مهلة الظّالم وإملاء الله له..لعلّهم يرجعون
الشيخ صفوت فريج/ رئيس الحركة الإسلاميّة
تاريخ النشر: 13/12/24 | 10:34يتحدّث القرآن الكريم عن سُنّة إلهيّة مهمّة تتعلّق بالظّالمين، وهي “الإملاء” الّذي يعني إعطاء الظّالم مهلةً وفرصةً للتّوبة والعودة إلى الطّريق الصّحيح. وهذه السُّنّة تحمل في طياتها حكمة عميقة ورحمة إلهيّة واسعة.
فالإملاء لغة يعني الإمهال والتّأجيل. وفي السّياق الدّينيّ، هو مَنْح الظّالم مساحةً من الوقت ليدرك خطأه ويتوب، دون أن يعاجله العذاب الفوريّ.
ومن حِكَم الإملاء، إتاحة الفرصة للتّوبة، يمنح اللهُ تعالى الظالمَ فرصةً للتفكّر والعودة إلى جادة الصّواب. وهذا من العدل الإلهيّ، حيث يبيّن أنّ الله لا يعاجل بالعقوبة، بل يُمهِل.
فالامتحان من شقّين، الأوّل: في المخالفة، والثّاني: بعدها، كيف تعملون، فتكشف حقيقة الإنسان كيف سيتصرّف عندما يُمهَل.
التحذير واضح مِن أنّ النّهاية ستكون وخيمة للظّالمين. يقول تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ” [إبراهيم: 42].
هنالك فرق بين الإملاء، والاستدراج للهلاك. فالإملاء فرصة للإصلاح. فعلى الإنسان أن يستشعر رحمة الله وينتهز هذه الفرصة للتّوبة والعودة.
إنّ إملاء الله للظالم هو رحمة وفرصة، لكنّه في النهاية امتحان وابتلاء. فالويل للظّالم إذا لم يستفد من هذه المهلة.
سأقدّم مقارنةً بين تصرُّف إبليس، وبين تصرُّف آدم عليه السلام، بعد العصيان: تصرَّف إبليس بعد العصيان وأخْذِ المهلة بالكبر والعناد، رفضَ الاعتراف بخطئه وأصرّ على موقفه، وجاء طلبه للمهلة للانتقام من بني آدم، قال: ﴿رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
أمّا تصرُّف آدم عليه السلام بعد العصيان والمهلة، فقد تبعها النّدم والاعتراف بذنبه فورًا، وطلب المغفرة من الله: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾. ثم جاءت التوبة والاستغفار، فتاب الله عليه وقبِل الله توبته.
فإذا فشل الإنسان في مهلة الإملاء جاء العقاب في وقته المقدّر له: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102].
جاءت هذه الآية الكريمة لتسلّط الضوء على طريقة أخذ الله للظّالمين، وللتأكيد على أنّ عقاب الله حتميّ، وتوضح أنّ الظلم مهما طال لن يفلت من العقاب، وأنّ الله سبحانه وتعالى لا يتركهم يفلتون مهما حاولوا، وعندما يقبض الله على الظّالم يكون قبضه مُحكَمًا لا مفرّ منه، وينزل عذابه الإلهيّ شديدًا ومؤلمًا للظّالمين.
فلا مهرب من العدالة الإلهيّة، فهي نافذة لا محالة، والظّلم عاقبته وخيمة، والله يملي للظّالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وما حدث للطّاغية في سوريا هو أكبر عبرة لكلّ ظالم.