لغة الضّاد – عروسُ الحروفِ وسيّدةُ البيانِ

بقلم حنين أمارة

تاريخ النشر: 18/12/24 | 8:44

في جمال لغة الضّاد نتغنّى ونترنّم، فهي للروح ألحانٌ وللأحلام أوطانٌ، بحروفها يشرقُ الفجرُ نورًا ويزهرُ الفكرُ عبقًا ليحيي في الروح سرورًا وما أجملها حينما تتربّع على عرشها في يومها العالميّ لترتدي حلّتها البهيّة، وتقف شامخةً تشرئب لها الأعناق، تحمل تاج البلاغة وشهادة الخلود، شاهدةً على مجد الأمّة وميراث الحضارة.
كيف لا؟! وهي التي جرت على ألسنة الأنبياء، ونزل بها الوحي، وتغنّى بها الشعراء، لتكون لغة لا تشيخ، ولا يطالها الفناء مهما امتدت الأعمار، لغة الضاد ليست مجرد كلماتٍ تُنطق أو حروفٍ تُكتب، بل هي روحٌ تنبض، وإحساسٌ يُترجم، وحكايةٌ ترويها الأيّام عن تاريخٍ عريق وحضارةٍ سطّرت على جبين الدهر أروع القصص. إنها لغةٌ اختزنت في أعماقها أسرار الجمال والحكمة، لغةٌ تجسد الماضي بعمقه، والحاضر بإبداعه، والمستقبل بطموحه. تلك لغة تتنفّس بإحساسها المرهف فهي جامعة للقلوب، بل هي لغة الحبّ والروح بتعبيرها المنساب كماء الجدول النقيّ الصافي. حين نتأمل علاقة الإنسان بلغته الأم، ندرك أن اللّغة ليست أداةً للتواصل فقط، بل هي جزء من هويّته وشخصيّته، ومرآة تعكس أحلامه ومشاعره ، أمّا لغتنا الغرّاء فهي أكثر من ذلك بكثير؛ إنها لغة الحياة والأمل ….
في مدارسنا ، حيث تكون أصوات الضحكات البريئة وصدى الأماني الجريئة، تتجلى العلاقة بين معلم لغة الضاد والطالب كأعذب سيمفونية تنبض بالحياة، هناك في رحاب المدرسة، يلتقي عطر الطفولة بنور الحكمة، فيغدو ذلك المعلّم مرشدًا وموجّها بكلماته الرنّانة في عوالم الحروف والمفردات المميّزة يبحرُ بطلابه في كلّ مرّة ليصل بهم إلى جزيرة القيم والمعرفة ليتعرّفوا على لغتنا الغنيّة بالمفردات والكلمات ويستنشقوا ذلك العطر الأسطوريّ في تلك الأرض الخصبة وهناك تبدأ العلاقة والارتباط بلغة الأجداد، إنّها علاقة تشبه الغيث حين يروي عطش الأرض، تفيض حبًا وصبرًا، وتثمر علمًا وأخلاقًا، في عالم الأطفال الصّغار، حيث البراءة هي اللغة الأمّ، يصبح للمعلم دور البطولة، ينسج بخيوط الحكايات والمواقف دروسًا خالدة، يوقظ في الصغار روح الفضول، ويغرس في نفوسهم بذور الخير التي ستحملها الرياح يومًا إلى غدٍ مشرق. فما أجمل أن نتأمّل هذه العلاقة الإنسانية العميقة التي تشكّل نواة لمجتمع الخير والأمل!
حيث تلتقي براءة الأطفال ورسالة ذلك المعلّم عاشق اللّغة ، حينها يصبح تعليم اللّغة العربية أقرب إلى زراعة بذور الخير في نفوسهم الغضّة. فالطالب الصغير، بفضوله البريء وشغفه لكل جديد، هو التربة الخصبة التي تستقبل بذور الضاد لتنمو وتثمر إحساسًا وإبداعًا.
في هذا المجتمع الصغير، تتجلى اللّغة العربية كوسيلة لتوحيد القلوب وزرع القيم، بمجرّد توجيه الطلاب لإبراز مواهبهم كالأغاني البسيطة، الأناشيد المفرحة، وإلقاء القصائد الجميلة في الطابور الصباحي حيث يتجلّى منبر الإبداع، يجعلهم يسطعون كنجوم في السماء لتصبح الضاد لغةً محببة لهم، لأنها لغة الإبداع والتميّز .

المعلّم رسول الضاد
يأتي دور معلّم اللغة العربيّة ليبرز كحارس أمين لهذه اللغة يرعى بذورها لتنمو وتثمرُ ثمرًا بديع الألوان يعجب من حوله، إنّه ذلك الفنّان الذي يرسم لوحاتٍ من الجمال، يغزل خيوط الكلمات لتصبح ألحانًا في آذان طلابه، حين يجلس الطلاب حول معلمهم ليستمعوا إلى قصةٍ بكلمات تداعبُ مشاعرهم وتخاطبُ قلوبهم، بحروف عربيّة أصيلة، تُحكى بصوتٍ منغم وأسلوبٍ مشوق، تتحول القصة حينها إلى نافذة مفتوحة تطلُّ على عالمٍ من الحكمة والقيم. فالقصة في يد المعلم ليست حكاية فحسب، بل هي أداة لتعليم الأخلاق، زرع المُثل الحميدة، وتحبيب الطلاب بلغتهم، تلك اللغّة التي تملك بين حروفها سحرًا خاصًا يلامس الروح والعواطف وهكذا تبدأ اللّغة بالتطوّر لدى الطالب حين يتأثر الجانب العقلي والعاطفي لتترعرع وتزدهر كما النبتة الصغيرة.
لغةُ الضاد مهد القيم الإنسانيّة
إضافة لما يميّز اللغة العربية من غنى المفردات وثراء الكلمات فهي لغة تحمل بين طياتها أيضًا قيمًا إنسانية خالدة، في مفرداتها تجد الحبّ، وفي تراكيبها تجد الحكمة، وفي أبياتها تجد الجمال. لغتنا العربية هي مهد القيم الانسانيّة، كالمحبّة، العطاء والاحترام…. ففيها يكتسب المرء مهارات لغوية ويتعلم كيف يكون إنسانًا يرتقي بأخلاقه، ويتذوق الجمال من حوله. هي التي تعلّمنا أنّ لكل كلمة مكانًا، ولكل حرف دور، ولكل جملة معنى يتجاوز حدود الكلمات. إنها لغة النّظام والدّقة، ولغة الحريّة والتعبير، تمتد جذورها في أعماق الأرض كشجرة معمّرة.
لذا على المعلمين والأهل أن يدركوا أنّ الحفاظ على اللّغة العربية ليس واجبًا مدرسيًا فقط، بل هو مسؤولية حضاريّة وأخلاقية بحتة، فعندما يتحدث الطفل العربية بطلاقة، فإنه لا يحمل مجرد كلمات، بل يحمل تاريخ أمّة، ويحمي هويتها من الذوبان وتكمن هنا الفرصة لنستذكر في يوم اللغة العربية واجبنا نحو لغتنا الحبيبة ، لنرفع راية الضاد عاليًا، تقديرًا وإجلالًا لهذه اللغة العظيمة التي أعطتنا ماضيًا نفتخر به، وحاضرًا نعيشه، ومستقبلًا نبينيه …لنحيي روحًا تسكن القلوب، وميراثًا يحمل في طياته سرّ البقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة