أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً
تاريخ النشر: 01/12/11 | 3:00إن المقياس الحقيقي للنجاحات يكمن في ما بعد النتائج .فالحج المبرور يظل في موضع الاختبار في الفترة التي تلي الحج والتغيير الحاصل والنتائج التي أفرزتها بعد العودة من أداء الركن العظيم والقيام بالمناسك على أكمل وجه .وعصر الزيتون في المعصرة يقاس بالمردود من الزيت كماً وجودة وليس بكمية الجفت الذي خلفته هذه العملية . ونجاح حفلات الزفاف يكون بالسعادة والوفاق في الحياة الزوجية بعد انتهاء الأعراس وليس بكمية الحضور والرقم القياسي والنقوط .والأكل والشرب والنوم تأتي فوائدها بعد الشبع والارتواء والاستيقاظ والشعور باللذة والمضي بعدها قدماً في سبل الحياة .ونجاعة الدواء ليس في تناوله إنما في تقبله ومفعوله وفائدته ونتائجه وأعراضه .وعملية البناء تظهر نتائجها بقوة الاحتمال والصمود على مدى السنوات وليس فقط على الجمال والشكل والمساحة والمحتويات والكماليات .وتعلم قيادة السيارة والحصول على الرخصة هو ليس الهدف إنما هو الوسيلة التي تؤهلنا للقيادة بسلام وأمان على الطريق وليس المهم في النهاية عدد الاختبارات النظرية أو العملية التي أجريتها لتنال هذه الرخصة . وعمليه تعبيد الشوارع هي ليست هدفاً في مجرد انجازها وإنما في ثباتها وصمودها وصيانتها والمحافظة عليها واستعمالاتها الصحيحة بعد الانتهاء من تعبيدها .
كل هذا يقودنا إلى التفكير بالواقع الذي نحياه والنتائج الجميلة التي نسمع ونقرأ عنها ونشاهدها في وسائل الإعلام والفعاليات والنشاطات والتقارير التي تزين بالصوت والصورة والكلمة والجداول واللوائح والمعدلات والنسب المئوية,للنجاحات التي تحققت في مؤسساتنا التعليمية والتربوية .
لكن المردود الحق لهذه النتائج هو الواقع الذي نحياه والمجتمع الذي يحتوينا وسبل التعامل في ما بيننا وأفراد هذا المجتمع الذين تفرزهم هذه المؤسسات سنوياً أو تلفظهم إليه .
ففي كل عام يلتحق العشرات والمئات بل الألوف من الخريجين بالتعليم العالي لإكمال دراستهم وتحقيق توجهاتهم وأحلامهم وطموحاتهم ويعودوا بعد عدة سنوات إلى بلادهم ومجتمعاتهم يساهمون في البناء كل بحسب تخصصه ودراسته ووظيفته ومهنته ويتناولون أدوارهم بجد وعزيمة ويكوّنوا بيوتاً وخلايا اجتماعية جديدة بزواجهم هي بمثابة جزء من المجتمع الذي نحيا به ونعيش فيه ويسهمون في تطوره وتقدمه .
وبالمقابل يلتحق بسوق العمل والباحثين عن عمل والعاطلين عن العمل والبطالة والفراغ عدد لا بأس به من الأبناء الذين هم أيضاً جزء من هذا المجتمع والذين يبحثون أيضاً عن ذواتهم وأنفسهم ولهم أحلامهم وطموحاتهم ولكنهم لم يوفقوا في دراستهم أو لم يلتحقوا بركب التعليم لأسباب متنوعة متعددة !
يقف المجتمع عاجزاً عن تقديم البدائل لهم والتي تمكنهم من متابعة حياتهم كغيرهم من بني البشر بعزة وكرامة وأمن وسلام , فسرعان ما يكون الانحراف , فالفراغ مفسدة والبطالة عاطلة قاتلة والدروب مغلقة فينشأ البعض منهم ناقماً يائساً لا يجد غير العنف والانحراف سبيلاً له , يعجز عن تحقيق ذاته فيلجأ إلى طرق الشر والجنوح والضلال والسوء والطيش والرعونة والتحدي والعربدة والسلوك السلبي فماذا يملك غير ذلك ؟!
ولا ننسى أنه يرد في الحسبان أن يلتقطه من سبقه إلى ذلك فيرعاه في دفيئته ويهيئه ليكون شريكه أو رفيق دربه أو تابعاً له أو تلتقطه بعض الجهات لتستغله في ضائقته وتجنده لمصلحتها ولخدمه أهدافها ويكون لها عوناً وعيناً على أهله ومجتمعه .
كلنا نتحمل المسؤولية عن ذلك وكلنا نتحمل النتائج وكلنا نعاني من ذلك .
كلنا وكل منا بحسب موقعه , البيت والمؤسسة التعليمية بجميع أفرادها والسلطة المحلية والحكومة بوزاراتها المتنوعة ورجال الدين والثقافة والأكاديميين وأصحاب المهن والوظائف والمناصب والجمعيات والمراكز والمعاهد والمساجد والمقاولين ورجال الأعمال وغيرهم .
كلنا نعاني ولا نبالي ولا نهتم ولا نبحث عن حلول , فقط نجيد التذمر والنقد واللوم والوعظ
ونبرع في متابعة ما يحصل ونحسن توجيه أصابع الاتهام إلى غيرنا ونتفرج على ما يحدث من قريب أو بعيد ولا نبذل أدنى جهد في معالجة هذا الوضع ولا نعي حجم الكارثة التي تحيق بنا والتي باتت تهدد أمننا وسلامتنا وحياتنا ومستقبل أولادنا .
إنها السفينة التي تحتوينا جميعاً ولا يمكن أن نتساهل أو نتجاهل أي خرق فيها فالعاقبة في ذلك وخيمة علينا جميعاً . وما نفع تجديفنا معاً وأحدنا أو بعضنا يحدث ثقباً في قاع السفينة .
إنها المركبة أو الطائرة التي تقلنا وتقلع بنا إلى بر الأمان ولا يمكن أن نتهاون أو نتغاضى عن أي عطل أو خلل فيها وندفن رؤوسنا في الرمل ونتخلى عن مسؤولياتنا ونتعامل مع ذلك باللامبالاة والتقصير فالمصير القادم بعدها سيكون أشدّ وأمرّ .
لا يعقل أن يفقد القطار بعضاً من عرباته أو أن تحيد عن سكة الحديد ولا يتهدد باقي عرباته الضرر الفادح ويستمر في المسير ولا يعقل أن تسير عربات القطار بدون قاطرة المحرك ولا يعقل أن يسير القطار بعرباته بدون مسار وبدون سكة حديد.
بوجود الفساد فإننا جميعاً نعيش في أزمة وكلنا ندفع الثمن ولا أحد منا في مأمن مما سيحمله المستقبل من أحداث ونكسات ونكبات .
أزمة الثقة لم تتكون بين ليلة وضحاها بل كانت حصيلة تراكمات لسنين طويلة تلك التي ذهبت أدراج الرياح والتي كان عنوانها وشعارها وظاهرها الإصلاح والكفاح والنضال والأخوة والوحدة والعمل ومكافحة الفساد وباطنها المصالح الشخصية الضيقة والتي تم على أثرها تنفيذ الوعود والتعيينات والتوظيفات والواسطات وصرف الميزانيات والمقاولات وما تحت الطاولات والتي أدت إلى التقصير والإهمال والتهاون والتراجع في البنية التحتية ومستوى المعيشة وسلم الأولويات وسقف المتطلبات وفي انخفاض جودة التعليم وإهمال التربية والثقافة والشباب والرياضة ، وأفرزت على مدار السنوات العديدة أجيالاً ركيكة , تفتقر للانتماء والإخلاص والعطاء وتفتقد الاحترام والعطف والوفاء تنطلق من ضيق الأنانية والأثرة وحب الذات وتطمس كل إيثار وبذل وأمل ورجاء , وكانت هي التي وسعت دائرته وأدت إلى الانحدار الحاد فينا وفي أخلاقياتنا وتعاملاتنا وعلاقاتنا وثقتنا ببعضنا البعض وصرنا كلنا سواء , هذا كله بالإضافة إلى ابتعادنا عن ديننا وفهمنا الخاطئ له من خلال التحرر الذي أسميناه تطوراً أو التعصب الزائد الذي أسميناه التزاماً والتفريط والتخلي والتهاون الذي أسميناه تسامحاً والوقاحة التي أسميناها حرية .
وبرأيي أن الحل يبدأ بإعادة بناء الثقة من خلال قرارات قد تكون صعبة لكنها ضرورية
علينا أن نعيد البرمجة من جديد والسعي للتكاتف والتكافل وعدم التنازل عن أي فرد ومعالجة الأطر ونظم العمل وطرق التربية والتعليم وتوفير المجالات والبيئات الصالحة وتهيئة الأطر الملائمة لشريحة الشباب وإعادته إلى المسار الصحيح وتسليحه بالعلم والعمل والأمل والمهن وإعادة بناء ثقته بنا وثقتنا به من جديد .
وليس الحل من خلال المواجهة أو افتعال الأحداث أو ترك الحبل على الغارب وما يصاحبه من لوعة وحسرة وعجز وأنين وتعقيد وتفاقم وتصعيد أو حصر جل اهتماماتنا بالتشدق والنشر والدعاية والإعلام والتسويق لنجاحات وهمية ونشاطات تجميلية ومشاريع وبرامج وفعاليات مثيرة والتلويح بنتائج غير واقعية وإشهار لا يسهم في شيء , بينما الواقع يشهد ويظهر عكس كل هذه النتائج البراقة وعينك بالناظر .
وإن كانت مؤسساتنا بكل هذا النجاح وبيوتنا بكل هذا الدفء ومجتمعنا بكل هذا الخير فلماذا تكثر الجعجعة ولا أثر للطحين ؟!
حياك الباري استاذي الكريم وجمل ايامك بالعطاء..
مقالة جوهرية الافكار والمعاني..
الحياة مسرحية والناس ممثلون…علينا ان نتقن الادوار.نتالق بالاداء نحو حياة فاضلة
نعمل بجد واجتهاد للتحسن الدائم…كل عنصر بموقعه…
جدير بنا السير بدروب التميز الثقافي لرقي المجتمع وعناصره..
جدير بنا ان نسلك السلوكيات الايجابية..التي تحثنا على العطاء المتواصل..
الحياة الكريمة الفاضلة تقاس بعرضها..لابطولها.
استاذي المحترم..اتمنى لك حياة عريضة العطاء..شكرا جزيلا على عطائك
المتواصل ..جزاك الله كل خير.
أُهنئكَ يا أخ يوسف على مقالاتك المفيدة والراقيةحبكةً وأسلوباً،وقد آن الأوان للتفاعل مع هذه المقالات وسماع آراء الجمهور وردود أفعالهم لما يعود علينا جميعاً بالفائدة، خاصة وان هذه المقالات يختارها الكاتب من بين المواضيع اليومية التي تشغلنا وتهم قطاع كبير من القراء. ما اقترحه عليك،وهذا مجرد اقتراح يمكنك الأخذ به أو تركه، وهو أن تكثّف الكتابة فيكون المقال أقصر من ذلك..وأنت تعرف ما دعوى مثل هذا الاقتراح.. المشكلة عند القراء!
مرة أخرى أشدّ على يدك والمقالة أروتني حتى الثمالة
ولكن قل لي ألم تكن معنا في رحاب النقب في تلك السنوات ؟!
تحياتي العطره للاخ العزيز يوسف جمل واهنئك من القلب على هذه المقاله الرائعه بارك الله بك يا رجل .. عزيزي استاذ يوسف حقيقة انا مع الاستاذ سامي ادريس بارك الله به بالنسبه لكبر المقال رغم المضمون الرائع فطول المقال يجعل القارئ يمل اكماله لكن لست انا الذي يمل من قراءة مقالاتك المشوقه حقا وانا لا اجامل بل اقول الحقيقه احييك استاذي العزيز وبارك الله بك ادعو الله ان يطيل عمرك لتتحفنا بروائع مقالاتك ولك مني كل الشكر والتقدير
تحية وشكر وتقدير
للأخ أبو نبراس على المتابعة والدعم المتواصل والملاحظات القيمة .
للأخ والزميل الاستاذ سامي إدريس الكاتب والشاعر المعروف على متابعتك الداعمة وملاحظتك القيمة بخصوص تكثيف الكتابة وسأتبنى ذلك بمشيئة الله بقدر المستطاع لأن الأفكار تتزاحم وجوانب الأمور تتعدد وتتشكل والحرص على التطرق لجميع جوانب الموضوع تدفع بالكلمات , بوركت أخي ونعم الذكريات , ذكريات البدايات والشباب في رحاب النقب وتل السبع والاستاذ بشير ومالك وغسان وغيرهم ……
أشكرك أخي قاسم على متابعتك وملاحظاتك وأتمنى لك المزيد من الخير والعطاء والتوفيق وأنتظر بشوق روائع شعرك الذي يملأ القلب بالدفء في زمن البرد الشديد !
أشكركم وأشكر كل القراء الأعزاء .
وأشكر موقع بقجة الذي يتميز ويتألق باحتضانه للأقلام الحرة والواعدة والمتنوعة ودعمها وتشجيعها بتشكيلتها الرائعة ومن جميع البلدات والمدن العربية ودأبه على إعلاء شأن الكلمة واللغة والابداع والانتاج المحلي .
أتمنى للجميع كل الخير وعلى الخير دائماً وبمشيئة الله نلتقي !