من صميم الذاكرة
بقلم قرار المسعود
تاريخ النشر: 06/02/25 | 21:28
من المعلوم أن كل أمة تتعرض لطمس أو تزييف تاريخها و ذاكرتها
نتيجة ظروف معينة، فهي معرضة للزوال و ذهاب أصلها إن لم يتم
إستدراك ذلك بالوجه الصحيح، ففي الجزائر بعد الإستقلال تطرق الكثير
من خلال برامج أعدت عبر المحطات الزمنية في مسألة كتابة التاريخ أو
إعادة الذاكرة و نظرا للظروف والمراحل لم يسمح في الشروع أو إتمام
العملية سواء في كتابة التاريخ أو في إعادة ذاكرتنا من الخارج.
فبعد ستين سنة، أصبح مطلوب بناء الدولة و المجتمع في شخصية
مكتملة على أساس المرجعية الأصلية في كل مكونات الأمة و في مقدمتها
التاريخ و الذاكرة كمبدء لا مفر منه في الاستقرار و الطمأنينة و احترام
الأحداث كما هي و الاعتراف بالحقوق و إرجاعها إلى أهلها أو ذويهم و
رفع الغطاء على كل لبس أو خطأ في التدوين سهوا حسب الحاجة. في
اعتقادي ما تلح عليه السلطة وما تقدسه في هذا الموضوع يعطي ارتياحية
تسهل التلاحم و التكاتف في المجتمع مما يزيد صلابة بنية الدولة.
فالتوجه الذي جاء كظرف أساسي و محوري متجدد للمجتمع الجزائري
هيأ الوقت لتكون الشجاعة و القناعة و الإخلاص و نكران الذات لتفادي و
معالجة الأحداث التاريخية التي دونت من طرف المستعمر الذي ليس له
الكفاءة و لا الدراية و لا الحقيقة حتى نأخذ ما كتبوا و صرحوا به
كمرجعية في كتبنا و مرجعيتنا التاريخية و نتخلى على مَنْ مازالوا على قيد
الحياة و عاشوا الأحداث بتفاصيلها. إن أمانة كتابة التاريخ والتصريح
بالأحداث عمل عظيم و خيانة و إثم في حق الشعوب و بناء الدول إذا كان
هذا العمل بغير تأكد أو عن قصد أو من باب الشهرة.
بالنظر إلى ما وصلت إليه الجزائر من ناحية أخذ المسؤولية في هذا
المجال و تمكن جيل الجامعة الجزائرية المحصن بحرية الوصف الحقيقي
للأحداث التاريخية المزود بما ترمي إليه الرؤية الحالية التي تعتبرها وديعة
الشهداء و أمانة للأجيال القادمة بأن يتخذوا الحقيقة كما هي حتى يبنوا
معارفهم على اليقين ( هناك مجتمعات في عصرنا تجهل هوياتها لأنها
مزيفة) فبالمقدار الذي أعطي من خلال تعاهدات الرئيس في حملته 2019
أو تصريحاته عبر وسائل الإعلام لأهمية الذاكرة و إتمام كتابة التاريخ
بأيدي أهله يكون أضمن وأصدق لعدم زعزعة كل ثابت من المبادئ
الأساسية للدولة.
فإتمام أو تصحيح الأحداث التاريخية للمقاومة وثورة التحرير المجيدة
أصحبت شرعية مادام المجتمع مهيأ و واعي بمساهمته في تركيبة المسار
الساعي إلى تثبيت الهوية الوطنية على أسس أكاديمية علمية لمرحلة الفترة
الإستعمارية 1830-1962.
1- مرحلة المقاومة
فالنسبة لهذه المرحلة، كل المشاهد و البطولات في مرحلة المقاومة
منذ دخول المستعمر من سيدي فرج لم يتم إحصاؤها كاملة و تدوينها
بالقدر المطلوب. لقد كانت طموح المرحوم الرئيس هواري بومدين
ثورات في وجدانه : ثورة ثقافية – زراعية – صناعية، الذي تتكلم و
تلح عليها اليوم الجزائر الجديدة. فالمساهمة من الذين يمتلكون وثائق
أو روي لهم أحداث أثناء المقاومة الباسلة أو لهم صلة مع الأبطال،
أنه حان وقت مع باحثي الجيل المخلص لوطنه و للأمانة من الجامعة
الجزائرية أن تكون هذه الوثائق او التصريحات و غيرها مصونة و
موثقة في حفظ ذاكرة الشعب كله الذي يطالب بها و تلح عليها
السلطة. حتى تكون رؤية واضحة و شفافة و حقيقية التي يعتمد عليها
المجتمع في كل مجالاته العلمية و التربوية. و ليس من العار أو عدم
الإدراك تصحيح ما نستطيع فعله بالتي هي أحسن. لأن في حقيقة
الأمر ما زال العبث إلى يومنا هذا في بعض المناطق و لا يتكلم عليه
الإعلام و خاصة في الولايات الداخلية. و لعل إقرار إنشاء اليوم
الوطني للذاكرة من حق الجيل لمعرفة أجدادهم و تدون الأحداث و
أنه تهيأ الوقت لوضع مرجعية لتاريخنا في مصف ثبات حقيقة
الأحداث و إعطاء لكل ذي حق حقه. في نفس المجال يقول المفكر
مالك بن نبي، حتى نكتب واقعنا بأيدينا “إن المعجزات الكبرى في
التاريخ مرتبطة دائما بالأفكار”
2- مرحلة الثورة التحريرية
من الطبيعي أن تستمد الأمة لفترة من زمن بعد الإستقلال بما هو مدون و
موجود لديها من المصححين في بقايا المستعمر كإرث تاريخي. لكن لا
يجب أن نركز على مرجعية المستعمر.
و المعركة الآن هي محاربة الإستعمار فكريا و كنس كل ما تبقى من أفكاره
من كل شيء.