الاحتفال باليوم العالميّ للغة العربيّة
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 28/01/25 | 17:57قرّرت الجمعيّة العامّة للأمّم المتّحدة في الثّامن عشر من شهر كانون الأوّل عام 1973 إدخال اللّغة العربيّة ضمن اللّغات الرّسميّة السّتّ (الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والرّوسيّة والصّينيّة والإسبانيّة والعربيّة) المستعملة في الأمم المتّحدة والمحافل الدّوليّة، وهذا القرار أنْصَفَ لغتنا العربيّة الجديرة بالاعتراف بها كلغة عالميّة!
والحديث يتمحور حول اللّغة العربيّة المعياريّة الفصيحة وليس حول اللّهجات المحكيّة المستعملة، فاللّغة العربيّة المعياريّة تعتبر القاسم المشترك لدى جميع الدّول والشّعوب العربيّة، وهي تستعمل لدى أكثر من 450 مليون نسمة.
تمتاز اللّغة العربيّة المعياريّة بعدّة خصائص ومميّزات إيجابيّة نذكر منها:
– القداسة والتّعظيم: تحظى اللّغةُ العربيّة بمكانة عالية مرموقة لدى العرب والمسلمين، فهي لغة القرآن الكريم، وتستخدم في الصّلوات والشّعائر الدّينيّة.
– وتمتاز كذلك بالغنى والثّراء في المفردات والألفاظ، فمعجمُها من أضخم معاجم اللّغات العالميّة.
– وتمتاز بالمرونة والقدرة على الاشتقاق، فمن الجذر/الأصل الواحد نشتقّ الكثير من الكلمات.
– قدرة اللّغة العربيّة على التّطوّر والنّماء، فبواسطة التّصعيد من المحسوس نتوصّل للمجرّد مثل:” العقل من عِقال“، وبواسطة التّوليد نصل لكلمات مثل:” عقلنة“، وبواسطة التّعريب: دخلت كلمات مثل:” فيلم، رادار“، وبواسطة النّحت نجد كلمات مثل:” البسملة، الحوقلة“….
– وتمتاز اللّغة العربيّة كذلك بالموسيقيّة في حروفها وكلماتها وعباراتها. وقد أطلق عليها العقّاد اللغةَ الشّاعرة.
– وتمتاز كذلك بالجمال في خطّوط كتابتها، كما يظهر ذلك في الزّخارف والكتابات في المساجد والقصور…
– وتمتاز كذلك بقدرتها على الإيجازُ والبلاغة، وينعكس ذلك في الأمثال والحكم والتّوقيعات وفنون الأدب الأخرى مثل: قصّة الومضة، أو قصيدة الومضة.
– وتمتاز بالسّهولة النّسبيّة في اكتسابها إذا استخدمت الطّرائق الملائمة كما أثبتت تجربة د. عبد الله الدنّان، والّتي عُرفت: ” تعلّم اللّغة الفصحى بالفطرة والممارسة”.
– واللغة العربيّة المعياريّة عريقة لها تراثٌ ضخمٌ من الشّعر والنثر يمتدّ من عصر الجاهلية حتّى يومنا.
وفي اليوم العالميّ للغة العربيّة يجدرُ بنا التّركيز على اللّغة الفصيحة المعياريّة الخالدة الّتي أفشلت جميع المحاولات للمسّ بها والحطّ من مكانتها، وأثبتت أنّها لغةٌ حيّة نامية متجدّدة:
– فالأصوات الّتي نادت باستبدال الحروف العربيّة، في الكتابة والطّباعة، بالحروف اللاتينيّة خمدت واختفت.
– ودعاة اللّهجات المحكيّة ومؤيدو استخدامها كلغة الحضارة والثّقافة بدلا من اللّغة الفصيحة المعياريّة أضحوا قلة لا يعتدّ بآرائهم.
– والمحاولات الّتي دعت إلى هجر اللّغة العربيّة وتبنّي إحدى اللّغات الأجنبيّة – كالفرنسيّة أو الإنجليزيّة أو…- فشلت فشلا ذريعا. فاللّغة العربيّة الفصيحة المعياريّة ستبقى حيّة خالدة، تسهم في تعزيز الوحدة والتّرابط بين أبناء الشّعوب العربيّة، وترسّخ الانتماء والتّواصل للحضارة العربيّة – الإسلاميّة، وتغرس القيم والمثل الإيجابيّة، وتنمّي التّفكير الرّاقي السّليم.
وعن أهميّة اللّغة والدّوْر الّذي تلعبه اللّغة كتب الباحث أحمد بن محمد الضبيب في كتابه: “اللّغة في عصر العولمة” يقول:” اللّغة من أهمّ ملامح الشّخصيّة الإنسانيّة إنْ لم تكن أهمّها، فهي الّتي تربط الأفراد بالجغرافيا والتّاريخ، وتربطهم بالأرض الّتي قدموا منها والثّقافة الّتي ينتمون إليها”.
وأكّد صامويل هتنجتون على هذا الدّوْر في كتابه:” صدام الحضارات “حيث كتب:
” تعدّ اللّغة من أهمّ الملامح الّتي تُكوّن هويّة الأمّة، وتميّزها عن غيرها من الأمم، فاللّغة والدّين هما العنصران المركزيّان لأيّ ثقافة أو حضارة “.
لذلك، أهيب بكلّ النّاطقين بلغة الضّاد العمل على إعلاء مكانتها، وأن يبذلوا كلّ جهد لإتقانها وتطويرها واستعمالها في الحديث والقراءة والكتابة والتّدريس لأنّها لغة غنيّة حيّة قادرة على مواكبة المستجدّات في عصر العولمة كغيرها من اللّغات العالميّة.
وفي هذا السّياق يحلو لي أنْ أقتبس الأبيات التّالية من قصيدة: “اللّغة العربيّة تنعى حظّها بين أهلها” لشاعر النّيل حافظ إبراهيم حيث يتحدّث على لسان اللّغة العربيّة فيقول:
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظًا وغايةً – وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ – وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدّرُّ كامنٌ – فهل ساءلوا الغوّاصَ عن صدفاتي
أبارك جميع المؤسّسات والمدارس التي بادرت لعقد اللقاءات والفعاليّات احتفاءً باليوم العالميّ للّغة العربيّة!
شكرا لك علىًهذا المقال استاذ محمود