– إستعراضٌ لمجموعة قصائد من دواوين ( روحانيَّات 1 – 6 ) للشاعر الأستاذ كمال ابراهيم
بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل -
تاريخ النشر: 21/10/24 | 6:40مقدمة : الشاعر والكاتب والإعلامي الاستاذ كمال ابراهيم من مواليد مدينة المغارعام 1952 ، أكمل دراسته الإبتدائية في مدينة المغار والثانويَّة في قرية الرامة وتابع دراسته الجامعيّة في الجامعة العبرية – القدس في مواضيع اللغة العربية وآدابها واللغة العبريَّة وحصل منهاعلى اللقب الأول ( b.a ) عام 1974. وبعدها عمل في مجال الصحافة والإعلام حتى عام 1078 حيث سافر بعدها إلى الولايات المتحدة والتحق بجامعة كاليفورنيا بلوس انجلوس وتابع دراسته في موضوع اللغة العربية وآدابها وحصل منها على شهادة الماجستير( b.a ). وتابع وواصل في كتابة الشعر والأدب. وأثناء دراسته في أمريكا كان يعمل مراسلا لعدة إذاعات عالميّة . وبعد تخرّجه من الجامعة ورجوعه إلى البلاد عمل في سلك التعليم حتى خروجه للتقاعد . والجدير بالذكر أنه اثناء دراسته في جامعة لوس أنجلوس كان قد نظّمَ مهرجانا شعريا كبيرا ودوليا شاركَ فيه أكثر من 18 شاعرا من كبار الشعراء من عدة دول عربية وأجنبية ، وتولى هو عرافته . وفي سنة 2009 أقام وأنشأ موقع سبيل للثقافة والادب والإعلام وما زال هذا الموقع يعمل إلى الآن.
أصدر الأستاذ كمال إبراهيم حتى الآن أكثر من 40 ديوان شعر وكتابا في النقد الأدبي . وهو من أكثر الشعراء والكتاب المحليين نشاطا وحضورا وانتاجا أدبيا (كما وكيفا ) . وقد لحنوا له حتى الآن أكثر من 300 قصيدة شعرية من كلماته ونظمه من قبل ملحنين وموسيقيين من مختلف الدول العربية . وأجروا معه الكثير من اللقاءات الصحفية المطولة : محليا وعلى امتداد العالم العربي( في المجلات والصحف الورقية والألكترونيَّة والمواقع والإذاعات ومحطات التلفزة) .هو أكثر شاعرعربي لحنوا له قصائد شعرية حتى الآن إذا استثينا الشاعرين الكبيرين أحمد رامي وبيرم التونسي اللذين غنت الكثير من قصائدهما كوكب الشرق أم كلثوم .
مدخل : سأتناولُ في هذه المقالةِ مجموعة قصائد من دواوينه الشعريَّة ( روحانيات – من جزء 3 و4 و5 و6 ) من خلال الإستعراض والتحليل .
الشاعرُالأستاذ كمال إبراهيم من الشعراء المبدعين والمُمَيَّزين فنيًّا محليًّا وأكثرهُم تألقا وشهرةً وانتشارا .وهو من الشعراء المحليين القلائل الذين لا يخطئون في قواعد اللغة العربية والمُتمَرِّسين والضليعين في اللغة العربيَّة ويعرفون الأوزانَ الشعريَّة ، لأنّ معظم الذين يكتبون الشعرَ محليًّا ( أكثر من ( 90 بالمئة ) لا يعرفون قواعدَ اللغة العربية وصرفها ونحوها وحتى أنهم لا يعرفون كتابة الإملاء ، ويسرقون القصائدَ الشعرية عن غيرهم وينسخونها خطأ . وتقامُ دائما لأولئك الشعراء المزعومين الشويعرين والشويعرات) وللأسف الكثير من الأمسيات التكريميَّة بعد صدور أيِّ كتاب او ديوان شعر لهم وهو ليس من تأليفِهِم . ويتحدثُ في أمسياتِ تكريمهم الهزيلة والهزليَّة بعضُ النويقدين المتطفلين والمتسلقين على الأدب والذين لا يفهمون شيئا في النقد الادبي والفني. وأما الشاعرُ القديرُ والمبدع الأستاذ كمال إبراهيم فقد أقاموا له الكثيرمن الأمسياتِ التكريميَّةِ احتفاء بإصداراتهِ الإبداعيةِ ، وهو يستحقُّ كلَّ تكريم وكلَّ تبجيل واهتمام وبجدارة . ولقد تحدَّثَ في أمسياتهِ خيرةُ النقاد والأدباء المحليين الذين يُشارُ لهم بالبنان .. كان يشاركُ ويحضرُ الأمسات التي تُقامُ لتكريمه ِوبشكل دائم جمهورٌ غفير ، وخاصة من المثقفين والشعراء والكتاب والفنانين .
لقد كتبَ وأبدع شاعرُنا كمال إبراهيم في جميع الألوانِ والأنماط الأدبيَّة. وعالجَ في كتاباته جميعَ المواضيع ، مثل : الوصف ، الرثاء الإجتماعيات والجكمة والفلسفة والتصوف والروحانيَّات…وغيرها .
والجديرُ بالذكر انه قي الآونة الأخيرة وبعد أن تَديَّنَ وكرَّسَ حياته ووقته للدين والإيمان والتقوى وعبادة الله جلتْ قدرتُهُ ركّز في كلَّ شعرهِ وكتاباته على الجانب الروحاني (الروحانيَّات) وللإيمان ولمناجاة الخالق . ويتحدثُ في شعرهِ وبكثرةٍ ، في قصائده الروحانيَّة ،عن موضوع السلام والمحبة .
كتبَ الاستاذُ كمال ابراهيم الشعرَ على جميع أنماطهِ وألوانه.. كتبَ شعرَ التفعيلة والشعر الكلاسيكي التقليدي ( الموزون والمقفَّى ) والشعرَ الحديث المتحرر من الوزن، وأبدع وتألقَ فيهم جميعا أيُما إبداع . ولكنه منذ سنوات قليلة ابتعدَ عن كتابةِ الشعر الكلاسيكي الموزون والمقفى وركّزَ وكرَّسَ كلَّ كتاباتهِ في مضمار الشعر الحديث مجاراة مع ركب التطور والحداثة في مسيرة الشعر العربي الحديث، بيد انَّ شعرَهُ الحديث فيه إيقاعات وجرس وفيه موسيقى داخليَّة ، ولكنه لا يلتزمُ بوزن واحد وبتفعيلة واحدة في الجملة الشعريَّة. وهنالك قاعدة ونظريّة تقول: لا يستطيعُ الشخصُ أن يُجيدَ كتابة القصيدة الحرَّة الحديثة إذا لم يكن مُتمكّنا من كتابة القصيدة الشعريَّة العموديَّة التقليديَّة الموزونة والمُقفّاة . والأستاذ كمال ابراهيم هو ضليع ومتمرسٌ ومبدعٌ في كتابة القصيدة العمودية التقليدية وفي قصيدة التفعيلة وفي الشعر الحديث أيضا . وهو يستعملُ في شعرهِ أسلوبَ السهلِ الممتنع ..أي انه يستعملُ في كتاباتهِ جملا وعبارات بسيطة ومفهومة ولا يوجدُ فيها إطلاقا غلوٌّ وغموضٌ وطلاسم ، ولكن مستواهاعالي ، ويكونُ لها أبعادٌ ودلالاتٌ عديدة وَمُتشعّبة : بلاغيَّة وفكريَّة وفلسفيَّة وموضوعيَّة وغيرها، ولا يستطيعُ كلُّ شاعر أن يكتبَ في مستواها وجماليَّتها . بيد انهُ يلتزمُ بالقوافي في نهايةِ كلِّ سطر وجملة شعرية في معظم قصائده الحديثة التي يكتبها . ونستطيعُ أن نقول ونستعمل هذه العبارة : ( لزوم ما لا يلزم ) لأن كلَّ الشعرالحديث المتحرر من الاوزان لا يوجد فيه أيُّ التزامٍ وتقيُّدٍ بالقوافي في نهاية كل جملة شعرية إلاعند شاعرنا القدير الأستاذ كمال إبراهيم ، حيث نرى نهاية كل جملة في القصيدة يختمها ويقفلها بنفس القافية.. وهذا ما يميِّزهُ عن جميع الشعراء الذين يكتبون الشعر الحديث – محليًّا وخارج البلاد . لان معظم القصائد الحديثة عند جميع الشعراء العرب لا يوجد فيها قوافي إطلاقا في نهاية الجمل الشعريَّة .
يقفُ الأستاذ كمال الآن وبكلِّ جدارةٍ شامخا في طليعةِ روَّاد الحداثة والإبداع في مسيرةِ الشعر المحلي الحديث … ولقد صدق الذي قال عنهُ : (( هو ما بعدَ بعدَ بعدَ الحداثةِ )) . وله أسلوبٌ وطابَعٌ مُمَيّز وأريج ونكهة خاصة في شعرهِ . وكلُّ من يقرأ لهُ أية قصيدة ومن دون أن ينظرَ إلى اسم كاتبِها سيعرف مباشرةً ان هذه القصيدة للأستاذ كمال ابراهيم . وبكلماتٍ مختصرة انهُ صاحبُ أسلوب وطابع ومدرسة مميَّزة ومتفرّدة في الشعر الحديث مثل شعراء الحداثة والتجديد الكبارالذين لكلِّ واحد منهم له أسلوبه وطابعه الخاص وبصماته الإبداعية الحديثة المميَّزة – كنزار قباني وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وغيرهم ، والذين أوَّل من كتبوا شعر التفعيلة في العالم العربي في أواخر الأربعينيَّات من القرن الماضي.
والجديرُ بالذكر ان هنالك شعراء لهم أكثر من 60 سنة في عالم الكتابة والشعر ولا يوجدُ لهم أيُّ أسلوبٌ وطابعٌ مُميَّز في كتاباتِهم الشعريّة ، فهم مقلدون لا أكثر ، ويجترُّون ويعيدون دائما ما قالهُ وما كتبهُ الذين قبلهم من مواضيع وأفكار ومعان وصور شعرية أكل الدهرُ عليها وشرب .
مدخل :
ولندخل الآن إلى إستعراض وتحليل قصائد للشاعر كمال إبراهيم من عدة دواوين له متتالية بعنوان : روحانيَّات ( من : جزء 1- 6 ) .
سأستهلُّ وأبدأ بقصيدة له من ديوانه ( روحانيات 3 ) بعنوان : ( أزهار الربيع – صفحة 7 – 8 ) حيثُ يذكرُ الشاعرُ في هذه القصيدة جمالَ الطبيعة وسحرها في شهر نيسان – الشهر الذي يرمزُ إلى الشباب والجمال والكمال والسحر والبهاء والتألق ، وتكون الأرضُ في قمةِ زينتها وتألقها وروعتها وجمالها. يصف الشاعرُ جمالَ الطبيعة في هذا الشهر، ويذكرُ بعضَ أنواع الأزهاروالأشجارالمثمرة والمنوِّرة والتي تزهرُ في هذا الشهرالجميل . وفي نفس الوقت يتطرقُ شاعرنا إلى مواضيع أخرى هامَّة في نفس القصيدة كموضوع السلام ، ويتمنى، بدوره ، أن يعمَّ السلامُ والأمنُ والهدوءُ في كلِّ مكان . ودائما يُصلي ويطلبُ من الله جلت قدرتهُ أن يمنعَ وَيُوقفَ الحربَ والاحتلالَ والدمار، ولينعم الناسُ ويستمتعوا بجمالِ الطبيعة والحياة . يقول في القصيدة :
( أزهارُ الطبيعةِ تُزهرُ في نيسان // التفاحُ والبرتقالُ يملأ البستان ْ //
يا لجمالِ الطبيعةِ والأقحوان // ليت البلادَ يزولُ عنها العُنفوانْ //
يا إلهي إمنعِ الحربَ والأحزانْ // عن بلادِ الانبياءِ وكافةِ الأوطانْ //
وله قصيدةٌ موضوعها شهر رمضان ( روحانيَّات 3 – صفحة ( 28 ) -يتحدثُ فيهاعن محاسن هذا الشهر الفضيل – شهر الخير والبركة والمحبة والتسامح والعبادة والتقوى والذي تُستجابُ فيهِ الدعواتُ . وتتعزَّزُ في هذا الشهر الروابط والوشائجُ الإجتماعية والإنسانيّة . ويلتزم الشاعرُ بقافية واحدة في القصيدة ، بيد أن القصيدة لا تلتزم بوزن واحد معين . يقول فيها :
( رمضانُ شهرُ الفضيلةِ والصيام // فيه تتجلى النفوسُ ويحلُّ السلامْ//
تزولُ عن المؤمنين متاعبُ الايّامْ // فيه يدنو الصائمُ من الله القدوس السلام // .. تزولُ عنهُ شرورُ النهارِ وإفكُ الظلامْ // ) .
سأنتقلُ إلى قصيدته الرائعة بعنوان: (” تأملات”- 3 – صفحة 32 – 34) هذه القصيدة من العيار الثقيل ومن والصعب الممتنع وليس السهل الممتنع .. ومن الناحية الشكلية والبناء الخارجي هذه القصيدة حديثة وقريبة جدا إلى نمط شعر التفعيلة .. أي انها لا تلتزم وتتقيَّد بوزن واحد في كل جملة شعرية ، ويوجد في كل جملة أكثر من تفعيلة..بل عدة تفاعيل، وهالك بعض الجمل على وزن واحد وعلى نفس التفعيلة …وأستطيع ان أقول :إنها مزيج بين شعر التفعيلة والشعر الحر من الناحية الشكل والبناء الخارجي.. ويلتزمُ الشاعر ببعض القوافي في كلِّ قفلة وبتوزيع جميل للقوافي مما يعطي الجملة الشعريَّة والقصيدة ككل جماليّة وتألقا خاصَّا . وهذه القصيدة على مستوى عال جدا من جميع النواحي : من ناحية البناء والسَّبك والألفاظ الجميلة المُمَوسقة والتكثيف في المعاني والصورالشعريَّة الجميلة والخلابة والمصطلحات والإستعارات البلاغية الحديثة.وتُعيدُ هذه القصيدة إلى أذهاننا روائع عمالقة الشعر والتجديد في مسيرة الشعر العربي الحديث ، مثل : بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة … وغيرهم من رُوَّاد الحداثة.والقصيدةُ فيها طابعُ وروح التفاؤل والأمل والحب والجمال والإتحاد مع الطبيعة والوجود في نشيد إنساني روحاني سماوي متناغم رائع … والشاعر يغني فيها : للحبِّ للجمال الأول للسلام المنشود. وفي هذه القصيدة تكتملُ كلُّ عناصر وأسس الإبداع والجمال الحقيقي . وهي من القصائد النادرة في الأدب المحلي في هذا المستوى والعمق والتألق . ويقول فيها :
(( أستنشقُ العطرَ في فرحِ الحياة // وتغمُرني السعادةُ في وَهَجِ النشيدْ،//
أناجي الليلَ أن يمحُوَ الأنَّاتْ// في سفري العنيد // في كلِّ اللحظاتْ //
أناجي القلبَ أن يجلبَ البسماتْ// في المشيِ وفي النجوالِ //
عبرَ الفيافي والمروجِ//وفي زحمةِ الطرقاتْ //
ناشدتُكَ ربِّي // أن تمنعَ الآهات // عن أطفالِ بلادي في كلِّ عيدْ //
ناشدتُكَ // ان تعيدَ المجدَ والسرورْ // والبهجةَ والحُبورْ //
لقلبٍ أضناهُ النَّوى // من صبٍّ لجوجْ //
جئتُكِ بلادي // أناجي بحرَكِ والسُّهولْ //
ليكونَ صيفُكِ القادمُ // من أجملِ الفصُولْ ، //
جئتُ أنادي // أن يكون شتاؤُكِ غنيًّا بالمطر // وبياضِ الثلوج//
جئتُكِ يا بلادي // شاعرًا مُمَنطقًا بالحرفِ والعزمِ الشَّديدْ //
أدعُو للسِّلمِ // والفجرِ الجديدْ // )) .
وإلى قصيدة أخرى من الديوان بعنوان : ( ” أستجيرك يا إلهي” – روحانيات 3 – صفحة 48 – 51 ) وفيها يستجيرُ الشاعرُ بالله جلَّ جلاله ويتوسَّلُ ويطلب منه أن يعفو ويرحم الفقراء . ويبرزُ فيها ويتجلى عنصرُ الإبمان . يقولُ :
( ” أستجيرُكَ ياإلهي // يا مالكَ يومَ الدِّينْ //
أستجيرُكَ ان تعطفَ على الفقراءِ // يا صاحبَ الحقِّ البُبينْ //
أنتَ الإلهُ الأكرَمُ // باعِثُ الأرزاقِ في كلِّ ناحيةٍ وَحين //
أستجيرُكَ يا أرحمَ الرَّاحمين // )) .
وللشاعر الكثير من القصائد في دواوينه ( روجانيات ( من الجزء الأول إلى الجزء السادس ) يذكرُ وَيُعَدِّدُ فيها الكثيرَ من أسماء الله الحسنى، مثل :
( الرحمن ، الرحيم ،الغفار، الباري، المصوّر، الوهاب ، الخالق ) … إلخ .
وله الكثيرُ من القصائد الإبتهالية ومناجاة الله الخالق والدعاء والتوسل إليهِ ليُسَهِّلَ الأمورَ، ولكي يعمَّ الخيرُ والمحبةُ والسلامُ على الجميع ، مثال على ذلك : ( قصيدة ” اللهم ” – روحانيات 3 – صفحة 56 ) .
وأما قصيدتهُ ” قوس فزج ” – ( روحانيات 3 – صفحة 51 – 53 ) فهي على مستوى عال جدا ، ولا تقلُّ مستوى وروعة عن روائع عمالقة الشعر والإبداع والحداثة في العصر الحديث . وفيها الجانبُ الوطني والإنساني والأممي أيضا والطابع الرومانسي الحالم والشفاف . ويظهرُ ويتجلى فيها بوضوح مشاعرُ ولواعج الشاعرالقدير كمال إبراهيم ومدى محبته لجميع الناس والبشر، وتطلعاته السامية نحو السلام ورقي الإنسان فكريًّا وأخلاقيًّا . ويقول فيها :
(( تبًّا لمن دكَّ بالبارودِ // أوطانَ السَّلامْ //
فغادرتْ أعشاشَهَا // أسرابُ اليمامْ //
تبًّا لِمَنْ نشرَ الحقدَ //في بلدِ المسيحْ //
لِيَعُمَّ الحزنُ أوتارَ َ المسَا //
وفي الفحرِ لم يعُدْ// ديكٌ يصيحْ//
هذي بلادي // بُؤبُؤُ عيني // وفؤادي //
غطّتْ روابيها // المآسي والمحَنْ //
تيبَسَّتْ كرومُها // فمات َزهرُ اللوزِ // وجفَّ الفنَنَنْ //
يا إلهي ، // إليكَ دُعائي : // إبعَثْ صوتَ بلادي //
نسمة غيثٍ // مُكلَّلةً بقوسِ قٌزحْ //
وانشرِ السلمَ في وطني // ليسودَ الحبُّ والفرَحْ//
عندها يسعدُ الصغارُ والكبارْ // وترجعُ البهجةُ للحاكورةِ والدارْ //
ومع صياحِ الديكِ في الصَّباحْ //
يتلألأ الطلُّ // يُغرِّدُ البُلبلُ // وَتشفَى الجراحْ )) .
ولهُ قصائد في هذا الديوان وغيره يتحدثُ فيها عن براءة الأطفال – الملائكة الصغارالتي تمشي على هذه الارض ، مثال على ذلك : قصيدة ( “براءة الاطفال ” – صفحة 54 – روحانيات 3 ) ، يقولُ فيها :
( براءَةُ الأطفالِ هديَّةُ اللهْ // للأهلِ والخلانِ كلٌّ برضاهْ
بسمةُ الطفلِ بالعينِ والشفاهْ // أجملُ ما في الكونِ وَسماهْ // ))
وله أيضا الكثير من القصائد التي عبارة عن أناشيد جميلة ورائعة للأطفال ، وتصلحُ أن تكونَ في المناهج التدريسيَّة وَتُدرَّسَ ضمن موضوع أدب الأطفال.
إن دواوينه روحانيات (من الجزء ا – 6 ) فيها الكثير من القصائد الحافلة والزاخرةِ بالحكم والمواعظ والأمثال ، وفيها الكثير من العبارات والجمل من الكتب المقدسة . .وكما يذكرُ وَيُعدِّدُ الشاعر الكثير من اسماء الله الحسنى في دواوينه ، مثل : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الغفور ، القادر ، الشافي ..إلخ … كما ذكر سابقا .
وأما قصيدتهِ ( “أطلب الحكمة من يا إلهي ” – روحانيَّات 4 – صفحة 9 ) فيذكرنا بمزامير الملك داود ومناجاته لله وتقربه للخالق في أوقاتهِ العصيبة ، وهي أناشيد سماوية روحيَّة . والأستاذ كمال إبراهيم يعيدُ إلى أذهاننا ووجداننا جمال وروعة تلك المزامير وجمالها وسحرها وقيمتها الروحيّة ، وهي غذاء وبلسم ودواء للروح والوجدان والضمير في كل الأوقات .. في السراء والضرَّاء . يقول شاعرنا في هذه القصيدة :
( أطلبُ منكَ الحكمةَ يا إلهي
يا مبدعَ النور والمجرَّات //
يا بارىءَ البسمة في الشفاهِ // يا خالَ الأرضِ والسمواتْ //
ألجأ إليكَ في ليلي ونهاري // في سهري وحروفِ أشعاري //
يا باعِثَ الغيثِ والبرقْ // يا بارِىءَ الكونِ والخلقْ //..إلخ .
عندما نقرأ هذه القصيدة الروحانية للشاعر القدير الأستاذ كمال إبراهيم نتذكر مباشرةً بعض المزامير التي نظمها الملك داود بوحي وإيحاء إلهي في أوقاتِ الضيق وعندما كان مطاردا وهاربا من الملك شاول وكانت حياته مهدَّدة بالخطر.
ويقولُ في قصيدته بعنوان : ( أكتب عن حبِّ الله – روحانيَّات 4 – صفحة 13 ) :
( أكتبُ عن حُبِّي لله العزيز الواحد الجبار //
هو من خلقَ الإنسانَ والسمواتِ والبحارْ //
يذكرُ في القصيدةِ عظمة الخالق ووقدرته العظيمة في إبداعه وخلقه للكون والوجود . وبذكرُ رحمته ومحبته للعباد ..وان الشاعر يمشي على الصراط المستقيم ويُكرِّسُ حياته للخير والمحبةِ والتقوى وحسب مشيئة الرب جلَّ جلالهُ .
نجدُ الكثيرَ من قصائد الأستاذ كمال إبراهيم في دواوينه ( روحانيَّات – من الجزء 1 – 6 ) مترعةً بالحكمةِ والمعاني الفلسفيةِ المُشعَّةِ بالإيمان ..ولكن لا توجدُ عنده المعاني والفلسفةُ الغامضة والمعقدة فمعانيه وآراؤُهُ مفهومة ومبسطة، وفلسفتهُ في الحياة شفافة ووادعة يشوبُها نفحاتُ الإيمان .
وقصائدهُ الروحانيَّة الجميلة والشفافة نجدها مُشعَّةً بالنفحاتِ والشطات الصوفيَّة ، وهو يقفُ ويلتقي مع شعراءِ التّصوُّفِ الجهابذة والمبدعين الكبار وفي نفس المنحى والمنطلق والتوجُّه… ولكن كلماته ومعانيه وصوره الشعريَّة سلسة ومرنة وواضحة ومنسابة بهدوء ومفهومة للجميع ويفهمها ويستوعبُها حتى الإنسانُ البسيط . ولا يوجدُ فيها غلوٌّ وتعقيدٌ وغموضٌ وإيحاءاتٌ ورموز مبهمة وتوظيفات دلاليَّة تحتاجُ لمحللين ونقاد وإلى مفسرين لكي يحللوا ويفسِّروا شيفراتها وطلاسمها ومعانيها وأبعادها المُبطنة . وقصائدُ كمال إبراهيم في دواوينه الروحانيَّات مفادها وفحواها محبّة الخالق والعيش في ظلِّ القداسة والإيمان والمَحبَّة الطهارة والنقاء وبرعاية الخالق . وهو مشابهٌ وقريبٌ من الشعراء الصوفيِّين في الأهدافِ ، ولكن يختلف عنهم في أدواتِ التعبير والأسلوب الكتابي نوعا ما . ومن الشعراء الصوفيين للكبار الذين اشتهروا في قصائدِهم الروحانيّة ومناجاة الخالق والتقرب إليه :ابن الفارض، محيي الدين بن عربي ، رابعة العدويَّة ، السهرودي وعفيف الدين التلمساني ..وغيرهم .
وكمال إبراهيم في قصائدهِ الروحانيَّةِ المليئةِ بالحكم والمواعظ يذكرنا بالشاعر الكبير الإمام الشافعي وبالشاعر ابن الوردي وخاصّة في لاميته المشهورة ( لامية ابن الوردي ) ومطلعها :
( إعتزلْ ذكرى الأغاني والغزلْ = وَقُلِ الفصلَ وَجانبْ مَنْ هَزَلْ ).
والإمام الشافعي معروفٌ للجميع بإيمانهِ وتقواه ومكانتهِ ومنزلته الدينيّة والإجتماعيّة ودعوتهِ للمحبَّة والخير والفضيلة والتآخي والسلام . ولهُ ديوان شعر حافلٌ بالقيم والمُثلِ والمبادىء والحكم والدعوة إلى الخير والفضيلة والصلاح والتحلي بالأخلاق الحميدة والتّمسُّك بالإيمان . وأما الشاعر إبن الوردي فهو إنسانٌ فاضلٌ وشريفٌ وتقيٌّ وينعكسُ هذا في شعرهِ الذي يدعو إلى عمل الخير وإلى المحبة والتحلي بالقيم والمثل والمبادىء والأخلاق الحميدة . وأيضا شاعرنا القديروالمبدع الأستاذ الشيخ ” كمال إبراهيم ” فدواوينه الروحانيَّات من ( 1- 6 ) تتمحورُ وتسيرُ في نفس الإتجاه وعلى نفس الخط والمسار، وَمفادُها للخير والمحبة والإيمان والتقوى والتمسك بالمبادىء والقيم والأخلاق الحميدة والمُثل السامية .
ولهُ قصيدتهِ بعنوان : ( ” نحن من نرفضُ العُنف ” – روحانيَّات 4 – صفحة 22 – 26 ) يتحدثُ فيها عن العنف والإجرام الُمُتفشِّي والمُنتشر في الوسط العربي وبشكل كبيرومذهل، وهو بدوره يرفضُ ويشجبُ كل ظواهر العنف والشر في مجتمعنا العربي ، يقول فيها :
(نحنُ من نرفضُ العنفَ العنفَ والإنتقام // ونرفضُ حوادثَ القتلِ والإجرامْ
ليتَ العالمَ يسعى للطمأنينةِ والانتظامْ // كي نحمدَ ربَّنا ذا الجلالِ والإكرامْ
هوَ الخالِقُ بارىءُ الكونِ والغيثِ والغمامْ//
هُوَ من يدعُو للسلمِ في عالمٍ سادَهُ الظلامْ//
ليتَ العِداءَ ينتهي وأن يهتدي كافةُ الحكامْ //
هذا ما يبتغيهِ اللهُ باعِثُ الدينِ والرُّسُلِ الكرامْ // )) .
وهذا دأبُ ومنظلقُ شاعرنا كمال إبراهيم ورسالته ، فهو رسول للسلام وداعية للمحبة والوئام في كل مكان، ويتجلّى هذا من خلالِ كتاباتهِ وأشعاره الرائدة والخالدة .
وفي قصيدتهِ بعنوان : (( ” ألا تدري ” – روحانيات 4 – صفحة 47 ) يتحدثُ مع الإنسان الراقي صاحب الضمير الحي والمتسربل بالمحبَّة وبالمبادىء والقيم الإنسانية في كلِّ مكان ، ويُظهرُ له الخطرَ والشرَّ والبلاء الرهيب الذي سيحلُّ بالإنسانيَّة بالبشريَّة من خلال الحروب والقتل والدمار في الكثير من بقاع الأرض فيقول :
(( ألا تدري ايها الإنسان إن الإنسان يسيرُ نحو الهاويهْ
حربٌ وقتلٌ ومجاعةٌ في غزة هاشم وفي أوكرانيهْ
هذا ما يشهدُهُ التاريخُ الي باتَ عدوًّا ضدَّ البشريَّة
حكوماتُ هذا العصرِ كأنها تريدُ حربًا ثالثة عالميَّة
لا تأبَهُ ولا تفعلُ شيئًا ضدَّ الجُرمِ وويلاتِ الإنسانيّة
العالمُ أضحَى لا يعرفُ غير البارودِ والقنبلةِ النوويَّة
يا للويلِ من حروبٍ وزلازلَ نشهدُهَا في دولٍ عربيَّة
هذا من عضبِ الرَّبِّ لما نراهُ من حكوماتٍ عنجهيَّة
في افريقيا وآسيا فيها الخنوعُ والتفاقُ للدولِ الغربيَّة
تبًّا لسياسةِ هذا العصرِ الذين يُؤيِّدُون حروبًا “بلطجيَّة”)
هذه القصيدة تُجسِّدُ بالضبط الواقعَ الاجتماعي والسياسي والأمني والعسكري الذي نعيشهُ ونحياهُ الآن في الشرق وفي منطقتنا بالذات وفي جميع بقاع العالم.. والقصيدةُ هي لسانُ حالِ كلِّ إنسان مؤمن ونظيف وخيِّر ومُحبٍّ للسلام يُصلّي ويتمنَّى أن تتوقفَ الحروبُ في كل مكان وينعم الجميع بالهدوء والإستقرار والأمن والسلام ..لانه بالسلام العادل والشامل يكون الإزدهار والإنتعاشُ والرقي في كل شيىء وفي جميع الجوانب والنواحي الحياتيَّة : العلمية والثقتافية والإجتماعية والإقتصادية . وأما الحرب فهي أداةُ الشيطان ، والحرب هي الدمار والبلاء على الجميع .
وفي وقصيدة ” يُعِزُّني أن أناجي” – ( ديوانه روحانيات 5 – صفحة 15 – 16 ) يذكر مناجاته لله باشعار روحانيّة ، وفيها الرجاءُ والعزاء لكلِّ مؤمن ينحني أمام الرب أن يستجيب له الرب… وأيضا للكثيرمن المؤمنين الصادقين المبتهلين ومن صلوا من أجل ان يمنع العنف ويتوقف القتل والحرب والدمار ، فيقول فيها :
(( يعزيني ان اناجي الربَّ بأشعار روحانيَّة
وأرجو عطفهُ ليمنعَ العُنفَ في البريَّة
وأما قصيدتهِ التي بعنوان : ( ” في عيد الأضحى ” – روحانيَّات 5 -صفحة 23 ) فيظهرُ فيها جوَّ البهجة والسرور في هذا العيد. والقصيدةُ كُتبت بالهجة العاميّة المحكيَّة وبتلقائيَّةٍ وسلاسة وعفوبة . وهي كالكثير من قصائد كمال إبراهيم الغنائية المُمَوسقة والرنَّانه ذات الإيقاع الراقص والسريع تصلح أن تكون أنشودة ملحنة ومغناة للأطفال ، وأن تُدرجَ ضمن قصائد وأدب الاطفال المحلي الإبداعي وأن تدرس لللأطفال في المدارس للمرحلة الإبتداية . ويقول فيها :
( إجا العيد يفرِّحنا // يزيل الهم بديرتنا //
مَرحَا بقدوم الزوَّارْ // نعمِّ الفرحَة بحارِتنا //
أهلا بالعيدِ الغالي // في رجوعك تحلى الليالي //
محلا لمَّة هالغوالي // وكلّ الأهل ببلدِتنا //
با أضحَى يا أكبَرعيدْ // بقدومك هالفرحة تزيدْ //
يلتمُّوا الأهل من جديد // وتكبَر عِنَّا فرحتنا //.. إلخ ..
وهو يتميَّزُ ويتفرَّدُ بشكلٍ خاص ، في الآونة الأخيرة (كما ذُكرَ أعلاه ) في كتابة الشعرالعامي والشعبي والغنائي والشعر الحديث – السهل الممتنع وفي كتابة الأغاني ، وخاصة القصائد الروحانيّة التي يناجي فيها الخالق جلت قدرته ويدعو فيها إلى الإيمان والمحبَّة والسير والسلوك حسب مشئية الله والإرادة الربانيَّة .. ويتناولُ في هذه القصيدة موضوع السلام والمحبة .وقصيدتهُ يشوبُها وسيودها الطابعُ الأممي وليس فقط المحلي والإقليمي..ولهذا نال الأستاذ كمال إبراهيم شهرة وانتشارا واسعا : محليا وعربيًّا وعالميًّا . ويذكرنا هنا بالشاعر للغنائي المصري العربي الكبير والذي عُرِفَ بلقب شاعر الشباب ” أحمد رامي ” والذي غنَّتْ له كوكب الشرق أم كلثوم أكثر من 400 أغنية وقصيدة من أشعاره .وأحمد رامي في البداية كان يكتبُ فقط الشعرَ الكلاسيكي التقليدي الموزون والمقفى ، وهو الذي ترجم رباعيات الخيام من الفارسية للعربية ، وغنت أم لكثوم بعض المقاطع من الرباعيات – تلحين الموسيقار الكبيبر “رياض السومباطي ” .. وعنما اتَّجَه أحمد رامي إلى كتابة القصائد العامية وتركَ الشعرَ الفصيح الموزون والمقفى انتقدهُ الكثيرون ، وخاصة بع أن ترجم رباعيات الخيام ، ولكنه حقق شهرة كبيرة ومذهلة عندما بدأت أم كلثوم تغيِّي له ومن كلماته القصائد باللهجة العامية المحكيَّة ، وحقق شهرة واسعة ومذهلة في جميع الوطن العربي .أكثر بكثير ما كان عليه في البداية ..وهاذا ما حدث بالضبط مع شاعرنا المبدع والمتألق الأستاذ كمال إبراهيم . فقصائده التي كتبها بالهجةِ العامية المحكيَّة حققت له شهرة واسعة النطاق : محليًّا وعربيًّا وعالميّأ . وقد لحنوا له أكثر من 400 أغنية .. وقام بت لحينها خيرةُ وكبارُ الموسيقيين والملحنين من مختلف الدول العربية :من لبنان وسوريا ومصر وتونس والمغرب ..وغيرها .
ومبورك له على هذا الإصدارات وعلى هذه الإنجازات الرائعة والشهرة والمكانة الكبيرة التي وصل إليها ، ونتمنى له العمر الطويل والمديد والمزيد من الإصدارات الإبداعية الجديدة .
وأما قصيدته بعنوان : ( وصايا – صفحة 57 – 59 – روحانيات 5 ) فهي قصيدة أممية شاملة يدعو فيها إلى المحبَّة والسلام بين جميع الشعوب والأديان ..وأن الإنسان هو أخ الإنسان وليس مهمًّا لأيِّ دين وقومية وعرق ينتمي ..والمهم أن يكون عنده سلام وامل وخير ووداعة وأن يحبَّ كلَّ الناس ويسعى لأجل خيرالجميع..وكل شخص حتى لو كان من طائفةٍ وديانة ثانية ومن قومية أخرى فيجب ان نتمنى له الخيرَ والسعادة والنجاحَ والسلام . وهذه القصيدة موزونة على بحر المتدارك الغنائي الجميل . يقول في القصيدة :
( كُن في العالمِ أيًا كُنتْ // كُنْ عربيًّا أو عبريَّا //
أمريكيًّا أو روسيًّا // كُنْ هنديًّا أو كنديَّا //
واجنحْ دومًا نحوَ السلم // أيَّ نبيٍّ كانْ //
لكن لا تتعَصَّبْ // لا تكرَهْ أيًّا من بينِ الأديانْ //
إقرأ في هذاالعالم كلَّ الافكارْ//
أدرُسْ ما أحببتْ // لكن لا تتقيَّدْ // لاتتصلّبْ كالأحجارْ //
بلكُن دومًا كالأزهارْ //
كُنْ بشريًّا // كُن اخويًّا //
لا تقتل// لا تسرقْ // لا تكذبْ // لا تكرهْ // بل أحبِبْ //
لا تبنِ بينكَ وبينَ الآخرِ أيَّ جدارْ //
إزرعْ في نفسِكَ معنى الصِّدقْ //
وادْعُ دومًا للإخلاصْ // علِّمْ ابنكَ معنى الرّفقْ //
وانشُرْ دومًا حُبَّ الناسْ //
كُنْ إنسانًا يحملُ عطفًا // إزرَعْ وردًا //
اغرسْ حُبًّا واملأ قلبَكَ بالإحساسْ )) .
هذه القصيدة مستواها عالي جدا من جميع النواحي والجوانب : المعنى والموضوع البناء ة وجوة السبك والجزالة والصور الجميلة ، وخاصة انها تتناول موضوعا هاما وإنسانيًّا، ولهذا ترقى هذه القصيدةُ في مستواها وَتَموُّجاتها وإشعاعاتها الإنسانيّة إلى مصافِ الشعر والأدب العالمي .. إنها تعني وتهُمُّ الإنسان الإنسان في كلِّ مكان وبقعةٍ على هذه الأرض .. وهذه القصيدة كُتبت وَوُجِّهَت للبشرية جمعاء وليسست لجهة معينة أو لفئة ولجهة سياسية ولحيِّز ضيِّق .. وهذا هو الشعر العالمي الذي سيخلدُ . وأما الشعر والأدب الذي يتحدثُ فقط عن وضع وحالة آنية محدودة فيشتهر وينتشرُ لفترة قصيرة وعلى نطاق وحيز محدود وبعدها يبدأ بالتقلص والتلاشي . وأريد ان أضيف : لقد وظفَ الشاعر في القصيدة بعض الجمل التي وردتْ في الوصايا العشرة للنبي موسى ، مثل : ( لا تقتل ) ، ( لا تسرق ) ، ( لا تكذب ) .
وفي قصيدتهِ ( في عيد الفطر روحانيَّات 4 – صفحة : 35 – 36 ) يتحدثُ عن بهجة وقداسة هذا العيد وشعور المسلمين بالسعادة والهناء والحبور بعد شهر من الصِّيام . ويقول في القصيدة :
( في عيد الفطر ترنمَّت قلوب المسلمين وازدَهَرتْ //
ليتنا في رمضان عشنا ايَّامًا من الحربِ خلتْ //
كب تعمَّ السعادةُ في العيدِ وفي أيامٍ مَضَتْ // )) .. إلخ .
بالطبع لقد نظمَ هذه القصيدة في أيام الحرب حيث أنَّ معظمَ الناس لم تُعيِّد وتفرح وتبتهج بالعيد كما يجب . ويتطرق الشاعر في القصيدة إلى موضوع السلام والذي من خلالهِ تتحقق السعادةُ والعيشُ الرَّغد والهناء والاستقرار، ويكون لكل ِّعيد في ظلِّ السلام بهجته وجماليّته ورونقه ، وترتسمُ الفرحةُ على وجوه الجميع .
وأما قصيدة (” يا الله ” – صفحة 39 – ديوان روحانيات 4 ) فهي عبارة عن مناجاة حارَّة للخالق جلت قدرتُهُ . ويطلب شاعرنا من الله أن يشفي كل مريض ومكلوم ، وأن يعمَّ السلامُ والستقرار والفرحُ والأمنُ على الجميع . يقول الشاعر في القصيدة :
( يا الله يا باعثَ َ كلِّ الأنبياء // يا حارسَ التوحيدَ والأتقياءْ
أنتَ الوكيلُ مُعزِّزُ الشرفاءْ //
نرجوك أن تؤمن لنا الدواءْ // .وأن تشفي المريض من الداءْ// .. إلخ
وفي قصيدته ” حروفي مُوَجَّهة ” – من ديوانه ( روحانيَّات 6 – صفحة 11 – 12 ) . يتحدثُ فيها عن موضوع السلام أيضا وأهميته ، ويذكر ويُعدِّدُ ويلات وأهوال وكوارث الحرب والمآسي التي سيُعاني منها البشر والناس . يقول الشاعر :
( حروفي مُوَّجة لمناجاة الخالق البرِّ الرحمن //
راجيًا منهُ ان يعطفَ بالسلامِ في هذا الزَّمانْ //
زماننا المنكوبِ بالحربِ والعُنفِ في كلَّ أوانْ //
رحمةُ الله على القتلى // الذين يسقطون في الميدانْ//
والأطفالِ والشُّيوخِ // مِمَّنْ يُقتلون بالذلِّ والهوانْ// .إلح ..
وأما قصيدته بعنوان: ( ” أخطاء الزمان ” – صفحة 13 من ديوان روحانيَّات 6 ) فيشوبُها طابع التهكم الساخر. ويتحدثُ عن الأصطبل ( بيت الحيوانات الذي خصص للحيوانات كالدواب .. فيتمنَّى ان يكون الاصطبلُ في هذا الزمان الرديىء ليس للحيوان بل أن يُخصَّصَ للمجرم والقاتل ولعدو الإنسانيَّة والطفولة والبراءة .والبشريّة جمعاء .
يقول الشاعر :
( الأصطبل بيتُ الحيوانْ // ليتهُ في هذا الزّمانْ //
مع ما نراهُ في كلِّ مكانْ // من عُنفٍ وقتلٍ وَعُدوانْ //
ليتهُ خصِّصَ لعدَدُوِّ الإنسانْ //
ويقول : ( في هذا العصرِ في كلِّ // القاتلُ يمرحُ كالشيطانْ //
والظالمُ يعتدي قهرًا وَبُهتانْ //
يقصفُ بالمدفعِ والطيرانْ // أطفال وشيوخًا وَشُبَّانْ //
ليتَ المُخطىءُ في هذا الزمانْ // يقبعُ في السجنِمع السَّجَّانْ //
والقاتلُ يُدْحَشُ في بيتش الظربانْ //
عندها نعيشُ ، الأهلُ وسائرُ الجيران//
بهدوءٍ وَحُبٍّ وأمنٍ وسلمٍ وأمانْ ” )) .
( الاسطبلُ خُصّصَ للحيوان فقط ..ولكن شاعرنا يتمنى ويطالبُ في هذا الزمن الأعوج والغريب أن يُخَصَّصَ الاصطبل للأشرار والمجرمين والقتلة والخارجين عن القانون..كما ذُكرَ أعلاه) .
يتمنَّى الشاعرُ أن تكون هنالك عدالة إنسانيَّة على هذه الأرض وقانون دولي عادل يحمي الأبرياء والغلابى وللمساكين والمستضعفين والشعوب المقموعة والمُضطهدة والمغلوبة على أمرها من المعتدين والظالمين والبغاة ، وأنه يجب على المعتدي والقاتل والمذنب والمنفذ الجرائم البشعة في حق الأبرياء والناس العزل في كل مكان أن يوضع في السجن وينال عقابه العادل . بل أن يقبع في الإصطبل ومع حيوان الظربان بالذات وليس مع الحيوانات الاليقة كالحمير والبغال والخيل التي تخدم وتفيد الناس والبشر .
يقول الشاعر : ((والقاتل يُدحشُ في بيت الظربان ) ..والظربان حيوان يفرز رائحة كريحة جدا وفتّاكة وجميع الحيوانات تهرب من رائحته المنتنة.، وحتى الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور التي تكون مقدمةً على افتراسه تولي الأدبار من رائحته القاتلة . واستعملَ الشاعر كلمة ( يُدحشُ ) وهي كلمة عامية وجاء استعمالها هنا في مكانها الصحيح والمُعَبِّر ، وهي وأحلى وأبلغ وأدق تعبيرا من كلمة يُوضع أو يُدخل .. والقصيدةُ جميلة جدا بأسلوبها وطابعها الساخر والتهكمي وبنكهتها وفحواها وأهدافها الإنسانيّة وابعادها الاجتماعيَّة والسياسيِّة . وهذا الأسلوب واللون يفتقرُ
واللونُ يفتقر إليه معظمُ الشعر والأدب العربي الحديث ، وخاصة الشعر والأدب المحلي .. ( ومن الذين برزوا واشهرو ا في اللون الأدب التهكمي الساخر الكاتب والنااقد والروائي الكبير الأستاذ نبيل عودة من مدينة الناصرة ، وخاصة في روايته ” المستحيل “) .. وقد كتيتُ أنا عنها سابقا دراسة نقدية تحليلية موسعة . ومن الشعراء المحليين المحليّين الذين كتبوا الشعرالتهكمي الساخر الشاعر الكبير المرحوم راشد حسين ..وأنا أيضا ( حاتم جوعيه ) ولي الكثير من القصائد الهجائيَّة التهكميَّة الساخرة .
وفي قصيدته ( منذ خلقت – صفحة 43 – من ديوان روحانيات 6 ) يتحدثُ عن إيمانه العميق والصادق بالله جلَّ جلالهُ ، وأن الله قد خلقهُ مؤمنا واختاره ان يكون دائما سالكا في طريق النور والإيمان والتقوى ..وأن الله هو الذي يُلهمُ الإنسان ويفتح له البصيرة ليهتدي إلى الصواب والىنور الإيمان . فيقول :
( منذ خُلقتُ أتاني وحيٌ بوجود الخالق الوهَّابْ
إنَّهُ العظيمُ العليُّ الحقُّ للمصوِّرُ الغفار التوَّابْ
واجب أن أذكي إبداعات الله من شمس وسحابْ
يُعدِّدُ الشاعر هنا البعض من أسماء الله الحُسنى .
الخاتمة : إنَّ الشاعرَ والكاتبَ والناقدَ والإعلامي القدير والمتألّق الأستاذ الشيخ كمال إبراهيم يُعَدُّ من الشعراء والأدباء المبدعين الأوائل في البلاد . حقّق شهرة وانتشارا واسعا ومُذهلا محليًّا وعربيًّا وعالميًّا . كتب ، بدورهِ ، الشعرَ على جميع الأنماظ والالوان : الكلاسيكي التقليدي والحديث المتحرر من الوزن وشعر التفعيلة .. وله أسلوبٌ وطابع مُمَيَّز في جميع كتاباته الشعريَّة . ولا أبالغ إذا قلتُ : إنهُ صاحب مدرسة جديدة وحديثة في الشعر العربي . ويستحقُّ شعرهُ أن يتناوله ويهتمَّ به كبار الادباء والنقاد وأن يُترجم إلى معظم لغات العالم .. وقد كتبَ عن دواوينه الصادرة العديدُ من النقاد محليًّا وخارج البلاد .. ولكن تحتاجُ دواوينه وإبداعاته إلى وقفات طويلة وإلى دراسات أخرى تحليليَّة وموضوعيَّة وعميقة ومطولة وشاملة أكثر .
يقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل
………………………………………………………………………..
المصادر :
*1 ) – دواوين روحانيَّات ( من لجزء الأول إلى جزء 6 ) – للشاعر كمال براهيم – إصدار : دار الحديث – عسفيا .
* 2 ) ديوان أحمد رامي – المجموعة الكاملة – دار العودة بيروت .
*3 ) ديوان بيرم التونسي – عدة طبعات .
ديوان بدر شاكر السياب – المجموعة الكاملة – دار العودة بيروت
*4 ) ديوان عبد الوهاب البياتي – درار العودة بيروت – لبنان .
*5 * ديوان نازك الملائكة – إصدار دار العودة – بيروت
*6 ) ديوان ابن الوردي – إصدار: دار الآفاق العربية
* 7 ) ديوان الإمام الشافعي- إصدار : مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة – مصر
* 8 ) قصة المستحيل : الكاتب نبيل عودة – الناصرة
* 9 ) راشد حسين – المجموعة الشعريّة الكاملة إصدار : مكتبة كل شيىء حيفا .
* 10 ) الكتاب المقدس – العهد القديم – مزامير داود .
* 11 ) ديوان ابن الفارض – إصدار : دار صادر – بيروت – لبنان .
*12 ) ديوان محيي الدين بن عربي – إصدار – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان .
* 13 ) ديوان السهرودي – إصدار : – دار الكتب العلمية بيروت .
…………………………………………………………………………..
بقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل