أبٌ يوصي ولده بالعشيرة !
بقلم : يوسف جمّال - عرعرة
تاريخ النشر: 30/09/24 | 14:16أما – يا بنيَّ – وقد بلغتُ من العمر أرذله, وأصبحتْ حواسي تخونني, ونور عيني يعجزني عن إدخال الخيط بالإبرة. أسلِّمك الأمانه كي تكمل المسيرة, قبل ان ألتقي بالرفيق الأعلى , ولذلك قرَّرت ان أنقل إليك الرقعه التي سطَّرت عليها شجرة العائلة الممتدة فروعها , من طنجه حتى بلاد غسان.
فاستلمها – يا ولدي- حتى تكمل المشوار.. مشوار العائلة الطويل , التي ساروا على هديّه منذ خروجهم من الفيافي , ورافقتهم حين تفرقوا “أيدي سبأ” بين المِلل والأمصار.. وبذلك أكون قد أدَّيت الأمانه, وأوصلت الرسالة , فألتحق بلحدّي وأنا مطمئن البال.
الوصيّة الأولى: حافظ على دمٍّ عائلتك الأزرق!
يا ولدي – لا تترك لدَّم العائلة المتوارث من عهد كسرى , ان يكون نهبه لكل صعلوك ومتشرِّد , خصوصاً, وان كان عدد أفراد عائلته لا يملأ خيّمه, أو ان سلسلة نسبه , لا تتعدّى في امتدادها أقلّ من عشرة أجداد. ولا يحدث لك ما حدث لجدِّك كليب بن جروٍ الحمداني , الذي اتخذ من خادمته خليله له, ولم ينتبه أنها زنجيه إلا بعد ليلة الدخله, فأنكر نسبه لتوأميها. أما الولد فجعله راعياً لنوق بني ساعدة في فيافي نجد . أما البنت فوأدها تحت التراب , وشرب الخمرة على قبرها مع الغانيات .
الوصيّة الثانية: ذكِّرهم من أنت ومن هم !
فإذا تقدّم أحد من هؤلاء “الصعاليك” , الذين شجرة عائلتهم مقطوعة, فاخرِّس الحالة في مهدها, فذّكِّرهم ان شجرتك عالية فروعها, عميقة جذورها, لا يأكل من ثمراتها إلا أصحاب الأيدي الطويلة, التي كانت تمتدُّ “للشحادة” من نعم السلطان , أو كان لها جذورعميقة في صحراء الربع الخالي, تعصر الرمضّاء كي تحصل على نقطة ماء!.
وذكِّرهم أيضاً- يا بنيَّ – ذكِّرهم! :
أن عائلتك كانت ذات ماضٍ مشرِّف . في عهد الخلافة العثمانية , فهم الذين منحهم السلطان فرمان كي يمتصّوا دماء الناس , ويتخذون من عرقهم وقوداً لقناديلهم. وقل لهم ان جدَّك سليّمه بن صعصعة الحمداني , كان يحمل كرباج عثمانياً”يسلخ” به جلود الحصادين , في أيام الصيف القائظة .
إنك عندما تستعرض أمامهم تاريخ العائلة المشَّرف, سيخجلون على أنفسهم , ويرجعون الى أصلهم وفصلهم.
الوصيّة الثالثة: استعمل الميزان.. ميزان حسناتك!
يا بنيَّ ..
خذ ميزان وزن به العائلة التي تتقدَّم لمصاهرتك, فان قلَّ وزنها عن وزن جبل أحد فلا تصاهرها. وخذ مقياساً وقس مقدار ارتفاع شجرتها, فان قلَّ ارتفاعها عن جبل التوباد, فابعثهم ” للشياطين”.. فالناس يقاسون حسب منطق عائلتنا بالأوزان والإرتفاعات, لا بالمروءة والقدرات! .
الوصيَّة الرابعه: أوئِدها.. أوئِدها!.
وان ابنتك.. جمعها مع شاب علاقة , أرادوا بها بناء مستقبلاً مشتركاً, وكان هذا الشاب من شجرة حسب ونسب ,لا تعجبك عمق جذورها, ولا طول فروعها, ولا كثرة ثمرها..
فقل لها :
يا ابنتي – أنت من عائلتنا , التي توارثت عاداتها وتقاليدها منذ حرب البسوس, وشعر عنتره في غزل عبلة.. مثلاً إحدى جداتك: خناس بنت عمرو الحمداني , أجبروها على الزواج من مادر ابن لؤي الذبياني , بالرغم انه كان ابخل الناس , حتى قالت فيه العرب “أبخل من مادر.!”, فكان يسقيها الحليب, بعد ان يخلطه بالكثير من الماء, ويطعمها الثمر الذي كان يسقط عن أمهاته, وتتركه البعّارات لعدم صلاحيته للأكل! .
أو تحمل سلاحك وتذيقه الموت الزؤام , وتلتحق بأبطال العائلة الذين سجّلوا بطولات خالده في قتل الناس, فجدُّك الأحنف بن صلصلة الحمداني استلَّ سيفه , وقتل مثنّى من بني عامرالقريشي , لأنه قال إنه يريد ابنته خليله له, وكتب في ذلك قصيدة شعريّة رائعة , تجدها مرفقه مع شجرة العائلة.
وجدُّك مسلمه بن كليب الحمداني , سدَّد سهماً باتجاه رجل من بني “أنف الناقة” فأصابه في مقتله, لأنه مرَّ بالحيِّ وطلب من ابنته شربه ماءّ!. وخطب خطبته العصماء ,الذي يقول في مجملها :
ان هذا مصير من يجرأ على الاقتراب من ابنتي.! , ولكنه بعد أيام وأدها , حفاظا على شرف العائلة , وليس خشية إملاق.
إن بطولات جدِّك مسلمة الحمداني , مسجَّلة بأحرف من نور , في سجِّل تاريخ عائلتنا .
أوئدها- يا بني- أوئدها !
الوصيَّة الخامسة: ربيهم على نشيد القبيلة!.
اما أولادك – يا بني -, فاسقِهم لبن شجرة العائلة منذ الصغر, واطلب من أمِّهم ان تنشد لهم أناشيد العائلة وأمجادها, وهم في المهد..
وقل لهم ان محاربة الإسلام للقبليّة , كانت مجرَّد توصيات غير مجبِرة.. والإثبات على ذلك, ان الخلافة اقتصرت على بطنيّ بني هاشم وبني اميّة , قبل ان تنتقل الى الموالي والعجم .. وأن المساواة في الإسلام ,هي مجرّد حبر كُتب على رمال صحراء نجد, و سرعان ما محته الرياح.
وان عائلة العبقري, اتبعت محمداً بشروط: أهمها الحفاظ على دم العائلة, من دنس العائلات الصغيرة والفقيرة , والتي أضاعت في ترحالها شجرة القبيلة.ّ
وحدِّث أولادك, عما كان يفعله جدُّك شداد بن صخر الحمداني: حيث كان يجبر أولاده ,على حفظ تسلسل أسماء نسب القبيلة, قبل أن يحفظوا آيات القران الكريم, و الأحاديث النبويّة الشريفة, ولا يهمك – يا بنيَّ- أننا نعيش في عصر قيّمة الفرد فيه, بما يقدِّمه لنفسه ولمجتمعه, لا ما قدَّمه آباؤه وأجداده.
فربِّ أولادك على العيش في زمن القبيلة والعشيرة .. فجدُّك مثلا سحيان بن عامر الحمداني , استخدمه ثريٌّ من هرتسليا , ليكون جنّاناَ لحديقة بيته. ووضع تحت تصرفه , شقٍّة صغيرة ليقيم فيها, فأبى ونصب خيّمه أمام “فيلة” صاحب البيت. ووضع فيها المهباش ودلاّت القهوة . فصارت خيمته “فرجة” لكل أغنياء هرتسليا, فحمدوه قائلين “هذا عربي أصلي!؟”.
علِّمهم – يا بني- على المبدأ: نشيد العائلة في الصغر, كالضرب بالحجر والرصاص في الكبر!
الوصيّة السادسة: إحمل سلاحك !.. القبيلة تحتاجك .
واذا تنادى القوم, ووقعت الواقعة, واحتاجتك العشيرة في إثبات هيبتها, إذا جرأ أحدهم على مسِّ شعره من خيمتها.. فاسحب سلاحك واهجِّم .. فان استطعت فببندقيتك, وان لم تستطع فبحجرك, او سكينك, وان لم تستطع فبلسانك , وهذا اضعف أنواع الإخلاص للقبيلة!.
وارفض الصلحة, لأنها ليست من شيّم آل الحمدان .. وان وافقت عليها من أجل ان تملأ كرشك من وليمة الصلحة فهو الى حين .. وبعدها عُد الى ديدنك العشائري , فتاريخ عائلتك كُتب بأحرفٍ من دمِّ الأبرياء.
فجدُّك صعصه بن الحمدان قتل جاره, لأنه” لقَّط ” كوز ذره من مزرعته. وجدُّك الحارثة بن عمرو الحمداني , قتل رجلا لأنه “تنحنح” في حضرة أبيه شيخ القبيلة!.
إهجم يا ولدي . اهجم.! لعلك تفوز بان يسجَّل اسمك في المعلقات , التي تزيّن صدر ديوان العائلة.