د. محمود أبو فنّه: أطفالنا متعطّشون للقصّة الجيّدةا!
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 22/12/24 | 6:10يوم الاثنين الموافق 16.12.24 زرتُ صفّين من البساتين حيث يتعلّم فيهما أحفادي الغالون،
وقد قمتُ برواية قصّة مترجمة عن اللّغة السّويديّة بعنوان: “سعد يقصّ شعره” “1”، وقد أثلج صدري تفاعل أحبّائنا الصغّار بأحداث القصّة وأسلوبها ومن العبر والدّروس فيها، خاصّة أنّ هذه القصّة تنتمي لثقافة الإبداع، وتتوفّر فيها مقوّمات القصّة الملائمة للطفولة الغضّة المبكّرة كما سأوضّح في هذا المقال.
نصّ القصّة:
“سعد في طريقه إلى الحلّاق.
أمُّه تقول: إنّ على سعد أن يكونَ مرتّبًا في حفلة انتهاء العام الدّراسيّ.
ثم تذهب أمّه إلى السّوق.
على سعد أنْ ينتظرَ دوره. سعد يتصفّحُ المجلّات. الصّور لا تعجبُه.
والآنَ جاء دَوْرُ سعد.
– هكذا! يقولُ سعد.
– إم إم، يتمتم الحلّاق.
ويبدأ الحلّاق في القصّ.
إنّه يقصّ ويمشُط ويقصّ…
… ويمشط ويقصّ ويرشّ.
سعد جاهز الآن. لقد حصل على ما يريد تمامًا.
– يا إلهي! تقولُ الأمّ.
سعد مبتهجٌ جدًّا.
ولكنَّ عليهما الآن أن يُسرعا إلى حفلة المدرسة.
سوف تبدأ الحفلة حالا.
سعد ووالدته يركضان المسافة الأخيرة.
ووصلا في الوقت المناسب.
الجميع كانوا هناك. – هل هذا سعد؟ تسأل المعلّمة.
وعندما انتهى الأطفال من النّشيد، تكلّمت المعلّمة قليلا. ثم ودّعتهم واحدًا واحدًا.
بعدئذ وجب على سعد أنْ يشرحَ للجميع كيف عمِلَ الحلّاق في شعرِه.
وفي الطّريق إلى البيت، تقرّرُ أمُّ سعد أنْ تشتريَ له شيئًا لذيذًا. سعد يريدُ بعض “البوظة”. سعد يختار “بوظة” بطعم التّوت. وتفعلُ أمُّه مثلَه.
مجمل أحداث القصّة:
يتحدّث هذا الكتابُ المترجمُ عن اللّغة السّويديّة عن طفل صغير اسمه سعد يتوجّه مع أمّه إلى الحلّاق لقصّ شعره استعدادًا لحفلةِ إنهاء العام الدّراسيّ. تترك أمّ سعد ابنَها عند الحلّاق وتذهبُ إلى السّوق. يقومُ سعد الصّغير باختيار القَصّة أو التّسريحة الّتي تعجبُه بناءً على تصفّح صور المجلّة (بدون تدخّل الأمّ) ويُبدي الحلّاق دهشتَه من هذا الاختيار.
تعود الأمّ إلى ابنها بعد إتمام القصّة وتنفعل من “القصّة”، ثمّ تدفع الحساب، بعدها يركضُ سعد وأمّه ليصلا في الوقت المناسب لبداية الحفلة، فوجدا أنّ الجميع كانوا قد وصلوا!
وهناك، في المدرسة، يُقابَل سعد بنظرات الإعجاب على قصّة شعره من معلّمته ومن أترابه خاصّة من زميلته سحر الّتي أبدت إعجابها بجمال سعد بعد “الحلقة”.
جرت الحفلة، وفيها أنشد الطّلّاب وتكلّمت المعلّمة قليلًا، ثمّ ودّعتهم واحدًا واحدا!
بعد انتهاء الحفلة أحاط الطلّاب بسعد الّذي أخذ يشرح لهم عمّا فعل الحلّاقُ بشعره!
وفي طريق العودة إلى البيت يختار سعد بنفسه شراء “البوظة” الّتي يحبُّها بطعم التّوت، وتفعل أمُّه مثله!
هذه القصّة تنتمي لثقافة الإبداع:
يمتدّ هذا الكتاب على 24 صفحة من القطع المتوسّط، ويحتوي على 157 كلمةً وحرفًا (من حروف الجرّ والرّبط)، كذلك يزدان بالرّسومات والصّور التّوضيحيّة الملوّنة الّتي أسهمت في توضيح النّصّ وإضفاء أجواء الدّعابة والمرح عليه.
رغم قلّة عدد كلمات الكتاب يمكن القولُ إنّ هذا النّصَّ ثريٌّ بإيحاءاته وقِيَمِه وأفكاره ودلالاته. وبصورة عامّة نستطيع القول إنّ قصّة هذا الكتاب تنتمي إلى ما يسمّيه الباحث المصريّ حسن شحاته بثقافة الإبداع عكس ثقافة الذّاكرة. “2”
فالطّفل – بل الأطفال – في هذا الكتاب في المركز، وفي كلمات النّصّ ومن خلال رسوماته يبرز العديد من صفات ثقافة الإبداع: كالمبادرة، الاعتماد على الذّات، حرّية الاختيار، الثقة بالنفس وإبداء المواقف والمشاعر.
فالطّفل “سعد”، بطل القصّة، رغم حداثة سنّه تتركه أمُّه وحدَه عند الحلّاق ولم توصِ الأمُّ ابنها أو الحلّاق بشيء، فقام ابنُها الصّغير وبكامل ثقته بنفسه، وبِناءً على استعراض صور المجلّة الموجودة عند الحلّاق، قام باختيار قّصّة الشّعر الّتي تروقه مما أثار دهشة واستغراب الحلّاق والأمّ ثمّ المعلّمة لهذا الاختيار (ص: 8، 13، 19، 20)).
وفي المدرسة وفي أثناء الحفلة كان الطّلّاب فعّالين وفي مركز النّشاط، فقد قاموا بالنّشيد بأنفسهم، بينما المعلّمة كان دورها ثانويًّا فقد “تكلّمت المعلّمة قليلا” (ص 21).
ويُعطَى كلّ طالب وطالبة احترامه ويحظى بالعناية والاهتمام الّتي يستحقُّها، فهذه المعلّمة تقوم بعد الانتهاء من الحفلة بتوديع طلّابها: “واحدًا، واحدًا” (ص 21).
وفي القِصّة تُتاح الفرصة للطّلّاب للإفصاح عن مشاعرهم وأحاسيسهم، فهذه “سحر” زميلة سعد تهمس في أذنه تعقيبًا على قَصّة شعره: “ما أجملَك!” (ص 20).
وسعد يحظى باهتمام أترابه به وبقَصّة شعره، وهو سعيد يشرح للجميع “كيف عمل الحلّاق في شعره” (ص 22).
وفي نهاية القِصّة يختار سعد بنفسه نوع “البوظة” الّتي يحبّها، إنّها: “بوظة بطعم التّوت، وتفعل أمُّه مثله” (ص 24).
ويظهر احترام الأطفال الصّغار في الصفحة الأخيرة من الكتاب من خلال صورة الرّجل الكبير الّذي اختار قصّة شعر مشابهة لقصّة سعد. (ص: 24).
البناء الفنّيّ واللغة والأسلوب:
لو تناولنا القصة من حيث البناء الفنيّ لوجدنا أنّ حَبكتها بسيطة وأحداثها مترابطة متتابعة تتابعًا زمنيًّا سببيًّا ممّا يسهّل على الطّفل الصّغير استيعابها. كذلك نجد أنّ سعد هو الشّخصيّة الرّئيسيّة في القصّة وبقيّة الشّخصيّات كانت ثانويّة، وجاءت لتُسهم في إلقاء الضّوء على شخصيّة سعد وصفاته، ومثل هذا العرض في الشّخصيّات يمكّن الطّفل الصّغير المتلقّي السّامع من التّوحّد والتّعاطف مع شخصيّة سعد المبادِرة الفعّالة المبدعة!
أمّا اللّغة والأسلوب فجاءت ملائمة للصّغار في مرحلة الطّفولة المبكرة. فالجُمَل على الأغلب قصيرة وبسيطة لا تعقيد فيها، والكثير من هذه الجمل يبدأ بالاسم (المسند إليه)، ولا يوجد تباعد بين ركنَي الجملة، كذلك لا توجد جمل اعتراضيّة.
وعلى صعيد الألفاظ والتعابير فهي سهلة مألوفة لا غرابة فيها وتخلو من المجازات أو الكنايات الصّعبة.
كما نجد في القصّة الألفاظ والعبارات الّتي تدلّ على الانفعال مما يشدّ الطّفل السّامع، من بينها نذكر:
“يا الهي! تقول الأمّ” (ص 3).
“إم إم، تمتم الحلّاق” (ص 8).
“هل هذا سعد؟ تسأل المعلّمة” (ص 9).
“ما أجملَك! تهمس سحر” (ص 20).
كذلك نجد في القصة بعض الجمل المكرّرة الّتي تُضفي على النّصّ الحيويّة، كذلك نجد بعض الأفعال الّتي تسهم في تجسيد هذه الحيويّة في النّصّ. (الكتاب: 10، 11).
لكلّ ذلك يستحقّ هذا الكتاب الرّواية والقراءة والاهتمام، ويمكن اعتباره من الأدب الأجنبيّ الجيّد الّذي جاءت ترجمتُه مساهمة متواضعة في إثراء أدب الأطفال العربيّ وفي إمتاع أطفالنا بعيدًا عن الوعظ والتّعليم المباشرين.
1. الكتاب: تأليف ورسوم أولف ولينا لاندستروم (1993). النّصّ العربيّ: منى زريقات هينيغ.
2. كتاب: أساسيّات التّدريس الفعّال في العالم العربيّ. تأليف د. حسن شحاته. الدار المصريّة اللبنانيّة. الطبعة الثالثة، القاهرة، 1997. (الصفحات: 169 – 188)