محمد بن عبد الكريم سيرة ومسيرة
موسى عزوڨ
تاريخ النشر: 01/12/24 | 9:11ينظم قسم التاريخ بالتنسيق مع مخبر الوحدة المغاربية عبر التاريخ الملتقى الوطني الاول: الدكتور محمد بن عبد الكريم( 1924-2012). الجزائري الزموري سيرة ومسيرة بتاريخ : 09-11-2024.
ومما جاء في الديباجة : ان المتتبع للنشاط الثقافي والفكري في لجزائر يلاحظ بلا شك تهميش لبعض الاعلام ، ومن بين اولئك الاعلام الدكتور محمد بن عبد الكريم ، فرغم ما قدمه ، الا انه تعرض لصعوبات وعراقيل في كل المجالات لعله جمع بعضها في كتابه :” الثقافة ومآسي رجالها ” برمزية قوية للعنوان. وهكذا حددت اهداف الملتقى : ” جمع الشهادات والتعريف بسيرته و ابراز دوره في التحقيق والفهرسة والتاريخ والدعوة مع جمع الاثار العلمية من كتب ومداخلات والعمل على طبعها ” اثار الدكتور ” . ومحاوره الخمسة عن سيرته وانتاجه التاريخي والادبي والديني وجهوده في الدعوة .
ويحتاج فعلا كل محور منها الى كتاب والرجل حقيقة موسوعة وكتب في كل شيء وسأحاول في مداخلتي قطف زهرة من كل محور ضمن السيرة والمسيرة ، ليتناسب والمحاور ودون الخروج عنها . وانا طبعا لا ازعم الالمام بسيرته ومنجزاته لكن يكفيني انني ربما سأثير لأول مرة خاصية فيه لم اقرأ عنها من قبل وهي قوته في الخطابة وحدة الطبع وهو ما سأبدأ به من خلال الحكاية لأول خطبة جمعة سمعتها من القاء الرجل حوالي سنة 1989 واختم باخر زيارة له رحمه الله في بيت ولده المعلوم بزمورة الذي كنت جار له.
حيث انه حوالي سنة 1989 تداول الناس في زمورة ان سي محمد عالم البلدة الجليل القادم من فرنسا سيلقي خطبة الجمعة في جامع بن حسن بحي السويڨة، فكان أول ما تبادر إلى ذهني السؤال : ” من يكون ؟ ” وماذا سيقول !؟ هل فعلا هو عالم ؟ ام كالعادة اهلنا بزمورة يحبون الساكن خلف البحار ويقدرونه ويتملقون له؟
حيث انني كنت من الرائحين إلى الجمعة في الساعة الأولى ، بشرعية التبكير ، تبكيرا للصلاة وصليت ما يسر الله من ركعات، وقرأت سورة الكهف ، واشتغلت بالتسبيح والتهليل والاستغفار. وبينما نحن كذلك اذ رفع الاذان ، وبدأ المسجد فعلا يمتلئ عن اخره .
صعد رجل وقور محمر الوجه إلى المنبر ودون ورقة وبمدخل الى الخطبة غير تقليدي وبصوت جهوري غير معهود وقال :” الحمد لله الذي جعل المساجد ملكا له ابدا : ” وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا ” .سورة الجن 18. والصلاة والسلام على من قال :” خير البقاع المساجد وشر البقاع الاسواق ” الطبراني . لم تكن الكلمات الطنانة والمستحدثة والاسلوب الجديد” غير الوعظي “! لتتركك تفكر اصلا في النعاس الذي عادة ما يصحب مصلي الجمعة ، ثم انه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وذكر الآية : (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[سورة التوبة 108] ثم بدأ بتفسير الآية بطريقة جميلة وبسلاسة وقوة فيشرح المفردات ثم يذكر مجمل المعنى ويختم بالتوجيهات (1) وهي اقرب الى دراسة النص . ولأول مرة يومها اعرف انه يمكن ان يكون هناك مسجد ضرار كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انه حدد اسباب المسجد الضرار من المضارة للمؤمنين والتفريق بينهم والنهي عن تكثير بناء المساجد وغصب بعض الارض والاقدام على اقامة جمعة جديدة، ثم يذكر بكل وضوح ان الوزارة داعمة للضرار وذكر الشيخ الطيب حماني والامين العام حمودة عبد الوهاب يومها ، ليعرج على اوصاف مسجد الضرار في القران … كانت خطبة عصماء قوية في الطرح ، ولما اكمل الخطبة. ورغبت في القاء السلام عليه ، حال دون ذلك من يحوم حوله . لكنني قررت ان اطلع على كل ما كتب :
هكذا قرأت له تحقيق ” التحفة المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية . لمحمد بن ميمون” الجزائري ط2 الشركة و. ل .ت 1981. نجد في التوطئة 1969 تاريخ اول انتاج. والتي نال بها شهادة الدراسات العليا في التاريخ الحديث 361صفحة ومع التهميش والفهرسة وصل402صفحة ( وهذا ديدنه حتى لاحقا في الكتابة بكثرة التهميش ) . وهي حقبة حكم ابو النصر السيد محمد « بكداش » (وهي تركية تعني الحجر ) وقد تولى دايا على الجزائر سنة 1707 وتوفى مغتالا 1710 على يد الداي دالي براهيم آغا ..
ثم قرأت ” تحقيق” بدائع السلك في طبائع الملك أبو عبد الله محمد بن الأزرق الأندلسي المتوفي سنة 896ه.موافق 1491م الجزء الأول . جاء في مقدمة المحقق: كنت زرت فقيد العروبة والإسلام الاستاذ الشيخ البشير الابراهيمي…الذي عقب رغم مرضه1964 عن مقدمة بن خلدون بقوله :” ان هناك كتابا قد يغني عنها ..”! فاستفسرته عن الكتاب فكان هذا الكتاب موضوع التحقيق وفي 1972 في زيارة إلى المغرب عثر على نسخ 4 منه ….ولهذا وجب التنويه إلى صاحب الفضل الأول في هذه المبادرة – التحفيز – إلى رائد العلم والأدب الاستاذ الشيخ البشير الابراهيمي ! يجب التعود على أسلوب والفاظ مثل هذه المخطوطات كي لا تكون كما تظهر ” مادة دسمة ” صعبة الهضم ، وهي في الحقيقة ” أكلة سريعة ” سهلة وممتعة ( بوضعها في زمكانها ) لاحظ مثلا تلك التقسيمات التي اندثرت اليوم ( في الكتاب الاول الباب الاول : في حقيقة الملك ..وفيه ” أنظار ” ؟…الباب الثاني : سبب الملك ..وفيه ” الطرف 1,2…6 مكائد حصار المدن وفيه ” تتمتان “؟ الركن ! الخطة! المرتبة! المنهج! النظر! القاعدة !؟…. وانت تقرأ تكون مصحوبا بكلمة الشيخ البشير عن هذا الكتاب أنه: أحسن من المقدمة لأنه يحتوي على تلخيصها وعلى اشياء كثيرة ، قد اغفلها بن خلدون ، وكان من الواجب أن لا تغفل ) .
ثم كررت قراءة كتاب المرآة (لمحة تاريخية واحصائية على ايالة الجزائر). لصاحبه حمدان بن عثمان خوجة الجزائري ، وكان من الواضح ان في تعليقه ” عربه وقدم له وعلق عليه ” الدكتور محمد بن عبد الكريم . له قصة –. جاء في الاهداء اولا لحمدان بن عثمان خوجة وكان مطلعه الى جزائر بني مزغنة . ثم إلى ليبيا الشقيقة ..الى حسونة دعبس الليبي . ولم افهم سبب ذلك إلى غاية هامش الصفحة 8 حيث بين أن الكتاب ” المرآة ” كتب في الأساس بالعربية وترجمه الى الفرنسية صديقه الليبي ه.د . يلاحظ ان سبب تسمية الكتاب ” المرآة ” لم يتطرق المقدم إليه ، واستنتاجي أن المؤلف رغب في تقديم مرآة للمجتمع الجزائري من خلال كتابه ومحاولة تبيض استبداد الاتراك. دوافع وأهداف تأليف هذا الكتاب الداخلية والخارجية التي اوردها المحقق غير مقنعة ، فالقارئ يخلص أن السيد حمدان بن عثمان الكرغلي كتبه في فرنسا وهو يصور السكان الأصليين كأنهم همج ومتسخين ..ويتملق الفرنسيين ويبين لهم كيف يمكن الاستلاء على هذا الشعب المغبون.قسم الكاتب المرآة الى كتابين ، في الكتاب الاول ادرج فيه 13 فصل ص128. اما الكتاب الثاني فقسم الى 12فصلا .وختمه بوثائق في الشكاوي والبراءات 16وثيقة ص357. يلوم الكاتب الفرنسيين كأنهم مسلمين فاتحين ولا يحق لهم الدخول على المنازل التي كانت للأتراك يمرحون فيها . ولا يبين كيف استولى الاتراك على هذه المنازل ؟! ولا يقتنع أن فرنسا ربحت الحرب ! يلوم عمليات النهب والسلب للجنود لخزينة ” الايالة ” و لا يتطرق إلى ما هربه الدايات وحتى ما أخذه ” خاله “. جعل كل أسباب السقوط محصورة في اليهود؟
من اهم الاقتباسات التي اوردها الكاتب نقله في الصفحة 187 من المرآة عن هيريل قوله : “لقد غزونا الجزائر واستولينا عليها ، لنكون فيها اسيادا على الاطلاق .أن الجزائر بما فيها وما عليها ملك لنا..”. كما ان حمدان بن عثمان خوجة الجزائري ابدى ملاحظة مهمة في الصفحة 192 من المرآة حول تعمد الغاء المذهب الحنفي :” “ان الغاء مجلس المحكمة الحنفية غلطة لا تغتفر …؟! قرار 22-10-1830 المادة 1_مالكية !؟”. وأقر في الصفحة 199 من المرآة :” انا شخصيا -لا أرى أن العنصر الديني هو الذي دفع بالفرنسيين إلى احتلال الجزائر …
تجدر الاشارة انه قام بتأليف وتعريب كتاب ” حمدان بن عثمان خوجة الجزائري ومذكراته ” في 247 صفحة في 04 أربع اقسام عن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ابان حياة سي حمدان وتعريب مذكراته .
كان الدكتور رحمه الله ايضا شاعرا حساسا وقد جمع في كتاب سماه ( كشف الستار ) في 122 صفحة ويذكر في كلمة الاهداء هذه هي ما بقي من كتاب اسماه ( دمعة الجزائر ) الذي احرقه وكتاب ( الالهامات الربانية ) المستدمر الفرنسي ليلة اعتقاله 11-02-1959 بباريس ووضح ذلك في مباغتة في حجرة فندق . قال في ختام الاهداء ان الشعب اصبح الاستقلال هدفه والحرية امنيته والصبر سلاحه والدين شعاره والله ناصره : شعب الجزائر بالبسالة يرتدي وكتابه القران وحي محمد . ورتب القصائد حسب تاريخ انشادها من1960 ( وكل الذي قد فات فينا مقدر ) الى 2006 ( الى حسن نصر الله وحزب الله ) : ماذا أقول وقول الحق خجلان*** مما يقاسي من الكفار لبنان ؟ في الصفحة 32 وعلى غير المتوقع يحكي عن ذكريات محنة التعليم اوائل الاستقلال كيف انه بتاريخ: 23-09-1963 . عاد الى الجزائر والى زمورة تحديدا وبعد ان ( 07 محنة الهجرة القسرية في فرنسا ومحنة السجن ). وكانت الفرحة المزدوجة بالاستقلال وبالعودة الى البلد والاجتماع بمقر الاجداد ومسكن الاحفاد حيث توجد حليلته وولديه . وبعدما قضى بين ظهرانهم 15 يوم توجه للعاصمة وعين بمدرسة اميرا بحي بيلكور (سيدي امحمد ) . وبدأ بمشكلين تأخر المرتب 08 اشهر والسكن الذي لم يحصل عليه ابدا؟ وهكذا استمر ت المعاناة سنوات الى ان طلقها نهائيا وقال شعرا: ” أيا مهنة التعليم انك طالق *** واني لحسن الحظ قلبي مفارق العاصمة سنة 1976. كان محبا لزمورة رغم ظلم اهلها ( وكان منهم من يسميه باسم جدته وليد فلانة) . قال وقد اخذه الشوق الى زمورة ان الحب يرجع للحب الاول وانه مهما زرت الامصار فان الذكرى تعود بك الى مسقط الرأس : ” شرقت أو غربت في المعمورة لم يبق في الذكرى سوى زمورة ” . ثم يُفصل السبب في ذلك :” مهد الفضيلة والوفاء نزاهة سلوى قناعتها بها مستورة.” وأنها: وصل الكرامة بالشجاعة والعلا صفة مشبهة لها مسطورة “. وان سكانها لها عامرون: ” سكانها دأبوا على عمرانها صلواتهم في وقتها مبرورة” وهم لكتاب الله حفظة: ” هذا كتاب الله محفوظ بهم آياته في ثغرهم معطورة.” ثم يتحدث عن التكرار الحزب الراتب: ” ترتيلهم في السمع زاد حلاوة يحكي دوي النحل بالصيرورة “. ويعدد ان في كل حي من احيائها مسجد وحافظ: ” في كل حي كتاب به قراؤه أسماؤهم موفورة ” + ” في كل حي مسجد يعلو به صوت المؤذن سنة مأثورة “. والاحترام المتبادل بين اهلها: ” فيها الكبير لدى الصغير موقر أما الصغير فرحمة منشورة.” وان النساء محترمات والرجال : ” نساؤها بحيائهن مصونة ورجالها أخلاقهم مشهورة”. ثم يتحدث عن المقاومة الشعبية وثورة التحرير . ليصل الى النتيجة: ” أكرم بها من بلدة فيها مضى كل الفصول بها غدت مسرورة “. وبعد هذا الثناء يقدم نقده: ” مالي أراها اليوم عكس مرادها تبكي حظوظها قد بدت محظورة “؟ أحزانها قد قوست أفراحها آمالها في يأسها مقبورة.” الفأل منها قد أزاح رحاله والشؤم بات علامة مشهورة”. ثم يشير الى الفتنة التي فقد فيها عزيز عليه ولده سي الطاهر رحمهم الله جميعا : ” سيقت إليها فتنة غياثة أمست بها بعد العلا مقهورة ” . ” أوصالها بين النفوس تصرمت أوكارها من أنسها مهجورة”. ثم يعقد مقارنة ختامية بين الماضي والحاضر :
كانت زمانها مرتعا لجموعها – أضحت بها أبوابها منشورة
كانت حليفة فألها مشكورة – أمست رهينة شؤمها محقورة
العنف فيها كاسر أنيابه – كل النفوس غدت به مذعورة
الجل من شبابها قد شردوا – فتشتت أشباحهم مدحورة
كنت مكلف بالمكتبة النصف حضارية بزمورة وكنت اسكن بجوار الاخ عنتر ابن الشيخ فكان اللقاء مباشر لأول مرة في بيته الكريم وكانت لي نية في مناقشته حول ان يكون جزء من مكتبته التي يرغب في اهدائها الى جامع بوحيدوس ان تحول الى المكتبة البلدية، لان الولوج الى الجامع ليس متاح بشكل دائم لكنه لم يقبل اساسا ان تطرح الفكرة، وكان على كل حال على حق حيث تم نقل المكتبة من وسط البلدة ( الشبيبة ) الى حي بوطويل البعيد ثم حول مقرها الى مركز صحي ، ثم دار بيننا حوار حول مالك بن نبي الذي يعتبره من المغتربين ، ونصحني ان ابتعد عن تحقيق مخطوط الرزنامة الفلاحية وان اكتب في اختصاصي ، وكنت قد سألته عن كتابه الهجرة من الاقطار الاسلامية الى الاقطار الافرنجية في ميزان الاسلام الصادر سنة 1994 ، على نسق كتابه الديمقراطية والعلمانية في ميزان الاسلام ، وكيف يوفق بينه وبين هجرته هو ومكوثه في فرنسا ؟ وكان جوابه لي عن التجنس وتغير الجنسية واحسست بانزعاجه ، فسكت عن الكلام ، واستأذنت بالانصراف .( قام مبروك جبالي بترجمة الى الفرنسية لكتاب عن تغير الجنسية ختمه بستة فتاوي استبعد ان يكون الكتاب للدكتور محمد ) .
وفي الختام لعل اثراء النقاش حول الاعلام دون استثناء ينقص من تهميشهم من حيث نقصد او لانقصد ، وقد تؤتى الاساءة للثقافة ورجالها اساسا من بعض رجالها .احب ان اختم بان سي محمد مفسر للقران الكريم بعنوان :” من توجيهات القرآن العظيم ” من خلال تفسير سورتي الفاتحة والبقرة جمعية الدعوة الإسلامية العالمية طرابلس -الجماهيرية العظمى الطبعة الأولى 2003.
عزوق موسى محمد