من مظاهر عظمة أسيادنا في غزّة

معمر حبار

تاريخ النشر: 20/01/25 | 17:33

أسيادنا في غزة لم يتنازلوا عن غزّة، والأسرى ولا بأس إن تنازلوا عن غيرها:

لم ينل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كلّ شيء في المفاوضات مع كفار قريش أثناء توقيع معاهدة صلح الحديبية.

ولم يتحصّل سيّدنا الأمير عبد القادر كلّ شيء في مفاوضاته الأولى، والثّانية مع الاستدمار الفرنسي أثناء توقيع المعاهدتين.

ولم يفز قادة الثّورة الجزائرية بكلّ شيء أثناء مفاوضات إيتفاقية إيفيان مع الاستدمار الفرنسي.

وأسيادنا في غزّة ليسوا بدعا من المفاوضين حين لم يتحصّلوا على كلّ شيء وهم يفاوضون المحتلّ، وبطلب منه.

تجرى المفاوضات على نقاط لا يمكن التّنازل عليها ومهما كانت الظروف. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يتنازل عن دينه رغم التّرغيب والتّرهيب، وقال لقريش: ” لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”. سورة الكافرون 6.

وقادة الثّورة الجزائرية لم يتنازلوا عن وحدة التراب الجزائري، ورفضوا بقوّة دولتين في الجزائر. وتنازلوا عما سواها. وأسيادنا في غزة لم يتنازلوا عن غزّة، والأسرى. وتنازلوا عن غيرها.

المفاوض النّاجح:

المفاوض الفاشل هو الذي يتنازل عن كلّ شيء. والمفاوض النّاجح هو الذي يحسن التّمسّك حين يستلزم التّمسّك، ويحسن التّنازل حين يستلزم التّنازل. لكن ليس من صفات المفاوض أن يتحصّل على كلّ شيء.

لا أحد ينكر الدّمار الذي تعرّضت له غزّة. ويكفي أنّ سيّدنا الخطيب الملثّم قال البارحة بمناسبة وقف إطلاق النّار: لو تعرّضت دولة عظمى لمثل ما تعرّضت له غزّة من إبادة، ودمار لانهارت وزالت. ورغم ذلك فرضوا شروطهم، وجزئياتهم.

المحتلّ لا يفاوض إلاّ قوي. ويكفي أنّه عاد وبعد عام من الإبادة إلى نفس الشروط التي أقرّها أسيادنا في ماي 2024 من العام الماضي.

الخسائر المادية والبشرية من طبيعة الحروب:

خسر سيّدنا الأمير عبد القادر عددا كبيرا من جنوده خاصّة في السّنوات الأخيرة من جهاده ضدّ الاستدمار الفرنسي حين حوصر من طرف الأخ، والجار، والمحتلّ. وما زلنا نقول: انتصر سيّدنا الأمير عبد القادر.

وخسرت الثّورة الجزائرية عددا كبيرا من قادتها، وجنودها، وشعبها. ورغم ذلك يجمع الجميع أنّها انتصرت.

وخسر أسيادنا في غزّة 50 ألف شهيد في ظرف 15 شهرا، و471 يوم بتعبير سيّدنا الملثّم. ونظلّ نقول: انتصر أسيادنا في غزّة. لأنّ الجزائريين فقدوا 45 ألف شهيد في يوم واحد أثناء مجزرة وجريمة 8 ماي 1945.

الخسائر المادية، والبشرية من طبيعة الحروب. ولا يمكن بحال تفاديها حتّى لو كانت أقوى دولة في الوجود. وتلك من ضرائب الحرب المفروضة على من يخوضها.

وما يجب التّأكيد عليه أنّ إلحاق الأضرار المادية، والبشرية بالعدو المحتلّ من النّصر العظيم، وخسارة فادحة للمحتلّ. ويكفي أنّه يخفيها عن أبنائه، ويمنع العالم من مشاهدتها، ومتابعتها. ويعاقب كلّ من يتحدّث عنها، وينشرها. وهذا نصر مؤزّر لأسيادنا في غزّة. لأنّهم لا يخفون خسائرهم، ولا يستحيون منها، ولا يمنعون أحدا من ذكرها. بل ينشرونها في حينها. وهذا عين النّصر لأنّه يؤلم كثيرا العدو المحتلّ.

طريقة الاحتفال علامة على النصر:

خرج أسيادنا في غزّة فرحين مستبشرين عقب توقيع “وقف إطلاق نار بين غزة والعالم” بتعبير أحد الأساتذة من المشرق العربي العزيز علينا. وهذا بحدّ ذاته نصر رغم الدّمار الهائل الذي لحق بهم.

يشبه إلى حدّ كبير خروج الجزائريين، واحتفالهم بوقف إطلاق النّار، واسترجاع السّيادة الوطنية بتاريخ: 5 جويلية 1962. رغم الحرق، والنّسف، والرّجم، والقتل، والتّعذيب، والتّهجير، والإبادة، والتّجويع الذي تعرّض له الجزائري على يد ثاني أقوى قوّة عسكرية أطلسية يومها. وهذا نصر رغم الخسائر الكبيرة جدّا.

كلّ ما يغضب العدو المحتلّ فهو نصر لك:

غضب العدو المحتلّ من خروج أسيادنا في غزّة سالمين آمنين. وفي وسط شعبهم، وبين أبنائهم الفلسطينيين يبادلون الفرح، والانتصار، ويضمنون لهم النّصرة والدفء ويجدّدون لهم العهد. وهذا عين الانتصار لأنّه أغضب العدو المحتلّ.

كانت “زغرودة” الجزائريات تغضب الاستدمار الفرنسي. لأنّه كان يتوقّع البكاء، واللّطم، والحزن، والنّدم، واليأس حين يخبرهم باستشهاد جزائري ويضعه بين أيديهم للإمعان في الإهانة. إذ به يفاجئ بالأم، والزّوجة، والبنت تطلق زغاريد الفرحة والنّصر. لأنّ الشهيد لدى الجزائرية إضافة وليس نقصان. وصعود للسّماء وليس نزول، وانتصار وليس هزيمة، وبسمعة وليس دمعة.

الإثنين 20 رجب 1445هـ، الموافق لـ 20 جانفي 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

الشلف – الجزائر

معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة