*حين تصبح الحروب واستمرارها الخيار الوحيد – شتّان بين قلوبٍ ميتة وأخرى حيّة*
*الشّيخ صفوت فريج* *رئيس الحركة الإسلاميّة*
تاريخ النشر: 16/01/25 | 19:31شتّان بين اثنين. الأوّل، تستهويه مشاهد الدّماء والدّمار، يرى في الحرب وسيلة لتحقيق أحلامٍ متهافتة ونبوءات أثبتت وَهْنَها وزيفها. هؤلاء لا يختبئون اليوم خلف الكواليس، بل نراهم يتصدّرون المشهد وهم يفخرون بما يستهويهم، يتربّعون على مواقع صنع القرارات، يحملون حقائب وزاريّة، معبَّؤون بنهجٍ عنصريّ إقصائيّ يعتمد على القوّة العسكريّة أساسًا، ويتغذّون بحقدٍ أيديولوجيّ ورؤى توسّعيّة لا تأبه بقيمة الإنسان ولا بحرمات النّساء والشّيوخ، ولا بحقوق الأطفال والرّضَّع. حتّى الشّجر والبهائم، يرون بإبادتها وسيلة يطفئون بها بعضًا من نيران حقدهم.
أمّا الثاني، فهو من كان السّلام خياره الأوّل، آخذًا بكلّ الأسباب لاستبعاد نيران الحرب وتداعياتها. وإن كان لا بدّ منها، وضع لها قوانين صارمة، فلا تُقطَع شجرة، ولا تُقتَل امرأة ولا صبيّ ولا وليد ولا شيخ كبير ولا مريض. لا يُمثَّل بالجثث، ولا يُسرَف بالقتل، ولا يُهدَم معبد ولا بناء عامر. حتّى البعير والبقر، لا تُذبَح إلّا للأكل. يكفي أن ننظر إلى ما كتبه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في العهدة العمريّة: “هذا ما أعطى عبد اللّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها. إنّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدَم، ولا يُنتقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرَهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم”.
هذه قلوبٌ حيّة تنبض بالرحمة، تُدرك أنّ السلام هو الطريق الأسمى لتحقيق العدالة والكرامة، وأنّ حقن الدماء أعظم عند الله من أيّ مكسبٍ زائل. هذه القلوب يدفعها إيمانها وإنسانيّتها لرفض منطق القوّة والخراب، وهي تؤمن أنّ الأمن والاستقرار هما الأساس لأيّ بناءٍ حقيقيّ للأوطان.
الّذي يفرح بالحرب، يرى في الدّمار والخراب انتصارًا. وإن كان كذلك، فهو انتصار آنيٌّ زائف. بينما الّذي يسعى لإطفاء نيرانها، يرى في الأمن والمصالحة حياةً وقوّة. الأوّل لا يُبصِر إلّا أطلالَ مدنٍ مُهدّمة وأرواحًا أُزهقت، في حين يرى الثاني وطنًا ينهض وأجيالًا تُبنى على أسس السّلام والكرامة.
وهذه فوارق جوهريّة، بين قسوةٍ أعمت القلوب وأبعدتها عن الرحمة، ورحمةٍ أحيت الضمائر وسعت لخدمة الإنسانيّة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّه مَنْ لا يَرحم لا يُرحَم”، وكيف لمن يُشعل نيران الحروب أن يدّعي الرحمة يومًا؟ قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}، وكلّما تفيد التكرار والإصرار.
العالم اليوم أحوج ما يكون لمن يفرح بالسلام والأمان والطمأنينة وإيقاف الحروب، ذاك أنّ السلام هو الغاية التي تُبنى عليها حضارة الإنسان، بينما الحرب هي الطريق نحو انهيار كل قيمةٍ نبيلة.