خيانة وجريمة الإفك من الناحية السياسية

القارئ للسّيرة النبوية وبالخصوص لخيانة وجريمة الإفك من النّاحية السّياسية يقف على النّقاط التّالية:

أوّلا: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، باعتباره رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلّحة:

تكمن خطورة خيانة وجريمة الإفك في كونها مسّت عرض، وشرف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، باعتباره الحاكم الأعلى. والإشاعة تتحوّل إلى وسيلة تهدّد أمن الدولة، والمجتمع حين تمسّ هرم الدولة، والمثال الذي يتّخذه المجتمع قدوة ومثال. ومن هنا كانت الخطورة، وكان التّهديد.

قال محمّد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه: “انتظر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلّ المصائب، واستعدّ لها إلاّ مصيبة الإفك. ولم يكن يتوقعه ولم يستعدّ لها. “ومن هنا كانت أذية الإفك أبلغ في تأثيرها في كلّ من عاداها[1]”. وشرحنا ذلك في مقال لمن أراد الزّيادة[2].

ثانيا: سيّدتنا أمّنا عائشة أم المؤمنين باعتبارها زوج رئيس الجمهورية:

تكمن الخطورة في كون خيانة وجريمة الإفك مسّت سيّدتنا أمّنا عائشة، باعتبارها زوج رئيس الجمهورية. والخطورة في كون الجريمة مسّت عرض، وفراش رئيس الجمهورية. وحين يمسّ الفرش يمسّ العرش. للعلاقة القوّية بينهما. وأركان الدولة والمجتمع مبنية على العرض. فإذا انهار انهارت.

ثالثا: سيّدتنا أمّنا عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق باعتبارها بنت حبيب، وصديق، ومستشار رئيس الجمهورية:

سيّدتنا أمّنا عائشة هي الصّدّيقة بنت الصّدّيق. وسيّدنا الصّديق هو صديق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في صغره وشبابه، وطيلة حياته. وأوّل من آمن به وصدّقه. وناصره بما يملك، ووضع ماله كلّه تحت تصرّفه، وفي خدمته. وهو حبيبه، والمفضّل عنده، وقدّم للصلاة، ولإمامته صلى الله عليه وسلّم، وكلّفه بالحج وهو ركن من أركان الإسلام، ولقي ربّه وهو راض عنه.

بالإضافة إلى أنّ الصّدّيق صهر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لأنّه تزوّج ابنته سيّدتنا أمّنا عائشة.

“والمقصد من جريمة وخيانة الإفك الطعن في سيّدنا الصّدّيق[3]”. حتّى أنّ سيّدنا الصّدّيق قال: “والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية فيقال لنا في الإسلام[4]”. وشرحنا ذلك في منشور لمن أراد الزّيادة [5].

وتكمن خطورة خيانة وجريمة الإفك في كونها مسّت أحبّ النّاس إلى رئيس الجمهورية، وأعزّ أصدقائه. وإذا أصيب الصّاحب العزيز، والأمين، والصّادق أصيبت الدولة والمجتمع في أعزّ ما تملك.

رابعا: من النّاحية الزّمنية كانت خيانة وجريمة الإفك عقب غزوة بدر:

حدثت خيانة وجريمة الإفك عقب غزوة بدر. ما يعني أنّها كانت بعد نصر عظيم للمسلمين على قريش. وكأن الذي خطّط للخيانة، والجريمة كان يرمي من ورائها تثبيط عزائم المسلمين، ونشر اليأس، وبثّ الهزيمة، وألا يدع لهم فرصة للفرح بالنّصر الكبير وألا يترك للحاكم، والمجتمع التّخطيط لنصر آخر.

خامسا: من النّاحية المكانية كانت في مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

لم تحدث خيانة وجريمة الإفك في مكّة. ولم تتجرّأ قريش رغم عداوتها لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولصحبه رضوان الله عليهم جميعا. ولم تتعرّض أبدا لفراش سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وهي التي أطلقت عليه لقب الصّادق الأمين، وقالت عنه صلى الله عليه وسلّم: ما جرّبنا عليه كذبا، ووضعت أماناتها عنده وهي تحاربه.

والخطورة في خيانة وجريمة الإفك في كون مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هي مسرح الخيانة والجريمة. والمخّطط لها يريد أن يوقع بين المهاجرين، والأنصار. ويلوّث عرض الحاكم، وعرض المسلمين، ويستفرد بمدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

سادسا: ومن ناحية الظّروف كانت في مجتمع يضمّ المنافقين، واليهود:

بالإضافة إلى أسيادنا المهاجرين والأنصار، ضمّت مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، المنافقين واليهود. ما يعني عامل من عوامل تهديد أركان الدّولة، والمجتمع عبر نشر الإشاعة، والكذب، وشهادة الزّور. خاصّة وأنّهم يحملون حقدا دفينا ضدّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والإسلام، والمسلمين.

سابعا: بعض النتائج المعاكسة لخيانة، وجريمة الإفك:

قوّة، وتماسك الجيش، والدولة، والمجتمع:

لو تعرّضت أيّة دولة لما تعرّضت إليه دولة المسلمين وهي الفتية الطريّة يومها لانهارت. خاصّة وأنّ خيانة، وجريمة الإفك مسّت كلّ أركان الدولة، والمجتمع[6].

العظيمة سيّدتنا أمّنا عائشة:

قال الأستاذ محمّد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله ورضوان الله عليه في كتابه: “عائشة أم المؤمنين، أيّامها وسيرتها الكاملة في صفحات”، صفحة 64: “من عظمة سيّدتنا أمّنا عائشة أنّها سامحت سيّدنا حسّان الذي أساء إليها في حادثة الإفك، وقد طبّق عليه حكم الحدّ، بل نهت عن سبّه، والإساءة إليه، وظلّت تحترمه”.

ألم عدم الإنجاب، وألم الإفك:

“ورغم هذا الألم (عدم الإنجاب)، يضاف لها ألما آخر، أشدّ ألما ووقعا وخطورة، وهو تهمة الإفك. وسيّدتنا أمّنا الصّدّيقة الطاهرة عائشة، كانت كبيرة عظيمة جليلة قوية، حين تحمّلت بشجاعة نادرة، عدم إنجاب الولد، وتهمة الإفك[7]”.

وجاء ذكر ذلك في كتاب: “اتيين دينيه وسليمان بن إبراهيم: “محمد رسول الله[8]”.

تكفّل الله بالدفاع عنها:

“من عظمة سيّدتنا أمّنا عائشة أنّ الله تعالى أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالزواج بها. وفي حادثة الإفك تكفّل الله بالدفاع عنها، إكراما لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي تكفّل الله بالدفاع عنه[9]”.

دوام الحبّ، وعطف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، على زوجه أمّنا عائشة:

“حادثة الإفك لم يكن لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أمنا عائشة دخل فيه، إنما كان ابتلاء للحب الذي جمعهما وعطفه صلى الله عليه وسلم عليها[10]”.

عظمة سيّدنا الصّدّيق:

الوقوف مع الصديق ضدّ البنت:

“وظهرت قوّة سيّدنا الصّدّيق في وقوفه إلى جنب صاحبه، وصهره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضدّ ابنته المدلّلة سيّدتنا البكر الصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة في خيانة، وجريمة الإفك. ولا يوجد في الدنيا من يقف ضدّ ابنته في مثل هذه الحالة إلاّ القويّ الصّدّيق[11]”. وذكرت الواقعة في كتاب “فكر السّيرة” [12].

و”حين اتّهمت ابنته سيّدتنا أمّنا عائشة رحمة الله ورضوان الله عليها، اتّخذ قراره بأن وقف إلى جنب صاحبه وصهره وزوج ابنته سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضدّ ابنته الطاهرة النقية العفيفة. وظلّ متشبّثا بقراره القوي ولم يتراجع عنه[13]”.

خيانة، وجريمة الإفك كانت من أسباب تولية الصّدّيق:

“العرب لا تولي عليها المطعون في شرفه ولو كان أفضلهم جميعا، ويبدو لي – وهذا رأيي الشخصي النّابع من قراءتي وتحليلي -، أنّ البراءة التي نالها آل الصّديق رضوان الله عليهم جميعا وبقيت تتلى على الكون إلى يوم الدين بعد حادثة الإفك، كانت من عوامل – أقول من عوامل – اختيار المسلمين لسيّدنا الصّديق خليفة للمسلمين، واتّفاق الجميع على قيادته وخلافته[14]”.

الأربعاء 24 جمادى الثّانية 1445هـ، الموافق لـ 25 ديسمبر 2024

الشرفة – الشلف – الجزائر

[1] محمّد سعيد رمضان البوطي “عائشة أم المؤمنين، أيّامها وسيرتها الكاملة في صفحات”، دار الفارابي، المعارف، 1418ه-1997، دمشق، سورية، من 148 صفحة. صفحة 52.

[2] مقالنا بعنوان: علاقة عدم إنجاب سيّدتنا البكر أمنا عائشة بجريمة وخيانة الإفك – معمر حبار

وبتاريخ: السبت 13 ذو الحجة 1444 هـ، الموافق لـ 1 جويلية 2023

[3] السّيّد سليمان النّدوي، “سيرة السّيّدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها”، عرّبه وحقّقه وأخرج أحاديثه محمّد رحمة الله حافظ النّدوي، دار القلم، دمشق، سورية، الطبعة الأولى، 1424هـ-2003، من 374 صفحة. الفصل الرّابع بعنوان: “حديث الإفك ومشروعية التّيمم”.

[4] عبد العزيز الشنّاوي: “نساء الصّحابة”، شركة الشهاب، الجزائر، 1989، من 463 صفحة، صفحة 35.

[5] منشورنا بعنوان: #عظمة_سيّدتنا_أمّنا_عائشة_الصّدّيقة_بنت_الصّدّيق

وبتاريخ: الأحد 14 جمادى الثّانية 1445هـ، الموافق لـ 15 ديسمبر 2024

[6] منشورنا بعنوان: #عظمة_الأمّة_من_خلال_عزل_القائد_واتّهام_القائد_بما_ليس_فيه

وبتاريخ: الثّلاثاء 23 جمادى الثّانية 1445هـ، الموافق لـ 24 ديسمبر 2024

[6] مقالنا بعنوان: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من خلال اتيين دينيه – معمر حبار

وبتاريخ: الجمعة 8 شعبان 1443هـ، الموافق لـ: 11 مارس 2022

[8]اتيين دينيه وسليمان بن إبراهيم: “محمد رسول الله”، ترجمة: عبد الحليم محمود، ومحمد عبد الحليم، الطبعة الثّالثة، دار المعارف، القاهرة، مصر، من 369 صفحة.

[9] مقالنا بعنوان: ما أعظم سيّدتنا أمّنا عائشة – معمر حبار

وبتاريخ: الثلاثاء 28 ذو القعدة 1441 هـ الموافق لـ 21 جويلية 2020

[10] مقالنا بعنوان: العظيمة أمنا عائشة.. بنت عظيم وزوج عظيم

وبتاريخ: الخميس 07 شعبان 1438، الموافق لـ 4 ماي 2017

مقالنا بعنوان: العظيمة أمنا عائشة.. بنت عظيم وزوج عظيم

[11] مقالنا بعنوان: سيّدنا الصّدّيق القوي وأقوى من أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والجميع – معمر حبار

مقالنا بعنوان: الأحد 18 صفر 1445، الموافق لـ 3 سبتمبر 2023

[12] مهنّا الحبيل “فكر السّيرة”، دار المشرق، القاهرة، مصر، 2017، من 270 صفحة. ومقالنا: “عظمة سيّدنا الصّديق من خلال حادثة الإفك”، وبتاريخ: الأحد27 محرم 1440 هـ الموافق لـ 7 أكتوبر 2018.

[13] مقالنا بعنوان: سيّدنا الصّديق.. قوي ولا يتراجع – معمر حبار

وبتاريخ: الثلاثاء 5 جمادى الثّاني 1442 هـ الموافق لـ 19 جانفي 2020

[14] الأحد 27 محرم 1440 هـ الموافق لـ 7 أكتوبر 2018

عظمة سيّدنا الصّديق من خلال حادثة الإفك – معمر حبار

—

الشلف – الجزائر

معمر حبار