متفرقات
خالدية أبو جبل
تاريخ النشر: 14/02/25 | 6:53
1
يا تيه الغيمة وهي تراوغ شبق الماء
يا قلق الشاطىء حين يجف الرمل
ولا يكترث البحر
يا اسف الدمعة وهي تزفُّ الحزن
شواظاً خلف مآقي الجمر
يا عطش الشعر لقافيةٍ
يتراقص فيها الوزن نساء
يا بؤس الوردة
وهي تجرُّ العطر الى الشفتين
وتنبض في الخدين دماء
يا خوف القمر التائه بين غيوم القهر
وهالات الارق السوداء
وضجر الوردة وهي توشوش جارتها:
هل جاء.
2
الكمنجات اختزال الهمس للمعنى
واحلام الظباء
والطريق مسيجٌ بالخوف
تندلع القصائد دهشةً
فتفوح موسيقى
وتقطر كستناء
في الوقت متسعٌ
لنذهب واعيين الى الجنون
ولكي نعيد بذاءة المعنى
ونعرف ما نشاء
هل كان هذا كله حبا لنصعد
نجمتين بلا سماء
لنهادن النايات
نذهب في ارتباك العزف وهماً
كلما ذهبت خيول اللحن جاء
قلق على الشفتين
تنتظم التجاعيد العتيقة
كالازقة في سفوح الحلم
ما كنا لنفهم دون حبٍ عاصفٍ
يعطي الحياة بريقها
وطريقها
والعشق داء
3
جدل المعاني
كانت اللغة الاثيرة طفلة
والوزن ايقاع الغرام
تحبو
فيرضعها الندى
ويهيل من حبقٍ على فمها الغمام
ولحسن طللتها
يسير على رؤوس اصابعه الكلام
فتطاير المعنى شظايا
لم يكن ظل القصائد غير اشواك
لفوضى لا تلوم
ولا تلام
عبثٌ ثقيل الظل
يفتح صدره شغفاً لشوشرة الرخام
اقول ما يكفي لاخفي
ما تقول حمامةً للبندقيةِ:
انثري ريشي على الطرقات
كي يجد المسافر مبتغاه
ويقول مقتولٌ لقاتلهِ:
تقمصني قليلاً
كي ترى موتي أنيقاً
حين تذهب للصلاة
وترد زنبقةٌ لقاطفها السلام
قراءتي لرائعة الشاعر صلاح الفقيه
” متفرقاتٌ”
“جمعت ما بين تيه غيمة
وردّ زنبقة لقاطفها السلام”
حينما يتوفر شاعر قابض على أدوات فن الشعر، قادرٌ على ضبط انزياحات الوجدان
دون وأدها، سخيٌّ في التماس حقوق امتداد العالم الخارجي إلى عوالمه الداخلية،
رهيف في التقاط البارقة الجمالية الخاطفة
بين مفردة تسبح في فضاء المبنى والمعنى،
وأخرى تجثم متل حجر ثقيل على صدر القصيدة، تكون هناك ثمة غواية مُبررة لقراءة قصيدة هي أشبه بمعزوفة تستعين
بما في الموسيقى من أدوات تعبيرية لتمكين نص تُشيّده الكلمات من محاكاة نوع آخر من أنواع التعبير الإبداعي هندسة
ودلالات. هي بلا أدنى شك قصيدة تحفظ كرامة الشعر. تُجدد حياة اللغة وتحميها من الشيخوخة والترهل.
وفي قصيدتك هذه، تخلق واقعا لغويا يحتاجه القارئ لتحمل صدمة واقعه ومازقه الإنساني.
فهو على سياج الواقع الموجود في التجربة
والممكن، بين الأرض والسماء. وهنا يسكن
إبداعك بين المنفى والوطن، بين اللاسلم والحرب، بين اللا موت واللا حياة…
وانت لا تريد لنفسك ولغيرك إلّا أن تكون إنسانا عاديا، لا بطلا ولا ضحية ،
إنسان يمجد حبه للحياة وليس للموت.
إنسان يعيش حرا في وطنه!
ترى متى يصبح العربي – بشكل عام – والفلسطيني – بشكل خاص- حرًّا في وطنه؟
تأبى متفرقاتك إلّا تجمعا تغلي في جوف قدرٍ تتراقص تحته ألسنة النار..
” من تيه غيمة وهي تراوغ شبق الماء”
وحتى ” يقول مقتول لقاتله:
تقمصني قليلا
كي ترى موتي أنيقًا
وترد زنبقة لقاطفها السلام”
فكيف لا ترد زنبقة لقاطفها السلام، وقد ارتوت من غيمة تائه تراوغ شبق الماء !؟
أراك أشعلت النيران في المطر
وأَسْمعتنا صوت نداء الدمعة ووجع احتراق البكاء . من ياء الوجع وجملة النداء
من طاقة الأفعال المضارعة، التي تقول أن الوجع طاغ ومستمر ولا نرى له نهاية،
من حرارة قاموسك اللغوي، وميلك الى الصورة الحسية، بدل الذهنية.
“يا بؤس الوردة
وهي تجرُّ العطر الى الشفتين
وتنبض في الخدين دماء
يا خوف القمر التائه بين غيوم القهر
وهالات الارق السوداء
وضجر الوردة وهي توشوش جارتها:
هل جاء.”
جاءت القصيدة طافحة بالحب والعاطفة
وهو ما يتمناه الشاعر والانسان أن يعيش الحب وقصصه، شوقه وعتابه ، حزنه وغوايته،”
ما كنا لنفهم دون حبٍ عاصفٍ
يعطي الحياة بريقها
وطريقها
والعشق داء”
فهي قصتنا كبشر، لنا غرائزنا،
وعندنا أسئلتنا الوجودية، وخوفنا من المجهول.
لكن في حالتنا، حال انعدام اليقين واتساع
مساحة الشك، قد نرفض الحياة حين تصبح الحياة أصعب من التصور…
“اقول ما يكفي لاخفي
ما تقول حمامةً للبندقيةِ:
انثري ريشي على الطرقات
كي يجد المسافر مبتغاه
ويقول مقتولٌ لقاتلهِ:
تقمصني قليلاً
كي ترى موتي أنيقاً
حين تذهب للصلاة
وترد زنبقةٌ لقاطفها السلام”
احترمنا صلاة الدمعة
رقصنا مع دخان احتراقها ، رقصنا من الضوء إلى العتمة، حيث الأفق قاتمًا وحيث تفتحت قصيدتك على فضاء الغرابة والدهشة والمرارة والإحساس الغائر
بالفاجعة…
“لم يكن ظل القصائد غير اشواك
لفوضى لا تلوم
ولا تلام
عبثٌ ثقيل الظل
يفتح صدره شغفاً لشوشرة الرخام ”
قصيدة أطلت مُتخفّفة إلّا من أثقال القلب.
لكنها تشحذ الروح حين تقف على اندحار الروح، متفائلة حتى حين تتشائم.
تبقي حزننا أخضر…
“جدل المعاني
كانت اللغة الاثيرة طفلة
والوزن ايقاع الغرام
تحبو
فيرضعها الندى
ويهيل من حبقٍ على فمها الغمام
ولحسن طلتها”
الليل طال يا صديقي
فاوقد مصباحك الشعري
يُنير الدرب أمام قلق السؤال…
خالدية أبو جبل
الجليل الفلسطيني
شباط 2025