“الصلح خير” بخطبة الجمعة من مسجد قباء في كفرقرع
تاريخ النشر: 04/10/24 | 19:19في خطبة الجمعة قال فضيلة الشيخ محمود عبد الجبار ابو عطا امام مسجد قباء في كفرقرع: الشكر وللتقدير لمن جنح للصلح ولكل من ساهم بإرساء الصلح بين أهلنا .الاختلاف بين الناس أمر واقع ومن سجايا البشر، وذلك لاختلاف أخلاقهم وطبائعهم، ولتنافسهم في حظوظ الدنيا من المال والشرف وغيرهما، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}(هود: 119:118).
لكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى التشاحن والتقاطع والخصومة.والكثير من الخلافات والمشكلات التي تقع بين المسلم وأخيه، والزوج وزوجته، والصاحب وصاحبه، ترجع إلى أمور وظنون يقذفها الشيطان في النفوس، وينساق الناس إليها، فتكون سبباً في وقوع العداوة والشقاق والخصومة بينهم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: (إن الشيطان قد أيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) رواه مسلم.
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ)) [الحجرات: 10] ويقول عزَّ من قائل: ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) [الشورى: 40
الصلح في القران كثيرة أنواعه:
• بين الأفراد: ((إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ)) [الحُجُرات:10].
• بين الدول والجماعات والطوائف: ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)) [الحجرات: 9].
• بين المؤمنين المجاهدين: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) [الأنفال: 1].
• بين الرجل وزوجته: ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) [النساء:128].
• بين المُوَرِّث ووريثه: ((فَمَن خافَ مِن موصٍ جَنَفًا أَو إِثمًا فَأَصلَحَ بَينَهُم فَلا إِثمَ عَلَيهِ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ)) [البقرة: 182
آية عظمية في الصلح : ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
فضل الإصلاح بين الناس في السُّنة:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. (البخاري حديث 2989 / مسلم حديث 1009).
قال الإمام النووي (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم (يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ): أَيْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ. (مسلم بشرح النووي جـ4 صـ103).
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4111).
روى البيهقيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيِّنِ، وَخُلُقٍ حَسَنٍ». (حديث صحيح) (صحيح الجامع الصغير للألباني حديث 5645).
وفي الحديث الصحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((اذهبوا بنا نصلح بينهم)).
اعلم أن عملك الصالح لا يُرفع إلى الله تعالى حتى تصطلح مع أخيك المسلم، وتزيل الشحناء من قلبك؛ ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنْظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)).
وقد ذكر الله تعالى الإصلاح في القرآن الكريم أكثرَ من مائةٍ وسبعين مرَّة بأساليبَ متنوِّعةٍ، وسياقاتٍ مختلفةٍ، بل جعل الله نفسه مع جلالة قدره، وكمال وجوده أول المصلحين، وقدوة دعوة الصالحين، وهو القائل سبحانه: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، والقائل جلّ جلاله: إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ.
وجعل شعار أنبيائه الإصلاح في الأرض، يقول سبحانه:)إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) .
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه )
جاء في كلام التابعين : ( امش ميلا عد مريضا ، امش ميلين أصلح بين اثنين ، امش ثلاثة أميال زر أخا في الله.
الدرس : سنن الصلاة .