أسواق الجزائر في العهد العثماني
معمر حبار
تاريخ النشر: 31/01/25 | 11:02كتاب “قانون أسواق مدينة الجزائر 1107-1705″، لمتولي السّوق عبد الله محمّد الشويهد، تحقيق وتقديم وتعليق الأستاذ ناصر الدّين سعيدوني، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1427هـ -2006، من 250 صفحة.
مقدمة:
قرأت الكتاب أوّل مرّة بتاريخ: السبت 13 جمادى الثاني 1438، الموافق لـ 11 مارس 2017.
العناوين الفرعية من وضع القارئ المتتبّع.
الكتاب عبارة عن وثيقة تركية بقلم تركي كتب عن تلك الأحداث في تلك الفترة، ورسم صورة عن الجزائر من خلال الضرائب التي أضرت بالجزائريين والأسواق.
يبدو غلاف الكتاب أنه رديء في النظرة الأولى. لكن جودة أوراقه فاقت في جودتها، وجمالها أوراق المجلدات التي تباع بأثمان باهظة جدّا والتي تعتبر أقل بكثير من هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
أوّلا: الأستاذ المحقّق ناصر الدّين سعيدون من خلال الكتاب:
بذل الأستاذ ناصر الدّين سعيدون مجهودا خارقا في تقديم الوثيقة التاريخية التركية على أحسن وجه، وأفضل بكثير من الوثيقة بحد ذاتها. فقد نقل في الأعلى النص حرفيا كما نقله التركي بعامية يصعب فهمها خاصة بعد أن طال عليها الأمد. وفي الوسط أعاد النصّ إلى لغته العربية الفصحى التي يفهمها الجميع. وفي الأسفل وضع هوامش لبعض الكلمات التركية التي يصعب فهمها الآن فشرحها أحسن شرح. وشرح الأعلام، والأماكن، والتواريخ. فكان الهامش بحقّ قاموسا يرجع إليه القارئ، والطالب والمهتم.
تحية تقدير للأستاذ ناصر الدّين سعيدون على الجهد المبذول، والدقة في المعلومات، وإثراء الكتاب للأجيال الحالية، والقادمة، وتسهيله للقراءة والنقد والمتابعة.
لفهم ما جاء في الكتاب لابد من قراءة مقدمة الأستاذ سعيدوني فإن فيها شرحا مستفيضا وافيا يعين القارئ، وينير له ما صعب عليه.
يعترف المحقّق وفي عدّة مرّات أنه عاجز عن معرفة معنى الاسم الفلاني، أو المهنة الفلانية ويصرح كما جاء في صفحة 121: “لم نعثر على تعريف لها والراجح أنها …”. وهذا من الأمانة، والصدق الذي يسجّل له.
ثانيا: محتوى الوثيقة التركية من خلال الأتراك:
الأفيون، والخبز، والدخان:
جاء في صفحة 46: مادة الأفيون كانت تستورد ويقبل عليها الحشاشون وأغلبهم من البحارة.
يتضح من خلال صفحة 61: سرّ سيطرة الخبازين من ولاية جيجل على مهنة صنع الخبز، والحلويات عبر كامل التراب الوطني إلى يومنا هذا. والسبب في ذلك يعود لسنوات 1700 كما هو واضح في الكتاب، أو ربما ما قبلها.
يتضح من خلال صفحة 99 وحسب ما جاء في الهامش: الأتراك هم الذين أدخلوا الدخان إلى الجزائر وقلّدهم الجزائريون في شرب الدخان.
فساد الأتراك عبر شراء المناصب:
من مظاهر التمييز التي شرحها المحقق في هامش صفحة 105، أن الأتراك كان لهم سجن خاص بهم.
تحدّث في صفحة 115 عن سطوة المال لشراء المنصب والنفوذ، وكان معمولا به عبر كافة المستويات والشرائح.
ظلم الإنكشاريين للجزائريين:
قال في صفحة 168: اشتهر الإنكشاري بظلم الجزائريين لذلك تعرّضوا للانتقام إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر من طرف الجزائريين.
الفساد الأخلاقي التركي عبر استعمال النّساء:
جاء في هامش صفحة 130: المومسات أو النساء العموميات كن يقمن في منازل خاصة بهن، ويتردّد عليهن الجند الإنكشاري الذي كان يعيش في حالة عزوبة طيلة الخدمة العسكرية، حيث تجاوز عددهن عند الاحتلال الفرنسي سنة 1830 ثلاثة آلاف مومس. ويمكن للقارئ أن يرجع للصفحة ويقف على فضائع أخرى.
أنواع الضرائب التركية المفروضة على الجزائريين:
من الضرائب التي ذكرت في صفحتي 63 و65: تلك المفروضة على بائع الفخار “إذا كان منتعلا فيخضع للضريبة” و”يدفع الساكن في الطابق العلوي ضعف ما يدفعه الساكن في الطابق الأرضي”.
ويقول التقرير الفرنسي أن الفلاح الجزائري كان يستعمل 700 زوج بقر لحرث أرضه وبعد الضرائب التي فرضها عليه الأتراك أصبح يستعمل 60 زوجا.
شرط شراء الحمّام، وتعلّم المهن:
جاء في صفحة 92: من أراد أن يشتري الحمّام فهو مطالب بعدم طرد العمال كالطيابين حتى لا يتعطّل العمل بالحمّام، ويحافظ على سمعته.
جاء في صفحة 103: من أراد أن “يلتحق بمحل لتعلم المهنة عن صاحبها لا يغادر المحل إلاّ وقد أتقن الحرفة”.
ثالثا: الاستدمار الفرنسي:
الاستدمار الفرنسي يهدم المساجد، والأسواق:
جاء في هامش صفحة 93: فرنسا المحتلة هدّمت أجمل مسجد في الجزائر سنة 1830. وأشعلوا النّار في دعائم المنارة الخشبية، وإزالة حجارتها بالمعاول لتختفي إحدى المعالم العمرانية للجزائر وهو جامع السيّدة الذي بني سنة 1561.
جاء في هامش صفحة 104، أن جامع الرابطة الذي بني سنة 1624 تم هدمه من طرف الاستدمار الفرنسي سنة 1832.
جاء في هامش صفحة 131: هدم الاستدمار الفرنسي العديد من أسواق الجزائر بعد سنة الاحتلال 1830 ومنها حريق 1844.
الاستدمار الفرنسي يقصف الجزائر:
جاء في صفحتي 144- 145: استيلاء الفرنسيين على ميناء جيجل سنة 1655 و1664. وتعرّضت مدينة الجزائر لقنبلة الأسطول الفرنسي لثلاث مرّات وعبر سنوات 1682، و1683، و1686.
جاء في صفحة 149: “وصول أعداد من المهاجرين الأندلسيين سنوات 1584 و1609.
الدعوة إلى الإسراع في احتلال قسنطينة، وأراضي جزائرية:
دعا التقرير إلى الإسراع في احتلال قسنطينة، وأراضي جزائرية أخرى قبل أن تستحوذ عليها بريطانية.
رابعا: الجزائر في نظر الاستدمار الفرنسي:
القرصنة، والصناعة، والعمران:
جاء في التقارير الفرنسية الممتدة عبر صفحات 161 -182: كانت الجزائر مركزا للقرصنة ولم تعرف التجارة، أو الصناعة قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر والذي يسميه التقرير بالنظام الفرنسي. وكانت تبدو أزقة الجزائر للمحتل الفرنسي غامضة وغير آمنة.
جاء في صفحة 162: لم يقم الاستدمار الفرنسي أدنى اعتبار لخصوصيات المدينة الشرقية وأخضعوها للقواعد العمرانية التي ألفوها من أوربا.
وتحدث التّقرير الفرنسي قبيل الاحتلال الفرنسي للجزائر عن تدهور الصناعة الجزائرية بشكل كبير.
حلي المرأة الجزائرية:
كانت المرأة الجزائرية كما جاء في صفحة 165 من تقرير المحتل الفرنسي: لم يكن باستطاعتها شراء الحلي الذهبية. وكانت تكتفي بشراء الحلي المصنوعة من قرون الثيران. ولذلك كانت هذه الصناعة رائجة.
اليهود، وسيطرة اليهود على التجارة:
تحدث في صفحة 166 عن اليهود فقال: لم يكن لليهود شارع خاص بهم كما هي العادة في المدن الإسلامية الأخرى. وقد كان المسلمون، واليهود يعيشون في الجزائر جنبا إلى جنب.
يرى أن الأتراك لم يمارسوا التجارة إنما تركوها لليهود الذين احتكروا وسيطروا على طريق استغلال أسماء أوروبية لكي يدفعوا أقل الضرائب ويتحصلوا على أقصى ربح.
الاستدمار الفرنسي يحثّ الجزائريين على شرب الخمر:
يعطي التقرير الفرنسي مثالا عن ذلك فيقول: في سنة 1826 وأثناء الحكم التركي لم يدخل ميناء الجزائر أكثر من 12 سفينة تجارية من كل الجنسيات. بينما وبعد 11 شهر من الاحتلال الفرنسي للجزائر دخلت 295 سفينة لميناء الجزائر لنقل حاجات الجيش الفرنسي المحتل للجزائر.
وقال أيضا: “نلاحظ أن الخمور تعتبر من أهم الواردات في انتظار أن يبدأ استهلاكها من طرف العرب”.
عروج في نظر الاستدمار الفرنسي:
جاء في التقرير وعبر صفحات 177 -179: عروج قرصان، ونقل القرصنة إلى إخوانه الأتراك. مع التنبيه أن هذا هو رأي فرنسا في عروج. ويتأسف الفرنسي لكون العلاقات التي أبرمتها مع فرنسا كانت لصالحه ولم تكن لفرنسا.
القصف الأوروبي، والفرنسي للجزائر:
ذكّر الكاتب بالقصف الهولندي، والإنجليزي للجزائر سنوات 1655، و1669، و1670. وكذا القصف الفرنسي للجزائر سنوات 1682، و1683، 1687.
ضعف الأسواق الجزائرية، و تجارة الجزائر:
جاء في التقرير عبر صفحتي 181-182: أسواق مدينة الجزائر كانت ضعيفة ولا تقارن بأسواق الشام وبغداد. بل لا يمكن مقارنتها بأسواق زمير وقسنطينة. وكان الثراء بالجزائر بمثابة الحكم بالإعدام.
ذكر في صفحة 169-176: الصناعة في مدينة الجزائر العاصمة لم تكن تلقى رواجا بالخارج عكس صناعة تلمسان التي كانت تلقى رواجا بالخارج.
ثراء الجزائري يجلب الإعدام:
وكان الأوروبي يأخذ معه الصناعات التقليدية لبلده وهو قادم من زيارة الجزائر، ومنها أشياء من خيوط الصبار.
الجمعة 2 شعبان 1445هـ، الموافق لـ 31 جانفي 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار