس آخرا أن المكان في الرواية هو الوطن العربي بلا فواصل وبلا حدود جغرافيته سكانه”عربي” .
فعلا لقد تميزت الأديبة كوثر الزين في روايتها كما تميزت في شعرها وشهدت لها مؤسسة البابطين ،