انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تيندوف
عبده حقي
تاريخ النشر: 10/12/24 | 11:15لقد كانت مخيمات اللاجئين الصحراويين في منطقة تيندوف جنوب غرب الجزائر منذ عقود طويلة بمثابة بؤرة اهتمام دولية، ليس فقط بسبب أهميتها الجيوسياسية في نزاع الصحراء ، بل وأيضاً بسبب حقائق مقلقة حول انتهاكات حقوق الإنسان هناك حيث تدير جبهة البوليساريو بدعم من سلطات الجزائر هذه المخيمات، التي تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين الذين فروا من الصراع المفتعل في الصحراء .
إن هذه المخيمات مطوقة بأسوار من القيود المفروضة لمنع الوصول والمراقبة، الأمر الذي يسمح بتوفير الظروف الملائمة لانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية. وترسم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، ووسائل الإعلام، ونشطاء حقوق الإنسان صورة قاتمة للحياة داخل المخيمات، مما يثير أسئلة قلقة وملحة حول تكريس آليات المساءلة والرقابة ودور المجتمع الدولي.
كانت منظمة هيومن رايتس ووتش في طليعة من قاموا بتوثيق التحديات التي يواجهها سكان تيندوف. وقد ألقى تقرير صدر عام 2008 بعنوان “حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين في تيندوف” الضوء على القضايا الساخنة داخل المخيمات. وفي حين سمحت الجبهة ، الممثل الشكلي للشعب الصحراوي، ببعض الانتقادات فيما يتعلق بإدارة المخيم، فإن المعارضة ضد سلطة الجبهة والجزائر بشكل غير مباشر قوبلت بعواقب وخيمة. وكثيراً ما واجه الأشخاص الذين انتقدوا القيادة علناً التهميش الاجتماعي، وفقدان القدرة على الولوج إلى الخدمات الأساسية، وفي بعض الحالات، الاعتقال التعسفي. كما أكد التقرير على الوضع الهش لسكان المخيمات، الذين يعانون من الحصار والعزلة الجغرافية والسياسية. ولا يقتصر هذا الحصار على تقييد حريتهم في الحركة فحسب، بل يجعلهم أيضاً عرضة للاستغلال والإساءة والعبودية المقنعة ، من دون فرص ضئيلة للعدالة والانتصاف.
وبحلول عام 2014، أعادت منظمة هيومن رايتس ووتش النظر في ذاك الوضع القهري من خلال تقرير لاحق بعنوان “خارج الرادار: حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تيندوف”. وقد كشف هذا التحقيق عن تحسن متواضع، مثل الانفتاح بشكل أكبر على بعض انتقادات المعارضين ، لكنه خلص إلى أن القضايا الأساسية ظلت دائما من نصف قرن من دون حلول . وكان من بين هذه المخاوف غياب مرصد قوي ومنتظم لحقوق الإنسان. وفي غياب الرقابة الدولية الخارجية، تظل احتمالات الانتهاكات قائمة، ويفتقر الضحايا إلى الآليات اللازمة لطلب تحقيق العدالة. إن الافتقار إلى الشفافية في المخيمات يخلق بيئة يمكن أن تحدث فيها الانتهاكات دون رادع، مما يؤدي إلى تكريس دائرة من الخوف والصمت الدائم والقهري.
وتتجاوز المخاوف بشأن حقوق الإنسان في تيندوف حرية التعبير والتنقل. ففي أكتوبر2021، خلال جلسات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، سلطت العشرات من الشهادات الضوء على محنة النساء في المخيمات. ووصف مقدمو الالتماسات العنف القائم على النوع الاجتماعي والقيود المجتمعية التي تحد من استقلالية المرأة. وأعادت هذه الاعترافات التركيز الدولي على تحديات حقوق الإنسان الأوسع نطاقًا في المخيمات، وخاصة الافتقار إلى آليات المساءلة لمعالجة مثل هذه الانتهاكات. وأكدت مناقشات اللجنة الرابعة على الحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة لحماية حقوق السكان الأكثر ضعفًا في المخيمات، بما في ذلك النساء والأطفال.
وقد عممت منظمة العفو الدولية هذه المخاوف عبر نشراتها الدورية ، ودعت مراراً وتكراراً إلى مراقبة شاملة لحقوق الإنسان في منطقة تيندوف. وفي أكتوبر2020، أكدت المنظمة أن أي بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في المنطقة في المستقبل يجب أن تعطي الأولوية لمراقبة حقوق الإنسان، ليس فقط في الصحراء التي استرجعها المغرب منذ 1975 ولكن أيضاً قبل كل شيء داخل مخيمات تيندوف. ويعكس موقف منظمة العفو الدولية إجماعاً واسعا بين المراقبين الدوليين على أن الافتقار إلى المراقبة يؤدي إلى تكريس واقع الإفلات من العقاب، مما يسمح للانتهاكات بالمرور في سرية من دون عقاب أو إبلاغ.
وقد أدت التطورات الأخيرة إلى تكثيف التدقيق في إدارة جبهة البوليساريو للمخيمات. ففي سبتمبر 2024، تحدث نشطاء حقوق الإنسان الصحراويين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، حيث قدموا تفاصيل عن الانتهاكات الممنهجة والمروعة التي تحدث هناك في تيندوف . واتهم النشطاء قيادة كلا من الجزائر والبوليساريو بالاعتقالات التعسفية والقيود القاسية على حرية التنقل والقمع المنهجي للمعارضة. وأشاروا إلى ثقافة الإفلات من العقاب التي تشجع الجناة بينما ترغم الضحايا على السكوت والتكتم . ودعا هؤلاء النشطاء المجتمع الدولي إلى محاسبة البوليساريو على أفعالها، بحجة أن سكان المخيمات يستحقون نفس حماية حقوق الإنسان مثل أي مجتمع محتجز قسرا ولاجئ آخر في جميع أنحاء العالم.
كما تعرض دور الجزائر كدولة محتضنة للإنفصاليين للبحث الدقيق ، حيث يزعم المنتقدون أنها تتحمل المسؤولية النهائية عن ضمان حماية حقوق الإنسان داخل حدودها. ومع ذلك، فقد أذعنت الجزائر إلى حد كبير لجبهة البوليساريو، بل العكس هو الصحيح مستشهدة بوضع الجبهة باعتبارها السلطة الفعلية للمخيمات. وقد أدى هذا البهتان إلى تأجيج الحقائق بأن الجزائر متواطئة في تمكين انتهاكات حقوق الإنسان من خلال فشلها في توفير الرقابة أو التدخل الكافي.
كما أعاق حصار مخيمات تيندوف تدفق المعلومات المستقلة. ويواجه الصحفيون والمنظمات غير الحكومية وحتى وكالات الأمم المتحدة عوائق كبيرة في الوصول إلى المخيمات، مما يحد من قدرتهم على إجراء تحقيقات موضوعية وشاملة. وقد ساهم هذا الولوج المحدود في الافتقار إلى بيانات شاملة حول نطاق وحجم انتهاكات حقوق الإنسان، مما أدى إلى مزيد من التعتيم على محنة سكان المخيمات. كما يقوض الجهود الرامية إلى بناء وصف دقيق للظروف داخل تيندوف، مما يجعل المجتمع الدولي يعتمد على التقارير المتفرقة والأدلة الهشة.
وبينما يكافح المجتمع الدولي للتعامل مع هذه المعاناة الإنسانية المريرة ، تلوح قضية المساءلة في الأفق. فما هي الآليات التي يمكن أن تضمن العدالة للضحايا في مخيمات تيندوف؟ وكيف يمكن تحميل جبهة البوليساريو المسؤولية عن الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان؟ وما هو الدور الذي ينبغي للجزائر، باعتبارها الدولة المحتضنة، أن تلعبه في معالجة هذه التحديات؟ تتطلب هذه الأسئلة إجابات عاجلة، في ظل الوضع الكارثي الراهن الذي يترك الآلاف من اللاجئين الصحراويين محاصرين في دوامة من التهميش والإهمال.
إن معالجة أزمة حقوق الإنسان في تيندوف تتطلب منهجاً متعدد الأوجه. أولاً، يتعين على المجتمع الدولي أن يدعو السلطات الجزائرية إلى زيادة إمكانية وصول المراقبين المستقلين والصحفيين والمنظمات الإنسانية إلى المخيمات. والشفافية هي خطوة أولى حاسمة في فضح الانتهاكات ومعالجتها. ثانياً، لابد من تجديد الجهود لإنشاء آليات المساءلة، سواء من خلال الهيئات الدولية أو المبادرات المحلية. وينبغي لهذه الآليات أن تمكن الضحايا من السعي إلى تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، في تيندوف والجزائر العاصمة بغض النظر عن مناصبهم داخل قيادة البوليساريو أو الدوائر العسكرية الجزائرية .
إن محنة اللاجئين الصحراويين في تيندوف لا يمكن حلها إلا باعتماد رؤية شاملة إنسانية وحقوقية وقبل كل شيء سياسية تفتح الطريق للمواطنين الصحراويين المحتجزين للالتحاق بركب التقدم الذي تعيشه المناطق الصحراوية المسترجعة في كنف وحدة المملكة المغربية وفي أفق تمتيعها بمخطط الحكم الذاتي ولا شيء غير الحكم الذاتي .