“نقوش على جدار الزّمن” للشّاعر عبد القادر عرباسي
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 13/01/25 | 15:52مع كتاب: “نقوش على جدار الزّمن” للشّاعر عبد القادر عرباسي
دار الحديث – عسفيا، 2024
أهداني الصّديق الشّاعر عبد القادر عرباسي أبو صخر هذا الدّيوان، وقد قمتُ بقراءته ويسرّني أن أسجّل بعض الملاحظات والتّبصّرات:
كتبتُ مقالًا قبل مدّة بعنوان: ” ماذا تحقّق لنا ممارسة الكتابة؟” وقد وجدتُ أنّ أهمّ الدّوافع للكتابة والغايات المنشودة منها كانت كما يلي:
– الكتابة تمنح أصحابها ملاذًا ومتنفسًا للتّحرّر من الإحباط والمعاناة والغبن، وتشحنهم بطاقة للصّمود والثّبات.
– يجد فيها أصحابها نوعًا من “الخلود” والاستمراريّة بعد انتقالهم للعالم الآخر.
– تؤدّي الكتابة رسالة نبيلة لإحداث تغيير إيجابيّ لدى الأفراد والشّعوب لتحقيق حياة أفضل.
– تُشبع الكتابة لمتعاطيها حاجات نفسيّة أساسيّة، تمامًا كالحاجات المادّيّة الضّروريّة للحياة.
ويمكنّني أن أشير أنّ ديوان الشّاعر عبد القادر عرباسي أبو صخر: “نقوش على جدار الزّمن” يتطرّق إلى حدٍّ بعيد إلى تلك المجالات، فنجد فيه:
1. شكّلت معظم قصائد الدّيوان متنفّسًا وملاذّا لدى الشّاعر ليتحرّر من مشاعر الإحباط والمعاناة والظّلم الّتي تمليها ظروف حياته الشخصيّة والأوضاع حوله، ولتشحنه بطاقة من الصّبر والقدرة على مواجهة الواقع المرير!
2. وفيه يعبّر الشّاعر أبو صخر عن المشاعر والأحاسيس حول قضايا تشغله وتقضّ راحته مثل:
التّقدّم في العمر والشّيخوخة، العنف والقتل المستشري في مجتمعنا، الضّعف والخذلان في شعبه وأمّته، نكران الحبّ، …
3. تأكيد رسالة التّمسّك بالأمل وبقيم المحبّة والإنسانيّة رغم الأوضاع الصّعبة.
4. كما نحسّ أنّ الكتابة ونظم القصائد تمنح الشّاعر معنًى لحياته ووجوده.
ويمكن الاستشهاد بأمثلة واقتباسات من قصائده تعكس تطرّقه لتلك المجالات:
حبّ النّاس والحياة: “قلبي يحبّ النّاس ينضح طيبة” و “عشقي للحياة مع النّاس هدفٌ مؤثر” – (من قصيدة “حنين”).
ويكرّر هذه الفكرة بقوله: “رغم ضعفي وشحوب شمسي، لا زال حلمي يحلمُ بمحبّة الإنسان للإنسان” – (من قصيدة: “تعب الزّمان”).
التّعبير عن وجعه وألمه: “أهتف بل أصرخ مستغيثَا! ألا من مخبر عنّي وعن وجعي” – (من قصيدة: “عودة الرّوح”).
ويتباكى الشاعر على عمر الشّباب فيقول: “لم يبقَ من عمر الشّباب سوى ثمالة، وثمالة الأعمار أجودها شرابا، فقد تجاوزتُ سبعين حجّة، وها هو المشيب يطرق الأبوابا” – (من قصيدة “ثمالة العمر”).
وفي قصيدة “حنظلة” ¬- يندّد بالعنف والقتل فيقول: “أزيز الرّصاص يعمّر جوّنا، فحذارِ أن تُصابَ بمقتله”.
ويؤكّد على انتشار القتل وفرض الأتاوة/الخاوة في قصيدة: “شريعة القتل”.
ويحمل على الزّعامات والقيادات الفاشلة فيقول في قصيدة: “تعب الزّمان” – “أين المفرّ من دعاة الكفر أزلام الخيانة، رهط الزّعامة والنّخب”.
ويتذمّر ويشكو من الوضع ويشعر بالضيق فيقول: “يغتالني الضّيقُ كلّما أحسستُ بأنّ الباب سيُفرج” – (من قصيدة: “معثّر الخطوات”).
كما يحسّ الشّاعر إن إنسانيّته أهينت فيقول: “إنسانيّتي امتهنت وجفّت عواطف حلمي، هرم اليراع وتصدّع جذعي والتوى لوحي” – (من قصيدة: لواعج النّوح”).
ويشنّ حربًا شعواء على العرب وزعمائهم وخطبائهم فيقول: ” ليتَ الزّمان ما كان، وما كان العرب، حسرة عليكم يا عرب” – (من قصيدة: “يا للعجب”).
لكنّ الشّاعر يفتخر بانتمائه لفلسطين الّتي حبتها عشتار وكون كنعان أباه – (قصيدة: نسبتي وروحي وجذري”).
ويتحدّث عن قصّة حبّه ومعاناته في أكثر من قصيدة.
أمّا تأثير التّغيير في جسمه وشكله ونشاطه جعله يتأمّل “حسن الختام” – (في قصيدة: “كلّ شيء تغيّر”).
ومع كلّ ذلك سيظل محافظًا على هويّته وانتمائه فيقول: “لن أساوم في قضايا … هويّتي وولائي “لجميلتي” أرض جدودي …” – (من قصيدة: “كلّ شيء تغيّر”).
وجاءت قصيدة: ” وطني” لتجسّد حبّه وانتمائه للوطن واعتذاره له وأمله أن يصفح عنه ويحتضنه!
طبعًا هناك موضوعات وأفكار أخرى طرحها الشّاعر أبو صخر في ديوانه يمكن أن نوردها، كذلك لم أتطرّق للنّواحي الفنيّة الأسلوبيّة في الديوان مثل: مُعجم الألفاظ، الصّور البلاغيّة، الإيقاع الموسيقيّ وغيرها… ولكنّني لضيق المجال لم أتطرّق إليها.
بخصوص عنوان الديوان: “نقوش على جدار الزّمن” – هذا العنوان قد يوحي للقرّاء بمعانٍ مختلفة، وقد تتعدّد دلالاته وتفسيراته حسب تجارب القرّاء وانطباعاتهم.
(د. محمود أبو فنّه – كفر قرع، 12.1.2025)