سلسلة من أيامي 20.. صفعة أبي وأساتذتي

معمر حبار

تاريخ النشر: 07/03/25 | 19:33

سألني أبنائي في الأسبوع الأوّل من شهر رمضان: هل ضربك أساتذتك؟ أجبت، وأجيب، وأكرّر. باعتباري عوّدت أبنائي الصّدق في القول، والفعل. ومنها:

صفعة أبي رحمة الله عليه:

ضربني أبي رحمة الله عليه مرّة واحدة في حياتي. وكانت الأولى والأخيرة.

ما رأيت يوما أبي ضرب أخا، أو أختا. لكنّه يغضب، ويرفع صوته ثمّ سرعان ما يعود لهدوئه المعهود.

صفعني أبي بقوّة وأنا طفل وما زلت لا أعرف السّبب. وصارعت دموعي بأن تسق.

أبي رحمة الله عليه يحبّني حبّا شديدا، ويجذبني إليه وكتبت عنه كلّما أتيحت الفرصة.

أتذكّر جيّدا حين صفعني أبي رحمة الله عليه تطاير شعري في الهواء. باعتبار شعري كان طويلا، وجميلا. ونصيت صفعة أبي ورحت أتابع تتطاير شعري على الجبهة وهو يتراقص، ويعانق الهواء. وكان منظر في غاية الجمال أنساني الصفعة.

أنبوب أستاذي بْرَايَكْ:

في السّنة الرّابعة ابتدائي سنتي: 1975-1976. حدثت فوضى في القسم بسبب تلميذة. وفهم الأستاذ أنّه اعتداء عليها. فدخل الأستاذ بْرَايَكْ وهو يحمل الأنبوب، وراح وهو الغليظ الطويل الشديد يضرب كلّ من يقابله من “المتهمين” في نظره. ونلت النّصيب الأكبر من الضرب.

وما يحزّ في نفسي وما زال هو كمّية الضرب الذي تعرّضت له بكلّ قسوة، ووحشية، وغلّ، وبغض، وحقد. وبكيت يومها بكاء مرّا. وما زلت أتذكر بحزن شديد صراخي وأنا أسعى لأردّ وقع الأنبوب بقسوة بالغة على جسدي الطري. والأستاذ لا يبالي بصراخي، ودموعي، وعذابي.

وأجزم أنّه طيلة حياتي لم أتعرّض لهذا العذاب، والحقد، والبغض لمثل هذا الضرب الوحشي، وغير المبرّر.

صفعة أستاذي الهاشمي:

في السّنة الخامسة ابتدائي سنتي: 1977-1978. أي قبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980. ونحن نقرأ قصيدة:

نثر الخريف على الثرى أوراقه.. فتناثرت كتناثر العبارات

إذا بأستاذي الهاشمي يصفعني بصفعة مدوّية لا أعرف -الآن- أسبابها. ثمّ طلب منّي الوقوف وراح يشرح للتّلاميذ معنى “نثر” ويشبّه سقوط الأوراق في الخريف بدموعي التي كانت تنهمر بقوّة. وأترك لك أن تتخيّل الجوّ السّائد حينها في القسم.

القصيدة مرفقة وبالطبعة القديمة أيّام الصبا.

الأستاذ الهاشمي كان يحبّني كثيرا، ويفضّلني على التّلاميذ، ومعجب بصوتي وقراءتي. ويفضّلني دوما في القراءة، وينصت لصوتي بخشوع واهتمام. باعتبار كان صوتي جميل جدّا.

قلتها، وما زلت كنت معجب بصوت أستاذي، وطريقته التي تجذب القلوب والأذان في قراءة النّصّ، وخاصة حين يلقي القصائد على مسامعنا الطرية.

صفعة أستاذي معروفي:

في السّنة الأولى متوسط سنتي 1979-1978. ونحن في القسم ندرس اللّغة الفرنسية. وبينما الأستاذ يلقي درسه كالمعتاد إذ به ينادى على اسمي. وحين لبيت دعوته، وتقدّمت إليه إذ به يصفعني على حين غرّة. ولم يكن الوضع ينبئ بذلك. فحبست دموعي، وكمدت أحزاني. وما زلت لا أعرف السّبب.

كانت علاقتي بالأستاذ معروفي تفوق علاقة التّلميذ بأستاذه، والأستاذ بتلميذه. وكأنّنا صديقين نعرف بعضنا منذ سنوات.

أزعم أنّ الأستاذ صفعني ليقول لي بلسان الحال: الزم مكانك. وأظلّ الأستاذ، وتظلّ التّلميذ. وفهمت يومها الرّسالة التي لم يعلن عنها الأستاذ واستوعبها التّلميذ جيّدا.

الجمعة 7 رمضان 1446هـ، الموافق لـ 7 مارس 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة