هل حقًا أصبحنا غير قادرين على مشاهدة أنفسنا؟
خالدية أبو جبل
تاريخ النشر: 07/03/25 | 14:12
” قصص”مش” شخصيّة”
قصص، مقالات وأكثر
للكاتب يوسف حجازي العفيفي
تقع في 166صفحة من الحجم الصغير
إصدار دار الحديث للطباعة والنشر بإدارة فهيم أبو ركن
قد يصّح لو أطلقنا على هذه المجموعة الأدبيّة التي جمعت مابين القصّة والمقالة وأكثر اسم أدب الواقع، وتحديدًا أدب اليوميات. فما يعتمّل داخل هذه المجموعة زخمٌ وافرٌ للشجن، وهي مزيجٌ من رؤى وأفكار ومشاعر ذاتية وعامة ترتبط بالمحيط الإنساني.
ولعل أهم ما يجعل لها هذا الكمّ العالي من التأثير على المتلقي، كونها تَغوص في عمق جرح الإنسانية. فلا أظن أن قارئا يمّر عليها ولا يجدُ نفسه بين أو خلف سطورها. فما دامت الإنسانية لا تتجزأ فالجرح واحد لا يتجزأ أيضا.
كثيرًا ما عاد حجازي في قصصه إلى منابع طفولته ومراحل حياته المتعاقبة يستمّد منها مادّة وفيرة لمجموعته الأدبيّة التي امتزج فيها الخاص بالعام والذّاتي بالموضوعي في ثوب إبداعاتٍ جميلة.اتّخذ فيها من الأمثال والحكم عتبّة لقصصه والتي تعتبر من حكمة الأجيال.
وكاتبٌ مثل حجازي منتمي لشعبه ووطنه لا بُدّ أن يُعزّز أهمية الإنتماء للوطن في أوراقه، ويُصور العلاقة بين الإنسان والطبيعة وتحديات الحياة في مجتمعنا، قيمة العمل والجهد في بناء المجتمع.
ولأنّه يعي أن العادات والتقاليد الأصيلة هي أساس لكل مجتمع سليم، فقد تناول في مجموعته قيّما كثيرة مثل الكرم والشجاعة، العمل الجماعي والولاء للأسرة والمجتمع، تناول أيضًا الأعراف الاجتماعيّة التي تُنظم حياة الناس، مثل دور الرجال والنساء في المجتمع وطبيعة العلاقات الإنسانية، الإخلاص، التضحيّة، الحريّة، الاحترام المتبادل. وكلّ هذه القيّم ترتبط بشكل وثيق بحبّ الأرض والجذور.
من أجل هذا وأكثر قلتُ أن قصص ومقالات حجازي هي أدب يوميات مجتمع، ولهذا اراها قصص مش شخصية لشخص بعينه، بل هي قصص تخُصّ مجتمع.وعلى سبيل المثال لا الحصر سآتي على قصة” الصدمات العشر”ص89 والتي لم تزد صفحاتها على الصفحة والنصف، وقد جعل لها عتبة بين مقتبستين قال فيها” لا تحزن عند الصدمات، فلولاها لبقينا مخدوعين لمدة طويلة، هي قاسية لكنها صادقة” ويا ليتها لم تكن صادقة، وليتها وقفت عند العدد عشرة ولم تزد يا حجازي فحينها يمكننا القول أننا لا زلنا بخير! أمّا ونحن لم ننصدم أمام الصدمات العشر لأننا اعتّدناها، وأقولها بألم ووجع، فكلّ صدمة أوردتها فتحت على عشر صدمات أُخرى.
بهذا الذكاء السريع كشفت عن المستور وعرّضت الجرح للهواء، فنزفه ما زال مستمر. عشر صدمات احتلت في الكتاب مساحة قليلة، هي مأساة مجتمعنا بكلّ مساحاته وأطيافه وطبقاته. اقتفيت أثر خطوات كلّ فردٍ منّا، خطوات مجتمع موبوء بفعل تعطيل العقل، والإنكِباب على الماضي لمواجهة الحاضر.
صدمات عشر صوّرت عمق الفوضى التي تعيشها بيوتنا وتُصدرها للسيارة والشارع والحارة والمدرسة و…..الخ فلا تُصدّق أن الذئب يعيش في الغابة، كلّ يُربي ذئبه داخل بيته وداخل نفسه يتربص به بنهم ووحشيّة.
نكأت الجراح التي لاوقت لها لتندمل أصلًا، فمساؤنا كما صباحنا مملوءًا بالصدمات. بتنا كالدمى العارية في الواجهات الزّجاجية لمحلات الملابس التّجارية، لا يؤثر فينا بردٌ ولا حر…
قصص ومقالات: بتأملات فلسفيّة وقصص واقعية ذات مشاهد صادمة خفّف من وقع ثقّلها تلك السخرية السوداء التي وظفها الكاتب بشكل لاقت واتقنها وأضاء من خلالها على جوانب معتمة في الحياة، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن الكاتب عرف السبيل الأهم للتواصل مع المتلقي، فقد ملَك الثقافة الواسعة وتوفرت لديه الأدوات والتقنيات التي وظّفها في النص، كالإشارة والتلميح والرمز التي تحمي النص من الملل والسرد المباشر. قصص وتأملات: جاءت بنفس المستوى اللغوي السهل الجميل، واشتركت في عديد من الخصائص اللغوية والاسلوبيّة.
هي مزيج من رؤى وأفكار ومشاعر، هي خلاصةُ تجربتك أيها الكاتب الطمراوي التي ما تزال مُبكرة قياسًا بما هو آت، فإن واكبت على رصد الواقع وتحديد حجم الفجيعة ونهر الدم الدائم الجريان، ستَخلُصُ حتمًا إلى حتميّة التمرد على هذا الواقع فالثورة.
وستكون لك حكايات أخرى …