ما هي المادة؟!

بقلم : د . ادم عربي

تاريخ النشر: 21/09/24 | 19:24

كيف يُمكن أنْ تكونَ إنساناً مادياً في طريقة تفكيركَ وفي فهمكَ الفلسفيّ والعلمي وما ينطوي عليه من تفسيراتكَ لكلِّ الظواهر وفي إجاباتكَ ؟.

قبل أنْ تكونَ مادياً يجب عليكَ فهم ثلاث نقاط وتحسن فهمها حتى تكون إنسان مادي في تفكيره ، والتفريط بها يجعلكَ إنساناً ميتافيزيقياً، هذه النقاط هي : ما هي المادة ، إنّه سؤال ضروري يتعلق بالمادة ، و الثاني يتعلق باللامادة ، أو بكلمة أخرى ” الفكر” ، فما هي اللامادة؟، والنقطة الاخيرة هي طبيعة العلاقة أوْ ما هي العلاقة بين المادة و اللامادة.

الإنسان الجدليّ في تفكيره يُميز بين الأشياء وذلك من خلال ” التفريق” بين الشيء ونقيضه ، فنحنُ نفهم العلم بأنه عكس الجهل والجهل عكس العلم ، وما أودُّ قوله أنَّ الأشياء تُفهم من خلال أضدادها.

في الواقع الموضوعي الملموس والمحسوس ، لا وجود إلّا للأضداد الواقعية والتي هي حقيقية بمعنى محسوسة وملموسة ، وبناءاً عليه ، فهل يوجد نقيض حقيقي للمادة نستطيع تميزه عن المادة؟ لا تقلْ لي العدم ، فأنتَ إذا قلت هذا ، فإنكَ تحتاج إلى مزيد من الأدلة على ضوء النهار . يوجد نقيض للمادة من ناحية فلسفية وهو الفكر ، لكنَّه يتمتع بخاصية فريدة من نوعها ، خاصيته الأساسية أنّه لا يُسمع، ولا يُلمس، ولا يُشم، ولا يُذاق، بكلمات أخرى لا يُدرك بواسطة حواسنا الخمس .

تشعر بالفرح وتشعر بالحزن وهذان الشعوران ليسا وَهْم ، بلْ هما شيئان حقيقيان موجودان في داخلكَ ، لكنْ ، لا يمكنكَ إدراكهما باستخدام حواسك . إذا وقفتَ أمام المرآة ، سترى صورتكَ في المرآة ، في هذه الجزئية ، يوجد لدينا ثلاثة عناصر جميعها موجودة في الواقع : أنتَ وصورتكَ والمرآة .
وجود صورتكَ في المرآة ما هو إلّا دليل على الأصل الواقعي وهو أنتَ ، فلا يمكن أنْ ترى صورتكَ ما لم تقف أمام المرآة ، فالمرآة تقوم بعكس صورة ما يقف أمامها ، غيِّرْ في ملامحكَ سترى أنَّ الصورة تتغير .

انظر إلى هاتفك المحمول وأمعن في النظر ، ثم أغلق عينيكَ ، هل تشاهد شيئاَ؟ ، بالتأكيد لنْ ترَ شيئاً ، لأنكَ أغلقت عينيكَ ولم تعد ترى هاتفكَ المحمول الملموس ، لكنَّكَ بنفس الوقت يمكن رؤية صورة “موبايك” داخل دماغكَ .
لنسأل السؤال التالي : ماذا رأيتَ عندما أغلقتَ عينيكَ؟ لقد رأيت صورة هاتفكَ النقال في عقلكَ ، مع ملاحظة في غاية الأهمية وهي أنَّكَ لنْ ترَ صورة هاتفكَ المحمول في ذهنكَ إذا إذا لم ترَ هاتفكَ المحمول من قبل ، فلن يكون هناك أي صورة لهاتفكَ المحمول في ذهنكَ ، لأنَّ العقل لا يُمكن له أنْ يحتوي على صور ذهنية وعقلية ليس لها أُصول وجذور في الواقع الموضوعي .

عندما قمتَ بإغلاق عينيكَ رأيتَ صورة هاتفكَ المحمول في ذهنكَ ، لكنْ هاتفكَ المحمول ليس في داخلكَ ، إنَّه على الطاولة أمامكَ ، خارج عقلك ولا يتأثر بتلك الصورة الذهنية ، الهاتف المحمول الحقيقي قائم في الواقع ، ويظل كما هو بغض النظر عن الصورةِ التي تحتفظُ بها في ذهنكَ.
أنتَ تستطيع أنْ تدركُ وجود هاتفكَ المحمول من خلالِ حواسكَ ؛ البصر أو اللمس ، بينما صورة هاتفكَ المحمول لا يمكن لكَ إدراكها بالحواس الخمس ؛ فلا يمكنكَ مشاهدتها بعينيكَ أوْ لمسها بيديكَ ؛ الهاتف المحمول الحقيقي مادة، و دماغ الإنسان أو دماغكَ مع حواسكَ الخمس مادة أيضاَ، لكنْ، الصور الذهنية ليست مادة ولا من جنسها .

يعمل الدماغ البشريّ، من حيث وظيفته الأساسية وبطريقة مبسطة، كأنه مرآة تعكس الصور الذهنية للأشياء الموجودة خارج الذهن والمستقلة عنه.
فعلى سبيل المثال، إذا كان هاتفكَ المحمول كائنًا ماديًا، وكان الدماغ مع الحواس الخمس كذلك من عالم المادة، فإن الصورة الذهنية لجهازك َالمحمول ليست شيئًا ماديًا، بلْ هي لامادية بطبيعتها. مع ذلك، هذه الصورة الذهنية لا توجد في داخل العقل إذا لم يكن لهاتفكَ المحمول وجود مادي سابق ومستقل خارج العقل.
على ضوء ما ذكرنا سابقاً نستطيع أنْ نعرف ماذا يُقصد بالمادة و اللامادة، وماهية العلاقة بينهما ، إنَّ الفكر أوْ الصور الذهنية موجودة داخل رأس الإنسان وفي ذهنه ، لكنْ يبقى السؤال الأكبر والذي تترتب عليه نتائج فلسفية عميقة وهو : هل من الممكن أنْ تظهر في ذهن الإنسان صورة أو فكرة ليس لها في الواقع المادي الموضوعي وجود؟ إذا كانت الصورة في دماغ الإنسان لشيء واقعي كشجرة مثلاَ ، فهذه الشجرة موجودة مسبقاً في العالم المادي ، لكنْ ، ماذا عن الصور الخيالية؟ حيث أنَّ الكائن نفسه غير موجود كعروس البحر ، إن مكوناتها، مثل رأس الإنسان وذيل السمكة، لا بد أن تكون موجودة مسبقًا في العالم المادي، فلا تستطيع مهما حاولت أنْ تتخيل صورة ليس لها وجود في الواقع المادي والأحلام خير مثال على هذا ، فهلْ كان من الممكن لأيِّ شخص أنْ يحلم قبل ألالف السنين بشيء أُخترع فقط في الزمن الحالي؟.
حسناً ، لقد قُلنا أنَّ الأشياء تُعرّف وتُعرَف من خلال نقيضها ، وبناءاً على ذلك ومن وجهة نظر فلسفية ، ما هو نقيض المادة؟ إنّه بلا شك الفكر أو الصورة العقلية للشيء في العالم المادي . فإذا كان هاتفكَ المحمول هو المادة فإن نقيضه هو صورته الذهنية في العقل البشري ، لكنْ ، في الواقع البشريّ وتحديداً في الدماغ البشريّ الحيّ توجد الأشياء في شكل صور ومفاهيم ، الصور تعرفنا عليها فيما سبق ، أما المفاهيم فهي عبارة عن صور عقلية وذهنية عامة ، أي تجمع الصفات المشتركة بين عدة أشياء واقعية ، فمثلاً عندما نقول “حيوان عام” فلا وجود له في الواقع ، لكنّنا نجدُ قط ، كلب ، حصان فقط في الواقع المادي ، هذا “الحيوان العام “، موجود فقط في الذهن كصورة ذهنية وعقلية نسمّيها “المفهوم”.
بدون وجود حيوانات مثل القط أوْالكلب أوْالحصان لما كان هناك مفهوم “الحيوان” في الدماغ البشري .
عند تعريف الشيء فإنّنا نقوم بنسبه إلى ما هو أعمّ منه ، فنقول الهيدروجين غاز ولكن ليس كل غاز هو هيدروجين .
لا مكان للفكر الميتافيزيقي في الفيزياء ، فسؤال من قبيل “من أين جاءت المادة؟” هو ترجمة لهذا الفكر الميتافيزيقي غير السليم .
قلنا أعلاه أنّه لا يوجد في الواقع المادي “لحيوان عام” ، الموجود فقط حيوانات فرعية حصان أوْ قط والكثير من الحيوانات ، والتي توجد بشكل ملموس ومحسوس في الواقع الموضوعي ، وبالتالي هذه الحيوانات يمكننا أنْ نسأل عن كيفية وجودها وأصولها .
الأشياء تنشأ وتكف عن الوجود وخلال وجودها وحتى تكف عن الوجود تمر بسلسلة من التغيرات ، فكل شيء له زمن أوْ عمر يتغير به ، مع ملاحظة أنَّ لحظات التكون أوْ الزوال ليست جزءاً من التغير نفسه ، مثال على ذلك مادة صلبة قمنا بتسخينها فتتحول إلى سائل فإن لحظة زوال المادة الصلبة هي نفسها لحظة نشوء المادة السائلة ، فلا يوجد انفصال بين اللحظتين، المادة الصلبة زالت والسائل وُجدَ من هذا الزوال ، هنا يكون السؤال السليم ” من أين جاء السائل؟” ، ليكون الجواب من المادة الصلبة التي سُخنتْ وزالت ، وعليه تكون أسئلة كمثل ” من أين جاء القمر أوْ الأرض” أكثر منطقية . فكلِّ شيء جاء من زوال مادة سابقة ، من مادة سابقة والشيء الجديد هو مادة أيضا كما في مثال المادة الصلبة التي تحولتْ إلى مادة سائلة بالتسخين .
التعريف الفيزيائي للمادة ( المادة لا تفنى ولا تستحث وتتحول من شكل لاخر) تعريف محدودا وجزئيا ، فالمادة لا تعرف الا فلسفيا ، فمثلا اينشتاين لم يميز بين المادة والطاقة ، لكنه ميز بين الكتلة والطاقة ، عند اينشتاين للمادة وجهان كتلة وطاقة ، فلسفيا المادة هي كل شيء ، يوجد خارج وعي الانسان وباستقلال عنه ، والمادة غير قابلة للتعريف حسب مفهمنا المتعارف عليه في التعريف والذي هو نسب الخاص الى العام وليس هناك ما هو اعم من المادة حتى نقوم بسبها اليه .
المادة، في جوهرها، هي كل ما هو موجود باستثناء “الوعي”. هذا اللامادي لا يمكنه الاستقلال عن العالم المادي. تشمل المادة كل شيء من الكواركات إلى المجرات، والطاقة، والفضاء، والزمان.
في تعريفها الفيزيائي الأساسي، عُرفت المادة بأنها كل ما يشغل حيّزاً وله كتلة. و”الكتلة” تُعتبر مقدار ما يحتويه الجسم من مادة، مثل البروتونات والنيوترونات.
لكن هذا التعريف يعاني من عيوب، إذ يستثني “الطاقة” من مفهوم المادة، مما أدى إلى فكرة غير صحيحة عن “تحول المادة إلى طاقة والعكس”.
أرى أن تعريف المادة كمفهوم شامل هو الأقوى، مع التركيز على كونها كل ما يشغل حيّزاً.
لقد تصورنا المادة كوجود في شكلين: إما ذات كتلة أو عديمة الكتلة. يجب علينا فهم “الكتلة” كخاصية لبعض المواد، مما يمنعها من السير بسرعة الضوء.
حتى الآن، لا توجد مادة يمكنها تجاوز سرعة الضوء. أما المادة العديمة الكتلة، مثل الفوتون، فتسير بسرعة الضوء، في حين أن المادة ذات الكتلة لا تستطيع ذلك.
تظهر كل جسيمات المادة مع نقيضها، فالإلكترون، مثلاً، يظهر مع البوزيترون، وعند تصادمهما يتحولان إلى طاقة. ومع ذلك، قد ينفصل الإلكترون والبوزيترون، محتفظين بوجودهما دون ضرورة التصادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة