*شعبان بوّابة رمضان، فهل نحسن الاستعداد؟*

الشّيخ صفوت فريج* *رئيس الحركة الإسلاميّة

تاريخ النشر: 14/02/25 | 7:15

نترقّب شهر الصيام رمضان ونحن ما نزال في منتصف شعبان، حيث بدأت القلوب تتهيّأ لاستقبال الشّهر الفضيل، وتعلو الأرواح شوقًا لنسماته. رمضان شهر الرحمة والمغفرة، والموعد السنويّ لتجديد العهد مع الطاعة والعبادة. وكما يُمهّد الفلّاح أرضه قبل الزرع، وكما نستعدّ للمناسبات الكبرى في حياتنا، فإنّ استقبال رمضان يتطلّب منّا تصفية النفوس وزيادة الطاعات، حتّى ندرك فضائله ونحن في أتمّ الاستعداد القلبيّ والروحيّ والعائليّ.

ونحن نستعدّ في شهر عظيم، شهر شعبان، شهر تُرفع فيه أعمالنا إلى الله تعالى. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهرٍ من الشهور ما تصوم في شعبان! قال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأُحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم”.

وفي صيام بعض أيّام شعبان حكمة، تمامًا كما يكون التدريب قبل المباريات الحاسمة، والمراجعة قبل الامتحانات المصيريّة، فإنّ شعبان يأتي فرصة للتدرّب على الصيام والروحانيّات، حتّى لا يفاجئنا رمضان بمشقّته، فنعتاد الصيام تدريجيًّا قبل أن نتذوّق لذّته الحقيقيّة في أيّام رمضان المباركة. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم شعبان كلّه إلّا قليلًا. قال أبو بكر البلخي: “رجب شهر الغرس، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد، فمن لم يغرس في رجب، ولم يسقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟”.

وإنّنا إذ نعيش اليوم ليلة النصف من شعبان، فإنّنا على أعتاب محطّة عظيمة فيها يُستجاب الدعاء بإذن ربّنا، قال عليه الصلاة والسلام: “إنّ الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلّا لمشركٍ أو مشاحن”.
وليكن منتصف شعبان محطّة لمراجعة النفس، وصفاء القلب، وتجديد العهد مع الله، حتّى إذا أقبل رمضان كنّا له من المنتظرين، وللطاعات مستعدّين، ولم نكن من الغافلين. كان السلف الصالح يدعون الله ستّة أشهر قبل رمضان بأن يُبلِّغهم رمضان، ثمّ يدعونه ستّة أشهر بعده بأن يتقبّل منهم.

استقبال رمضان والاستعداد له ليس لحظة عابرة، بل رحلة إيمانيّة، طوبى لمن أحسن الاستعداد لها بصدق وقلب عن الدنيا زاهد. حينها وحينها فقط، نذوق لذّة الصيام والقيام في رمضان. وقد اشتهر عن السلف قولهم: “لا رمضان لمن لا شعبان له”.

ولنا نحن المسلمين في شعبان خاصّيّة وحدث عظيم في تاريخ أمّتنا، إذ شهد هذا الشهر تحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك، بعد أن كان الأقصى والقدس محطّة لتثبيت إيمان المؤمنين، وتنقية نفوسهم من شوائب الجاهليّة، إذ اعتاد العرب قبل الإسلام تعظيم البيت الحرام فقط، وأراد الله ليمتحنهم‏، “وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ”، ثمّ وبعد نحو 17 شهرًا صلّى فيهم المسلمون نحو القدس والأقصى، يعيد الله القبلة نحو الكعبة المشرّفة، “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ”.

اللهمّ بارك لنا في شعبان، اللهمّ بارك لنا في أقصانا، اللهمّ بلِّغنا رمضان ونحن في صحّة وأمن وعافية، تقبَّل منّا صالح الأعمال يا الله. اللهمّ يا كاشف الكروب، ويا مُزيل الهموم، ويا مُجيب دعوة المضطرّين، نسألك بقدرتك الّتي وسعت كلّ شيء، وبرحمتك الّتي وسعت السماوات والأرض، أن تفرّج عن مجتمعنا وشعبنا وأمّتنا ما فيهم من همٍّ وغمّ. اللهمّ اغفر وارحم، وتجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم يا الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة