التجربة الديمقراطية المغربية في الميزان:
عبده حقي
تاريخ النشر: 02/10/24 | 11:33لطالما اعتُبِر المغرب نموذجًا متفردا للديمقراطية في العالم العربي وأفريقيا . فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش في عام 1999، قاد العديد من الإصلاحات السياسية والدستورية التي تهدف إلى تحديث الدولة وتوسيع المشاركة الديمقراطية. ومن المؤشرات البارزة على صحة الأجواء الديمقراطية في المغرب ارتفاع عدد الاحتجاجات، التي امتدت إلى قطاعات مختلفة كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والوظيفة العمومية.. إلخ وتعكس هذه الاحتجاجات، على الرغم من اعتبارها غالبًا تحديات لديناميكية الدولة، أن المجتمعً منخرطً بوعي سياسي ناضج في تشكيل معالم مستقبله. وإلى جانب دور وسائل التواصل الاجتماعي والعوامل الجيوسياسية الخارجية، يقدم المشهد المتطور في المغرب مسارًا ديمقراطيًا معقدًا ولكنه واعد وباعث على التفاؤل.
فإذا كانت العديد من البلدان في المنطقة العربية قد عرفت زلازل سياسية خطيرة على استقرار النظام ، فقد تمكن المغرب من الحفاظ على استقرار نسبي محفوف بالتردد من خلال حزمة من الإصلاحات والحوارات مع مختلف مكونات المجتمع المدني والطيف السياسي . وقد لعب الملك محمد السادس دورًا محوريًا في هذا التطور. وتحت قيادته، تم تقديم العديد من الإصلاحات الدستورية منذ عام 2011 استجابة لاحتجاجات الشارع في مختلف المدن إبان الربيع العربي. وقد عززت هذه الإصلاحات إلى حد ما فصل السلطات، واستقلالية القضاء، ووسعت من هامش الحريات.
إن الارتفاع في عدد الاحتجاجات في العقدين الأخيرين هو امتداد طبيعي لهذا المناخ الديمقراطي. وبعيداً عن كونها مؤشرا على عدم الاستقرار، فإنها تبرز دينامية متفردة في المجتمع المدني المغربي.
لقد برزت وسائل التواصل الاجتماعي كقوة ضغط هامة للغاية في رصد وتنظيم الاحتجاجات والرفع من وتيرتها حيث وفرت منصات مثل فيسبوك وتيك توك ويوتيوب للمواطنين الأدوات اللازمة للتنظيم وتبادل المعلومات وزيادة الوعي بقضاياهم. لقد سهل الاستخدام الواسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي على الحركات الاحتجاجية اكتساب الزخم وللمواطنين التعبير عن آرائهم بشأن القضايا الملحة التي تشغل يومياتهم.
في الماضي، كان تنظيم الاحتجاجات يتطلب موارد مادية ومعنوية وتنسيقية كبيرة ، لكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت اليوم هذه العملية أكثر ديمقراطية. والآن، من خلال تدوينة واحدة، يمكن للحراك أن يتعبأ وينتشر في جميع أنحاء البلاد ليلفت الانتباه إلى القضايا المحلية وتحويلها إلى حوارات وطنية بناءة. على سبيل المثال، اكتسبت احتجاجات الأساتذة التي اجتاحت جل المدن المغربية في السنوات الأخيرة زخمًا من خلال المنشورات ومقاطع الفيديو المشتركة على هذه المنصات حيث أمكن للمواطنين من مناطق مختلفة الاطلاع بسرعة على القضية والتعاطف والتضامن معها، مما خلق حركة أكثر وحدة وقوة.
وعلاوة على ذلك، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بمزيد من الشفافية في كيفية تعامل الحكومة مع الاحتجاجات. ويمكن مشاركة مقاطع الفيديو التي توثق ردود فعل قوات الأمن والتدخل السريع أو الخطب التي يلقيها نشطاء الاحتجاجات في عين المكان، مما يجعل السلطات مسؤولة عن ردود أفعالها.
ورغم أن المغرب قد أحرز تقدماً كبيراً في رحلته الديمقراطية، فإنه يواجه أكثر من ذلك تحديات خارجية، وخاصة من طرف حكام الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو. فقد قطع المغرب أشواطا كبيرة في تنمية مناطقه الصحراوية الجنوبية، وتم دمجها في خططه الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، سعت قوى خارجية، ولا سيما الجزائر وجبهة البوليساريو، إلى زعزعة استقرار المغرب من خلال إشعال الاحتجاجات ونشر المعلومات المضللة في أبرز العواصم الأوروبية وخصوصا مدريد وباريس وبروكسيل مقر الاتحاد الأوروبي.
لقد حدثت هناك وقائع حاولت فيها جبهة البوليساريو والجماعات المدعومة والمأجورة من طرف الجزائر تصوير الاحتجاجات الداخلية في المغرب باعتبارها علامة على عدم الاستقرار على نطاق أوسع، بهدف ضرب مصداقية المملكة المغربية على الساحة الدولية وعلى صعيد المنظمات والمؤسسات الحقوقية العالمية. وتشكل هذه الإجراءات جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا لتعطيل سياسات التنمية الناجحة في المغرب، وخاصة في منطقة الصحراء. ومع ذلك، ظلت الدولة المغربية صامدة، مؤكدة التزامها بالمبادئ الديمقراطية والتنمية المستدامة لجميع مناطقها، وعلى رأسها المناطق الصحراوية.
ورغم هذه التحديات، يظل المغرب عازماً على توسيع هامش الحريات وتعزيز مؤسساته الديمقراطية . معتمدا على الدستور الذي تم اعتماده في عام 2011، كمرجعية للحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع والصحافة بكل أسانيدها. وعلاوة على ذلك، تجدد المملكة في كل مناسبة التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما يتضح من عضويتها النشطة في مختلف المنظمات الدولية.
إن الارتفاع في عدد الاحتجاجات التي لم تعد ظاهرة شهريا أو أسبوعية بل يومية وبالخصوص أمام قبة مجلس النواب بالعاصمة الرباط يعتبر بما لا يدع مجالا للشك، انعكاس لهذا الالتزام بالحريات العامة. فمن خلال السماح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم علناً، تُظهِر الدولة استعدادها للمشاركة في الحوار ومعالجة القضايا المجتمعية. وقد أكد الملك محمد السادس مراراً وتكراراً على أهمية الإصلاحات الشمولية، وضمان استمرار البلاد في التقدم على مسار ديمقراطي حقيقي يحترم الخصوصية المغربية وينفتح على التحولات العالمية.
إن تصاعد عدد الاحتجاجات اليومية عبر مختلف القطاعات ليس علامة على الإخفاق الديمقراطي بل هو شهادة على صحة الأجواء الديمقراطية في البلاد. وبينما يطالب المواطنون بظروف عيش كريمة وعمل أفضل ومزيد من الموارد ومساءلة أكبر، فإنهم يمارسون حقوقهم الديمقراطية في بلد تبنى الإصلاح والمشاركة السياسية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس. وقد عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز هذه الحركات بشكل أكبر، مما وفر للمواطنين أدوات قوية لتقديم مطالبهم الملحة. وعلى الرغم من التحديات الخارجية التي يحبكها كل من الجزائر وجبهة البوليساريو وأعداء النظام في الخارج، فإن المغرب سوف يظل ثابتًا في التزامه بتوسيع الحريات العامة وضمان التنمية المستدامة لكل جهاته. وفي هذا السياق، تعمل الاحتجاجات كمقياس للحيوية الديمقراطية في المغرب، مما يعكس مجتمعًا منخرطًا بنشاط في تشكيل ملامح مستقبله الواعد.