سيّدنا الأمير عبد القادر من خلال الجاسوس القسّ سوشيت
معمر حبار
تاريخ النشر: 06/11/24 | 13:24
داوسون بورير: “سرد للحملة العسكرية ضدّ قْبَايَلْ الجزائر 1846. مع بعثة سوشيت إلى الأمير عبد القادر لتبادل الأسرى 1841″، ترجمة، وتقديم، وتعليق الأستاذ: محمد الأمين بوحلوفة. ابن نديم، وهران، الجزائر. ودار الروافد الثقافية، بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2024، من 246 صفحات.
ثمانية أسرى جزائريين مقابل 56 أسير فرنسي محتلّ:
يعترف القسّ سوشيت أنّ سجناء فرنسيين محتلّين كانوا في تلمسان عاصمة سيّدنا الأمير عبد القادر. ويعترف أنّ الاحتلال لا يعرف عنهم الكثير. وعددهم “ستة وخمسين سجينا”. 177، و181.
أقسم القسّ لحاكمه أسقف الجزائر أنّه لن يعود دون الأسرى. 178
أخذ معه الهدايا قادمة من فرنسا ليقدّمها لسيّدنا الأمير عبد القادر. 178
حمل معه ثمانية أسرى جزائريين فقط ليطلق سراحهم مقابل أن يطلق سيّدنا الأمير عبد القادر سراح الجنود المحتلّين. 178
حمل القسّ إلى سيّدنا الأمير عبد القادر “رسائل من أسقفي”. 182
قضى القسّ خمسة عشر يوما لإطلاق سراح الجنود الفرنسيين المحتلين. 183
يستعمل القسّ وهو يتحدّث عن سيّدنا الأمير عبد القادر مصطلح: “السّلطان”، و “عبد القادر”. و”الملك العربي”. لكنّه لا يستعمل الأمير عبد القادر.
الفصل التّاسع عشر، وعبر صفحات: 177-201
القسّ الذي استقبله سيّدنا الأمير عبد القادر، والقسّ الذي حثّ على استدمار الجزائر:
تحدّث القسّ الفرنسي “أنطوان أدولف دوبش” بإعجاب كبير عن زيارته، والتقائه، ودفاعه عنه، وحديثه مع سيّدنا الأمير عبد القادر. ونقل ذلك عبر كتاب له . ونقلنا ذلك عبر مقال .
وتحدّث القسّ عن ضرورة توسيع احتلال الجزائر، واعتبر “الاستدمار المحدود والمؤقت؟ !” جريمة يرتكبها الاستدمار الفرنسي. وطالب بتوسيع الاحتلال. وذكر ذلك وبالتّفصيل عبر كتاب له . ونقلنا ذلك عبر مقال .
قاموس الاستدمار الفرنسي:
يستعمل الجاسوس القسّ مصطلح “السّكان المحليين”، ولا يستعمل مصطلح “السّكان الأصليين” وهو يتحدّث عن الجزائريين. لأنّ الأراضي الجزائرية التي يسيطر عليها الاحتلال تعتبر في نظره الأصلية، والفرنسي المحتلّ أصيل. والأراضي التي مازالت تحت سيطرة سيّدنا الأمير عبد القادر لا تسمى أصلية إنّما محلية. أي مازال يسكنها الجزائري غير الأصيل في نظره.
حقد، وبغض القسّ للجزائريين أصحاب الأرض:
يستعمل القسّ المصطلحات التّالية وهو يصف الجزائريين، بقوله: “دليلي المتوحش”. 183 “بدوي متوحش”. 200
يصف الجزائريين بـ: “الأعداء الشرسين والأكثر عنادا للفرنسيين”. “الأكثر تعصبا”. 179
للتذكير، يضم الكتاب عددا ضخما، ومتنوعا من الألفاظ القبيحة التي يصف فيها صاحب الكتاب الجزائريين. ويسعى القارئ المتتبّع أن يفرد لها ورقة إذا توفّرت الظروف.
الاحتلال عبر الطب:
يصف القسّ الجزائريين بقوله: “فهم مقتنعون بأنّ جميع الكهنة المسيحيين ماهرون في الطب”. 179، و182.
أقول: حاول الجاسوس القسّ التّأثير على الجزائريين من خلال علبة الدواء التي حملها، والخدمات الطبية التي قدّمها للجزائريين الذين يعانون الجوع، والأمراض القاتلة.
وفعلا، استغلّ الاحتلال الوضعية الصّحية الخطيرة، والمزرية التي أصابت الجزائري ودوّنوا ذلك عبر كتب لمن أراد الزّيادة . ونقلنا ذلك عبر مقال .
رؤية سيّدنا الأمير عبد القادر قبل إطلاق سراح الجنود الفرنسيين المحتلّين:
واضح جدّا أنّ القسّ كان متلهف لرؤية سيّدنا الأمير عبد القادر قبل إطلاق سراح الجنود الفرنسيين المحتلّين، وعبّر ذلك بقوله: “وتمنيت أن أرى هذا الزّعيم وأنّه لا شيء سيمنعني من مواصلة رحلتي”. 181
الجاسوس القسّ: الوجه الآخرللاستدمار باسم المسيح والدين:
يصف الجاسوس القسّ تهجير الجزائريين من أراضيهم الخصبة، بقوله: “لقد شعرت بالشفقة”. 185
أقول: لكن في المقابل لايتحدّث عن أنّ الاستدمار هو السّبب في طرد الجزائريين من أراضهم، ونهب خيراتهم، وتهجيرهم. مايدلّ أنّه محتلّ مغتصب باسم المسيح، والدين.
يفهم من حديث القسّ عن أن بعض خلفاء سيّدنا الأمير عبد القادر مثل الأغا ميلود بن عراش. 185 خانوه، ويرفضون أوامره، وأنّ الأراضي التي يسيطر عليها في تناقص كبير، ومستمر.
وقال وهو يصف جرائم الاستدمار دون أن يستنكرها: “بعد أن مشينا نحو تلك الأصوات وجدنا أنّها لقبائل عديدة من محيط معسكر، كان جيشنا قد طردها بعد أن أحرق خيامها ومحاصيلها، واستولى على جزء من قطعانها، وقتل أو أخذ عددا منها”. 188
ويقول في آخر الفصل، أنّه يعرف الطّريق من خلال آثار الحرق، والتّدمير التي تركها الاستدمار من ورائه.
استصغار القسّ لشجاعة سيّدنا الأمير عبد القادر:
قال: “ولم أعد متفاجئا بالعديد من القوات التي استطاع عبد القادر تجنيدها”. 186
يريد أن يقول: أن جبال جرجرة تعرف عدد سكان كبير مقارنة بمناطق جبلية أخرى. وتابعة لسيّدنا الأمير عبد القادر. ومردّ ذلك -في نظره- ليس لحبّهم له، وعظمة تسييره. إنّما لعدد السّكان المرتفع يومها. ويتعمّد بهذا استصغار قدرات سيّدنا الأمير عبد القادر.
كيف احتلّت فرنسا الجزائر رغم قدرات الجزائر:
يعترف القسّ أنّ الجزائر تملك قدرات هائلة من الشّباب، والخيول الرّائعة ورغم ذلك: “سمح لجيشان فرنسيان معاديين بتدمير البلاد دون توقف. لايمكنني تفسير هذا التقاعس الهادئ”. 186
وهذه -كما قال المترجم- كانت عاملا من عوامل التّعجيل في القضاء على سيّدنا الأمير عبد القادر.
اللّقاء الأوّل مع سيّدنا الأمير عبد القادر:
قال: “وأشاروا لنا باليد عبد القادر جالس على تلك الأرض العارية تحت شجرة التين. تفاجأت عندما وجدت نفسي فجأة أمام السلطان. فطلبت أن أنعزل للحظة خلف سياج من الزيتون قريب، من أجل ترتيب نفسي قليلا وإخراج الرّسائل التي حملتها من أسقفي”. 189
أقول: رزق سيّدنا الأمير عبد القادر هيبة خارقة وقد تحدّث عنها الأعداء قبل الأصدقاء. وسبق أن قرأ عنها القارئ المتتبّع وعرضها عبر مقالاته. رغم بساطته، وجلوسه فوق الأرض، ودون حرس، ولا مظاهر السّلطان.
وصف القسّ لسيّدنا الأمير عبد القادر:
“كان الزّعيم المهيب الذي كنت في حضرته يرتدي لباس شيخ بسيط، حياك عادي وبرنوس، مع رباط حول رأسه ما شكّل زيّه الكلّي. لا أسلحة، ولا خناجر، ولا مسدسات في حزامه، ولا معدات حربية. لايوجد بلاط يميّز هذا الملك العربي. يبلغ من العمر حوالي خمسة وثلاثين عاما. متوسّط القامة، هناك هيبة في وجهه دون أن يكون بطلا؛ بشرته بيضاء أو شاحبة، على الرّغم من أنّ الشّمس أثّرت عليها قليلا. وجهه بيضاوي وملامحه منتظمة، ولحيته كستنائية داكنة خفيفة؛ عيناه زرقاوين رماديتين جميلة ومعبّرة للغاية. لديه نظرة متأمّل وشبه خجولة، لكن عندما يتكلّم فإنّ عيناه تتحركان وتتلألآن، وعند أدنى ذكر للدين تنخفض وسرعان ماتنظران نحو السّماء على طريقة ملهم. إنّه في الواقع بسيط في أخلاقه، وقد بدا محرجا من مكانته العالية. لكن ما قد يفاجئ أنّه يضحك بحرارة في محادثة عادية، فحركاته وأخلاقه بسيطة، ولديه قلب يقدّر الصّداقة الحميمية”. 190
أقول: القسّ صادق في الوصف. وقد قرأت مثله -أو يشبهه- من طرف فرنسيين وغربيين. لكنّه حاقد، وحاسد، ومبغض حين وصف سيّدنا الأمير عبد القادر بأنّه: “دون أن يكون بطلا؟ !”. وهو يعلم أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر الفارس، والشّجاع، والبطل، والعظيم. وقد رأى ذلك رأي العين، وحدّثهوه عن ذلك. لكنّه حقد المستدمر.
القسّ ليس أوّل شخص يراه سيّدنا الأمير عبد القادر:
قال القسّ: “وكنت أوّل شخص يراه على الإطلاق”.
أقول: قرأت للكثير من الفرنسيين الذين استقبلهم سيّدنا الأمير عبد القادر من فرنسيين، ودنماركي، ومدنيين، وعسكريين. ويكفي أنّ معاهدتين سبقتا لقاء القسّ. وأتساءل بغرابة: كيف يصف القسّ نفسه أنّه الأوّل الذي رآه سيّدنا الأمير عبد القادر. اللّهم إلاّ أن كان يقصد أمرا آخر لم يقف عليه القارئ المتتبّع.
التّنصير والاستدمار الفرنسي توأم في نهب الجزائر، واحتلالها:
سأله سيّدنا الأمير عبد القادر: “ماهي مهمة الكهنوت الكاثوليكي؟”. أجاب القسّ: “يجب أن تعرف قبل كلّ شيء، أنّ هناك أسقفا في الجزائر، ومهمته هي البقاء هنا خدمة لرسالة يسوع المسيح”. 192
أقول: في الحقيقة فإنّ المهام العظمى للجاسوس القسّ، وأسقف الجزائر، والكنيسة هو خدمة الاستدمار الفرنسي، وتثبيت أركانه، ونهب الجزائر، واحتلاله، والسّطو على أراضيها الخصبة، ومحو الإسلام، وتهميش اللّغة العربية باسم المسيحية.
سيّدنا الأمير عبد القادر يقبل هدايا القسّ ويرفض هدايا القادة المجرمين المحتلّين:
قال القسّ: “ثمّ قدّمت له الهدايا التي أرسلها أسقفي كنوع من الفدية للسجناء. فقال: “أقبلها لأنّ أسقفك قدّمها لي؛ فلو كانت من شخص آخر لرفضتها”. 192
أقول: يريد سيّدنا الأمير عبد القادر أن يقول: لو كانت الهدايا من القادة العسكريين المجرمين المحتلّين لرفضتها. ولذلك -في تقديري- اختار قادة فرنسا المحتلّين تكليف قسّ بمهمّة تبادل الأسرى ولم يرسلوا مبعوثا عنهم. لأنّهم يعلمون أن سيّدنا الأمير عبد القادر سيرفض طلبهم. خاصّة بعد نقض العهد، ومطاردته في أيّ مكان، وتحريض القبائل عليه.
الأربعاء 5 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 6 نوفمبر 2024
الشرفة – الشلف – الجزائر