عن مهرجان مسرحيد، (عكّا) الّذي لا يتّسِع، 1_2 عكّا 025)
رجاء بكريّة
تاريخ النشر: 17/01/25 | 11:18
“..حين لا يستوعب فنّان/ة أنّ أداءه لا يرتقي لمصاف التجلّي عليهِ أن يتخلّى ويعتذر لا أن يهاجم ويؤزّم
المكان كي يُخضِعهُ لسلطةِ فشلِهِ، بالعادة لا سلطة فوق سلطة المسرح، فِتنتهِ وفِكرتِهِ أيضا.”
رؤية: رجاء بكريّة
بقدر ما تثير فيّ ذاكرة هذا المهرجان، وأعني مهرجان مسرحيد من حنين لبداياتهِ الأولى بقدر ما أُذهَل
من تراجعِ فكرتهِ. تصريحي هذا لا يخطىء الحقيقة الّتي نتّفق عليها جميعا أنّ المسرح عموما مطالب
بتلبية ضرورات الحضور المضموني لرسالتهِ الأساسيّة ضمن حدود الجانر الواحد سواء كان عملا
جماعيّا أم فرديّا فلكلّ ضروراتهِ، كما أنّ غياب الرّؤية لن يؤدّي الى تضليل العمل، وضياعِ بوصلتهِ ثمّ
انسلاخِه عن الفكرة الّتي جاء كي يحقّقها. فعمادُهُ التّجديد والسّعي لبثّ روح الجمال في مركّباتِ عالمهِ
حتّى اللّحظات الأخيرة لبداية العرض أمام جمهورهِ ومُرتاديهِ. فهل يفهم القيّمون على مسارحنا ضرورة
إشاعة أواصر الرّسالة الّتي نهض المسرح عليها؟
كنتُ من أوائل المهتمّين والمُسهمين بالتّحليل الأكاديمي والجماهيري لمهرجان “مسرحيد”، ومنذ انطلاقتهِ
في بيت الكرمة مُتتبّعة لأشكال تجلّياته. حرصي على طرحِ رؤيتي النّقديّة لها أسبابها الجماليّة البحتة
وليس كما خُيّلَ للبعض الّذي يتأذّى من صفاء الفِكرة والمخيّلة، وظيفة النّقد أن يضيء سراديب العتمة
الكثيرة في الطّريق الى العرض. كنتُ أشدّ نبلا من بعض الوجوه المبتذلة في أداءاتها ممّن أرادت أن
تفرض واقع تفوّق زائف لا تحتاجهُ خشبة رخوة أصلا وغير ثابتة، بضمنهم امرأة لا تمتلك من مقوّمات
الأداء غير التباكي الّذي لا تحتفي به الفكرة المسرحيّة مهما بلغَ حزنها. ولكي نتجاوز أخطاء المؤدّين
والمخرجين الفنّيين معا علينا أن نقتنع بما لا يترك مجالا للشّك أنّ للمسرح أدوات مهنيّة واسعة في
اضاءة مستويات الأداء وتثوير لغة نافِذة بين مساحتي العرض والتلقّي دون اللّجوء لتسخيف تجلّيات الألم
بكافّة تسمياته مثلا، وبما لا نعترف للآن بأثرهِ. حين لا يستوعب فنّان/ة أنّ أداءه لا يرتقي لمصاف التجلّي
عليهِ أن يتخلّى ويعتذر لا أن يهاجم ويؤزّم المكان كي يُخضِعهُ لسلطةِ فشلِهِ، بالعادة لا سلطة فوق سلطة
المسرح، فِتنتهِ وفِكرتِهِ أيضا. بعض الثّرثرات الّتي صدرت بحقّ مداخلاتي المسرحيّة لم تصل لأبعد من
خيبة لا نحتاج أن تشغلنا وعليه، سنعترف ضمنيّا أنّ النّقد ليس خطّا مباشرا الى المهنيّة، بل يحتاجُ أن
يُطَعّمَ بموهِبة دافئة تجتذب الجمهور اليه.
في هذه العُجالة سنطلق كلمة حقّ في مساعي الفنان المسرحي أسامة مصري على مباذلهِ الكثيرة لإنقاذ
ما يمكن من جماليّات الأعمال المسرحيّة كي يخرج المهرجان بإنجاز نوعيّ. لكنّ حكمة التّواصل مع
الواقع المضموني لم تمنحهُ ما يكفي من جماليّات كي يضيء بها كافّة العروض المتقدّمة للمشاركة بما في
ذلك الأعمال الّتي تمّ قبولها للمهرجانات عموما والأخير خصوصا. لقد دفعَ باتّجاه الأفضل ايمانا منه أنّ
المختلف سيأتي. لكن مع تقديري لنوايا أسامة غير أنّ المختلف الّذي نرجوهُ لم يأتِ الى المهرجان.
متابعاتي الطّويلة تستنتج أنّ ما يُدفع الى خشبات المسرحيد هو قليل ما يمنحهُ الاعداد السّينوغرافي
لمستوى العرض المسرحي، أداء وتقنيّة. ماذا يعني هذا؟ أنّ الرّؤية المسرحيّة لا تزالُ مشوّشة وغير
واضحة، وما يفهمهُ الممثّل الّذي يقف على الخشبة كي يقلبها تقلبُهُ هوَ وفنّهُ وثقافته المُخلخلة حول فنّ
الأداء. وما عدا بعض المسرحيديّات الّتي اشتغل أصحابها إخراجها شكلا ومضمونا فمسرحنا في حالة
2
تراجع، والأصحّ أنّهُ في حالةِ ذُعرٍ من فنيّة الأداء، والذّعر يكبّل ويُقزّم العمل المسرحيّ ولو اكتملت شروط
العمل الجيّد فيهِ وأعني أنّ المستوى الموسيقي والدّيكور الحالم، متناسق اللّون والاضاءة لن يُصالِح الأداء
حينَ يخرجُ ضعيفا، ولعلّه الذّعر أسوأ تعريف لفنّان في تجلّيهِ الأوّل.
ما عدا السّنوات الثّلاث الأخيرة بقيت وفيّة للمهرجان، حريصة على عروضه. لقد استنتجت بقليل من
لحظات التأمّل خشية الطّاقم المشرف على المهرجان رأيي ورؤيتي البعيدة حول ما يعرض خلال أيّامه. لا
بُدّ أن تنذر ملاحظتي هذه الحالة المسرحيّة بالعموم بضرورة البحث عن أسباب الخِشية الّتي أتحدّث عنها.
هذه الرّؤية الّتي يفتّشون في الغرب عن أصحاب أقلامها ننذعر نحن منها حدّ اخفاء اثار أصحابها. هم
يعرفون تماما أنّ الرّؤية غير التّقليديّة هي ما يثري الحياة الثّقافيّة بالمجمل، وعليهِ يسعَون اليها
ويتشبّثون بكراماتها. غير الصحّي الّذي يسيطر على حياتنا الثّقافيّة الاستيراد المُفرِط للآراء والأسماء
الّتي تُحابي وتلغي قيمة أعمالنا باطراءاتها المبتذلة ودون أن نشعر بالنّدم أو بتكبيت الضّمير. لقد ربّينا
الحقيقة على ثقافة التشوّه حتى تُبادلَ جماليّات الشّكل والمعنى أدوراهُ وتُقصيهِ من اعتباراتنا، وهكذا نظلّ
خارجَ ما يحتفي بهِ العالم. لقد لمتُ المسرح بما يكفي رغبة منّي في اثارة الذّعر لدى المسؤولين عن
صروحهِ في الدّاخل الفلسطيني، غير أنّ التّجاهل العقيم يؤدّي بي لايقاظ الأمانة الفنيّة والفكريّة لدى
مديري المسارح وطواقمهم المسرحيّة كي تصبح مهمّة الادارة المشرفة على المهرجان أقلّ جُهدا
وصعوبة وحرجا أيضا. لدينا جمهور يثق أنّنا نُعدّ لهُ في كلّ مهرجان الأفضل، وعلينا أن نصونَ لهفتهُ
وهو يجدّد الثّقة كلّ عام بخَياراتنا، واصرارنا على الأمانة والجودة في العروض الّتي نقدّمها له كي يفرح،
نحن من دفعهُ لهذا الصّرح على مدى سنوات ووعدهُ أن يحتفي بهِ بأقصى ما ندّخرهُ من تجربة، وثقافة
وفنيّة في تدوير الأبطال وشخوصهم المرافقة، لذا أعتبر خذلانهم اخلالا سافرا بشروط الاتّفاق الّذي وُقِّع
غيابيّا بين انتظارهم وأعمالنا، وأعني الدّهشة خصوصا الشُّعلة الّتي وعدناهم بأسمائها، ستظلّ تسبق
الضّحكة ما بقي موعِدنا معهم. والحقيقة أنّ هذا ما لا يحدث في مساحات العرض الموزّعة في محيط
المهرجان، فالدّهشة الّتي تمشي في أرواحنا سرعان ما تتشوّش وتُخلّ بتوازننا، وبهذه السّهولة تتبخّر
اللّهفة. في هذه المعادلة غير المتكافئة ثمّة خسارة كبيرة للمهرجان، للاعداد المسرحي، لطاقم العمل،
المخرج تحديدا والجمهور، نحن.
عن “مهرجان مسرحيد”، عكّا، الّذي لا يتّسع
مسرحيديّة “خَيطُ حياة”، وتداعيات أخرى، 2-2
اضاءة: رجاء بكريّة
“.. تصريحي هذا ليس انتقاصا من القيمةِ الجماليّة للعرض المسرحي ومجهود الإخراج والاعداد، ولكن حرصا منّا على
فكرة المسرحيد كأداء ناجز لممثّل واحد يقلب قوانين العرض في أداء نوعيّ حداثيّ، هذا في الحقيقة ما يرتئيهِ عمل لممثّل
وحيد، وهذا تماما ما نسيهُ المشرفون على انتقاء واعداد المسرحيديّات”.
ليس واضحا تاريخ التجلّي الأوّل للمونودراما، لكن ما أعرفهُ جيّدا على ضوء تتبّعي الحَذِر لظهوره الأوّل
أنّ البانتوميم الّذي أنجزهُ تشارلي تشابلن، (تشارلز سبنسر تشابلن) منتصف الثّمانينيّات ضمن ما أُطلق
عليه “السّينما الصّامتة” عَكَس ما نذهب فيه للاعتقاد أنّه المسرح الّذي تطوّر لما نحن عليه الآن
“المسرح الوحيد”. يعني أنّهُ شكَّلَ لُبنةَ المسرح الوحيد الأولى. وقد أسّس لهُ رغبة منهُ في انجاز
اسكتشات تأخذ من الواقع عناءهُ وتضيفُ مُلَحاً متفائلة عالية في ايقاعها الدراميّ رغم لجوءِ مؤدّيها
لتقنيّة الصّمت تام. والبانتوميم كفنّ صامت أغنى فنّ الكاريكاتور المعروف بدراميّتهِ العاليّة وأثرهِ البالغ
على الأطفال خصوصا، الّذي يُعتبر أنجعَ لغات الفنّ التّعبيري، اثارة واندماجا بلغة السّرد الحكائي. ووفق
ما ذهبت اليه الكثير من الدّراسات الغربيّة وكاتبة هذه المقالة ضمن دراساتها الأكاديميّة المُحَكّمة فقد غيّر
فنّ الكاريكاتير لغة التلقّي الفاعل لدى جيل الطّفولة المبكّرة على نحو بعيد. ليس رغبة منّا في خلط
الأوراق ولكن استدراكا لمسار التطوّر تجدر الإشارة الى فاصلة مهمّة في تاريخ الشّكل النّهائي الّذي
وصلَنا من هذا الفنّ الجميل، الّذي اصطلحنا على تسميتهِ بالمسرح الوحيد. ويعتبر تأثّرهُ بدراميّة
الكاريكاتير ووضعيّاتهُ الكثيرة المتبدّلة واحدة من إنجازات الفنّ الصامت الحديث، لذلك لن نستغرب حين
يدمج بعض مؤدّي المسرحيد بين الحركة السّريعة عالية الإيقاع عِوَضا عن الكلام ونبراتهِ المتبدّله.
فهل تنبّهَ مهرجان المسرحيد لهذه الملاحظات المهمّة حين راجعَ النّصوص المتقدّمة للمنافسة أو حرص
على ورشات تحضيريّة لاغناء التّجربة الشّخصيّة لفنّاني هذا النّوع من المسرحيّات؟ ونحن نعرف أنّ
معظم من يتقدّمون للمنافسة هم من أصحاب التّجارب الطريّة اللّاتزال متمسّكة بفطريّتها الأولى.
والواضح أنّ مسرحيد 025 أُنجِزَ على استعجال وربّما خلال فترة وجيزة، حيث تقدّمت أربعة أعمال
مسرحيّة وهو ما يخالف العدد الّذي اعتدنا عليهِ في سنوات سابقة، فغالبا وصل عدد المسرحيديّات
المتنافسة الى سبع أو ثماني مسرحيديّات، وهو العدد المعقول لاخراج مهرجان الى حيّز التّنفيذ. وقد
وردت على النّحو التّالي
“الدّنيا مسرح”, انتاج بيت الفنّ المقدسي. “الحاكورة”، انتاج، مسرح المدينة شفاعمرو. ” طرف خيط”،
انتاج سينما دراما. “تماثيل وكلاب”، انتاج مسرح سنابل، القدس. في الوقت المتبقي لاعلان النّتائج
اخترتُ مسرحيّة “خيطُ حياة” لأخذِ مذاق من مذاقات المسرحيد، انتاج سينما دراما، وإخراج الفنّان
محمود أبو جازي. وهي المسرحيديّة الّتي حازت على جائزة أفضل ممثّل بحقّ الفنّان الشّاب، مهنّد الشّيخ
خليل. لم تكن “خيطُ حياة” مسرحيّة لممثّل وحيد بالمعنى التّقليدي الّذي نعرفهُ وننتظرهُ، فطاقات الممثّل
الواحد الّذي يملأ الخشبة حضورا بدا غائبا لحدّ بعيد، والمؤدّي الّذي اعتقدنا أنّهُ مركز السينوغرافيا بدا
أضعف ممّا يحتملهُ العمل. شخصيّا انتظرتُ حركة سريعة في السيّاق تقلب خطّة التّوازن الفنيّ لنقع على
وضعيّات أخرى تنثر كفاءات الممثّل الشّاب، ولو ظهر غيرها كي يصبح مشروع التّكافؤ والتّنافس
2
بمستوى الفكرة. لكنّ الخطة بدت مختلفة والممثّل الّذي أضاء المسرح أمامنا اكتفى بصورتهِ الأولى كأنّها
الطّاقة الوحيدة الممكنة وهو بعينيّ خطأ في تقنيّة البناء المضموني. ليس رفضا لفكرة معدّ السّيناريو
ولكن اشارة لاختلال في توازن الفكرة المطروحة وفنيّة استخلاص قدراتها. في “خيط حياة” لا نرى ممثّلا
واحدا يحرّكُ مركز العمل ويشكِّلُ مِحورا ديناميّا فيه، بل ثمّة شخوص عدّة تلتقي كي تُكثّفَ الحدث الدّرامي
وتنشىء حالة تخذلُ الحدث، فلا تشكّلُتكافُؤا موضوعيّا ولا شكليّا لتحقّقِ المُمثِّلِ الوحيد، وهو ما همستُ
بهِ لمخرِج العمل (أبو جازي) بعد العرض. تصريحي هذا ليس انتقاصا ولا الغاء لقيمةِ العرض المسرحي
ومجهود الإخراج والاعداد ولكن حرصا منّا على فكرة المسرحيد كأداء ناجز لممثّل واحد يقلب قوانين
العرض في أداء نوعيّ حداثيّ، هذا في الحقيقة ما يرتئيهِ عمل لممثّل وحيد، وهذا تماما ما نسيهُ
المشرفون على انتقاء واعداد المسرحيديّات. لم أفهم مثلا سبب اغراق مسرح يحتاج على أكثر تقدير
شخصيّة واحدة بهذا العدد من الشّخوص! لقد أدى التّزاحم البشري سلب العمل رونقهُ وجهود الإخراج
فيهِ، وقد أخذت الإضافات من ثبات العمل وقوّتهِ وأخلّت بقدرة الممثّل المركزي على التفرّد ببطولة مطلقة
يحتاجها العمل بشدّة. ما حدث هنا أثار حيرتي وتساؤلي، لم تمنح هنا فُرصا بل ازدحاما لفكرة صافية
تدخّل فيها أكثر من رأي وفق استنتاجي المتواضع، وسؤالي، هل نهض الاعداد السّينوغرافي هنا على
خطّة واضحة أم أنّهُ تركَ الاسقاطات العفويّة وتقديرات أسباب الجماليّات الّتي تضيء مسرحهُ فقط حكَما؟
وهل تحتملُ رسالة جميلة بسيطة أن يُغرِقها الإخراج والاعداد معا بالوجوه؟ هذه التخبّطات الّتي أبهجت
ربّما المتفرّج العادي أفقدت الصّالة، صالة العرض بهجة الاندماج بالفكرة المسرحيّة. الفكرة في المسرحيد
نريدها مختصرة في اضاءتها العميقة، ومكثّفة وسريعة، وهو ما أبهرَ بهِ مهنّد الشّيخ خليل، كان يفهم
اللّعبة جيّدا وربّما لو مٌنحَ العرض كاملا لأنقذهُ من مطبّاتهِ الواقعيّة والحلميّة معا. ويضافُ أنّ حكاية
الأطفال الّتي دخلت من خلال شخصيّة المرأة المقنّعة بعينيّ إضافة ثقيلة على العمل، مقابل القفزة الّتي
صدرت عن الشّيخ خليل مضمونيّا وحركيّا ودفعت باتّجاه الرّغبة في الاستزادة، لكنّ تفاقم أصوات الثّرثرة
أخذ رونق الدّراما في عنفوانها. بين كرّ وفَر ضاعَ الخيط وتشوّشت مساحة الجماليّات الّتي اشتغل عليها
الإخراج بفنيّة عالية، وأعني الدّيكور والموسيقى والاضاءة وحتّى حركات الشّخصيّة. وما أودّ الإشارة
اليهِ بحميميّة بالغة أنّ بامكاننا اختصار مشهد كامل ببضعِ كلمات، ونصّ كامل بشخصيّة واحدة، عكس ما
ذهب اليهِ العمل الّذي أراد أن يتفوّقَ على مُكوّناتهِ فأفسدَ منظومتهُ. هل نحتاجُ لاعادة النّظر في هذا العمل
وخطّة المسرحيد عموما؟ للإجابة، يجب أن يُعاد النّظر في شروط المنافسات المُتقدِّمة الى المهرجان
عموما ومتابعة الفروقات الجوهريّة الّتي تنشأ بين مستويي النّص والعرض بكثير من الانفتاح والتأمّل
والمِهنيّة لجانب تفعيل مستوى التّأثير الحسّي على المضموني والعكس بالعكس يُقال.
هدف اضاءاتي هذه خارج دائرة العلامات والتّقييم هذه المرّة، تضامنا مع حالة الارباك المجتمعيّة العامّة
الّتي أخَذتنا هذه الحرب الى دائرتها، ويخيّل اليّ أنّ الأعمال الثّلاثة الأخرى المشارِكة سريعة وفق
الانطباعات الّتي أخذتُها من مخرجين وفنّانين، وعليهِ لا فروقات كثيرة يمكن الخروجَ بها تستدعي أن
نقسو عليها. لكن ما أعتبرهُ فاصلا في هذه المسألة ضرورة أن يتخلّى المهرجان هذه السّنة عن اخراجهِ
لحيّز التّنفيذ والاحتفاظ بالميزانيّة لوقت أكثر بهجة وأثرا. شخصيّا لا يعجبني نتائج الامر الواقع لأنّي
أعرف عمق الاسقاطات الّذي تحدث وتسيء للأعمال المشاركة، وقد يصدر الخلل عنها ذاتها. نحن على
انتظار الجديد النّوعي ولا بأس من تحيّة شكر لمحاولة نشر البهجة مهما تكن عواقبها، كلّي أمل أن تؤخذ
ملاحظاتي بعين الاعتبار كي نفرض شكلا مُبهِجا من أشكال المسرح الفاعل على مستوى المضمون
الحسّي والشّكلي معا. كلّ عام وطموحنا أبعد.