ويبقى الاقصى أصل الصّراع
بقلم د. حسن صنع الله
تاريخ النشر: 26/09/24 | 13:27أيام معدودات تفصل الحرب الجارية عن إكمال عام كامل من المواجهة بين غزّة وما اصطُلح على تسميته جبهة الإسناد من جهة وبين المؤسّسة الإسرائيليّة من جهة أخرى، وتتزامن هذه المناسبة مع حدثين، الأوّل والأقرب هو الذكرى 24 لهبّة القدس والأقصى، والثّاني هو موسم الأعياد اليهوديّة في شهر تشرين الأوّل القادم، وما يترتب عليه من محاولات لفرض واقعٍ جديدٍ داخل وفي محيط المسجد الأقصى، في خضمّ حرب، لبّ الصراع فيها يتمحور حول هويّة القدس والمسجد الأقصى.
فهذه الحرب جاءت،كما أُعلن منذ.يومها الأوّل واضعةً في أعلى سلّم أهدافها الردّ على العدوان المتواصل على المسجد الأقصى والمقدّسات، والذي يشكّل أصل الصّراع الاسلامي والعربي والفلسطيني مع المؤسّسة الاسرائيليّة وحلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكيّة، وجاءت أيضًا للحدّ من كافّة أشكال التّطبيع العربي والإسلامي و”اتفاقات أبراهام” الّتي كادت أن تُغَيِّب الملفّ الفلسطيني تمامًا، وتصفيته إلى غير رجعة.
فالصراع حول الأقصى والثّوابت وحقّ العودة هو صراع وجود وهويّة، كلّ فريق مصمِّم على إثبات روايته، وعليه، الصّراع صراع وجود وبقاء، فلا الفلسطينيّين ولا المؤسّسة الإسرائيليّة يبحثان عن صور نصر، وإنّما كلاهما يبحثان عن نصر حقيقي، من أجل الرّواية ومن أجل الهويّة ومن أجل المسجد الأقصى الذي هو أصل الصّراع، وعليه وحوله يتمحور الصّراع.
فبالنّسبة للمؤسّسة الإسرائيليّة، لا توجد إسرائيل بدون القدس ولا قدس بدون ما يُسَمّى جبل الهيكل. وبالنّسبة للمسلمين والعرب والفلسطينيّين القدس و الأقصى آية في كتاب الله، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله، وبيت الخلافة في قادمات الأيّام.
وعليه، فإنّ مواصلة العدوان على الأقصى ومحاولة إبادة غزّة وتهجير الضفّة الغربيّة، وإنهاء جميع أشكال النّضال الوطني في الدّاخل الفلسطيني، هي جزء لا يتجزّأ من تحقيق الرّواية الإسرائيليّة. وبالمقابل فإنّ الحفاظ على الأقصى والمقدّسات وباقي الثّوابت هو جزء لا يتجزّأ من تحقيق الرّواية الفلسطينيّة، والصّراع على القدس والأقصى بحاجة إلى مشروع و مجهود أُمّة لكي يقوده.
قراؤتنا لواقع المواجهة اليوم أنّ المؤسّسة الاسرائيليّة باتت مستعدّةً، وهي تلعب فعلًا بجميع أوراقها تقريبًا، تقصف وتغتال وتدمّر وتخطّط للتّهجير والإحلال الاستيطاني من جديد، كل ذلك بدعم من أمريكا وغالبيّة دول النّاتو، مقابل فئة تحاول الصّمود واستنزاف عدوّها قدر الإمكان، ومقابل أمّة كاملة تقف موقف المتفرّج.
وفي ظلّ العدوان على غزّة والضفّة ولبنان تسعى المؤسّسة الاسرائيليّة إلى تصفية ملفّ المسجد الأقصى وتغيير معالمه، والمؤسّسة الاسرائيليّة قد تستغلّ موسم الأعياد القادم من أجل فرض واقع جديد داخل المسجد الأقصى، من خلال فتح حرّ لساعات الاقتحام وفرض صلوات علنيّة داخل المسجد، إدراكًا منها أنّ تصفية ملف القدس والأقصى هو حجر أساس في تصفية القضيّة الفلسطينيّة بشكل نهائي، خصوصًا في ظلّ دول التّطبيع التي تنتظر لحظة الإجهاز على أية جهة متحدّية من أجل الاستمرار في ملف التّطبيع وطيّ ورقة الملفّ الفلسطيني الى غير رجعة.
المؤسّسة الاسرائيليّة، إذن تسعى إلى حسم الصّراع وإنهاء الملفّ الفلسطيني بشكل استراتيجي، تمهيدًا لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
الحفاظ على المسرى هو واجب الأمّة الإسلاميّة والكلّ الفلسطيني عمومًا، و أهل القدس والدّاخل الفلسطيني خصوصًا، مطالبون برفد المسجد الأقصى بالمصلّين والتواجد فيه بشكل مكثّف و دائم.